|
|
|
ترامب لابن سلمان: نصف ثروة
السعودية مقابل الحماية! |
|
الملك سلمان.. البحث عن حماة
جدد للعرش السعودي |
السعودية على فوهة التغيير والتفجير
خالد شبكشي
هناك شيء ما يحدث في المجتمع السعودي، وعلى مستوى النخبة
السياسية في آن معا. ويبدو ان جهات عديدة باتت تدرك صعوبة
تجاهل حقيقة ان هذه الدولة السعودية، لم يعد بالامكان
ابقاؤها في مرحلة السكون والغياب عن تطورات المنطقة، وسنن
التاريخ. هناك مخاض يموج بتطورات وعوامل فاعلة، بعضها
بدأ يعطي اشارات واضحة بتأثيره على مسار التغيير المرتقب،
وعوامل اخرى متوقعة يسعى النظام وإعلامه الى اخفائها.
بعض الاطراف الدولية باتت مستعدة للقبول بأن السعودية
تشهد عملية مخاض وتستعد للتغيير، سواء في تركيبة السلطة
الحاكمة، او العقلية التي تدار بها شؤون الدولة الداخلية
والخارجية.. لكن السؤال يبقى في اي اتجاه يجري هذا التغيير
المتوقع؟ وهل يمكن توقع مآلاته؟ وما هي السقوف التي تحدد
اتجاهاته ومدياته؟.
من المسلم به في الاوساط الخارجية الراعية لهذا النظام،
أنه شاخ وهرم، ولم يعد بالامكان تسويقه وتلميعه في القرن
الواحد والعشرين، وفي اطار الانقلابات العميقة التي تشهدها
المواقع السياسية والايديولوجية في المنطقة، والتي اطاحت
بأنظمة جرى الاعتقاد انها راسخة وقوية، بعد ان انفقت المليارات
على اجهزتها الامنية، لتعصمها من سنة التغيير والتطور.
تململ حلفاء آل سعود
ولعل الراصد لمواقف الاطراف الخارجية التي تعتبر حامية
للنظام السعودي، والتي انشأته تاريخيا، يدرك حجم التململ
الذي تعيشه للاحتفاظ بهذا الإرث الثقيل بجموده وفشله.
ومثال ذلك ما يمكن ان يلاحظه المراقب لما يدور في المؤسسات
البريطانية، من جدل عميق وخلاف واسع حول امكانية الاحتفاظ
بصداقة هذه الدولة وحماية نظامها، التي يرى البعض من النخبة
البريطانية انها فقدت مبررات وجودها، وأصبح الدفاع عنها
سلوكا مفضوحا وغير عقلاني، في مقابل الحاجة الى اعادة
صياغة السلطة الحاكمة وتوجهاتها، ودورها الوظيفي، في ظل
المتغيرات الدولية والاقليمية. والاهم من ذلك في ظل تبدل
المعطيات الداخلية، وبروز قوى جديدة في المجتمع السعودي،
لم يعد بالامكان تجاهل دورها وتطلعاتها.
ولا تزال الاجهزة البريطانية، والنخبة الحاكمة، بما
فيها العائلة البريطانية المالكة، تحتفظ بالكثير من الرغبة
في الحفاظ على العلاقة التاريخية بين المملكة المتحدة،
والكيانات التي انشأتها في مرحلة الاستعمار في الجزيرة
العربية. اذ ترى هذه النخبة انها لا تزال بحاجة الى استمرار
امتدادها في هذه المنطقة الرخوة سياسياً، والمهمة استراتيجيا..
حيث لا تزال منطقة الشرق الاوسط، وعمقها الصحراوي، نقطة
ارتكاز للسياسة الدولية، وصراع المصالح بين القوى المهيمنة.
فهي اضافة الى ما تختزنه من ثروات ضخمة، لا غنى عنها في
احتياطيات الصناعة الغربية، فإنها تمثل موقعا استراتيجيا
لم يفقد اهميته التاريخية على مر العصور، للفصل عسكريا
بين القوى المتنافسة، او التواصل اقتصاديا بين الغرب المتسيد
عسكريا واقتصاديا، والشرق ـ مترامي الاطراف ـ المتحفز
للمنافسة على قيادة العالم، وانهاء عصر الامبراطوريات
الغربية، الاميركية والاوروبية على حد سواء.
وتعتقد النخبة السياسية البريطانية، وكارتل رجال الاعمال
والاستثمارات، ان السعودية ومعها دول الخليج الاخرى، من
اسهل المناطق انقياداً وطاعة وابتزازاً، وأنها الاقل كلفة
في السيطرة عليها، لتمرير سياساتها وربطها بالمصالح الغربية
حتى الان، اذ لا تجد السياسات الغربية فيها ما تعانيه
من رفض وتمرد في المناطق الاخرى من العالم، لان النخب
السياسية والمثقفة عموما اكثر انقيادا وقبولا للالتحاق
بالغرب وقبول هيمنته.
وهذه الحقيقة تقف في خلفية تفكير طرفي المعادلة في
الجدل الداخلي البريطاني. اذ ان الذين يدفعون باتجاه احداث
التغيير في الهيكلية السياسية في السعودية، ينطلقون من
ذات الدوافع التي يستند اليها المحافظون الذين يرفضون
المسّ بشكل السلطة في المملكة السعودية، ويدافعون عن فسادها
واخطائها.
الا ان الفارق بينهما، هو ان دعاة التغيير يخشون ان
تتسبب العائلة السعودية الحاكمة واساليبها الديكتاتورية
بكارثة سياسية، تفرض التغيير من خارج السيطرة الغربية،
وتطيح بالمصالح البريطانية والاميركية، ويرون ان من الضروري
فرض التغيير ضمن المفهوم الغربي الان، حتى ولو كان ذلك
مؤلما لطبقة سياسية كسولة مستبدة وفاسدة، باتت عائقا امام
كل تقدم وتطور.
الموقف الاميركي عبر عن الحقيقة ذاتها، وعن ذات الرؤية
التي يتم تداولها في الاروقة البريطانية. الا ان اسلوب
العمل الاميركي أتى أكثر فجاجة ومباشرة، فكان صادما للعائلة
السعودية الحاكمة وحاشيتها وبطانتها.
فالخطاب الذي تردد على لسان الرئيس الاميركي دونالد
ترامب، قبل نجاحه في الانتخابات وبعد نجاحه في تسلم قيادة
أمريكا.. وهو خطاب مليء بالإحتقار، وصريح في الإبتزاز..
لا يمكن النظر اليه باعتباره زلة لسان، ولا جموح رجل مغامر،
ولا جزءا من الخطاب العنصري التقليدي لليمين الاميركي..
اذ ان هذا الخطاب تردد في حلقات تلفزيونية وخطب جماهيرية،
وحظي بتأييد ملايين الاميركيين الذين انتخبوا ترامب ودفعوا
به الى البيت الابيض. وهو في الاجمال ما يمكن ان نعثر
على معادل له في العديد من وجهات النظر التي تنشرها الصحافة
الاميركية، ويجري تعبئة الشارع بها، وكيف انها تمثل استجابة
لعواطف هذا الشارع في احيان كثيرة.
فالسعودية لم تعد حليفاً موثوقا يمكن ان تحرص عليه
الولايات المتحدة، بل اصبحت رمزا للشر بالمفهوم الاميركي،
كونها مصدرا للارهاب، وصورة أكثر انحطاطاً للانظمة المتخلفة
والديكتاتورية، والاكثر بعدا عن المفهوم الغربي للديمقراطية.
وكثيرا ما عبر المثقفون والاعلام الاميركي عن مواقف
معادية للنظام السعودي، وساخرة من العائلة المالكة.. بل
انه قلما تغيب في الإعلام الغربي، صورة النظام القامع
للحريات، والمولد للارهاب القاعدي والداعشي، والحاضن للفكر
التكفيري الوهابي المتطرف، الذي مازال ينشر موجة ضخمة
من التوحش في المنطقة، تهدد العالم الغربي، بل العالم
بأسره، بطريقة او بأخرى.
ولكن هل يدرك النظام السعودي ذلك؟
لا شك ان هذه الرسائل قد وصلت الى الامراء القابضين
على السلطة في المملكة السعودية ومستشاريهم. ذلك انها
لم تعد رسائل مشفرة تحتاج الى تعمق في فهم ألغازها. فما
يريده الغرب قاله علنا، وابلغه للمعنيين السعوديين في
اكثر من مناسبة.
ولهذا فإن ما يجري داخل النظام والدولة، يمثل تعبيراً
عن ردة الفعل تجاه هذا القلق المستجد، والقناعة بأن مرحلة
الاطمئنان الى الدعم الخارجي غير المحدود، والسيطرة الداخلية
المطلقة، لم تعد قائمة.
العائلة السعودية الحاكمة بدأت بالفعل عمليات التجميل
لتغيير الصورة دون المضمون، بغية التكيف مع المعطيات الدولية
والداخلية، دون المس بجوهر هيمنتها على مقدرات البلاد
وتفردها بالسلطة والثروة.. وهي اتخذت في هذا السبيل طريقين
متكاملين: ١/ البحث عن حلفاء جدد لتعويض التخلي الاميركي
(المحتمل حتى الآن) عنها؛ ٢/ وتطوير النظام ـ وظيفياً
ـ ليتواءم مع متطلبات الاستراتيجية الغربية المتغيّرة،
بما يعيد ثقة الغرب فيه وفي قدرته على البقاء والحياة؛
ولإقناع الدول الغربية بأن نظام العائلة المالكة جادّ
في خدمة الغرب استراتيجياً، وأنه قادر على تطويع ذاته
من أجل تقديم أفضل خدمة له.
الملك يبحث عن حلفاء
من هذا المنظور، فإن كل ما اقدم عليه النظام السعودي
في السنوات الماضية، عبر عن عدم قناعته بأنه لا يزال يحظى
بالرعاية الدولية كما كان منذ نشأته. فالثقة بالحليف الاميركي
تزعزعت؛ والعلاقة مع البدلاء الاوروبيين لا تتعدى الاطار
الزبائني قصير الامد، اذ ليست هناك استراتيجية اوروبية
شاملة يمكن التعويل عليها.
وفي هذ الاطار جاءت محاولات النظام المستميتة لانشاء
تحالفات وتكتلات، ليس لانجاز اهداف عسكرية فحسب، في اطار
الصراعات التي انخرط فيها على المستوى الاقليمي، بل لكي
تشكل سورا من الحماية والدفاع عن النظام نفسه في مواجهة
العواصف التي تحيط به.
فمن التحالف العشري للعدوان على اليمن، الى التحالف
الاسلامي عبر الواتس آب لمحاربة الارهاب، الى مد الجسور
مع مصر تارة، ومع تركيا تارة اخرى، باعتبارهما قوتين اقليميتين
كبيرتين، وصولا الى الاحتماء بالبيت الخليجي، والروابط
بين امارات ومشيخات هذه المنطقة.. كلها محاولات للبحث
عن مصدر للقوة يعيد ثقة النظام بنفسه ومستقبله.
وفي هذا السياق جاءت جولة الملك الاخيرة في اسيا؛ وهي
جولة مطولة لم تجد الصحافة الغربية اي تفسير لاستمرارها
كل هذه المدة لما يقرب من شهر.
فلماذا يمضي الملك السعودي شهراً في آسيا؟؟
سؤال طرحته صحيفة واشنطن بوست الأميركية، مع توجه الملك
سلمان إلى الصين واليابان، بعد زيارته لماليزيا وأندونيسيا..
قبل العودة الى الاردن للمشاركة في القمة العربية.
وعلى الرغم من ان الصحافة السعودية حاولت ان تعطي انطباعا
بأن الزيارة ذات اهداف اقتصادية، وتستهدف التهيئة لانجاح
مشروع الرؤية السعودية 2030، وهو امر صحيح جزئيا، الا
انه لا يكفي لتفسير ابعاد الزيارة من كل جوانبها، وقد
جاءت مؤشرات عدة تؤكد ان البعدين الامني والسياسي هما
في صلب اهداف الزيارة.
فقد حرص الملك سلمان في كل المحطات التي حل بها في
جولته الاسيوية على ان يشتري التصريحات المؤيدة لدور المملكة
ومكانتها، مستحضراً دائما الصراع السعودي الايراني، وداعيا
كل من استطاع من رسميين واعلاميين لاطلاق المواقف المعادية
لايران والمحرضة على المواجهة معها.
وبديهي القول ان العلاقة مع ايران والمواجهة معها لا
تخدم اي هدف اقتصادي، بل هي جزء من استراتيجية التوتير
التي تعتمدها العائلة السعودية الحاكمة لاستقطاب الحلفاء،
وبناء شبكة أمان تحمي بها نظامها في وجه ما تعتبره تهديدا
وجوديا لها، في حال تغيّر الأمريكي او الأوروبي وقرر التخلّي
او حتى التلكّؤ عن حماية العرش السعودي.
واذا كان الملك سلمان قد حصل على جوائز ترضية كلامية
من مستضيفيه الاندونيسيين والماليزيين، الا ان ما سمعه
من التنين الصيني، كان كافيا لصب الماء البارد على الرؤوس
الحامية، اذ اكدت بكين استعدادها للوساطة بين ايران والسعودية،
داعية الى التعاون بدل التصادم، لتأمين بيئة افضل للاستثمار
الذي تسعى اليه، وتأمين وارداتها النفطية من البلدين.
وهذا ما دعا الكاتب جوناثن فولتن، في الواشنطن بوست
للقول، بانه على الرغم من أن التجارة مهمة في الملفات
التي سيعرضها الملك سلمان، إلا أن دور آسيا المتنامي في
أمن المنطقة، ستكون إحدى أبرز سمات الرحلة. واعتبر الكاتب
أن التوترات بين الولايات المتحدة وحلفائها في الخليج،
دفع دول مجلس التعاون إلى البحث عن قوى اخرى تقوم بدور
أكبر في المنطقة.
ولكن ما الذي يتوقعه الملك السعودي من الجار الاسيوي؟
وهل يمكن لماليزيا واندونيسيا وحتى الصين، ان تعوض غياب
المظلة الامنية الاميركية والاوروبية عن النظام السعودي؟
وهل يريد الملك السعودي فعلا ان يجد بديلا للحماية
الغربية، ام انه يرغب في اثارة الغيرة في قلب الحبيب الاميركي
بالتلويح بالمنافسة مع العذول الصيني؟
ولا يخفى ان زيارة محمد بن سلمان الى واشنطن، وطلب
ترامب نصف ثروة السعودية لحمايتها، ولخوض مشروعها العسكري
في الحرب على ايران، مثّلت فاجعة لآل سعود، وأثبت ترامب
والحلفاء الغربيون عامة، بأن السعودية المترنّحة تحت وطأة
الأزمات السياسية والعسكرية والإقتصادية، ليس فقط لا تثير
شفقتهم، بل اعتبروها فرصة لابتزازها اكثر مهما كانت الظروف،
وكأن هؤلاء يستعجلون رحيل آل سعود، أو على الأقل إيقاعهم
في الأزمات اكثر فأكثر.
ان كل ما تقدم يؤكد حقيقة واحدة تقول بان الهاجس الامني
بات يؤرق فعلا بال اركان النظام، وهم يرون عجزهم عن شراء
الدعم والحماية، سواء بالمال الذي بدأت منابعه بالجفاف،
او بالدور الوظيفي الذي لم يعد مغريا لاصحاب المشاريع
والمخططات، اثر مسلسل الفشل المتراكم والمركّب الذي مُنيت
به السياسة السعودية في كل ساحات الصراع التي انخرطت فيها
لحساب المشروع الاميركي والاسرائيلي في المنطقة.
ولعل هذا هو السبب في تصاعد التوتر في سلوك النظام
الامني السعودي، وتشدده حتى مع حاضنته النجدية الوهابية،
فكانت بوادره في الاعتقالات التي طالت رموزاً من المدرسة
الوهابية، كما يظهر في رد فعل الشارع المُسعوَد الذي بدأ
يمتلك الجرأة اكثر فأكثر في تحدي النظام، والتصويب على
فشله وعجزه، في ظل تزايد الأزمات المعيشية والبطالة والفساد.
من هنا، لا يُعدُّ كثيرا، القول بان السعودية باتت
تسير حثيثا باتجاه فوهة بركان التغيير، او التفجير، أو
كليهما، مهما حاولت آلة النظام إبطاء ذلك او حرفه عن مساره،
بإشعال الحروب الخارجية تارة، واثارة النزعات المذهبية
والصراعات الجانبية تارة اخرى، لإشغال الرأي العام عن
همومه الحقيقية.
|