العلاقات السعودية الاسرائيلية في عهد ترامب
ليس مفاجئاً ولا مستغرباً أن نقرأ خبر توجيه دعوة
سعودية رسمية الى رئيس حكومة الاحتلال الاسرائيلي بنيامين
نتنياهو بزيارة الرياض
يحي مفتي
بات الطريق من الرياض الى البيت الأبيض في عهد ترامب
اسرائيلياً بدرجة أولى ثم بريطانياً..كان واضحاً منذ البداية
أن الرياض مربكة، وجلة، ولكن مهمة تيريزا ماي، رئيس الحكومة
البريطانية، وتالياً رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين
نتنياهو نجحت لجهة احتواء غضبة ترامب الانتخابية، وتحويله
الى مجرد «رجل أعمال» يسعى من أجل سوق واعدة، في المملكة
السعودية..
في 4 فبراير الجاري، انتشر خبر مفاده أن نتنياهو سوف
يتلقى دعوة لزيارة الرياض، بدعم من الرئيس ترامب. وكان
الوزير الاسرائيلي أيوب القرا، من حزب (ليكود) الحاكم
أنّ المملكة السعوديّة ستُوجِه لرئيس الوزراء الإسرائيليّ،
بنيامين نتنياهو، دعوةً رسميّةً لزيارتها بشكلٍ علنيٍّ.
وتابع القرا، الذي يُصنّف من صقور الحزب الحاكم ومن المُقربين
جداً لنتنياهو، تابع قائلاً «إنّ الدعوة السعوديّة ستتّم
بناءً على تنسيقٍ بين العائلة المالكة في الرياض وبين
الرئيس الأمريكيّ، دونالد ترامب»، على حدّ تعبيره.
وفي الخبر نفسه، وبحسب الوزير، وهو ابن الطائفة الدرزيّة
في إسرائيل، فإنّ العلاقات بين تل أبيب والرياض حسنة،
وأنّ ما يجمعهما هو التخوّف المُشترك ممّا وصفها عدوانية
جمهورية ايران الاسلامية، وسعيهما المُشترك لوقف تمدد
هذه الدولة ووقف استفزازاتها. وشدّدّ القرا، في حديثٍ
أدلى به للقناة الأولى الرسميّة في التلفزيون الإسرائيليّ،
على أنّ القضية الفلسطينيّة بالنسبة للعرب المُعتدلين
باتت غير مهّمة، كاشفاً النقاب عن أنّ السياسة الإسرائيليّة
الحاليّة تعمل على عقد مؤتمرٍ دوليٍّ بمشاركة الدول العربيّة
السُنيّة المعتدلة، مُوضحاً أنّ الهدف الإستراتيجيّ للدولة
العبريّة في سياستها الخارجيّة هو عقد اتفاقيات سلام مع
هذه الدول، ومن ثمّ التفرّغ لحلّ القضيّة الفلسطينيّة.
وقال أنّ القضية الفلسطينيّة غيرُ موجودةٍ على أجندة الدول
العربيّة المذكورة، بحسب قوله.
في تطوّر مماثل، ويعكس الى أي مدى بلغته العلاقات السعودية
الاسرائيلية، وتؤكد ما ذهب اليه رئيس الحكومة الاسرائيلية
نتنياهو في توصيف العلاقات السعودية الاسرائيلية، نشر
موقع بلومبرغ في 2 فبراير الجاري تقريراً حول نشاط شركات
التكنولوجيا الاسرائيلية في السعودية.
فقد ذكر الكاتبان جوناثان فيرزيجر وبيتر والدمان بأن
حجم النشاط الاقتصادي الإسرائيلي في دول الخليج أصبح أمراً
من الصعب إخفاؤه، وبرغم من إنكار بعض المسؤولين لوجود
تلك العلاقات فإنّها تتوسّع في عدد من المجالات، بقيادة
شركات التكنولوجيا الإسرائيلية.
ويقول تقرير الوكالة في وصفه للعلاقات المتنامية بين
إسرائيل والسعودية، إن «الصفقات الجيدة والإنكار يجعلان
من الدولتين جارتين جيدتين”. وطلب مسؤول رفيع المستوى
في السعودية الإستفادة من خدماتي لتحديد هوية إرهابيين
محتملين، كما شملت الشراكة تحليل بحوث الرأي العام عن
الأسرة المالكة في السعودية. السعوديون هم من أتوا إلي
ويعمل عدد من الشركات الإسرائيلية في دول الخليج بشكل
جيد، حيث تحتاج هذه الدول للتكنولوجيا الإسرائيلية، ولا
يجد الإسرائيليون مانعاً من تزويد هذه الدول بما تحتاجه،
ما دامت هناك أهداف مشتركة، وفقا للتقرير.
وأشارت بلومبرج إلى أن بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء
الإسرائيلي، قال ساخرا في إحدى خطبه إن هناك 3 أسباب لاهتمام
العرب بالعلاقات مع إسرائيل هذه الأيام وهي «التكنولوجيا،
والتكنولوجيا، والتكنولوجيا”.
وحاورت الوكالة شمويل بار، مؤسس شركة إينتوفيو، وهي
شركة متخصصة في استخراج البيانات من مواقع التواصل الاجتماعي
وشبكة الانترنت وجمعها وتحليلها، للحماية من الهجمات الإرهابية،
ولأغراض أمنية أخرى، والذي باع خدماته للشرطة وحرس الحدود
ووكالات الاستخبارات عبر أوروبا والولايات المتحدة، ثم
تعاون مع السعودية.
يقول بار إن تصالح مصالح السعودية وإسرائيل أمر منطقي،
استناداً إلى المخاوف المشتركة مثل: القنبلة الإيرانية،
والإرهاب الجهادي، وانسحاب أمريكا من المنطقة، أو التمرد
الشعبي.
ولا يجد مؤسس إينتوفيو مشكلة في تصدير خدماته للسعودية،
للمساعدة في حمايتها من أي تهديدات تواجهها البلاد من
إيران والجماعات الإسلامية المسلحة. ويقول بار «إذا كان
بلد ليس معادياً لإسرائيل، سنساعده، نرفض فقط مساعدة سوريا
ولبنان والعراق وإيران”.
ويشير بار إلى أن السعودية وغيرها من الدول العربية
الغنية بالنفط كانت سعيدةً جداً بالدفع مقابل الحصول على
المساعدة، ويقول رداً على أسئلة بلومبرج «المقاطعة العربية؟
إنه أمر غير موجود”.
ويحكي بار كيف بدأت قصة تعاونه مع المملكة، قائلاً
«منذ عامين طلب مني مسؤول رفيع المستوى في السعودية أن
يستفيد من خدماتي لتحديد هوية إرهابيين محتملين، وتمّ
التعاون عبر إمداده ببرنامج إينتوسكان، الذي يمكنه معالجة
4 مليون تغريدة وتدوينة على فيس بوك وتويتر يومياً، كما
شملت الشراكة تحليل بحوث الرأي العام عن الأسرة المالكة
في السعودية. السعوديون هم من أتوا إلي”.
كان هناك شرط وحيد، هو أن يقوم بار بإقامة شركة عبر
البحار لإخفاء الهوية الإسرائيلية لإينتوفيو، ولم يمانع
بار ذلك.
ورفض المسؤولون السعوديون الإجابة عن أسئلة الوكالة
حول علاقات بلادهم الاقتصادية مع إسرائيل، لكن مصدراً
سعودياً وحيداً، أكد لبلومبرج أن المملكة لا تتعاون مع
إسرائيل في مجال نظم الدفاع الإلكترونية، ولا في أي مجال.
ومنذ إنشاء دولة إسرائيل على الأراضي الفلسطينية، تمر
علاقات الأعمال بينها وبين الدول العربية عبر وسطاء من
دول أخرى، ولكن بلومبرج تقول إن حجم ونطاق النشاط الاقتصادي
الإسرائيلي في دول الخليج، أصبح من الصعب إخفاءه.
رائد أعمال إسرائيلي آخر أنشأ شركات في أوروبا والولايات
المتحدة، وقامت تلك الشركات بتثبيت برامج بقيمة أكثر من
6 مليارات دولار للبنية الأساسية الإلكترونية الأمنية
في الإمارات العربية المتحدة، مستخدما مهندسين إسرائيليين.
نفس هذه الشركات ضغطت لإقناع السعودية بإدارة الازدحام
في مكة المكرمة.
ولا يُعد قطاع التكنولوجيا المعبر الوحيد للعلاقات
الخليجية الإسرائيلية، فبجانب الشركات الإسرائيلية التي
تعمل في الأمن الحاسوبي، وجمع المعلومات الاستخباراتية
في منطقة الخليج، عبر شركات وسيطة، هناك شركات أخرى تعمل
في تحلية مياه البحر في تلك الدول التي تعاني بشدة من
الفقر المائي.
كما تعتمد كل من السعودية وقطر والكويت في جزء من تسليحها
على شركة «إلبيت» الأمريكية، وهي مجرد فرع لشركة «إلبيت»
الإسرائيلية، أكبر شركات إسرائيل الخاصة في مجال تعاقدات
أسلحة الدفاع، بحسب تقرير بلومبرج.
إن الابتهاج السعودي الاسرائيلي بوصول ترامب الى البيت
الأبيض مرشّح لأن يزيد في وتيرة التنسيق بين الرياض وتل
أبيب ويعزز العلاقات بينهما. ومن حسن حظ الاسرائيلي والسعودي
أن ترامب لا يعود الى المنطقة فحسب بعد ان كانت التقارير
الاستراتيجية الأميركية تؤكد على نقل الولايات المتحدة
جزء جوهري من ثقلها الاستراتيجي الى منطقة أوراسيا لمواجهة
المارد الصيني، ولكن ترامب يعود وفق شروط تناسب الطرفين.
مايلفت أن ترامب يعتنق الرواية الاسرائيلية السعودية
في مقاربة ملف الارهاب.
فقد كتب روبرت باري مقالة نشرت في 29 يناير الماضي
على موقع Consortium News والتي اعتبر فيها أن قرار الرئيس
الاميركي دونالد ترامب منع مواطنين من سبع دول إسلامية
من دخول الولايات المتحدة إنما هو مؤشّر مقلق يفيد بأن
ترامب لا يملك الجرأة لمواجهة «الرواية الكاذبة» التي
يطالب بها كيان الاحتلال الاسرائيلي وأيضاً السعودية حيال
الارهاب.
وقال الكاتب أن الرواية «الاسرائيلية السعودية» التي
تتكرر باستمرار من قبل المسؤولين الاميركيين تصنّف إيران
بوصفها الدولة الأولى الراعية للإرهاب، بينما الحقيقة،
بحسب الكاتب نفسه، هي ان السعودية وقطر ودول أخرى مثل
باكستان هي التي ينطبق عليها فعلاً هذا التوصيف، مشيراً
في الوقت نفسه الى أن هذه الدول ليست ضمن تلك الدول السبع
الواردة اسمها في الامر التنفيذي الذي وقع عليه ترامب.
الكاتب شدّد على كثرة الأدلة التي تثبت من هي الاطراف
التي هي في الحقيقة تموّل وتدعم أغلب النشاط الارهابي
في العالم. وأضاف بأن كل الجماعات الارهابية التي استهدفت
الولايات المتحدة والغرب خلال العقدين المنصرمين تعود
جذورها إلى دول مثل السعودية وباكستان وقطر، سواء كانت
القاعدة أو طالبان أو داعش.
كما أشار الى أن المسؤولين الكبار في إدارة أوباما
كانوا على العلم بهذا الموضوع، وكذلك الأمر بالنسبة لمستشار
الأمن القومي لترامب مايكل فلين لكنه نبّه إلى أن الاسرائيليين
والسعوديين «لا يريدون لهذه الحقيقة أن ترسم السياسة الخارجية
الأميركية».
ولفت إلى أن «إسرائيل» تريد من واشنطن أن تتشارك معها
الكراهية تجاه حزب الله، وإلى أن «إسرائيل» تضع حزب الله
في أعلى سلم ما تسميه «المنظمات الارهابية» بسبب «الهزيمة
النادرة التي تلقاها الجيش الاسرائيلي على ايدي حزب الله»،
بحسب تعبير الكاتب نفسه. وأشار الى ان حزب الله مدعوم
من قبل ايران.
اما السعودية فقال الكاتب إنها تعد الإرهابيين من الجماعات
المتطرفة على أنهم قوّة مضادة «للخصم الإيراني». الكاتب
أشار أيضاً إلى ان المسؤولين الاسرائيليين والسعوديين
قد أوضحوا بأنهم يفضّلون القاعدة أو داعش في سوريا على
حكومة الرئيس بشار الاسد، وذلك لان نظام الأخير هو جزء
من محور المقاومة الذي يشمل أيضاً إيران وحزب الله.
غير أن الكاتب لفت الى أن الاميركيين والأوروبيين وعندما
يتحدثون عن الارهاب فإنما يتحدثون عن القاعدة وداعش (خلافاً
للرواية الاسرائيلية السعودية)، مشدّداً على أن تلك الجماعات
هي المسؤولة عن الهجمات الدموية التي وقعت في الولايات
المتحدة وأوروبا الغربية.
على ضوء ذلك عاد الكاتب ليؤكّد بأن مصالح «إسرائيل»
والسعودية هي التي تحكّمت بمقاربة واشنطن حيال الإرهاب
في الأسبوع الأول من رئاسة ترامب. وأضاف بأن الحكومتين
الإيرانية والسورية (ايران وسوريا هما من الدول السبع
على لائحة ترامب) أصبحتا من أهم محاربين للجماعات الارهابية
التي تشكّل مصدر القلق الأساس للمجتمع الاميركي والاوروبي.
وقال الكاتب أن ترامب وجرّاء قيامه بوضع ايران وسوريا
على اللائحة إنما يبدو أنه يحاول كسب تاييد تيار المحافظين
الجدد و»الصقور الليبراليين» في واشنطن. ويضيف: كان هناك
أمل بأن ترامب ربما سيحاول على الاقل محاسبة السعودية
على أساس انها الراعية الأولى للارهاب، بدلاً من أن يستمر
بالرواية التي «فرضها الاسرائيليون والسعوديون»، بحسب
الكاتب.
لقد بدت لغة البزنس سائدة في علاقات واشنطن وتل
أبيب والرياض، فالصفقات لا تتوقف بين هذا الثالوث. إزاء
قبول ترامب للرواية الاسرائيلية والسعودية في ملف الارهاب،
جاء دور السعودية ومعها معسكر الاعتدال الاميركي بقبول
فكرة نقل السفارة الاميركية الى القدس المحتلة.
هذا ما لفت اليه المدير التنفيذي لمعهد واشنطن لشؤون
الشرق الادنى روبرت ساتلوف في مقالة نشرت في صحيفة (واشنطن
بوست) في 26 يناير الماضي تناول فيها موضوع نقل السفارة
الاميركية لدى اسرائيل من تل ابيب الى القدس المحتلة.
يقول الكاتب بأن الرئيس الاميركي دونالد ترامب وفي
حال قام بهذه الخطوة سيكون قد صحّح ما أسماه «ظلم تاريخي»،
يرتكب بحق الكيان الاسرائيلي منذ سبعة عقود، بحسب تعبير
الكاتب. وأضاف أن واشنطن لم يسبق وأن اعترفت بشبر واحد
من القدس المحتلة كأراضي شرعية لـ «إسرائيل» ولم يسبق
وأن كان لها تمثيل دبلوماسي لدى «إسرائيل» في هذه المدينة.
وتابع بأن نقل السفارة سيصحح ما وصفه «الخطأ التاريخي».
كذلك زعم الكاتب بأن نقل السفارة الاميركية الى القدس
المحتلة سيعزز فرص نجاح واشنطن بتسوية تفاوضية سلمية بين
«الاسرائيليين» والفلسطينيين والتي ستحل قضايا الوضع النهائي
وقضية «حدود مدينة القدس»، حسب قوله.
وقال الكاتب أيضاً أن نقل السفارة الأميركية إلى القدس
المحتلة سيكون مكسباً للمصالح الاميركية بحيث سيساهم في
تحقيق هدف أشمل وهو معالجة أزمة الثقة لدى حلفاء أميركا
الشرق الأوسطيين، سواء «العرب أم الاسرائيليين»، على حد
قوله.
وتحدّث الكاتب عن وجود إرتياح جماعي لدى زعماء الدول
الحليفة لأميركا في الشرق الاوسط، بسبب نهاية ولاية الرئيس
السابق باراك أوباما، وذلك لأن «العرب والاسرائيليين يعتقدون
أن إدارة أوباما وضعت أولوية على التواصل مع خصوم أميركا
ـ و خاصة ايران ـ في مقابل الولاء لحلفاء أميركا»، بحسب
الكاتب.
وتابع الكاتب أن طي الصفحة في الشرق الاوسط يتطلب من
الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب الإلتزام بإعادة
الثقة و»الألفة» بين واشنطن وشركائها الإقليميين، مضيفاً
أن هذه الاستراتيجية قد يطلق عليها ترامب إسم «حلفاء أميركا
أولاً». كما قال إن قرار ترامب الوفاء بوعده لجهة نقل
السفارة إلى القدس المحتلة سيوجّه رسالة بأن أميركا بالفعل
ستنفّذ وعودها. ورجّح بأن القادة العرب سيتفهمون هذه الخطوة
ولن يعارضوها فيما لو شرح ترامب بأنها جزء من «إعادة اصطفاف»
الأولويات الاميركية في المنطقة وتستند على «القدس الغربية»
التي سيطر عليها كيان الاحتلال منذ تأسيسه، وفيما لو أوضح
ترامب كذلك بأن الخطوة هذه لن تؤثّر على وضعية الأماكن
المقدّسة.
عود على بدء، فإن العلاقات السعودية الاسرائيلية
سوف تشهد نقلة نوعية في عهد ترامب، وإذا أراد الملك سلمان
تنفيذ مخططّه بنقل السلطة الى إبنه محمد، ولي ولي العهد
الحالي، ليصبح وريثاً للعرش فإن المعبر الحتمي بات معروفاً،
ويتمثل في التنسيق الثنائي المشترك بين المملكة السعودية
واسرائيل.
|