تحالفات جديدة
العالم لم يعد آمناً في عهد ترامب
ناصر عنقاوي
في كل مرة يتعمد الغرب وحلفاء النظام السعودي على وجه
التحديد، أي الولايات المتحدة وبريطانيا، تجهيل الرأي
العام الغربي والعالمي حول المنابع الأصلية للإرهاب نكون
أمام موجة تصاعدية من الارهاب..هكذا كان الحال بعد الحادي
عشر من سبتمبر 2001، وكان بعد الحرب على أفغانستان 2001،
والحرب على العراق 2003، ومعارك نهر البارد شمالي لبنان
2007، والحرب في سوريا 2011، وما تخلل السنوات الماضية
من عمليات ارهابية من قبل تنظيمات سلفية تعتنق الوهابية
أيديولوجية مشرعنة للعنف.
كان الافلات من العقاب فرصة مفتوحة للنظام السعودي
كيما يوسّع من نشاطه الارهابي عبر نشر العقيدة الوهابية
المتطرّفة في أرجاء من العالم. لن يكف عن فعل ذلك طالما
أن ثمة في الغرب من يوفر له مساحة للعمل بقدر كبير من
الاطمئنان.
الاخبار حول انتشار التطرّف الوهابي في شبه القارة
الهندية تومىء الى المخاطر المستقبلية ليس على ذلك الجزء
من العالم بل على العالم بأسره، لأن المحاربين الكونيين
باتوا يجوبون الكرة الأرضية بحثاً عن أماكن للقتل.
موقع (آسيا تايمز) نشر تقريراً للكاتب ديفيد هت في
26 يناير الماضي أشار فيه الى أن الهجمات الارهابية التي
شهدتها إندونيسيا وماليزيا في الآونة الأخيرة والتي نفذتها
مجموعات محلية على صلة بتنظيم داعش إنما تنذر بنمو النزعة
الراديكالية في كلا البلدين. وحذّر الكاتب من أن الخطر
هذا لا ينحصر في هامش المجتمع بل يسود ايضاً التيار العام
فيه، مستشهداً بنمو الجماعات «الاسلامية» التي استهدفت
الاقليات الدينية والعرقية.
التقرير لفت الى أن صعود الفكر السلفي هو من عوامل
نشوء هذه الحالة الراديكالية، مضيفاً أن الفكر السلفي
دخل بقوة إلى اندونيسيا وماليزيا في الثمانينات عندما
عاد طلاب العلوم الشرعية الذين كانوا يدرسون في الجامعات
السعودية من أجل نشر هذا الفكر. ويوضح بأن ذلك كان من
نتائج ما أسماه «الهيمنة السعودية» على العالم الاسلامي،
حيث أفادت السعودية من ثروتها النفطية لتحقيق هذه «الهيمنة».
ونقل الكاتب عن سيدني جونز وهي مديرة «معهد التحليل
السياسي للنزاعات»، ومقرّه في العاصمة الاندونيسية جاكرتا،
نقل عنها بأن تأثير الفكر السلفي قد ساهم مع مرور الوقت
بنشوء بيئة «غير متسامحة». ونقل أيضاً عن خبراء آخرين
بأن مسلمي ماليزيا يتحولون الى راديكاليين نتيجة التعاليم
السلفية في النظام التعليمي المدرسي، وأن الفكر هذا أصبح
سائداً داخل التيار العام في المجتمع.
بصورة إجمالية، هناك مقاربات متباينة لعهد ترامب، وكل
يرى فيه نافذة أمل أو بالاحرى فرصة للتصدي للخصوم.
روسياً، طالب مالك صحيفة (ذي انديبندنت) البريطانية
افغيني ليبيديف، من أصل روسي، في مقالة نشرتها صحيفة (واشنطن
تايمز) في 26 يناير الماضي وقال فيها أن «العالم الديمقراطي
يواجه أخطر تهديد منذ الحرب الباردة أو ربما الحرب العالمية
الثانية، والذي يتمثّل بالمجموعات الإرهابية المتطرفة».
وأشار الكاتب الى أنه و برغم من إحراز بعض التقدّم
ضد داعش في سوريا، إلاّ أن التنظيم الارهابي قام بعملية
اعدام جماعي في تدمر. وعليه نبّه من أن القضاء على داعش
و اتباعها لن يكون سهلاً، وأن «سم» داعش ينتشر الى ما
هو أبعد بكثير من الشرق الاوسط.
الكاتب لفت الى أزمة اللاجئين التي تعاني منها أوروبا
وأيضاً الهجمات الارهابية التي ضربت أميركا والتي تمّ
تنفيذها باسم داعش. وأشار الى استمرار عقلية الحرب الباردة
في واشنطن رغم هذا الخطر، وان الكونغرس و البنتاغون يعدّان
التهديد الأخطر أنه يأتي ليس من الجماعات التكفيرية بل
من روسيا، واصفاً هذه العقلية بأنها «عفا عليها الزمن».
ونبّه الكاتب إلى أن النخب السياسية والعسكرية الاميركية
ستحاول منع اقامة العلاقات الايجابية بين الرئيس الاميركي
دونالد ترامب ونظيره الروسي فلادمير بوتين، معتبراً في
الوقت نفسه ان التحالف الروسي الاميركي يمثل الفرصة الافضل
لسحق ما اسماه «الارهاب الاسلامي».
كذلك شدد الكاتب على انه حان الوقت لوقف الشبهات المتبادلة
بين روسيا وأميركا، وان ترامب يمثل فرصة لبداية جديدة
والتعاون مع بوتين ضد تهديد مشترك. وأضاف بأن المصلحة
القومية الروسية وأيضاً الاميركية تقتضى القضاء على ما
اسماه «الارهاب الاسلامي»، وأن على ترامب رفض السياسات
المعادية لروسيا التي تشجعها شخصيات مثل السيناتور الجمهوري
جون مكاين.
في المقابل، تسعى ايران لإنشاء تحالف استراتيجي
ثلاثي مع باكستان والصين لمواجهة ادارة ترامب. وكتب الدبلوماسي
الهندي السابق أم. بادراكومار مقالة نشرت في 27 يناير
الماضي على موقع (آسيا تايمز) سلّط فيها الضوء على تصريحات
رئيس لجنة الامن والسياسة الخارجية في مجلس الشورى الايراني
علاء الدين بروجوردي خلال الزيارة التي قام بها الى باكستان
واستمرت ثلاثة أيام، حيث صرّح بأنه لا يمكن لاي طرف أن
يؤثر على التعاون بين طهران وإسلام آباد.
واشار الكاتب الى ان هذا الكلام ليس موجّه بالضرورة
الى الهند بل انه على الارجح موجّه الى السعودية. غير
أنه لفت كذلك الى كلام بروجوردي عن انشاء مثلث تعاون بين
ايران والصين وباكستان، مشدّداً على أن هذا الطرح يعني
الهند بشكل كبير ويمكن النظر اليه على أنه تطوّر جيوسياسي
كبير في الجوار الغربي للهند.
الكاتب لفت الى ان تصريحات بروجوردي ربما تشكل المرة
الاولى التي يتكلم فيها صوت موثوق في القيادة الايرانية
عن ضرورة وجود «مثلث تعاون» بين ايران و باكستان الصين
كعنصر للاستقرار الاقليمي. وذكّر بأن بروجوردي هو شخصية
مؤثرة في «المؤسسة السياسية في طهران ويتولى أدوار هامة
في مبادرات ايران الدبلوماسية».
كذلك سلط الكاتب الضوء على توقيت تصريحات بروجوردي،لافتاً
الى انها تأتي عقب تنصيب دونالد ترامب رئيساً لاميركا.وقال
إن طهران تتوقع مرحلة تحولات جيوسياسية تشمل منطقة الخليج
وآسيا الجنوبية والوسطى.
كما أوضح الكاتب بأن ايران تتوقع العودة الى السياسات
التدخلية الاميركية كما حصل في حقبة جورج بوش الابن، واعتبر
أن طهران لا شك انها تتابع ما يحصل لجهة عزم ترامب على
اعادة الحميمة الى العلاقات الاميركية الاسرائيلية و»اعادة
مركزية المخاوف الاسرائيلية في صنع السياسة الاميركية
في الشرق الاوسط»، بحسب تعبير الكاتب.
و تابع الكاتب بأن السعودية تتوقع من ترامب تبني موقف
متشدد حيال ايران وإعادة «السلطة الاميركية» الى الشرق
الاوسط خلافاً للسياسات التي اتبعها سلفه باراك أوباما.
كما قال أن إيران بحاجة الى كل ما يمكن أن تحصل عليه من
«عمق استراتيجي» في المنطقة في حال حدوث تصعيد بينها وواشنطن،
منبّهاً في الوقت نفسه الى أنه لم يعد بالامكان استبعاد
هذا التصعيد مع وصول ترامب الى البيت الابيض.
اما عن باكستان فرأى الكاتب أنها هي الأخرى تواجه «المجهول»
في علاقاتها مع اميركا خلال حقبة ترامب. وأشار الى انه
وفي حال قرّر ترامب أنه سيحسم حرب افغانستان عسكرياً،
فان ذلك سيعني ممارسة ضغوط هائلة على باكستان من أجل ضبط
نشاطات شبكة «حقاني». كما لفت الى ان علاقات باكستان الوطيدة
مع الصين ستبقى كذلك تلفت أنظار الولايات المتحدة.
بناء عليه، رأى الكاتب أن طهران تعتقد أن هناك إمكانية
وجود تقاطع مصالح بين إيران وباكستان والصين للتصدي لسياسات
التدخل الاميركية في المنطقة ولتهميش النفوذ الاميركي
عموماً. كما قال أن طهران تعتقد بأن هناك أرضية مشتركة
في موقف كل من إيران وباكستان والصين تجاه التواجد العسكري
الاميركي «المفتوح الأمد» في افغانستان، والذي يضر بمصالح
الدول الثلاث.
على ضوء كل ذلك اشار الكاتب الى امكانية أن تعرب إيران
عن رغبة في مشاركتها بالممر الاقتصادي الصيني الباكستاني.
كذلك نبه الى ما يقال عن امكانية انشاء تحالف في المنطقة
يضم روسيا والصين وباكستان وايران.
الكاتب تحدّث ايضاً عن «تحسن ملحوظ» في العلاقات الايرانية
الباكستانية خلال الاعوام القليلة الماضية، لافتاً إلى
أن لكلا البلدين رؤية مشتركة حيال التهديد المتمثل بصعود
داعش في منطقة أفغانستان وباكستان.
كما تابع بأن إيران بحاجة الى تعاون باكستان من أجل
التصدي لنشاطات المجموعات الارهابية في بعض المحافظات
الشرقية الايرانية، مشيراً الى أن بعض هذه المجموعات ربما
تتلقى مساندة سرية من السعودية. وأضاف بأن ايران لا ترغب
بعودة باكستان الى «الفلك السعودي» وبأن باكستان من جهتها
ستبذل قصارى جهدها من أجل منع عودة المحور الاستراتيجي
الذي يضم الهند وإيران.
الكاتب أكّد على ان الموضوع الأساس هو أن كلاً من إيران
وباكستان تنظران الى الصين على أنها «حصن» ضد الهيمنة
الاميركية. من جهة ثانية، قد تراهن الهند على تدهور العلاقات
بين واشنطن واسلام آباد في عهد ترامب، متوقعاً حصول معركة
دبلوماسية بين الهند وباكستان في واشنطن. وعليه اعتبر
أنه من غير المرجّح أن تستجيب باكستان بالكامل لدعوة بروجوردي
عن إنشاء محور استراتيجي حتى يتم حسم هذه المعركة.
في كل الاحوال، هناك ما يشبه إعادة رسم خرائط وتشكيل
تحالفات جديدة لمواجهة استحقاقات المرحلة المقبلة التي
سوف تكون مختلفة الى حد كبير، وقد يكون الأسوأ مرشداً
فعالاً لاحتواء المفاجئات غير السارّة التي قد يأتي بها
فريق ترامب.
|