دولة الارهاب
قرار ترامب بحظر السفر على سبع دول إسلامية واستثناء
المملكة السعودية لا علاقة له بمكافحة الارهاب، وإن أغرقنا
جنابه بأدلة من كل بقاع الأرض..وفي الأساس، فإن القرار
يتناقض شكلاً ومضموناً مع الحقائق التي باتت معروفة، والدراسات
المستفيضة التي أعدّتها مراكز تخصصية، ومؤسسات رسمية (وزارة
الخارجية الأميركية على وجه الخصوص.
على سبيل المثال، بحث تخصّصي بعنوان (تصدير المملكة
العربية السعودية للإسلام المتطرف) للباحث أدريان مورغان
كتبه قبل عشر سنوات تحدّث فيه عن النفاق السعودي في الحرب
على الأرهاب «حيث تقوم بتمويل المساجد إلى تدعو إلى ذات
الفكر المتطرف، وتدعو إلى الجهاد الذي يؤدي إلى الإرهاب».
في تقرير صادر عن بيت الحرية في شتاء 2004-2005، بعنوان:
(مطبوعات سعودية عن فكر الكراهية تملأ المساجد الأمريكية)،
اعتمد فيه على خلاصة عمل باحثين متطوعين قاموا بجمع أكثر
من 200 نسخة من الكتب والمطبوعات الأخرى من خمس عشرة مسجداً
في الولايات المتحدة. وغالبية هذه الكتيبات كانت مكتوبة
باللغة العربية. وهذه المطبوعات تحرّض على أتباع الديانات
الأخرى وتأمر الناس بكراهية خدمهم من غير المسلمين.
وفي تقرير لمحلل الإرهاب والمحقق الفرنسي، جين شارلز
بريسارد، أعدّه لحساب مجلس الأمن الدولي في ديسمبر 2002،
أشار إلى أنه بين عامي 1992 و2002، تلقى تنظيم القاعدة
بين 300 و500 مليون دولار من رجال أعمال وبنوك سعودية.
وعلى حد بريسارد، فإن عبد الله بن عبد المحسن التركي،
الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي (التي تأسست في مكة
عام 1962م)، دخل في عام 1999، في مفاوضات تجارية في إسبانيا
مع محمد زيودي، جامع الأموال الرئيسي لتنظيم القاعدة في
أوربا. بينما كان عبد الله التركي مستشاراً للملك فهد،
وفي نوفمبر 2003، منح الملك عبدالله الشيخ التركي جائزة
على عمله الدعوي.
وفي 13 يوليو 2005، قال ستيوارت ليفي، وكيل وزارة الخزانة
الأمريكية أن أثرياء سعوديين كانوا مصدراً رئيسياً لتمويل
إرهاب الإسلاميين على مستوى العالم. وذكر ليفي في جلسة
استماع لإحدى اللجان بمجلس الشيوخ حول تمويل الإرهاب،
أن رابطة العالم الإسلامي ومؤسسات خيرية سعودية أخرى «لا
تزال تشكل مصدر قلق بالنسبة لنا».
ومن المعروف ان التطرّف الديني يبدأ، بحسب معطيات عديدة
وتقارير ميدانية، من حقل التعليم الحكومي، إذ تبدو حصة
المادة الدينية في التعليم الجامعي مرتفعة بصورة لافتة.
في تقرير لوحدة التقارير الاقتصادية بصحيفة (الاقتصادية)
في 4 إبريل 2014 أن مجالين من مجالات الدراسة المتوافرة
في الجامعات السعودية استحوذا على نسبة كبيرة من خريجي
الجامعات السعودية بمجالات الدراسة كافة، وهما مجالا الدراسات
الإنسانية والدراسات الإسلامية، حيث استحوذا على 37 في
المائة من إجمالي خريجي الجامعات السعودية.
وحين نقترب قليلاً من هوية المتخرّجين في واحدة من
أبرز الجامعات الدينية، وهي الجامعة الاسلامية في المدينة
المنورة سوف نتفاجأ بأن كثيراً من رموز التنظيمات الارهابية
في القاعدة وداعش وتفريعاتهما هم من المتخرّجين في هذه
الجامعة من أمثال: عبد الله عزّام، أبو محمد المقدسي،
أبو أسامة الذهبي، وأبو أنس الشامي، حامد بن عبد الله
العلي، حسام الدين عفانة، سالم الشيخي، صباح علاوي السامرائي،
زهران علوش، عبد الكريم بن صنيتان العمري، فارس آل شويل.
للإشارة فقط، أن حركة جهيمان العتيبي كانت مؤلّفة في الغالب
من طلاّب الجامعة الاسلامية في المدينة المنورة. وسوف
نجد عشرات الكوادر العسكرية في تنظيمات سلفية في أفريقيا
وفي آسيا الوسطى وأوراسيا هم ممن انتظموا في صفوف الدراسة
في جامعات دينية سعودية أو في معاهد دينية برعاية وتمويل
الحكومة السعودية..
ومن المفارقات الباعثة على السخرية أن زيادة جرعة المادة
الدينية في التعليم الجامعي وحتى انتشار المساجد وزيادة
عدد الدعاة لايعني درجة عالية من الانضباط والالتزام الديني.
ونستدعي هنا ما ذكره موقع (ذي جنرال) في 9 يونيو 2014
بأن
«إيرلندا هي البلد الأكثر تطبيقا لتعاليم القرآن الكريم
على مستوى العالم»، وليست المملكة السعودية. أكثر من ذلك،
فإن من يأتي في المرتبة الثانية والثالثة في اتباع تعاليم
القرآن الكريم هما دولتان من غير العرب وغير المسلمين
وهما الدنمارك ولوكسمبورغ.
لم تكن تلك خلاصة دراسة مراكز متعصّبة ولا منحازة لهذه
الدول، وإنما من باحثين أكاديميين أحدهم البروفسور حسين
عسكري في الشؤن الدولية في جامعة جورج واشنطن، وشهيرزاد
رحمان، وهما من خلصا الى هذه النتيجة القائمة على كيفية
تطبيق الدول لدروس القرآن في الحياة الإجتماعية.
فمن يحاول ربط الارهاب بالاسلام عليهم أن يعيدوا قراءة
ما ذكرناه هنا، والتأمل جيداً في ماذا يعني أن تكون هناك
زيادة في الجرعة الدينية، ويصبح الالتزام الديني منخفضاً،
وأن تكون السعودية أكثر من يصدر عن العنف والتطرف في العالم
ولكن في المقابل هي الأكثر إستعمالاً للخطاب الديني/الاسلامي..
فيض من المقالات الصحافية التي نشرت في صحف كبرى أميركية
وأوروبية تشكّك في خلفية قرار ترامب باستثناء المملكة
السعودية من قائمة الدول المحظورة السفر الى الولايات
المتحدة. بالنسبة لكتّاب هذه المقالات أن الخطورة تكمن
في أن الاستثناء يعني المزيد من الهجمات الارهابية المرتقبة،
كما يعني التواطؤ مع الدولة الراعية للإرهاب، يعني ترجيح
المصلحة الشخصية على أمن وحياة الشعب الأميركي الذي سوف
يدفع ثمن جريمة يقترفها الرئيس الأميركي الذي يفترض أن
يكون في موقع المدافع عن حياة شعبه وليس عن مصالحه التجارية.
|