معركة سعودية جديدة، ولكن مع قطر
محمد قستي
ما أكثر المعارك التي تخوضها الرياض ضد خصومها كما
ضد حلفائها؛ ضد الأفراد او ضد الحكومات او الأحزاب؛ ضد
الداخل أو الخارج.
هي معارك لا تنتهي؛ خاصة في العهد السلماني، عهد الحزم
والعزم، كما يُقال.
آخر المعارك هي فتح النار على قطر. وكما كل المعارك،
فإن نهايتها الخسران والفشل، حيث تكاد تكون كل المعارك
السعودية خاسرة وفاشلة، السياسي منها والاقتصادي والأمني
والعسكري، الداخلي منها والخارجي؛ الموجه لأفراد أو لدول
أو لأحزاب.
يكاد يكون النجاح في المعارك السعودية معدوماً طيلة
السنوات الماضية.
لكن المعركة الجديدة مع قطر قد توجّه النظر الى قضايا
لم يكن أحدٌ في السابق يركّز عليها:
الأولى ـ ان كثرة المعارك التي تخوضها الرياض ابتداءً،
بمعنى أنها هي التي تشعلها، ثم تبررها بأنها اضطرت اليها،
او هي دفاع عن النفس أو ما أشبه.. كثرة المعارك هذه، أكّدت
حقيقة ان السعودية التي يعرفها الباحثون؛ سعودية السبعينيات
والثمانينيات وحتى التسعينيات، لم تعد هي اليوم.
سعودية اليوم طرف في كل المعارك والحروب: في العراق
وايران وسوريا ولبنان وفلسطين واليمن وقطر ومصر وليبيا
وغيرها.
سعودية اليوم ليست حَمْلاً مسالماً، بل معتدياً على
القريب كما على البعيد.
سعودية اليوم ليست قائدة، وانما تكافح لإثبات أنها
تقود بعض القطيع لصالح امريكا!
سعودية اليوم موتورة ومتوترة ولها قابلية غير محدودة
للعنف والجريمة ضد الخصوم.
وما الحروب التي تفتعلها الرياض وتخوض فيها ببلاهة،
إلا دليل على أننا في (الدولة السعودية الرابعة) كما قال
أحدهم (احمد عثمان التويجري). يقول ذلك مادحاً لسلمان
ولعهده، لأنه حازم يشن الحروب بلا تردد على الخصوم.
الثانية ـ ان معركة السعودية مع قطر، شأنها شأن الحروب
السعودية الأخرى في اليمن والعراق وسوريا، اتبعت ذات النهج:
استخدام اسلوب الصدمة المكثّف في الهجوم، واعلان النصر
المبكر، لينقلب الأمر الى هزيمة. حدث هذا مع اليمن بشكل
واضح، ومع ايران في المعركة السياسية، والآن مع قطر. استخدمت
الرياض الغالبية الساحقة من أوراقها دفعة واحدة خلال ثلاثة
ايام من الأزمة، على امل احداث صعقة داخل قطر تجبر النظام
هناك على الاستسلام المبكر. لم يحدث ذلك، وبدأ مسلسل الهزيمة
السعودي.
وكما في اليمن وغيرها، استخدمت الرياض كل ما لديها
من عبارات الشتم والتهريج، والكذب والدجل الاعلامي، المعقول
وغير المعقول، بحيث يمكن القول ـ وكما فعلت في أزمات سابقة
ايضاً مع دول اخرى ـ بأن الرياض ليس فقط لا تتعفّف عن
استخدام أي وسيلة لتحقيق نصر مبكر على خصومها حتى ولو
كانوا خليجيين.. بل الأهم هو ان هذا الأسلوب يعني قطع
شعرة معاوية، ولا يترك لديها مجالاً للمناورة السياسية،
ويجعل الخصم في راحة كبيرة في تحركاته بعد ان يستوعب الضربة
الأولى.
استخدام السعودية معظم ارواقها دفعة واحدة، وعدم فتح
مخارج لها بابقاء شعرة معاوية للتراجع او لقبول انصاف
الحلول.. يعني بالضبط: تكراراً للموقف السعودية في سوريا
وفي اليمن وفي ايران والآن في قطر. وهذا يعني ان السعودية
بعد قطع كل الحبال، تجد نفسها مجبرة على مواصلة المعركة
السياسية او حتى العسكرية الى ما لا نهاية، لأن مجرد التوقف
يعني خسارة الحرب. نحن هنا بإزاء تكرار لكل الأخطاء السعودية
في المعارك السابقة، وبالتفصيل الممل!
الثالثة ـ ان معركة السعودية مع قطر جاءت في ظل انتشاء
سعودي مؤقت بعد قمة الرياض الاسلامية الامريكية بحضور
ترامب. ولكن الأهم هو ان الحرب على قطر جاءت في ظل هزيمة
ترخي سدولها وتتواصل في مواقع عديدة، سواء كانت للسعودية
أو لقطر أو للحلف الامريكي بمجمله في المنطقة. كأن الهزيمة
التي تتعرض لها قطر والسعودية في العراق وسوريا واليمن،
قد أولدت معركة بين الدول التي تشكل حلف المهزومين؛ ولا
غرابة في ذلك، فالإنتصارات توحّد، ولكن الهزائم تولّد
الإنشقاقات والاتهامات بين أتباع المعسكر الواحد.
الرابعة ـ من المدهش ان الرياض قصيرة النظر، إن لم
تكن مصابة بالعمى الكلّي، بحيث أنها كانت ترى انتصاراً
واضحاً على قطر خلال أيام؛ مثلما كانت ترى انتصاراً واضحاً
على اليمن خلال اسبوعين او ثلاثة.
مشكلة الرياض ليس فقط ان حساباتها خاطئة، بل يبدو ان
ليس لديها حسابات أصلاً؛ ولا مراكز بحث، ولا تقدير للنتائج
والاحتمالات. بمعنى ان الرياض دخلت الحرب وهي مدركة بأنها
منتصرة مائة بالمائة، ولم تعد أية بدائل في حال كانت النتيجة
مغايرة.
معركة اليمن، كما معركة قطر، ومن اللحظة الأولى يمكن
القول انها معركة خاسرة ـ للسعودية بالذات ـ بكل المقاييس
السياسية والاقتصادية والاستراتيجية. والسبب ان ال سعود
مسكونون بغرور القوة الذي لم يتحطم بما فيه الكفاية في
اليمن بعد. الغرور بقوة الذات سواء في ابو ظبي او في الرياض
لا حدود له، وهذا يجعل مهندسي المعركة ضد قطر ـ وهما المحمدين
ابن سلمان وابن زايد ـ لا يلتفتان الى ما لدى القطريين
من أوراق قوة يمكنها ان تعطل مفاعيل نصرهم المبكر المزعوم.
عموماً فإن ادارة المعركة ضد قطر كما اختيار قطر ارضاً
للمواجهة منذ البداية، كان خطأ استراتيجياً واضح المعالم،
مثلما هو الدخول في حرب اليمن. لكن، الجنون السعودي هو
الذي يدفع الامراء لتكرار الأخطاء مرة تلو الأخرى.
الخامسة ـ ما قامت به الرياض تجاه قطر، يمكن وصفه بسياسة
التدمير الذاتي. أي أنها أضرّت نفسها ليس لفترة شهر او
شهرين او فترة المعركة والخلاف، بل لعقود قادمة، وستعاني
الرياض من آثار حربها على قطر على الصعيد الاستراتيجي،
وستعمق خسارتها الاقليمية.
لم تخسر الرياض قطر فحسب، بل ربما خسرت الكويت وسلطنة
عمان، وفوق هذا خسرت شعوب الخليج.
لقد وجهت الرياض صفعة ليس لقطر، بل لشعبها ولشعوب منطقة
الخليج جميعاً، تمثلت في لغة اعلامها واكاذيبه الهابطة،
واستخدامها لكل الأسلحة المشروعة وغير المشروعة، بما فيها
تشتيت العوائل والحصار الجوي والبري، وتشديد العقوبات
على من يتعاطف مع الموقف القطري. كان السؤال في ذهن الجميع:
اذا كان آل سعود يقومون بهكذا اجرام ضد دولة خليجية، فما
عساهم يفعلون تجاه خصومهم الآخرين؟
السادسة ـ مهما كانت مبررات الرياض في معركتها ضد قطر،
فإن معركتها لامست محرمات عديدة، ما جعل الجمهور ينفر
منها. فوقوف ترامب مع آل سعود ضد قطر، لم يخدمهم في كسب
شعوب المنطقة؛ وهجوم السعودية على حماس بالذات، جعلهم
بنظر الجمهور اكثر صهيونية من قطر التي استقبلت بيريز!؛
واتهام قطر بالإرهاب والترويج للتشدد دفع الكثيرين للسخرية
من السعودية التي هي بلد المصدر والمنبع له؛ والتعرّض
لأعراض العائلة الحاكمة في قطر، جعل أعراض أمراء آل سعود
مكشوفة!
كل مبررات الرياض لم تكن منطقية سوى واحدة: تسجيلات
امير قطر السابق ووزير خارجيته مع معمر القذافي حيث اعترفا
بأنهما يعملان ضد الحكم السعودي ويدعمان المعارضة. هذا
صحيح. لكنه ليس مبرراً كافياً للحرب، خاصة من قبل السعودية
التي هي قد بدأت بانقلاب على امير قطر، وما فعله الأخير
رد فعل، فضلاً عن ان تلك التسجيلات صار عمرها نحو عقد
من الزمن على الأقل.
الخطير في الأمر، أن مبررات ال سعود تتجه نحو التدخل
العسكري بالتواطؤ مع امريكا. اذ يرجح ان استيعاب قطر للصدمة
والاصرار على عدم التنازل، سيقود الى شن حرب عسكرية تتوق
لها الرياض أصلاً، والورقة العسكرية تعتبر آخر أوراق الضغط
على آل ثاني، هذا اذا سمح الأمريكيون بذلك، واذا لم يواجههم
الجنود الأتراك على الأرض القطرية. وهناك مؤشرات بأن قبائل
المرّة القطرية قد استدعيت قيادتها الى الرياض لتنسيق
العمل للإطاحة بالحكم القطري!
السابعة ـ خسائر السعودية من الحرب القطرية بالجملة:
سياسة وسمعة واقتصاداً واستراتيجياً وأمنياً. وكلما طالت
المعركة زادت الخسائر السعودية. ستخسر الرياض هيمنتها
على مجلس التعاون الذي قد ينتقل الى رحمة الله (يموت ويتفكك).
وسيكون هناك لاعب اقليمي جديد في الخليج هو التركي. وقد
تفتح الرياض معركة جديدة، الى جانب معركتها في اليمن وايران
وقطر وسوريا، ولكن هذه المرة مع تركيا.
حرب السعودية ضد قطر لا لزوم لها ولا مبرر، ولكن الجهل
والرعونة عنوانهما الدائم في السعودية.
|