أحمد عسيري يكذب ومصر تهزّ الشباك السعودية!
هيثم الخياط
اللواء أحمد عسيري أشعل بدون قصد فتيل الخلاف المصري
السعودي.
فرغم أن الرجل قد جرى إعداده ليطلّ على الجمهور العربي
والأجنبي مدافعاً ومنافحاً عن (عاصفة الحزم) ومن ثم (إعادة
الأمل)، ورغم أنه أثبت براعة في الخطاب، وقدرة في الإلتفاف
على الأسئلة الشائكة، وخبثاً كبيراً في قلب الحقائق..
إلا أنه سقط هذه المرّة في الإمتحان.
في مقابلة مع عسيري مع قناة العربية، قال ان مصر عرضت
ارسال أربعين ألف جندي للقتال الى جانب الشرعية المزعومة
في اليمن.
تفاعل الخبر في مصر وفي وسائل الاعلام العربية خاصة
المصرية والسعودية، وكانت النتيجة أن الاعلام المصري كذّب
مقالة عسيري، لكن ذلك لم يكف، فاضطرت مصر رسمياً عبر متحدث
مسؤول لتكذيب مقولة عسيري وليضيف أمراً مهماً، وهو ان
واحداً من الخلاف السياسي بين مصر والسعودية تكمن في (حرب
اليمن)!
مصر صاحبة التجربة المأساوية في اليمن، حيث حرب الستينيات
التي أتت على ارواح آلاف الجنود المصريين، لا يمكن ان
تجرب وتجازف بحرب برية لخاطر آل سعود وهي تعرف انه يستحيل
فيها الإنتصار.
ومصر التي ترى الهزيمة واضحة لآل سعود في اليمن، لا
يمكن أن تنخرط فيها بجنود على الأرض مهما كان الثمن.
ومصر التي بينها وبين آل سعود خلافات عميقة، كيف لها
أن تعرض المشاركة بأربعين ألف من قواتها البرية للقتال
بالنيابة عن جيش الكبسة السعودي، رغم انها تشارك رمزيا
في الحرب الجوية والبحرية؟
الاتصالات الدبلوماسية بين الرياض والقاهرة، أثمرت
عن اتفاق ينفي فيه عسيري مقولته الكاذبة، وهكذا كان. لكن
القاهرة لم تكتف بذلك، ولا بالتبريرات التي أوردها تراجع
عسيري، الذي قال ان مصر عرضت المشاركة في قوات عربية سبق
ان ناقشتها الجامعة العربية (الموضوع مختلف تماماً). لهذا
كان لا بد من بيان مصري يضع النقاط على الحروف، ولا يخفي
وجود اختلاف مع آل سعود على أساس أصل الحرب العدوانية
على اليمن.
السؤال لمَ قام عسيري بما قام به؟ لم يكذب هذا الكذب
المفضوح ويحرج مصر؟
لم يكن عسيري ابتداءً يعتقد بأن مصر سترد على كذبته؛
فهو قد جاء بها في سياق أكاذيب كثيرة تضمنتها مقابلة له
مع تركي الدخيل على قناة العربية.. ولطالما قال المسؤولون
السعوديون ـ خاصة الأمراء ـ بأمور ليست صحيحة، ولكن الدول
المعنية تضطر الى السكوت حرجاً.
واللواء عسيري يسير على نهج أسياده آل سعود (الملك
وابنه وزير الدفاع). فهؤلاء حين أعلنوا العدوان على اليمن،
ومن واشنطن وعلى لسان الجبير.. وضعوا مصر والباكستان وغيرهما
كشريكين في العدوان، ضمن قائمة دول أخرى.
مصر سارعت بعد ساعات من اعلان الحرب لتقول ان لا علم
لها بالعدوان. والباكستان لم تشارك بقوات حتى اليوم مع
انها لم تصدر بياناً رسمياً بهذا الشأن، وان كان واضحاً
عدم مشاركتها.
وحين اراد محمد بن سلمان تلطيف وجه الإرهاب السعودي
الوهابي، وأسس التحالف الاسلامي لمكافحة الإرهاب، وضع
ما يقرب من ثلاثين دولة على قائمة المشاركين. كثير من
الدول في ذلك التحالف الوهمي (تحالف الواتس آب) تفاجأت
بذكر اسمها، لكن القليل منها أعلن رسميا بأن لا علاقة
له بالأمر كلبنان وماليزيا.
اذن ما قام به عسيري يشابه ما قام به ابن سلمان. يتم
الكذب على الدول، على أمل إحراجها، مع توقع صمتها!
لو كان ما قاله عسيري صحيحاً، لما احتاجت الرياض الى
مقاتلي الجنجويد السودانيين!
ولو كانت الرياض صادقة في مزاعمها، ما اضطرت الى تجميع
المرتزقة للقتال بالنيابة في اليمن من الصوماليين والسنغاليين
ومَن تدربهم بلاك ووتر في الإمارات، بل ومن مقاتلي القاعدة
أيضاً، وغيرهم.
اكتشف المراقبون السياسيون من خلال الرد الرسمي المصري
على مزاعم عسيري بأن الخلاف السعودي المصري لازال قائماً،
بالرغم من حدوث امرين بدا ظاهرياً إيجابيين:
الأول ـ لقاء الملك سلمان مع السيسي في قمة البحر الميت،
واعتبر الكثيرون ذلك، دلالة على أن العلاقات المصرية السعودية
تجاوزت المأزق.
الثاني ـ بدء تدفّق النفط والوقود من السعودية لمصر،
بناء على أوامر ترامب لمحمد بن سلمان حين التقاه في البيت
الأبيض.
المحللون يومها قالوا بأن إعادة الرياض لمساعداتها
النفطية لمصر، جاء بناء على طلب من السيسي لترامب (حين
التقى به مؤخرا) بأن يضغط على آل سعود لاعادة المساعدات
التي تم توقيفها بسبب خلافات بشأن ملكية الجزر المصرية
(صنافير وتيران)، وأيضاً بسبب الخلاف حول الموقف من سوريا.
وعليه، يمكننا القول الآن، بأن اعادة المساعدات النفطية
السعودية، لا تنظر اليه مصر كعلامة على حسن نيّة سعودية،
ولا كفضيلة لها؛ وإنما الفضل يعود في النهاية الى (ولي
الأمر ترامب!). كما ان تعقيد العلاقات المصرية السعودية
أكبر من أن تحله شحنات نفطية سعودية.
بقيت نقطة في هذا الشأن، وهي ان هناك شعوراً سعودياً،
ربما يكون مدعوماً ببعض الأدلة والبراهين، يقول بأن مصر
تتمنّى هزيمة السعودية في عدوانها على اليمن، وان مشاركتها
الرمزية للتغطية على الموقف الحقيقي.
ان صح هذا، فهذا ليس انتقاماً من التاريخ. أي من هزيمة
مصر في اليمن على يد السعودية في الستينيات الميلادية
الماضية؛ وإنما يأتي في سياق الخلاف على زعامة هزيلة على
العالم العربي المنكوب من شماله الى جنوبه، ومن شرقه الى
غربه!
|