|
|
|
السيسي في الإمارات: الانتظار
والإهانة! |
|
سلمان في الإمارات: رعونة
وفوقية، ورفض لقاء السيسي! |
الدولة السلمانية الآفلة
عبدالحميد قدس
كأنّ زيارة الملك سلمان الى مصر التي مضى عليها عام
واحد فقط لم تكن ولم تتم.
في ديسمبر 2015 كانت الزيارة، وكانت الآمال، وكان الكثير
من الوهم.
سنة واحدة مضت فانقلبت الأمور الى نقائضها. وكل ما
تمّ الإتفاق بشأنه بين البلدين ضاع في زحمة الصراع والخلاف.
أيُعقل انه وبعد عام واحد، أن لا تعود جزيرتا تيران
وصنافير الى السعودية؟ وأن تشطب المحكمة الدستورية المصرية
بـ (لا) كبيرة على قرار الحكومة وتمنع أية امكانية لتسليم
الرياض ما اعتبرته من أملاكها التاريخية؟!!
جسر السعودية الى مصر عبر الجزيرتين ومن ثمّ سيناء،
كان في الأساس مجرد وهم، ومع ذلك اعتمده محمد بن سلمان
أحد أعمدته الكاذبة في رؤيته العمياء 2030، وقال لنا أن
البلاد ستكسب عشرات المليارات سنوياً من الجسر، الذي لا
تمتلك الرياض في الوقت الراهن، حتى إمكانيات تشييده.
الحفاوة التي استقبل بها الملك السعودي في الإعلام
المصري الرسمي والأهلي، انقلبت الى انتقادات وسخرية.
الأموال التي وعدت الرياض مصر بها، وهي مليارات الدولارات،
لم تتسلّم مصر منها الا النزر القليل. والنفط المجاني
لخمس سنوات، توقف بعد بضعة أشهر، فأوقع مصر في مأزق نفطي،
ومالي، قبلت مصر بسبب ذلك شروط صندوق النقد الدولي في
الإقراض: أن ترفع الدعم عن البنزين؛ وأن تعوّم الجنيه
المصري، فأصبح الدولار الواحد يعادل نحو 18 جنيهاً.
استياء وتكاذب متبادل
المصريون مستاؤون من السعودية.
مستاؤون من الطريقة الإستعلائية الفوقية التي يتعامل
بها الملك سلمان مع السيسي، وكأنه قد تمّ شراؤه وشراء
دولته ببضع ريالات.
مصر شديدة الإستياء من أن الرياض تراها رخيصة قد اشتُريت
لتنفيذ ما يريده أمراء آل سعود وملوكهم.
ومصر مستاءة من ان لا مبررات تدفع الرياض للغضب من
القاهرة، فتوقف الدعم المالي، كما الدعم النفطي.
ومصر مستاءة من الحملات السعودية الاعلامية المنظمة
على مواقع التواصل الاجتماعي وفي الصحافة الرسمية، ضدها
وضد رئيسها وشعبها.
ومصر أيضاً انزعجت من تصريحات رسمية سعودية، كممثل
السعودية في الامم المتحدة عبدالله العلمي، وكأمين عام
رابطة العالم الاسلامي، اياد مدني، الذي سخر من السيسي
و(ثلاجته).
لكن الرياض مستاءة أكثر.
الرياض توقعت انحناءة مصرية أكبر، وتنازلاً عن مواقف
سياسية تتعلق بسوريا وإيران وحلفائهما.
توقعت الرياض دعماً مصرياً لها أكثر من الإعلام في
حربها على اليمن؛ واصطفافاً ازهرياً يمنع الاستفراد بالأيديولوجية
الوهابية من قبل بقية المسلمين، لا العكس.
وتوقعت الرياض ان تضبط مصر لسان اعلامييها المتكرر
في النقد لآل سعود وسياساتهم.
ولو اردنا اختصار المشهد وأسباب المشكلة، لكان التالي:
السعودية ظنّت أنها اشترت مصر، وأن لها اليد العليا
عليها، وأنها تستطيع ان تعاقبها بالمنع، وتكافئ بالمنح،
وأن النظام المصري صار في قبضتها، وعليه ان ينتظر فتاتها
ويأتمر بأوامرها.
مصر من جانبها، ظنّت انها ضحكت على ال سعود، وانها
اخذت أموالهم ونفطهم، بقليل من الاحتفائية بالملك سلمان،
وببضع تصريحات حول أمن الخليج، والشقيقة المملكة السعودية.
وكان المسؤولون المصريون يظنّون بأن لهم هم اليد العليا،
وإن كانوا يتلقون الدعم، وأنهم هم من يستطيع أن يلوي ذراع
الرياض إن توقّفت عن الدفع.
تفجّرت الأزمة حينما عُرض مشروعان حول الملف السوري
في مجلس الأمن، أحدهما روسي والآخر فرنسي، وافقت عليهما
مصر رغم اختلافهما، ورغم انهما يمثلان وجهتي نظري اطراف
الأزمة. بعدها تم الاعلان عن إيقاف المشتقات النفطية السعودية
الى مصر؛ ودخلت دول اخرى على خط الأزمة محاولة الإستفادة
منها كإيران التي أراد المصريون ايضاً التلويح بورقتها
للسعوديين (إعادة العلاقة معها) في حال تطورت الأمور الى
الأسوأ.
خطأ الرياض انها اعتقدت بأن معدتها الضيّقة يمكن أن
تهضم بلداً عميقاً في حضارته، ضخماً في سكانه وتراثه السياسي
والتاريخي. معدة السعوديين أضعف من أن تبتلع مصر. لكن
أوهام الرياض كثيرة، وهذه إحداها.
والرياض لم تنظر الى حقيقة انها بحاجة الى مصر، بشكل
يعادل حاجة مصر المادية اليها، ولربما أكثر. هي نظرت الى
ان مصر بحاجة الى اموالها، ولم تنظر الى أنها هي ـ أي
السعودية ـ بدون مصر، لا يتبقى لها من مكانة او نفوذ،
وستصبح دولة معزولة بشكل شبه تام، وفي خطر داهم.
الرياض نظرت الى الأوراق التي بيدها والتي يمكن لها
أن تعاقب من خلالها مصر: المال، والنفط، والتيارات السلفية
الوهابية القاعدية والداعشية وغيرها. لكنها لم ترَ، ولا
تريد ان ترى، ماذا بيد مصر من أسلحة يمكن توجيهها عليها.
ماذا لو أعادت مصر علاقاتها مع ايران، والأخيرة توّاقة
الى ذلك، وتقدّم المغريات: نفطاً وخبرة واستثماراً ومساحة
هائلة من النفوذ تعيد لمصر بعض دورها المنسيّ في المنطقة؟
ألم يلتفت ال سعود الى أن ايران رفضت حضور اجتماع باريس
الذي يبحث مستقبل سوريا، إن لم تحضر العراق ومصر؟ الا
يعني هذا ان ايران تريد لمصر دوراً أكبر في شؤون المنطقة،
في حين ان الرياض تقوم بعكس ذلك تماماً، فهي تريد مصر
مجرد معين لدور سعودي، وأداة في السياسة الخارجية السعودية؟
المدهش ان الرياض لا تدرك كثيراً حتى الآن معنى خسارة
مصر.
حاولت الإمارات هذا الشهر (ديسمبر) ان تجمع السيسي
وسلمان في أبو ظبي.
تمّ ترتيب زيارة السيسي لأبو ظبي، فيلتحق به سلمان
ويلتقيا برعاية محمد بن زايد.
الى اللحظات الأخيرة كان السيسي ينتظر في العاصمة الاماراتية،
ولمّا تبيّن ان الملك لا يريد ولا يرغب في لقائه، حزم
أمتعته وغادر الامارات قبل ساعتين فقط من وصول الملك سلمان
الى ابو ظبي.
مستقبل معتم وخسائر قادمة
وإذا كان الأمراء ـ وكما كتبنا في هذه المجلة مراراً
ـ أسرى ردود الأفعال، وغياب التخطيط، وافتقاد الدراسات
الاستراتيجية.
فإن هذا يقودنا الى قضية أكبر، تبيّن كم هي الرياض
مخطئة، الى حدّ الغباء والرعونة.
ذلك أن أيّ قراءة مستقبلية لوضع البلاد السياسي وغيره،
توضح بما لا يدع مجالاً للشكّ بأن هناك خسائر قادمة لآل
سعود.
وعليه في حال كهذا، خاصة وان تلك الخسائر وشيكة الوقوع،
لماذا المجازفة بصراعات جديدة خاصة مع دول ينظر اليها
على انها حليفة او صديقة، كمصر؟
هذا أولاً. وثانياً، فإن أي سياسي يدرك أنه بصدد مصاعب
قادمة، لماذا لا يعمل منذ الآن على تخفيف الأحمال، وتغيير
الاستراتيجيات، والتحلل من بعض الصراعات، لصالح مواجهة
مشاكل مستقبلية، ستكون بدون شك، أكثر خطراً على نظام الحكم
السعودي؟
بكلام مباشر، اذا اعتقدت الرياض انها قد أكلت خازوقاً
من السيسي، فإن عليها أن تستعد لخوازيق كثيرة، غير تلك
التي أكلتها!
هناك خسارة سياسية كبيرة قادمة للسعودية من سوريا.
فمشروعها السياسي يترنّح. ليس هذا هو الأمر الأكثر أهمية؛
بل أن الرابط الأقوى الذي جمع اردوغان وآل سعود، هو الشأنين
السوري والعراقي. والآن، يبدو واضحاً ان أردوغان، الذي
تأتي عبر اراضيه الأموال والأسلحة القطرية والسعودية والخليجية
عامة والغربية الى المسلحين، بصدد تغيير في سياسته بشكل
سيزعج الرياض. هناك تغيير في سياسة اردوغان السورية، وهذا
يُترجم اوتوماتيكياً الى علاقة أقوى بين أردوغان وأعداء
السعودية، خاصة ايران وروسيا، ومَن يدري، فلربما أعاد
اردوغان علاقاته مع سوريا.
وفي الشأن العراقي، وفيما تنتظر داعش أسابيعها الأخيرة
في الموصل، وفيما وعدت تركيا سحب قواتها من الأراضي العراقية
بعد تحرير الموصل؛ ما يشير الى عودة بعض الدفء في العلاقات
العراقية التركية، فإن ترجمة هذا يعني ان محور السعودية
ومعسكرها، ليس فقط قد هُزم، بل تفتت تفتيتاً شديدا. وفي
الحقيقة فإنه يمكن قياس خسارة الرياض سياسياً من خلال
معرفة ما إذا كانت القاعدة وداعش في سوريا والعراق قد
نجحتا ام فشلتا. فالمشروع السعودي ليس فقط مرتبطاً بالمشروع
القاعدي الداعشي، بل مشروعها في الأصل داعشي تدميري، يحرق
الأخضر واليابس.
ومن الخوازيق التي تنتظرها السعودية، ما سيأتي من واشنطن،
من ترامب الذي لا يريد استيراد قطرة نفط من السعودية،
ومن قانون جاستا؛ ومن تدفيع آل سعود ثمن حماية عرشهم.
ستكون الرياض كما عواصم عالمية اخرى، عرضة للإبتزاز الأمريكي
الترامبي، ولكن الرياض هشّة وضعيفة اكثر من غيرها، أمام
ترامب وفريقه الجديد.
ومع ان هناك صفعتين قد تلقتهما الرياض خلال الشهر الماضي،
وهما وصول الجنرال عون الى رئاسة لبنان، رغماً عن أنف
السعودية المتراجعة؛ والثاني: قبول الرياض بتخفيض انتاجها
النفطي بمقدار يقترب من نصف مليون برميل يومياً، بعد أن
وجدت نفسها الخاسر الأكبر من جريمة إغراق السوق بالنفط
الرخيص.. مع هذا، فإن خسارة الرياض الكبرى، ستكون في اليمن.
حتى الآن فإن الرياض لم تحقق أهدافها، ويمكن اعتبار ذلك
بحد ذاته هزيمة سياسية وعسكرية وأخلاقية (بسبب جرائم الحرب
التي ترتكبها). لكن الهزيمة الحقيقية التي تخشاها الرياض،
أن تضطر الى وقف الحرب تحت وطأة توغل القوات اليمنية في
الأراضي السعودية، واسقاط مدن كبرى، وليس قرى صغيرة محدودة.
بقي ان نقول أن الرياض ـ ربما لأول مرة في تاريخها
ـ تشعر بالغربة والإغتراب، وبالوحدة والعزلة، وأنها بلا
أصدقاء ولا حلفاء يعتدّ بهم. بعض الحلفاء الحماة لم يعودوا
كذلك (امريكا). بعض آخر انتهازي وهو راحل عما قريب (هولاند
ـ فرنسا)؛ بعض ثالث يريد التصيّد ويزعم أنه الحامي الجديد
(تيريزا ماي ـ بريطانيا).
وفوق هذا، فإن الرياض الطاردة للحلفاء والأصدقاء، لم
تستثمر لا المال ولا الجهد في بناء تحالفات جديدة، تقيها
شر الارتماء الكامل بحضن الغرب. فحتى الآن لا علاقة لها
ذات قيمة مع روسيا؛ وعلاقتها بالصين تجارية محضة؛ في حين
خسرت أكبر الدول العربية (من الجزائر الى العراق الى سوريا
الى مصر)؛ ولم تقف مع الرياض أكبر الدول الاسلامية: لا
اندونيسيا ولا نيجيريا ولا حتى الباكستان، الدولة الأثيرة
بالمساعدة والدعم السعوديين.
الشعور بالقلق الناجم عن هذا كله، هو الذي قاد الملك
سلمان الى جولته الخليجية، بحثاً عن قدر من الإطمئنان
من حلفاء صغار، لا قيمة استراتيجية لهم، وهناك قلق سعودي
من أن ينفضّ سامري هؤلاء أيضاً، كما حدث ذات مرة مع قطر،
وكما يحدث الآن مع سلطنة عمان.
الرياض تجني ثمن اخطائها، وثمن جهلها، وثمن رعونة حكامها
وفوقيتهم.
نحن ـ أيها السادة ـ أمام دولة آفلة.
|