السلطان أردوغان في مهلكة سلمان
أردوغان رجل زئبقي، سريع التبدّل في المواقف، ويصعب
أن تثق في استمراره في سياسة واحدة. لا حليف له في الداخل
او في الخارج الا مصلحته شخصياً، وتجاوزاً نقول: ومصلحة
بلاده أيضاً.
لا أصدقاء لديه حتى من بين أعضاء حزبه، حتى أنه قتل
(سياسياً) رئيس الدولة السابق عبدالله غول، وتخلّص من
أحمد أوغلو وزير الخارجية ثم رئيس الوزراء في جلسة شاي.
من صنعوا أردوغان، ضحّى بهم، واتهمهم بالتآمر عليه،
وأغلق مدارسهم وصادر ممتلكاتهم، وزجّ بهم في السجون، وعزل
كل من يشك فيه وأقاله من وظيفته. اقصد هنا جماعة عبدالله
غولن، التي يقول اردوغان انها وراء كل مصيبة وخطأ في تركيا،
ويحملها كل أخطائه وأوزاره.
لقد صعد على اكتافها، وعلى اكتاف بقايا حزب اربكان،
ثم نكّل بالجميع.
الديكتاتور الأكبر أردوغان، صفّى معارضيه ولم يبقَ
منهم الا اشلاء؛ علمانيين كانوا، أم أكراداً، أم إسلاميين
من غير حزبه، أم علويين.
قضى على الجيش وسيطر عليه سيطرة تامّة.
نكب القضاء وسيطر عليه، وأخمد أنفاس الصحفيين والصحافة
والإعلام برمته، ووضع الكثيرين في السجون.
بالامس كان مع داعش، يمرر لها معظم مقاتليها، ويوصل
لها كل اسلحتها، ويشتري منها النفط المسروق عياناً من
العراق وسوريا.
واليوم يظهر لنا كبطل في مواجهتها.
هو اسلامي معتدل، كما يقولون، وقد نصح اخوان مصر بأن
يلتزموا العلمانية، فيما كان هو يسير حثيثاً باتجاه العثمانية!
لا صديق له في الغرب إلا نفسه.
ولا صداقة لديه لا مع ايران ولا روسيا ولا غيرها.
هو سياسي انتهازي بكل ما تحمله الكلمة من معنى. ويستطيع
ان يغيّر سياساته في أية لحظة.
هو اخواني بنظر الإخوان، وقد تلقّى منهم البيعة، في
فبراير 2011. تلقاها من القرضاوي ومن خالد مشعل ومن غيرهم
علناً في مؤتمر على رؤوس الاشهاد.
اليوم في الرياض التي يزورها يقول انه على استعداد
لاعتبار جماعة الاخوان ارهابية، تماماً مثلما فعل مع داعش،
والنصرة، وربما أحرار الشام الإخواوهابية.
ستكون الجماعة الإخوانية ارهابية، اذا ما تمّ دفع الثمن،
من قبل السعودية وامريكا وربما مصر (المظلّة الآمنة) والسوق
والنفوذ السياسي.
وسيبيع أردوغان بقايا المعارضة (المعتدلة) في حال حصل
على الثمن.
كان أمراء آل سعود ولازالوا يخشونه ولا يثقون به. ليس
هم وحدهم في هذا.
لكن آمالهم في استخدامه لتدعيم سياساتهم ومصالحهم فشلت،
وقد تملّص من أكثرها حين وجد انها لا تفيده.
جاءه محمد بن نايف ولي العهد عشية سفره الأخير الى
طهران ، فخرج من عنده خالي الوفاض، وفي طهران عقد صفقات
اقتصادية لصالح بلده، او هكذا يُظن.
حاولت الرياض جرجرته لحرب اليمن، وشجعه الإخوان على
ذلك، لكنه لم ينزلق فيها وإن كان قد أيّدها، كون الرياض
لم تدفع ثمناً، ولأن التجربة العثمانية في اليمن لها مرارتها
الخاصة في الذاكرة التركية.
وافق اردوغان على ان ينضم الى التحالف الإسلامي ضد
الإرهاب، طالما انه مجرد تحالف ورقي، لا يكلفه شيئاً،
وقد تستدعي الظروف الاستفادة منه لصالح سياساته في العراق
وسوريا.
الرياض تريد اردوغان أن يتمدد على حساب إيران، حتى
يعود نفوذها القديم. لكن اردوغان لو فعلها ـ وهو لم يستطع
ـ فإنه لن يسلم نفوذا للرياض بلا ثمن، او حتى بأي ثمن
كان.
خشيت الرياض من تمدد اردوغان في مجال نفوذها السني
والخليجي (محاولته الوساطة لحل أزمة البحرين) فأوقفته.
سمح اردوغان للرياض بأن تمارس دورها عبر تركيا لتخريب
الوضع في سوريا ـ تمويلا وتسليحاً، ولكنه في النهاية ورث
كل جهدها (تقريباً). كما ورث كل ما فعلته قطر، وما دفعته
قطر!
وجدت الرياض نفسها غير مدعوة في الأستانة؛ فأرادت ان
تعود عبر بوابة (المنطقة الآمنة) التي دعا لها ترامب ورحب
بها أردوغان.
قالت لأردوغان تعال نحيي التحالف الاستراتيجي الورقي
الذي وقعناه العام الماضي، ونفعّله ضد ايران، ونقلب الوضع
في العراق، ونتشارك المغانم في اليمن، مع الاستعداد لدفع
ثمن المنطقة الآمنة.
حضر اردوغان الى الرياض، واستقبل بكل حفاوة، وكل همّه
كان استلام ثمن المنطقة الآمنة، دون ان يدفع مغنماً للرياض،
إلا ان يسمح لها بمحاربة داعش. اي تدفع الدم والمال، وفي
النهاية المصلحة له وحده، لا شريك له!
اليمن لا يغري، وايران يكفي شتمها على الخفيف من منصة
البحرين، ارضاء للرياض. وأما المصالح التركية فباقية وتتمدد.
هناك من يدفع في الخليج، السعودية خصوصاً، وهناك من
يلعب من وراء الستار لعبته المفضلة، ويغري حكام السعودية
بكثير من التضليل والأوهام، زيادة على الأوهام التي صنعوها
لأنفسهم.
غادر اردوغان الرياض منتظراً الخطوة التالي من ترامب،
والفاتورة الموعودة التي ستدفعها الرياض، وجنودها الذين
سيقاتلون في الرقّة، إن ارادت الرياض ذلك.
رزق العاطلين يدفعه المجانين في الرياض!
مثلٌ قد يصدق قريباً.
|