ذكرى البيعة السلمانية: الله يرحم الملك عبدالله!
محمد قستي
اعتادت وسائل الإعلام تقديم جردة لأهم أحداث كل عام
في نهايته؛ واعتادت وسائل اعلام الأنظمة تقديم جردة حساب
بمنجزاتها، اضافة الى اخفاقاتها، إن كان الحديث عن أنظمة
ديمقراطية.
لكن آل سعود اعتادوا اعتماد تأرخة خاصة بهم. فكل ملك
تبدأ معه حياة الشعب من الصفر؛ وتحديداً من يوم تولّيه
العرش، ليصبح يوماً وطنياً، عادة ما يطلق عليه لفظ: (ذكرى
البيعة)، تنطفيء فيه إنجازات السابقين، ولا يتبقى الا
شخص الملك المنقذ العبقري وعظمة ما أنجزه في ذكراه السنوية
المتكررة الى أن يموت.
بين نهاية العام في 31 ديسمبر، وذكرى تولي سلمان الثانية
للعرش في 23 يناير، ثلاثة اسابيع تقريباً، وقد تمّ دمج
المناسبتين للحديث عن منجزات الملك تحت عنوان (ذكرى البيعة)؛
طفق خلالها الوزراء يهنئون، والكتاب يلمّعون، ولكن المواطنين
كانوا صامتين صمت القبور، دونما استجابة للحدث العظيم،
ودونما تصفيق لمنجزات ملك الحزم والعزم والظفرات.
بصدق.. كان صعباً أن يتحدث إعلام آل سعود عن منجزات
خلال عام أو عامين من حكم الملك سلمان. ففي كل اتجاه ذهبت
لا تجد الا الفشل والهزيمة والبؤس في الأداء والفساد في
الإدارة والنهب للمال والكساد للإقتصاد والضرائب على كاهل
الشعب.
يحي الأمير، المستشار الاعلامي لمحمد بن سلمان، كتب
بحماقة بمناسبة ذكرى البيعة مقالة في عكاظ بعنوان: (ماذا
لو تنطلق عاصفة الحزم؟) قال فيها بأن عاصفة الحزم جلبت
الأمن والأمان، ليس في السعودية، ولكن في عدن!
انه حشف وسوء كيلة، كما يقول المثل العربي.
والأمير هو نفسه الذي كتب بعد ثلاثة اشهر من عاصفة
سلمان على اليمن، مقالة متضخمة بعنوان: (العالم قبل عاصفة
الحزم)! فكأن الكون تغيّر إيجابياً بفعل العاصفة التي
استمرت لعامين تقريباً حتى الآن.
أسئلة بسيطة قد تعطي المراقب مؤشراً حول انجازات سلمان
ومعه إبنه الحاكم بأمره، وولي عهده وزير الداخلية.
هل المملكة أكثر أمناً اليوم منها قبل عامين؟ اي هل
جلبت عاصفة الحُزنْ للسعودية أمناً أكثر؟ هل انتقصت سيادتها؟
هل استطاعت ان تطوّع القاعدة وداعش؟ هل توقفت آثار الإنهيار
الاقتصادي وتراجع مداخيل المواطنين على الوضع الأمني المحلي
(الجرائم بشتى أنواعها؟).
هل حقق سلمان وابنه منجزاً سياسياً على صعيد العالمين
العربي والإسلامي؟ بمعنى هل زاد نفوذ السعودية ام تقلّص؟
هل زاد اصدقاؤها أم مازالت تصنع أعداءً جدداً؟ هل خسرت
الرياض معاركها السياسية في الإقليم (لبنان/ العراق/ سوريا
وغيرها) ام ربحتها او بعضها؟ هل أضاف سلمان شيئاً ايجابياً
الى مكانة المملكة على المستوى الدولي والإقليمي وعلى
مستوى كسب قلوب العرب والمسلمين؟
هل حقق سلمان وابنه منجزاً واحداً يمكن الإتكاء عليه
للزعم بتحقيق الرفاهية للمواطنين؟ بمعنى: ماذا انجز سلمان
في الصحة، في التعليم، في المواصلات، في مواجهة البطالة،
في مكافحة الجريمة، وغيرها؟
هل العائلة المالكة اليوم أكثر تماسكاً مما كانت عليه
من قبل، وهل شرعيتها في الحكم، تقلّصت أم انخفضت؟ بمعنى
هل ما قام به سلمان من تعيينات وزارية وتقديم ابنه واقالة
ولي العهد مقرن، واستحواذ ابنه بالسلطة، عزّز استقرار
الحكم، وحقق الالتفاف المطلوب بين الأمراء، ام العكس؟
وهل زاد المعارضون والمعترضون داخل العائلة المالكة وخارجها
أم العكس؟ وهل نجح سلمان وابنه بسياسة الحزم (القمع والمعتقلات
والإعدامات غير المسبوقة) في فرض الإستقرار؟
هل الإقتصاد السعودي اليوم في وضع أفضل في عهد سلمان،
أم عهد من قبله؟ وهناك مقياس بالنسبة للمواطن، فهل وضعه
المالي اليوم أفضل في عهد الملك عبدالله ام عهد الملك
سلمان؟ وهل رؤية 2030 التي قدمها محمد بن سلمان لاعادة
هيكلة الإقتصاد والتي تعتمد في الأساس على بيع ممتلكات
الدولة (ارامكو مثلاً) وعلى (الضرائب)؛ هي في الأصل رؤية
حقيقية ام وهم، وهل هي قابلة للنجاح؟
هل لدى الملك سلمان منجز سياسي ما، في اقرار المشاركة
السياسية، في زيادة هامش التعبير، في حرية التجمع والنشر،
في احترام حقوق الإنسان، في تعزيز استقلال القضاء، في
مكافحة الفساد، وفي غير ذلك؟
الإجابة على كل هذه الأسئلة تفيد بالتالي: ان عهد الملك
سلمان، لم يشهد أي إنجاز مطلقاً، بل ان عهده شهد تراجعاً
غير مسبوق في الوضع الاقتصادي، وهزائم عسكرية وسياسية
غير مسبوقة أيضاً؛ كما شهد عهده سخطاً شعبياً كبيراً،
تطلّب ـ من وجهة نظر العائلة المالكة ـ زيادة منسوب القمع
بشكل لم يحدث لا في عهد الملك عبدالله ولا في عهد الملك
فهد على الأقل.
هناك إجماع في الصحافة الغربية ومن قبل المحللين السياسيين
الغربيين والمحليين، على أن الدولة السعودية تتراجع بشكل
كبير، في سياساتها ونفوذها واقتصادها وشرعية حكمها، وفي
حكمة وحنكة من يتولى امرها.
هناك اجماع ايضاً على أن التحديات التي تواجه السعودية
اليوم (وجودية)؛ وهي لا تهدّد أصل النظام السياسي الذي
تقف العائلة المالكة على رأسه بالسقوط فقط، بل وأيضاً
قد تهدّد أصل (الدولة السعودية) بالتذرّر (التفكك والتقسيم).
الخسارة العسكرية في اليمن، لا تشابه خسارة الرياض
سياسياً في سوريا او العراق، أو الهزيمة السياسية الإقليمية
قبالة إيران، وتنامي دور تركيا.
إنها خسارة تهدّد وجود النظام السعودي، لما لها من
تداعيات أمنيّة وسياسية (تنامي العنف على يد القاعدة وداعش؛
وتزايد السخط الداخلي الشعبي الناشئ من فقدان الشرعية).
وهذا ما يفسّر أسباب العناد السعودي في الإستمرار في الحرب.
فالتضامن (الوهابي) المحلّي، الذي أجمع على محاربة خصم
بمسميات مختلفة (إيران، الرافضة، الحوثية).. أجّل كل القضايا
الأخرى، سواء بالنسبة للقاعديين، أو الإصلاحيين، أو حتى
الموالين ضمن دائرة نجد الحاكمة. هذا التضامن ليس فقط
سيتفكك بفعل الهزيمة في اليمن؛ بل سيجعل المملكة مشرعة
أمام موجات عنف غير مسبوقة في تاريخها، ولعلّ ما يجري
في تركيا اليوم، مجرد بروفة لما يمكن أن يحدث في بلد اعتبره
الغرب مصنعاً ومفرخة للعنف، فكراً ورجالاً وتمويلاً.
من جهة أخرى، فإن الإنقلاب في العلاقة التاريخية بين
السعودية وأمريكا، لا ينذر فقط بفقدان الحماية التاريخية
الأمريكية للعرش السعودي؛ بل سيجعل الرياض أكثر عرضة للضغوط
من أجل إحداث تحولات سياسية جذرية في النظام السياسي،
وسياساته، فضلا عن انه سيكون عرضة للإبتزاز المالي بأشدّ
مما هو قائم اليوم.
والصراع داخل العائلة المالكة لم يعد مزحة بسبب صعود
نجم محمد بن سلمان الصاروخي واستئثاره بالسلطة، في ظل
تعطيل لدور هيئة البيعة، وغياب الرؤية في كيفية تسلسل
وراثة الحكم، التي لاتزال أُفقية (من الأخ لأخيه)، وربما
تصبح دُولَةً بين أبناء الأعمام في المستقبل، او تتحول
الى عمودية في نسل محمد بن سلمان (منه لأبنائه).
لكن أخطر الأمور تلك المتعلقة بالإقتصاد. فالدولة الريعية،
قضت بشكل كبير على آمال التغيير السياسي؛ والآن ـ وبعد
انهيار اسعار النفط، حيث لا يتوقع في المستقبل المنظور
أن تعود كما كانت.. واقتراب البلاد من الإفلاس، يريد محمد
بن سلمان أن يلغي دور الدولة الريعية، دون أن يقدم تنازلات
سياسية في المقابل.
هو يريد أن يغلق الأبواب والنوافذ معاً، وكذلك المخارج
الإضطرارية.
يريد ضرائب، ويريد إقناع المواطنين بالتقشف، ولا يريد
محاسبة لا في إعلام رسمي او في مواقع التواصل الاجتماعي،
ولا عبر برلمان منتخب.
هذه معادلة لا يمكن أن تُنجح الإقتصاد، وتنهي الفساد؛
كما لا يمكنها ان تحقق الإستقرار والأمن؛ وهي تنذر بضياع
شرعية الحكم، القائمة على مقدار العطاءات، شبه المتوقفة.
الإنفصال بين آل سعود والجسد الوهابي، كما الأيديولوجيا
الوهابية، خطر وجودي.
وهنا معضلة حقيقية.
الوهابية معوّق للدولة والمجتمع. لا يمكن الجدال في
هذا. ولكن، النظام السياسي تمّ تركيبه بطريقة، تجعل الوهابية
وآل سعود، سياميين، إذا ما قضى أحدهما، مات الآخر؛ وإذا
ما ضعف أحدهما، ضعف الآخر.
وما يقال اليوم عن مرحلة جديدة من (التحديث) الاجتماعي
على يد محمد بن سلمان، بدأها بتخفيض دور هيئة المنكر؛
وتأسيس هيئة الرفاهية، وما يمكن أن يؤدي اليه من صدام
مع المؤسسة الدينية الوهابية، هو مجرد مبالغات، فلا الرفاهية
المتأخرة في هذا الظرف السياسي والاقتصادي العصيب ممكنة؛
ولا النظام مستعد لأن يدفع بالخطوط الحمر مع حلفائه الوهابيين
الى حد القطيعة.
وفي كل الأحوال، فإن حصاد سنتين من حكم الملك سلمان
كان مريعاً؛ والى حدّ ما كان يجري تبريره بأنه قد تمت
وراثته من عهد الملك عبدالله. وليس لدى النظام اليوم الا
اطلاق الآمال بأن الأوضاع ستتحسّن قريباً. لكن لكثير من
المواطنين رأي آخر، خاصة أولئك الذين هم ضمن دائرة النظام،
ويعبرون عنه بدعاء متكرر، كلما ألمّت بهم أزمة جديدة:
(الله يرحم الملك عبدالله).
كأن لسان حال هؤلاء:
رُبَّ يومٍ بكيتُ منه فلمّا
|
صرتُ في غيرهِ بكيتُ عليه!
|
|