ليس الاعتقال وحده.. بل الحرية بأكملها
بالرغم من الاهتمام الاعلامي والشعبي الذي حظي به اعتقال
المصلحين، وهو نبأ يستحق كل الاهتمام وكل الغضب، فهذه
الثلة التي ناضلت عبر سنوات طويلة من أجل ابلاغ رسالة
الاصلاح تستأهل الترميز والدفاع.. ولكن الأمر لم يتوقف
عند هذا الحد، فإن ما لم يلحظ بوضوح أن منسوب الشفافية
قد تضاءل الى حد كبير في صحافتنا المحلية، وعادت رداءة
الطرح تكسو المقالات اليومية والاسبوعية، وتبدّلت العناوين،
وأصبح التحليق في المجازيات سائداً، وأحداث العالم المجهول
تسيّر الاقلام الناقدة..هل تم ذلك مصادفة مع حدث الاعتقال
أم أن هناك توجيهات وصلت الى رؤوساء تحرير الصحف والكتّاب
بالكف عن المعالجات النقدية، التي تستبطن تقويماً للسياسات
الخاطئة التي تتبعها الدولة..
لم يكن موضوع الاصلاح وحده الذي اختفى في مقالات الصحف
الرئيسية مثل الوطن والرياض، بل اختفى معه الحس النقدي
أيضاً، في موضوعات ذات شأن محدود مثل المستشفى والشارع..
وعلى سبيل المثال، فقد فوجىء كثيرون بتوقف الدكتور محمد
القويز عن مقالاته الناقدة للمستشفى التخصصي بالرياض،
بعد أن وعد بتقديم أدلة على الخلل العميق في ادارة المستشفى
وخدماته الصحية، وتوعد بكشف أسماء المتورطين في ملف التخصصي..
ولكن وفجأة ودون سابق توضيح توقف القويز عن مقالاته، وكتب
مقالاً عزائياً في الثامن عشر من مارس تحت عنوان (انتحار
الأوراق) الذي جاء مشحوناً بالرمزية والاشارات الدالة
على أن ثمة ما حال بينه وبين إكمال ما بدأ به حول مستشفى
التخصصي، وكانت المرارة بادية بوضوح على مقالته، وكأنه
أراد ان يبعث برسالة اعتذار للقارىء لعدم الوفاء بما وعد
به، بفعل يد الرقيب التي امتدت الى أوراقه وأملت عليه
أن يسلك طريقاً آخر غير الذي كان يسير فيه..
بعض الهمهمات المتسرّبة من داخل الصحافة المحلية تفيد
بأن تعليمات صارمة صدرت من وزارة الاعلام بالتوقف عن الكتابة
حول الاصلاح السياسي، والكف عن نقد سياسات الحكومة والمؤسسات
العامة، ونقل البعض عن إجراءات صارمة تتخذها بعض الصحف
إزاء المقالات التي تشذ عن طوق التعليمات بمنع أصحابها
عن الكتابه قطعياً، وقد يقعون تحت طائل التحقيق والاعتقال
في حالات معينة. فهنيئاً للاستبداد عودته السريعة بعد
أن عاد راعيها الأقوى، وزير الداخلية لتسلّم مهامه كملك
غير متوّج.
|