تقديرات متشائمة لعام 2017
حكم آل سعود.. الى المجهول
إعداد محمد الأنصاري
تراوحت التوقّعات بين الأٌقرب الى لعبة النرد وقراءة
الفنجان على طريقة جمانة وهبي عالمة الفلك اللبنانية،
على سبيل المثال، التي ذكرت من بين الحوادث المتوقعة لعام
2017 هو انتقال مكة المكرمة والمدينة الى إدارة مستقلة،
على غرار الفاتيكان، وبين ما هو وسطي بين علم الفلك والأبراج
والاستشراف السياسي، على طريقة بيتر أوبورن، الصحافي البريطاني،
الذي قدّم قائمة توقعات للعام 2017 والتي نشرها في صحيفة
(دايلي ميل) البريطانية في الحادي والثلاثين من ديسمبر
من العام المنصرم، 2016، والتي يتوقّع أن تشهد تنحية الملك
سلمان. يقول أوبورن بأن عقوداً من الاضطهاد، والإسراف
في الإنفاق، والفساد سوف يؤول في نهاية المطاف الى مطاردة
العائلة المالكة في السعودية. ويضيف: «سوف يكون هناك انقلاب
في القصر ضد حاكم البلاد سلمان والنظام الذي قاده بالقبضة
الحديدية. في سياق تدفيعه ثمن التدخل في الحربين الأهليتين
السورية واليمنية، قد يتم استبدال الملك سلمان من قبل
وزير الداخلية محمد بن نايف، الذي يحتفظ بروابط طويلة
المدى مع واشنطن».
في حقيقة الأمر، أن الصورة الحالكة التي تحيط بالمملكة
السعودية بدأت منذ اليوم الأول لتولي سلمان الحكم في 23
يناير 2015، أي في اليوم الذي توفي الملك عبد الله. نشرت
صحيفة (الجارديان) البريطانية، حينذاك، تقريراً حول توقعاتها
لمرحلة ما بعد عبد الله، الذي نظرت اليه بأنه أدار باقتدار
شؤون العائلة في مرحلة صاخبة بالتحوّلات والتحديّات. وذكرت
ما نصّه:
«مع نهاية عهد الملك عبد الله فإن المملكة السعودية
سوف تواجه أشياء فظيعة ومؤسفة. إنه بلد حيث يمكن أن يتعرّض
الشاب للجلد المتكرر لأنه عبّر بطريقة معتدلة عن نقاشات
تندرج في إطار حرية الفكر. إنه بلد حيث لا تستطيع المرأة
قيادة السيارة، بلد لا يوجد فيه مكان للعبادة لغير المسلمين،
على الرغم من أن العديد من الذين يعملون هناك هم من المسيحيين
أو الهندوس، وهو في الوقت نفسه بلد الفساد، كبيراً وصغيراً،
ولا يزال يمثل مشكلة خطيرة. هو، في النهاية، بلد أمامه
شوط بعيد للتعامل مع التناقضات والتي سوف تقوّض دون أدنى
شك طموحاتها إذا لم تحل ولو جزئياً على الأقل. فلا يمكن
أن تكون المملكة السعودية قوة اقتصادية كما تريد ما لم
تسمح للعاملين المتعلّمين بالدخول الى حلبة المشاركة السياسية
وهي حلبة للعموم. لا يمكن أن تزدهر المملكة، نظراً لتركيبتها
السكانية، دون تلبية طموحات الشباب، ودون السماح لنصف
السكان من النساء بالحق في العمل، من بين حقوق أخرى، إذا
كانوا يرغبون في القيام بذلك. ولا يمكن أن تكون دولة منفتحة
على العالم، وفيها جالية كبيرة من الوافدين ولديها عدد
كبير من الطلاب ورجال الأعمال في الخارج، إذا ما استمرت
في التصرف كما لو أن كل شيء أجنبي هو في كل الأحوال سام».
حرب العروش.. وتفكك الكيان
بعد مرور قرابة عامين على حكم سلمان، تبدو
الصورة أكثر سوداوية. في مقال للكاتب تايلر درودن في موقع
(ZeroHedge) في 13 ديسمبر الماضي، 2016، حول التفكك القادم
للسعودية، ويرسم الكاتب تصوّراً لطبيعة المعركة المقبلة
وانتقالها المحتمل من مجرد تنافس طبيعي على السلطة الى
حرب عليها. وفيما يلي نص المقال:
ورد في كتاب التوراة «كما تزرع تحصد». فقد قامت المملكة
السعودية، سراً وعلناً بدعم حركات التمرد في ليبيا، وسوريا،
والعراق، واليمن، وإثيوبيا، والفلبين، ولبنان التي أدّت
إلى حروب أهلية وصراعات بين الأديان، ولكن يوم الحساب
بات قريباً. فالملك السعودي الحالي، سلمان بن عبد العزيز،
هو آخر من أبناء الملك السعودي الأول، عبد العزيز آل سعود،
الذي أرسى العرش السعودي. بعد وفاة سلمان، سوف تنتقل القيادة
السعودية إلى جيل جديد من أفراد العائلة المالكة. ولكن
ليس كل نسل أول ملك سعودي سعداء حول الكيفية التي ستؤول
اليها الخلافة المستقبلية.
عيّن سلمان ابن أخيه محمد بن نايف وليا للعهد بعد إعفاء
أخيه غير الشقيق، مقرن بن عبد العزيز عن ولاية العهد بعد
وفاة الملك عبد الله في عام 2015. في السياق نفسه، عيّن
سلمان إبنه، محمد بن سلمان، الذي يعرف عنه القليل خارج
المملكة، ولي ولي العهد. وينظر البعض إلى محمد بن سلمان
30 عاماً على أنه في نهاية الأمر ولي العهد بعد أن يعثر
الملك سلمان على طريقة ما لاحتواء محمد بن نايف، وزير
الداخلية والصديق المقرب من الولايات المتحدة، وازاحته
من منصب ولي العهد.
المزيد والمزيد من السلطة تتركز في يد محمد بن سلمان،
بما في ذلك السيطرة على وزارة الدفاع ومجلس الشؤون الاقتصادية
والتنمية وشركة أرامكو النفطية المملكة للحكومة السعودية
. ولي ولي العهد ووزير الدفاع هو مهندس الحملة العسكرية
الإبادة الجماعية السعودية ضد الحوثيين في اليمن، ومواصلة
الدعم السعودي للمقاتلين الجهاديين في سوريا والعراق،
فضلا عن تقديم الدعم العسكري للنظام الملكي في البحرين
في قمعها الدموي ضد غالبية السكان المسلمين الشيعة. محمد
بن سلمان هو أيضا قوة رئيسية في المملكة السعودية سعياً
وراء مواجهة عسكرية مع إيران.
هناك انقسام داخل الأسرة الحاكمة في السعودية الذي
أدى إلى خلق واقع «لعبة العروش» داخل المملكة. وكان لدى
أول ملك سعودي بين 37 و44 إبناً من 22 زيجة. واحد من هؤلاء
الأبناء،الأمير طلال بن عبد العزيز البالغ من العمر 85
عاماً ، المعروف أيضا باسم «الأمير الأحمر» لدعمه لدستور
وطني وحكم القانون على النمط الغربي مفصولاً عن الشريعة
الاسلامية، مرتاب بشأن تركيز السلطة في أيدي عائلة سلمان،
والتي تأتي على حساب الأمراء الآخرين مع المطالبة السياسية
داخل النظام الملكي. الأمير طلال ليس وحده.
وقد استقرت السلطة في المملكة السعودية بشكل عام عند
سبعة من أبناء الملك عبدالعزيز، والتي تشمل الملك الحالي،
سلمان. هؤلاء الأبناء والمعروفون باسم «السديريين السبعة».
وكان من بينهم الملك فهد بن عبد العزيز، وولي العهد الأمير
سلطان وبعده في المنصب ذاته الأمير نايف، والنائب السابق
لوزير الدفاع الأمير عبد الرحمن وقبله الأميرتركي ووزير
الداخلية أحمد، وجيع هؤلاء تمّت ازاحتهم من الخلافة؛ والملك
سلمان. إضافة إلى عوائل الأبناء الآخرين للملك المؤسس
، فإن أُسَر «السديريين الستة»، ناقصاً عائلة سلمان، هي
بشكل مختصر غيورة إزاء السلطة التي جرى نقلها الى ولي
ولي العهد محمد بن سلمان. عند وفاة سلمان، يتوقع العديد
من المراقبين للسياسة السرية السعودية أن تشهد المملكة
معركة خلافة قد تفضي الى حرب أهلية ملكية.
الحرب الأهلية بين الأمراء المتنافسين في العائلة المالكة
يمكن أن تصبح بسهولة بين مختلف مناطق المملكة. وهكذا،
فإن انقسام ليبيا وسوريا والعراق واليمن الذي جرى بفعل
المغامرة السعودية قد يعود إلى مطاردة السعوديين بشكل
كبير.
إن أول منطقة سعودية يمكن توقع استفادتها من انقسام
الأسرة المالكة السعودية هي الجزء الشرقي، والتي تعرف
رسمياً باسم المنطقة الشرقية ويحكمها سعود بن نايف، نجل
ولي العهد الراحل الأمير نايف، من عاصمة المقاطعة الدمام.
عندما توفي الملك عبد الله في عام 2015،جرى تجاوز سعود
بن نايف في ولاية العهد من قبل شقيقه الأصغر محمد بن نايف.
على الرغم من أن كلا الأخوين من أبناء شقيق الملك سلمان،
فإن سعود لا يزال يضمر الاستياء ضد عمه، سلمان، لتجريده
من فرصة كيما يصبح ملكاً. قد تبدأ حرب أهلية سعودية شاملة
في المنطقة الشرقية، وهي ليست فقط مركز صناعة النفط في
المملكة السعودية مع الآلاف من العمال الأجانب، ولكن أيضا
موطن لما يمكن أن يكون إما بأغلبية ضئيلة أو أقلية كبيرة
جداً من المسلمين الشيعة.
لم تشأ الحكومة السعودية أبداً تحقيق إجماع ديني في
البلاد لأنها قد لا تحب العواقب، وخاصة في المنطقة الشرقية.
في عام 2009، ألقي القبض على الزعيم الشيعي الذي يحظى
بشعبية واسعة نمر باقر النمر من قبل السلطات السعودية
لطرحه فكرة أن المنطقة الشرقية يجب أن تنفصل عن المملكة
السعودية. في عام 2015، وسط انتقادات دولية لإدانة عملها،
أعدمت المملكة السعودية النمر. فمن المتوقع أن تكون المنطقة
الشرقية أول من يعلن عن تمردها ضد الحكومة السعودية في
حال تحوّلت «لعبة العروش» الحالية إلى «حرب العروش».
المنطقة التالية التي يمكن أن تثور ضد النظام الملكي
ستكون عسير، ومنطقة جنوب غرب المتاخمة للحدود مع شمال
اليمن، بالإضافة إلى اثنتين من المناطق السعودية المجاورة.
عسير هي موطن لأقلية كبيرة من المسلمين الزيود. وقد يشن
النظام السعودي حملة إبادة جماعية ضد أبناء عمومة الزيدية
على الجانب اليمني من الحدود، والمتمردين الحوثيين، الذين
هم أيضاً من الزيود.
وقد شنّ المتمردون الحوثيون عدة هجمات عسكرية، بما
في ذلك القصف الصاروخي على أهداف سعودية في منطقة عسير،
وكذلك المناطق الحدودية السعودية في جازان ونجران، على
أمل أن تشعل انتفاضة زيدية في المناطق الجنوبية السعودية.
وكانت هناك تقارير خلال الحرب الأهلية اليمنية أن قوات
الحوثيين استولت، مؤقتاً على الأقل، على عدد قليل من القرى
السعودية في منطقة عسير، نجران، وجازان. إن الثورات المفتوحة
للزيديين في عسير، نجران، وجازان، جنبا إلى جنب مع تمرد
الشيعة في المنطقة الشرقية، قد يفوق قدرة القوات المسلحة
السعودية على التعامل معها، خاصة إذا تمّ تقسيمه على طول
الولاءات المتنضاربة للأمراء المتنافسين والمطالبين بالعرش.
دخول الولايات المتحدة والناتو (حلف شمال الاطلسي)
في حرب أهلية سعودية من المؤكد أنه سوف يؤدي إلى نتائج
مكلفة بالنسبة للغرب حيث أكياس الجثث، وتخريب المنشآت
النفطية، واستنزاف مالي بمليارات الدولارات. إن احتمالية
أن يستعيد اليمن الشطر الجنوبي المستقل والمعركة من أجل
السيطرة على شمال اليمن بين الحوثيين وبقايا الحكومة اليمنية
المدعومة من السعودية سيترتب عليه انخراط القوات الغربية
أيضا في حرب أهلية طويلة الأمد في جزء كبير آخر من شبه
الجزيرة العربية. بل إن الأعضاء الميالين إلى الحروب في
إدارة دونالد ترامب على الأرجح لا يريدون التورط فى المأزق
العربي الكبير.
قد يؤدّي الصراع على نطاق واسع في المملكة السعودية
أيضاً في منطقتي مكة المكرمة والمدينة المنورة لأن تصبحا
كياناً مستقلاً مع مسؤولية أساسية في حماية المقدسات الإسلامية
وضمان الوصول الآمن للحجاج المسلمين. قد تصبح منظمة المؤتمر
الإسلامي والمنظمات الإسلامية غير الوهابية النافذة قد
تصبج مؤسسات لإدارة المدينتين المقدستين باعتبارها «منطقة
محايدة» غير متأثرة بالإضطرابات السعودية والتطرف الديني
الوهابي.
مناطق أخرى من المملكة السعودية، والتي من المرجح أن
تتمرّد تشمل منطقة الحدود الشمالية المتاخمة للعراق وتبوك،
والتي تقع على طول الحدود الجنوبية من الأردن وخليج العقبة.
قد تبحث تبوك عن شكل من أشكال الحماية الأمنية من كل من
الأردن وإسرائيل وأن تبقى بمنأى عن المواجهة المسلحة بين
الفصائل السعودية. منطقة الحدود الشمالية قد تسعى الى
تسوية مماثلة مع العراق.
ان المعركة الحقيقية للسيطرة على المملكة السعودية
تتركز معظمها في منطقة الرياض، كمفتاح للمملكة، أو ما
يتبقى منها، ويمكن العثور عليه في السيطرة على العاصمة
السعودية، الرياض. في كل الاحوال، حرب أهلية سعودية ستكون
الأفضل لجهات إقليمية من أجل ترتيب الأمور. إن أي تدخل
خارجي بالتأكيد سوف يجعل الأمور أسوأ بكثير، ويمكن أن
تتطور إلى حرب إقليمية أو عالمية.
سياسة الحزم.. فشل شامل
تحت عنوان (بعد عام من سياسة الحزم، السعودية
في حالة تراجع)، نشرت مجلة (الايكونوميست) البريطانية
مقالة في العاشر من ديسمبر الماضي، ترصد فيه الاخفاقات
السعودية على الجبهات الدبلوماسية كافة.
في يناير من العام 2016، أعلن محمد بن سلمان، ولي ولي
العهد الشباب الذي يدير من الناحية الفعلية المملكة السعودية،
صرّح بوضع حد لـ «غيبوبة» السياسة الخارجية لبلاده والتصميم
على دحر إيران. الثوار السوريون الذين دعمهم في حلب كان
ينظر اليهم على أنه لا يمكن إنزال الهزيمة بهم. وتحدث
جنرالاته عن سيطرة وشيكة على صنعاء، عاصمة اليمن، وانتزاعها
من المتمردين الحوثيين الذين استولوا عليها. أبقى إيران
والميليشيا المرتبطة بها، حزب الله، بعيداً عن فرض خيارها
لرئيس الجمهورية في لبنان. وتحدث مسؤولون عن إفلاس إيران
بتشبيع السوق من النفط، بغض النظر عن رغبات شركاء أوبك.
حتى أن السفير السعودي إلى بغداد، يعود لاستئناف عمله
لأول مرة منذ 25 عاماً.
ولكن في نهاية العام تجد المملكة نفسها في تراجع على
جميع الجبهات. فقد سحبت سفيرها من العراق، هرباً من سيل
الاهانات من السياسيين الشيعة الذين يعوّلون على إيران.
بعد عمليات عسكرية قامت بها القوات الحكومية الإيرانية
والروسية والسورية ضد المتمردين في حلب، فإن السعوديين
على وشك الهزيمة. كما انحنى السعوديون إلى الرئيس اللبناني
المفضّل ايرانياً. وخلال اجتماع أوبك في 30 نوفمبر 2016،
وافقت السعودية على تحمّل النصيب الأكبر من خفض الإنتاج
في محاولة لاستعادة الأسعار، في حين سمح لإيران برفع إنتاجها
إلى مستويات ما قبل العقوبات.
في اليمن، يبدو أن الحوثيين، خصوم السعوديين، عازمون
على عدم إتاحة خروج مشرف للأمير محمد بن سلمان، من خلال
شن غارات متكررة عبر الحدود، وفي الأسبوع الماضي أعلنت
الحكومة الجديدة في اليمن، بدلاً من الاتفاق على تشكيل
حكومة أخرى تضمّ الرئيس المنفي كما يريد الأمير. ويقول
مسؤول ايراني مزدرياً «ستكون اليمن فيتنام المملكة السعودية».
«إنها تستنزف الهيبة العسكرية والدبلوماسية السعودية».
إذا وافقت المملكة السعودية على الانسحاب من بقية المنطقة،
كما يقول المسؤول الايراني، فإن ايران سوف تسمح للسعودية
بالإحتفاظ بالبحرين، الدولة الجزيرة الصغيرة الذي تربطها
بها جسر على الساحل الشرقي من السعودية.
انقلاب الحظ يعود في كثير منه إلى نجاحات الدعم العسكري
الإيراني لحلفائها الشيعة في العالم العربي والقوات المتحالفة
معها ـ الرئيس السوري بشار الأسد، وقوات الجيش والقوات
شبه العسكرية في العراق، والحزب السياسي المسلّح في لبنان،
حزب الله. «انهم يحيطون بنا بالمليشيات»، حسب أحمد عسيري
الذي يقدم المشورة لولي ولي العهد فيما يرتبط بالحملة
العسكرية على اليمن. لكن السعودية تخسر أيضا القوة الناعمة،
ويوقف التمويل عن الحلفاء السنة التقليديين، الذين بدأوا
في البحث عن جهة أخرى. وحيث وقعت شركة البناء التي يملكها
رئيس الكتلة السنيّة في لبنان سعد الحريري في المملكة
السعودية في ورطة بسبب تخفيض الانفاق الحكومي، قبل هو
بمنصب رئيس الوزراء بشرط القبول بخيار حزب الله لمنصب
الرئيس. الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، قرر الانفتاح
على سوريا وروسيا وحتى ايران بعد وقف المملكة السعودية
لشحنات النفط المجاني.
|
وحيث تتدهور العلاقات في المنطقة على نطاق أوسع، فإن
الأمير محمد بن سلمان يحاول تعزيز العلاقات مع إمارات
في الفناء الخلفي. الملك سلمان، والده، قام بجولة خارجية
نادرة لأربع دول خليجية في أوائل ديسمبر الماضي. وكانت
قمة العاصمة البحرينية، المنامة، التي انتهت في 7 ديسمبر،
تهدف إلى دفع عجلة خطط لتحويل مجلس التعاون الخليجي إلى
اتحاد خليجي مع التشديد على التنسيق الدفاعي. ولكن كل
ذلك لم يكن مقنعاً. وبحسب بيكا واسر التي تعمل في مؤسسة
راند الخليج، وهي مؤسسة فكرية أمريكية في سلطنة عمان،
تقول»هناك خوف كامن من الهيمنة السعودية”.
ومع ذلك، خالف اتفاق أوبك كل التوقعات، مشيراً إلى
أن كلاً من إيران والمملكة السعودية يمكنهما ترجيح الأولوية
الاقتصادية على المواجهة الإقليمية. كلاهما فشل في تغطية
الإنفاق المحلي، فضلاً عن المغامرات الخارجية. الحكومة
الايرانية بحاجة للنفط عند 55 دولاراً للبرميل لتحقيق
التوازن، كما يقول صندوق النقد الدولي؛ والسعودية بحاجة
الى نفط عند 80 دولاراً للبرميل. «لا يمكن لمنتجي النفط
الابقاء على الحروب الخارجية وبالوكالة التي كانوا يديرونها
ذات مرة عندما كان سعر النفط 120 دولاراً للبرميل»، كما
يقول خبير اقتصادي سابق في البنك الدولي في بيروت. ويضيف
«انهم يدركون أنهم بحاجة إلى تغيير». الاستقرار الأكبر
والحدود الاكثر انفتاحاً، أيضاً، يقول أحد المسؤولين الإيرانيين،
من شأنه أن يساعد إيران على إيجاد أسواق جديدة للصادرات
الأخرى، مثل السيارات والاسمنت.
مجيء دونالد ترامب في أمريكا هو سبب آخر لضبط النفس.
«كلا البلدين تلعب لعبة الانتظار»، كما يقول عدنان الطباطبائي،
رئيس كاربو، وهي مؤسسة فكرية مقرها بون التي تدير «المسار
2» لمحادثات (غير رسمية) بين السعوديين والإيرانيين. ويخشى
كل منهما ما يقال عن ترامب بالتسرع في العمل، وحتى أن
أميراً سعودياً بارزاً حثّ ترامب على عدم الغاء الاتفاق
الدولي حول البرنامج النووي الايراني. ويبدو أن كلا الجانبين
غير متأكد مما إذا كان سيتم تشديد العقوبات على إيران
أو تطبيق قانون جاستا، القانون الجديد الذي يسمح للأميركيين
مقاضاة المملكة السعودية عن الخسائر الناجمة عن 11 سبتمبر
2001. وقبل كل شيء، وعلى الرغم من تأثير المتشددين في
كلا المعسكرين، فإن أياً من الطرفين لا يريد أي شيء يقود
الى حرب مباشرة.
لكن التوتر لا ينحسر. على عكس ذلك تماماً. قطعت المملكة
السعودية علاقاتها الدبلوماسية مع ايران في يناير 2016
بسبب الهجوم على سفارتها في طهران التي أعقبت إعدام رجل
دين شيعي بارز وثلاثة من الشيعة الآخرين. وجاء هذا الاسبوع
بخبر أن أكثر من 15 شخصاً من الشيعة قد حكم عليهم بالإعدام
في السعودية بتهمة التجسس لصالح إيران.
شرعية آل سعود تتآكل
في مقالة لكارل ماثيسين في موقع (كلايميت هوم) نشر
في الرابع من يناير الجاري بعنوان (هل يبقى النظام السعودي
في عالم أخضر). وجاء في المقال أن تغيير المناخ قد يقود
بلداناً كانت ذات يوم من أغنى في البلدان في العالم نحو
الانهيار فتحدث حالة من الفوضى والخطر، مضيفاً أن خبراء
الأمن يعربون عن قلقهم إزاء التحدي الخطير الذي يشكله
هذا الأمر بالنسبة للدول التي تعتمد حالياً على السلع
لدفع ثمن كل شيء بدءاً من جيوشهم وصولاً لإمداداتهم الغذائية.
وأوضح الموقع البريطاني في تقرير لها أن المملكة السعودية،
أكبر منتج في العالم للنفط الخام تعمل على توفير صندوق
الثروة السيادي في البلاد بعدما عانت ميزانيتها عجزاً
منذ انهيار أسعار النفط في الآونة الأخيرة، ولكن دور هذا
الصندوق يتراجع بصورة ملحوظة وسوف ينفد في أقل من عقد
من الزمان بسبب أسعار النفط الحالية.
ولفت الموقع إلى أنه في حالة المملكة السعودية هناك
تساؤلات عميقة حول الثروة، وأن جيل الشباب يسأل عن أمر
آخر، حيث لا تزال الآمال الكبيرة في إصلاحات كان محمد
بن سلمان قد وعد بها. وفي الوقت نفسه، فإن المواطنين يدركون
أنهم محاصرون من كل اتجاه.
وأشار الموقع إلى أن شرعية آل سعود تنهار وهناك ضبابية
تؤكد وجود حالة من عدم الاستقرار، وهذا الأمر يشكل تهديداً
أمنياً للمملكة السعودية، ويثير احتمال أن يصبح الشباب
السعودي المحروم أهدافاً للتطرف.
وفي تقرير صدر الشهر الماضي، ديسمبر، كتب بول ستيفنز
أنه منذ الربيع العربي، على دول الخليج أن تنظر في عدم
القدرة على شراء ذمم السخط السياسي الداخلي الناجمة عن
خفض الإنفاق كما يحتمل أن يمثل تهديداً وجودياً. وأشار
إلى أن هناك قبولاً واسع النطاق بين الأنظمة لوقف الانتفاضات
الشعبية، ويجب أن تجد طرق أخرى للحفاظ على المواطنين سعداء.
وأوضح الموقع بأن مع 44٪ من الناتج المحلي الإجمالي
و 89٪ من الإيرادات المتأتية من حقول النفط في البلاد
حافظ آل سعود على وجود السكان تحت سيطرة الدولة الصارمة،
والتنوع لا يمكن أن يأتي بالسرعة الكافية، خاصة وأن صندوق
الثروة السيادي السعودي قد تعرّض لانتقادات عديدة لكونه
أقل شفافية.
وكانت المملكة السعودية قد أعلنت في مرحلة سابقة عن
خطط لخصخصة جزئية من مشاريع النفط الحكومية أرامكو والتي
تعتبر أكبر شركة نفط في العالم. ولكن الخصخصة دون إصلاح
ديمقراطي حقيقي من غير المرجح أن يكون علاجاً لدول الخليج
التي تسعى لتكون بعيدة عن النفط، وفي الواقع قد تعزز مشاكل
المحسوبية والفساد دون أن تفعل أي شيء لسحب التزام النخبة
الحاكمة على النفط.
إعادة بناء الدولة، مهمة مستحيلة
في مقالة للكاتب بلال صعب في مجلة
(فورين أفيرز) في 5 يناير الجاري بعنوان (هل يستطيع محمد
بن سلمان إعادة بناء السعودية)، ذكر: إن ولي ولي
العهد الأمير محمد بن سلمان، البالغ من العمر 31 عاما
يواجه اليوم أعتى المشاكل في بلاده خلال هذه المرحلة المبكرة
من حياته السياسية، حيث يسعى لقيادة حملة تغيير شاملة
في المملكة السعودية، ولكن يضع كل شيء على المحك بكل سذاجة.
إن التحركات المبكرة التي يقوم بها بن سلمان تشمل خفض
الدعم، وزيادة الضرائب، وبيع أصول الدولة، والضغط من أجل
تطبيق ثقافة الكفاءة والمساءلة في الجهاز البيروقراطي
السعودي غير المنتج بشكل لافت، والإفساح في المجال أمام
القطاع الخاص للاضطلاع بدور أكبر في الاقتصاد.
ولفت المقال إلى أنه على الرغم من أن بن سلمان هو الثالث
في التراتبية القيادية، فإن لديه السيطرة الكاملة على
احتكار النفط، وصندوق الاستثمار الوطني، والشؤون الاقتصادية،
ووزارة الدفاع، حيث تسنّم كل هذه المناصب فور وصول والده
الى العرش في يناير عام 2015.
وعلى الرغم من أنه من السابق لأوانه إعطاء تقييم لعملية
الإصلاح الاقتصادي على المدى الطويل التي بدأت للتو، إلا
أن مؤهلات محمد بن سلمان تؤكد أنه لن يستطيع تحقيق رؤية
2030، كما أنه يعتمد سياسة دفاعية ليست واعدة وقد كبّدت
السعودية تكلفة باهظة خلال الأشهر القليلة الماضية.
وذكر بلال أن حرب المملكة السعودية في اليمن، التي
يشرف عليها محمد بن سلمان فشلت في تحقيق أهدافها الاستراتيجية،
مما أدى إلى حدوث كارثة إنسانية في اليمن كسرت بالفعل
العلاقات العامة مع واشنطن ولندن، وحتى الآن من غير الواضح
كيف ستنهي المملكة حرب اليمن في حين لا يزال تحقيق أهداف
الأمن القومي الأساسية بعيدة، ولا تبدي رغبة في التنازل
كثيراً لإيران، خصمها اللدود، ولا سيما وأن المزيد من
المدنيين اليمنيين يموتون.
هناك قلق آخر يتقاسمه الكثير من الأمريكيين مع السعوديين،
هو تغيّر في التراتبية الملكية، فهناك الكثير من الأحاديث
في واشنطن حول دور محمد بن سلمان في تهميش ابن عمه الأكبر
سناً محمد بن نايف، كما أن الطائفية بالتأكيد موجودة هناك
وهي حالة تكاد تكون فريدة من نوعها للنظام السياسي السعودي،
ولكن ليست من النوع الذي يؤدي إلى الاقتتال الداخلي والشلل.
ومن المخاوف المرتبطة بمحمد بن سلمان أيضا أنه يتحرك
بسرعة كبيرة، لا سيما في الشؤون الاقتصادية والثقافية،
ما يثير غضب النظام القديم ويهز أسس النظام الاجتماعي
في المملكة، ويعكس مخاطر التحديات الاقتصادية والاجتماعية
المتصاعدة التي تواجهها المملكة السعودية، بما يتطلب شيئاً
من التحول، وهذه التغيرات تؤدي حكماً إلى مستوى معين من
عدم الاستقرار.
سلمان يغرق في المستنقع، والملجأ عُمَان
نشر موقع (المونيتور) في 5 يناير الجاري، مقالاً للكاتب
الأميركي بروس ريدل، مدير المشروع الاستخباري في معهد
بروكنز الأميركي، يدور حول ما حقّقه الملك سلمان خلال
عامين من حكّمه. يقول إنه قبل عامين اعتلى الملك سلمان
العرش خلفا لأخيه غير الشقيق عبد الله، واعتمد سياسة خارجية
أكثر صدامية مع إيران تفوق أسلافه، وقد أغرقته سياسته
الخرقاء في الحرب على اليمن التي لم تكن ناجحة.
ويقول ريدل أن سلمان أصدر عدداً من القرارات الخاطئة
على المستوى الداخلي منها تعيين محمد بن نايف لمنصب ولي
ولي العهد بعد شهرين من اعتلائه العرش، وعزل أخيه غير
الشقيق مقرن، كما عيّن إبنه محمد في منصب ولي ولي العهد
ووزير الدفاع، وأعلن الأخير أنه يعتمد خطة إبداعية لتحويل
المملكة بحلول عام 2030.
ويوضح ريدل بأن سلمان فوّض إبنه للإمساك بسلطات غير
مسبوقة، بما في ذلك إدارة دفة الاقتصاد، حيث ينطلق في
الرؤية السعودية 2030 من التخلي عن دولة الرفاه السعودية
في ظل انخفاض أسعار النفط، ولا يزال هناك الكثير من البرامج
التي سوف يجري العمل على تنفيذها، ولكن من الأهمية أن
المملكة تدرك ضرورة التغيير.
وكانت السياسة الخارجية الخاصة بالملك عبد الله تعتمد
على النأي والحذر خلال مرحلة الربيع العربي، حيث أصبحت
المملكة قائدة الثورة المضادة في البحرين ومصر. وفي اليمن
سعت لاستبدال علي عبد الله صالح بنظام متوافق يقبل هيمنة
السعودية، وفي سوريا لم تنجح المملكة السعودية في اغتنام
فرصة الاطاحة بأقدم حليف لإيران في العالم العربي.
ومن وجهة نظر بروس ريدل، أن سلمان أكثر عدوانية وصدامية
من أخيه، أي عبد الله، فقد قطع العلاقات مع إيران، ومنع
الإيرانيين من الحج، وأقام التحالف العسكري الإسلامي وتمّ
إطلاق حملة استخبارية عدوانية ضد حلفاء إيران مثل حزب
الله، وتمّ إرسال الأموال إلى المتمردين الذين يقاتلون
الرئيس السوري بشار الأسد.
من جهة ثانية، بحسب ريدل، تدهورت العلاقات السعودية
مع واشنطن، عقب صدمتها من دعوة الرئيس باراك أوباما الرئيس
المصري الأسبق حسني مبارك إلى التخلي عن منصبه، كما أن
الضغط الأمريكي على النظام الملكي السُني في البحرين لاستيعاب
مطالب الأغلبية الشيعية من أجل التغيير دفعت عبد الله
لإرسال قوات عبر جسر الملك فهد لدعم أهل السنة وقمع الشيعة،
ولكن بعد ما يقرب من ست سنوات فأنهم لا يزالون هناك.
وتقاسم سلمان مع سلفه الشكوك حول أوباما، حيث اتخذت
المملكة موقفاً معادياً للاتفاق النووي الإيراني ورفع
العقوبات المفروضة على طهران، وبعد شهرين اعتلائه العرش،
تدخّل سلمان في اليمن رداً على ما اعتبره استيلاءً على
العاصمة من قبل الحوثيين والموالين لصالح، حيث تخشى الرياض
أن الإيرانيين كانوا على وشك إقامة دولة تابعة لهم على
الحدود في الجنوب.
وبعد عامين، يعاني الملايين من اليمنيين من سوء التغذية
ويعيشون دون رعاية طبية، وبرغم من تحمل الأطراف المتحاربة
مسؤولية هذه الكارثة الإنسانية، لكن الواقع هو أن أغنى
دول العالم العربي تهاجم أفقر دولة في العالم العربي،
ولم يبذل المجتمع الدولي شيئاً تقريباً لوقف المذبحة،
وقد قدمت الولايات المتحدة وبريطانيا الطائرات، والذخائر،
والخدمات اللوجستية والاستخباراتية لتسهيل شؤون الحرب،
كما أعطيت السعوديين المساعدة الضرورية لشن حرب مع بعض
القيود فقط بين الحين والآخر، والتي هي في الغالب نتيجة
لضغوط من الكونجرس.
وختم ريدل أن سلمان يحتاج إلى إيجاد نهاية مشرفة للحرب
في اليمن، ورؤية السعودية 2030 التي من المرجح أن تكون
مجرد سراب إذا تعثرت المملكة في مستنقع اليمن، لذا على
الملك زيارة سلطنة عُمان هذا العام، فالسلطان قابوس يمكن
أن يكون وسيطا موثوقا بين الأطراف اليمنية المتصارعة.
|