المذهب.. المصلحة، والأمن

باكستان بين السعودية وإيران

توفيق العباد

المصالح التي تجمع باكستان وإيران تتجاوز بأضعاف مصالح باكستان والسعودية، التي تكاد تقتصر على الأموال التي تقدّمها السعودية لبعض الساسة الباكستانيين من أجل شراء مواقف سياسية باكستانية؛ فيما ترتبط اسلام آباد وطهران بعلاقة جوار، وشراكة أمنية واقتصادية واجتماعية، وأيضاً ثقافية. ما تريده السعودية من باكستان لا ينفك بحال عن الخصومة المذهبية والسياسية مع ايران، وهذا ما يدفع السعودية لأن ترسم مشروعها الخاص في باكستان على خلفية طائفية غالباً. ومع أنه لم يعد خافياً اليوم بأن الأموال السعودية تقف وراء انتشار التطرف في المدارس الدينية في باكستان وأندونيسيا وماليزيا.. فان الرياض مصرّة على تعميم خطابها الوهابي المتطرف على حساب خطاب التسامح في باكستان، والتعايش بين الصوفي والشيعي والسلفي.

المؤرخ البريطاني وليام دالريمبل، كتب مقالة في صحيفة (الغارديان) في 20 فبراير الماضي، أشار فيها الى التفجيرات التي ضربت باكستان وآخرها في منتصف فبراير الماضي والذي استهدف مزاراً صوفياً في مدينة سهوان أودى بحياة قرابة تسعين شخصاً. تلك التفجيرات تجاهلها الإعلام السعودي كليّاً، فيما كانت حديث القنوات التلفزيونية العربية والعالمية.

يرى الكاتب والمؤرخ دالريمبل، أن التفجير أظهر مدى امتداد (داعش) وسهولة تنفيذها هجمات إرهابية داخل باكستان، محذّراً انها قد أصبحت بنفس مستوى خطورة حركة طالبان باكستان، ووصف تفجير المزار الصوفي بأنه تطور «مشؤوم» للعالم؛ موضحاً أن الثروة النفطية السعودية تغذّي تياراً متنامياً معادياً للصوفية في العالم الاسلامي، معتمدة على الثروة النفطية التي بدئ ومنذ السبعينيات في استخدامها لنشر المعتقدات «المتطرفة» حول العالم، وهو ما أدى الى تلقين العديد من المسلمين معتقدات بعيدة عن «التسامح الصوفي”.

وفي تقدير الكاتب فإن الهجوم على المزار الصوفي، مؤشر على اتجاه الاسلام في العالم، وعلى ما اذا كان سيحذو حذو «الاسلام المعتدل التعددي» أم الاسلام الوهابي والسلفي المموّل سعودياً. وقال إن الاسلام في منطقة آسيا الجنوبية يشهد مرحلة شبيهة بما شهدته أوروبا في القرن السادس عشر مع صعود المسيحيين المتشددين؛ مُذكّرا بأن أحد أسباب الإنتشار السريع «للتشدّد» الوهابي والسلفي في باكستان هو التمويل السعودي للعديد من «المدارس» التي ملأت الفراغ الناتج عن انهيار النظام التعليمي لدى الدولة.

 
مزار سهوان شريف: انتحاري وهابي قتل فيه اكثر من 90 شخصا!

وأضاف أنه من الأجدر أن تقوم الحكومة الباكستانية بتمويل المدارس التي تعلّم إحترام تقاليد الأديان بدلاً من أن تشتري الطائرات الحربية من الولايات المتحدة وتترك القطاع التعليمي للسعوديين. وحذّر من أن باكستان تتحول أكثر فأكثر الى ما كانت عليه أفغانستان قبل هجمات الحادي عشر من سبتمبر، حيث يتم احتضان الراديكاليين الدمويين ويزداد نفوذ جماعات مثل داعش، ويتعرض كذلك «المسلمون المعتدلون والاقليات الدينية للاضطهاد والقتل”.

نشير الى أن الجيش الباكستاني أعلن حملة عسكرية على مستوى وطني لملاحقة العناصر الارهابية في كل أرجاء باكستان بعد التفجيرات الارهابية. وقد حظيت الحملة بدعم الجارة الغربية لباكستان، أي إيران، وهناك تعاون وثيق بين الدولتين في مجال مكافحة الارهاب.

هنا يكمن الخلاف الباكستاني السعودي، وهو ما لفت إليه الباحث الأميركي بروس ريدل في مقالته في (المونيتور) في 19 فبراير الماضي، حيث أشار الى حالة الغموض التي تسود البلاد بعد تعيين قائد الجيش الباكستاني السابق الجنرال رحيل شريف، القائد الاعلى للتحالف الاسلامي الذي أنشأته السعودية في منتصف ديسمبر 2015.

ولفت ريدل الى أن خبر تعيين شريف في هذا المنصب كان موضع انتقاد واسع داخل باكستان، وأكّد على «التوتر في العلاقات السعودية الباكستانية”، وأن الغموض حول هذا الموضوع يعود بشكل أساس إلى الجدل داخل باكستان عمّا اذا كان على شريف تولي هذا المنصب. وتابع بأن «التحالف الاسلامي» المزعوم لا يتضمن ايران والعراق، وأنه يعني في جوهره «حلفاً سنياً ضد الشيعة»، على حد تعبير ريدل؛ الذي نبّه الى أن المناورات العسكرية التي يجريها هذا «الحلف» موجهة «بوضوح الى ايران»، مشيراً في الوقت نفسه إلى أن «المجتمع الشيعي» في باكستان وكذلك «السياسيين السنّة» يعارضون أخذ موقف معاد لايران، وأن رئيس الوزراء الباكستاني نواز شريف عازم بقوة على منع باكستان من تغيير مقاربتها «المتوازنة» في «الخصومة السعودية الايرانية».

ريدل ذكر بأنه قد تكون هناك بعض الخلافات داخل السعودية حول تعيين «رحيل شريف» قائداً للحلف، إذ أن هذا التعيين قد يعني تراجع نفوذ ولي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان الذي أعلن انشاء الحلف. وعموما، فإن تعيين رحيل شريف لم يكن يحظى بتأييد شعبي باكستاني، بل تحدّثت قيادات شعبية باكستانية عن أن شريف يغامر بسمعته التي اكتسبها، وعليه أن يقرر أين يقف في هذا السجال الذي بالتأكيد سوف يتقرّر على أساسه مصيره السياسي.

في كل الأحوال، فإن باكستان التي يمثل الجيش والمخابرات القوة الفعلية الحاكمة في إدارة الدولة، تضع أولوية الأمن على ما سواها، وإن لم تخل المؤسستان العسكرية والأمنية من الفساد، ولكن هناك ثوابت تفرض نفسها على قادة المؤسستين، وأن تخطيها يعني خسارة النفوذ..

إن سعي السعودية الى تحويل باكستان خصماً لإيران ينطوي على مخاطر كبيرة جداً على البلدين الجارين والمنطقة بصورة عامة، وهذا ما يدركه القادة السياسيون في البلدين، ويعدّونه لعباً في المنطقة المحظورة، وبالتأكيد لن تسمح باكستان أن تدخل في مواجهة مع ايران في الوقت الذي بامكانهما أن يحققا مكاسب جمة مشتركة من خلال الصداقة والشراكة.

الصفحة السابقة