دولة الصبية
في الثالث من مايو الجاري تناقص عدد أعضاء الجيل الأول
برحيل الأمير مشعل بن عبد العزيز، رئيس هيئة البيعة، عن
عمر يناهز 92 عاماً، ولم يعد هناك سوى عشرة من أبناء عبد
العزيز أكبرهم سناً الأمير بندر 94 عاماً، وأصغرهم مقرن
73 عاماً، فيما يبلغ عمر الملك سلمان 82 عاماً..
وبموت مشعل يسدل الستار على شخصية جدلية لطالما أثارت
تندّر جمهور واسع لنزوعه نحو جمع الثروة و»تشبيك» الأراضي.
أهمية الحدث تكمن في خلو موقع «رئيس هيئة البيعة» والذي
شغله مشعل في مطلع عام 2007، أي بعد تأسيس الهيئة في 29
أكتوبر 2006. قد لا يكون توقيت رحيل مشعل مناسباً بالنسبة
للملك سلمان الذي كان قد أصدر في 22 إبريل الماضي 40 أمراً
ملكياً تشمل تعيين إبنيه خالد (سفيراً في واشنطن)، وعبد
العزيز (وزير دولة لشؤون الطاقة)، وحفيده أحمد بن فهد
بن سلمان (نائب أمير المنطقة الشرقية).
موت مشعل سوف يبعث هواجس وتطلعات نائمة لدى من تبقى
من الجيل الأول وجمهرة من أمراء الجيل الثاني. وهنا نتوقف
عند معلومة ذات أهمية بالغة تقول: أن عدداً من كبار الأمراء
وذوي النفوذ في الأسرة المالكة جاءوا الى الملك سلمان
قبيل موعد جولته الآسيوية الأخيرة في نهاية فبراير الماضي،
وعبّروا له عن قلقهم على مصير حكم آل سعود نتيجة السياسات
غير المدروسة وغير المسؤولة التي يرسمها الملك بناء على
رغبة إبنه المدلّل محمد بن سلمان. وعليه، طالب الوفد الملك
سلمان بنقل سلطاته الى ولي عهده، محمد بن نايف، ريثما
يتمّ ترتيب أمور الحكم. كان رد سلمان بأن تفويض السلطة
يجري بصورة طبيعية في حال سفر الملك للخارج. فردّوا عليه
بأن نقل السلطات الذي يقصدونه ليس بصورة استثنائية ومؤقتة،
بل بصورة دائمة. طلب منهم سلمان إمهاله حتى عودته من الجولة
الآسيوية للبت في الأمر.
أمضى سلمان ما يقرب من الشهر في الجولة الآسيوية، طاف
خلالها البلدان وأبرم الصفقات التجارية مع ماليزيا وأندونيسيا
والصين واليابان.. في الوقت نفسه، كان محمد بن سلمان،
نجل الملك، وولي ولي العهد يجري مشاورات مع الجانب الأميركي
حول صفقة كبرى في المنطقة، تشمل ترتيبات السلطة في المملكة،
مع أرجحية لابن سلمان في وراثة العرش.
وبخلاف توقّعات أمراء آل سعود الذين زاروا سلمان وطالبوه
بنقل السلطة، فإن الأخير صدم أسرته بأوامر ملكية جديدة
تفضي الى مزيد من تركيز السلطة، وتجريد الأجنحة الأخرى
في العائلة المالكة من فرص التناوب على العرش.
ينقل العارفون بخبايا قصور آل سعود أن موجة سخط عارمة
تجتاح قصور الأمراء إزاء تصرفات سلمان بنقل السلطة الى
أبنائه وحرمان بقية الأجنحة. هناك من يحذّر من قرب دخول
المملكة السعودية نفق مجهول، فيما ينذر أمراء آخرون من
انهيار وشيك لملك آل سعود.
وبخلاف الصورة النمطية حول سلمان بكونه شخصية توفيقية
داخل العائلة المالكة، فإن أداءه منذ اعتلائه سدة الحكم
في 23 يناير 2015 تنبىء عن نزوع نحو الذاتية المتوحشّة
التي تفضي الى احتكار السلطة وتركيزها. وبدا أن سلمان
أصبح رهيناً لرغبات إبنه محمد بن سلمان الذي لم يبلغ الحلم
في عالم السياسة، وأن تصرفاته لا توحي بقدر ولو ضئيل من
الحكمة، كما كشفت إجاباته على أسئلة دواد الشريان في مقابلة
تلفزيونية في 2 مايو الجاري.
أرسى سلمان أساس دولة الصبية التي تدار من قبل مجموعة
من صغار السن، وممن لم يتقنوا فن إدارة شؤون الحكم، ولا
حتى تشخيص المشكلات بطريقة دقيقة. مثال واحد من مقابلة
ابن سلمان مع الشريان يكفي لبيان ضحالة هذا الشخص الذي
تبوأ منصباً بل مناصب بالغة الحساسية والخطورة ويتحكم
في مصير عشرات الملايين من البشر في الداخل والخارج. ففي
إجابته عن سؤال حول الحرب في اليمن، قال ابن سلمان بأن
قوات التحالف قادرة على اجتثاث الحوثيين ورجال المخلوع
صالح في غضون أيام، لولا مراعاة لحياة المدنيين وأرواح
الجنود السعوديين، وتحدّث عن انجاز عسكري في غضون سنتين
باستعادة 80 ـ85 في المائة من الأراضي اليمنية.
في أول نظرة، يظهر أن ابن سلمان يكذب كما يتنفس، ومشكلته
أنه حين يكذب لا يعرف أن الكذب يفتقر الى منطق، وهذا دليل
قلة خبرته حتى في الكذب. فمن يستطيع حسم المعركة في غضون
أيام، مالذي دفع به لأن يضع جدولاً زمنياً قصيراً في بداية
الحرب بأن قوات التحالف سوف تصل الى صنعاء في غضون إسبوع،
وأن أهداف التحالف: استعادة الشرعية، وتدمير المخزون اليمني
من الصواريخ البلاستية، وتأمين الحدود الجنوبية، وإخراج
المسلّحين من المدن، لم يتحقق منها شيء وهذه لا علاقة
له بالمدنيين، برغم من أن التلطي وراء لافتة «حماية المدنيين»
هي كذبة سخيفة لكثرة من سقطوا من النساء والأطفال والمدنيين
عموماً بصواريخ الطائرات الحربية، بدليل قوائم الشهداء
في المجازر الجماعية في مجالس العزاء، أو حفلات الأعراس،
أو الأسواق والمدارس والمستشفيات.
ثانياً، إذا كان التحالف نجح في تأمين 80 ـ85 في المئة
من الأراضي اليمنية، فمالذي يمنع الشرعية الوهمية من العودة
الى الديار، وإدارة شؤون اليمن من الداخل. ولماذا بلع
ابن سلمان لسانه حين سئل عن سر تمتّع صنعاء بالأمن وعدن
بالفوضى.
أمثلة لا حصر لها تكشف عن أن من يدير شؤون البلاد هو
صبي ومعه مجموعة من الصبية الذين لا عهد لهم لا بتجربة
إدارية طويلة، ولا معرفة سياسية. وإن بقاء الدولة على
هذا النحو الصبياني، يجعل عمرها قصيراً، ومن يحتج بصبية
سابقين يجهل التاريخ وسوف يخسر الجغرافيا.
|