ابن سلمان يستبق اعلان الميزانية بلقاء المشاهير
ميزانية 2017 والتحوّل عن (الدولة الريعيّة)
خالد شبكشي
لم يكن يوم اعلان الميزانية السعودية لعام 2017 مميزاً.
بكل تأكيد هو لم يكن يوم سَعْدٍ على المواطنين؛ بل
كان بحق يوم قلق وترقّب، لما سيأتي به من ضرائب جديدة
ستُفرض عليهم.
فيما مضى من السنين، كان يوم اعلان الميزانية يوم سعادة
غامرة، على المواطنين وعلى رجال الأعمال. فهناك زيادات
في الإنفاق على المشاريع، وزيادات في الرواتب، وتوقعات
بتحسين الأوضاع الخدمية من تعليم وصحة وغيرها.
لكن عصر النفط والدولة الريعية قد شارف على النهاية.
المملكة قاربت حدّ الإفلاس، باعتراف الوزراء والمسؤولين.
لقد انخفضت أسعار النفط بأكثر من ستين بالمائة؛ ولم
ينخفض معها معدّل الفساد والنهب.
ولقد تزايد الإنفاق العسكري ـ المرتفع اصلاً والذي
يأكل أكثر من اربعين بالمائة من الميزانية ـ وذلك بسبب
الحرب العدوانية على اليمن، وما يتطلبه شراء الدول وتضامنها،
وما تنفقه على مرتزقتها، وعلى عبدربه هادي وحكومته لجلب
ولاء اليمنيين الجنوبيين، وزيادة على ذلك بسبب سمسرة السلاح
والنهب.
الدولة الريعية، أضحت دولة مديونة داخلياً وخارجياً
لأول مرّة في تاريخها.
والدولة الريعية السعودية التي تعتبر أكبر مصدّر للنفط،
تخطط لبيع بطّتها التي تبيض لها ذهباً، ونقصد شركة أرامكو.
والدولة الريعية اليوم، التي اعتادت الإنفاق على المواطنين
كرشوة وحتى لا يطالبوا بالحقوق السياسية، او تكون التقديمات
الاجتماعية بديلاً لتلك الحقوق.. هذه الدولة، انقلبت اليوم،
وصارت ـ بحسب رؤية محمد بن سلمان 2030 ـ تعتمد على الضرائب
كثيراً في ميزانيتها، أي أنها أصبحت تأخذ من المواطنين،
وقد اقتطعت ما يقرب من 40% من رواتبهم، فضلاً عن الضرائب
المتزايد على الوقود والكهرباء والماء وكثير من الخدمات
والسلع.
لهذا فإن مزاج المواطنين اليوم، ليس كالأمس، وما يأملونه
بالأمس من الميزانية يختلف عمّا يأملونه اليوم. اليوم
هم يريدون فقط الفكاك من المزيد من الضرائب القادمة والإستقطاعات
المتنوعة التي تؤثر على رواتبهم الشهرية.
احلام المواطنين تكسّرت كثيراً.
وحين اقترب موعد اعلان الميزانية، كان الجميع يضع يده
على قلبه.
الجميع كان يدرك ان هناك عجزاً في الميزانية، سيكون
أكبر من العام الماضي. والجميع كان يتوقع مزيداً من الضرائب.
الميزانية لم تناقش في مجلس الشورى؛ وهذه هي العادة..
ان يقررها محمد بن سلمان، وتُرفع الى الملك لتوقيعها،
وحتى وليّ العهد محمد بن نايف، لا صلاحية له ولا رأي ولا
دور في مناقشتها او إقرارها.
كان هناك تساؤل، ما إذا كان محمد بن سلمان، الملك الفعلي
للبلاد، سيظهر امام المواطنين ويتحدث اليهم عن الميزانية
أم لا؟ هل سيجيب على تساؤلاتهم المقلقة عن مستقبلهم أم
لا؟
منذ اعلانه المشؤوم عن رؤيته 2030، اختفى محمد بن سلمان
وزير الدفاع والقابض على الاقتصاد وقرارات الدولة السياسية..
اختفى عن الإعلام بشخصه. كان آخر ما فعله هو مقابلته الشهيرة
مع تركي الدخيل في العربية.
المواطنون شعروا بالخديعة مبكراً، حين توالت عليهم
الضرائب. ولما حان حين اعلان الميزانية الجديدة، أبى محمد
بن سلمان ان يظهر للإعلام ويخاطب المواطنين عن رؤيته وعن
ميزانية الدولة التي اصبح هو مهندسها ومالكها حتى!
اكتفى الأمير بجلب عدد من المشاهير في الاعلام ومواقع
التواصل الاجتماعي، وذلك قبل اقل من ثمان وأربعين ساعة
من اعلان الميزانية، ليخرسهم أولاً عن الحديث حول الميزانية
ونقدها؛ وثانياً لكي يكونوا طبّالين لما سيقوله لهم في
مجلسه الخاص حيث شرب أولئك المشاهير شاي (الياسمين) وتلقوا
الكثير من الوعود.
وفعلاً، وقبل أن تُعلن أرقام الميزانية بعجز أوّلي
بلغ 198 مليار ريال، قابلة للتمدد الى 300 مليار ريال،
كان هنالك طمأنة ممن التقاهم محمد بن سلمان وشرب الشاي
معهم.
لم يتعرض احد من أصحاب الرأي بالنقد لميزانية الدولة
هذا العام، فقد تمّ إجهاض النقد المحدود والمعتاد طيلة
العقود الماضية بالقمع وبلعبة الاعلام. الصحفي والكاتب
عبدالعزيز الخضر لاحظ ان (القراءات النقدية للميزانية
هذا العام، في الكتابات الإقتصادية في الصحف ومواقع التواصل
الاجتماعي، هي الأضعف منذ أكثر من عقدين). والسبب واضح،
ان مساحة حرية التعبير في العهد السلماني وطفله المدلل
قد انكمشت الى حدّ كبير، وأيضاً بسبب جماعة (شاي الياسمين)،
الذين طفقوا يتحدثون بلغة (سعدتُ قبل قليل بلقاء الأمير)
او (تشرفت قبل قليل بلقائه).
كان محمد بن سلمان ذكيّاً حين اختار نخبة من المشاهير،
ليكونوا بوقاً له في غيابه المتعمّد، وليوصلوا رسالته
الى الجمهور بأقل كلفة، وبصورة غير رسمية.
قابل محمد بن سلمان قبل اقل من 48 ساعة من اعلان الميزانية
في قصره، وكان بينهم الممثل فايز المالكي، الذي تشرف ـ
كما قال ـ بلقاء الأمير وحظي بتصوير شخصي معه، وقد شرح
الامير للمثل التحول الاقتصادي فخرج بكمية هائلة من التفاؤل.
يعني ممثل عبقري في الإقتصاد.
أيضاً أصبح الشيخ محمد العريفي خبيراً اقتصادياً، وتشرّف
هو الآخر بجلسة خاصة مع محمد بن سلمان وصوّر معه. كذلك
الناقد الأدبي، عبدالله الغذامي، سَعدَ هو الآخر بجلسة
ثريّة ملهمة مع ولد سلمان، فغمر قلبه التفاؤل، كما يزعم.
أما الإخواسلفي المتطرف خالد العلكمي، والذي طالب ذات
يوم بنسف مدينة العوامية نسفاً، فتشرّف هو الآخر بلقاء
محمد بن سلمان، وناقش معه الاقتصاد المُسعوَد الى الفجر،
حسب قوله. ومثله صاحبه الإخواسلفي محمد الأحيدب، الذي
أمضى ليلة مع ابن سلمان تفوق الزجاج في شفافيتها، كما
يقول، وليخرج بعدها مطمئناً المواطنين بأن وضعهم الإقتصادي
والسياسي والعسكري بخير.
الإقتصادي محمد الصبان، سعُد وتشرّف بلقاء الأمير،
واستمع الى ما يثلج صدره، وفاجأنا بأن (الرؤية في أيدٍ
أمينة). السؤال: منذ متى أصبح من خصال آل سعود الأمانة؟!
خاصة هذا الأمير صاحب الرؤية الذي اختفت في عهده وخلال
18 شهراً أكثر من تريليون ريال، أي ما يفوق ميزانية هذا
العام بمائتين وخمسين مليار ريال! وهو الأمير الذي اشترى
يختاً ثانياً بمبلغ 550 مليون دولار، حسب نيويورك تايمز،
اي ما يزيد عن ملياري ريال؛ وسينفق فوقها نحو 200 مليون
دولار للإصلاحات حتى يأتي على ذوقه؛ مع العلم ان الأمير
لديه يخت اشتراه من قبل يبلغ سعره 220 مليون دولار.
المهم ان الدكتور محمد القنيبط، عضو الشورى السابق،
كان من بين من التقاهم محمد بن سلمان، وقد انفرد بلقاء
صريح وشفاف معه قال أن استمر لثلاث ساعات. والقنيبط شخصية
لها مكانتها واحترامها، كاد يخسرها بسبب ذلك اللقاء اللعين.
ومثله الكاتب الاقتصادي عبدالحميد العمري، الذي طالما
دافع عن قضايا المواطنين، وانتقد أداء السلطات اقتصاديا،
خاصة فيما يتعلق بالإسكان، وقد خسر هو الآخر الكثير من
سمعته بسبب تشرّفه بلقاء محمد بن سلمان. حتى عبدالله جابر،
رسام الكاريكاتير، الذي امتع المواطنين برسوماته المدافعة
عن حقوقهم، ما أدّى الى طرده من وظيفته في صحيفة مكة لعدّة
أشهر.. لم يستطع إلا ان يُجامل محمد بن سلمان، وان يتفاءل
بالمستقبل!
ومثل هؤلاء اصحاب المكانة في نفوس القراء، الصحفي محمد
الرطيان، الذي برر لقاءه بابن سلمان، مع انه ما كان يستطيع
ان يرفض، فقال: (لم نجتمع به بحثاً عن قربى، ولم يجمعنا
بحثاً عن مديح. قلنا له: كل ما ما تودون قوله؛ ووعدنا
بكل ما تودّون سماعه).
ثلاثة ارباع ما قاله الرطيان صحيح، اما الربع الخطأ
فهو قوله بان ابن سلمان لم يجمعهم بحثاً عن مديح. هذا
غير صحيح. كما لا يمكن الوثوق بوعود ابن سلمان التي يودّ
المواطن سماعها. فوعوده كمواعيد عرقوبٍ اخاه بيثرب!
لقد كانت اللقاءات، بما فيها لقاء ابن سلمان مع الإعلامي
داوود الشريان، أشبه ما يكون بـ (هولوكوست التفاؤل)، ولاحظ
عبدالله الجهيمي بأن كل من قابل ابن سلمان خرج بمضمون
واحد هو: (واو. الله. بلدنا حلوه. انا فرحان. الأمير قعد
معاي لوحدي. أنا مرّةْ متفائل)!
وتساءل ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي عن سرّ
عدم حديث محمد بن سلمان للمواطنين، فإذا كانت لديه رسالة،
فلمَ لا يخرج على التلفاز ويوصلها لهم، بدلاً من اعتماد
شخصيات بعينها؟
المحامي ابراهيم المديميغ لديه سؤالٌ بريء: (نحن الشعب
ألا نستحق الأخبار السارّة مباشرة من المُلقي) ويقصد الأمير
إياه. والإصلاحي السابق الذي دخل السجون، وفُصل من جامعته،
الدكتور متروك الفالح يخاطب محمد بن سلمان: (تمنيت لو
سموكم خرج للناس بنفسه، وقال لهم مباشرة عن مستقبلهم،
ولا حاجة لوسطاء). وشرح احدهم محصلة ما أراده محمد بن
سلمان ممن التقاهم: (إما تُقنعون الشعب فأكسبه؛ أو تفقدون
مصداقيتكم وتأثيركم، ولا يهتم بكم أحد)؛ وفي كلا الحالتين
فالأمير كسب الجولة.
أكثر من حضر لقاءات ابن سلمان لا علاقة لهم بالسياسة
او الاقتصاد، ولاحظت ناشطات أن الأمير ـ إبن الملك ـ لم
يلتق بامرأة، وأنه لا يختلف عن غيره من الأمراء ممن يضطهدون
المرأة ويستصغرونها. ونصح الدكتور فراس عالم المدّاحين:
(لا تمدحنّ أحداً اليوم ـ ولو بحق ـ من منبرٍ لا تستطيع
أن تنتقده منه غداً). (٣٣) والمعارض عمر عبدالعزيز
رأى ان (التفاؤل من غير سبب، قلّة أدبْ).
الآن وقد أُعلنت الميزانية، وأعلن معها زيادة أسعار
الوقود بدءً من فبراير القادم، بديهي ان تزداد أسعار النقل
والسلع، كما سترتفع فواتير الكهرباء وغيرها.
ميزانية عام 2017، لن تختلف عن الميزانية التي سبقتها،
لا من حيث نهبها، ولا من حيث هدرها، ولا من حيث التلاعب
بأرقامها، ولا من جهة الوعود التي تضمنتها والتي لا تعدو
كلاماً لا واقع له.
سيشهد هذا العام، 2017، أزمات متصاعدة، وسيكون شعور
المواطن بالأزمة أكبر مما كان في العام الماضي 2016. وبناء
على ذلك، وكما نشهد الأمور عياناً وفي الصحافة، فإن هناك
انفجاراً في مستوى الجرائم كانعكاس على سوء الأوضاع الإقتصادية.
سيزداد السخط اكثر فأكثر، وسيتأكد المواطنون بأن رؤية
محمد بن سلمان، عمياء حقاً وحقيقة.
|