مجلس التعاون من الفشل الى الموت السريري
عواصف الملك سلمان تدمّر البيت الخليجي
محمد فلالي
الاثار المدمرة للأزمة السعودية القطرية تتعدى نتائجها
المباشرة، وربما كانت اثارها الاستراتيجية والبعيدة المدى،
اشد واعمق اثرا، سواء على الصعيد السياسي او الاجتماعي
او الاقتصادي.. ولعل اول ضحايا هذه الازمة المفتعلة وغير
المبررة، هو مجلس التعاون الخليجي نفسه، بكل ما يعنيه
على الصعيدين الامني والسياسي، وعلى صعيد العلاقات بين
شعوب المنطقة.
منذ الايام الاولى لهذه الازمة المتشعبة، ادرك المراقبون،
على المستويين العربي والعالمي، ان السعودية وحلفها الطارئ،
وجها ضربة قاضية لهذا التجمع الذي ظلت طيلة السنوات الماضية
تروج انه الوحيد الذي نجا من عاصفة الربيع العربي، التي
زعزت اركان الدولة القطرية العربية والمؤسسات الاقليمية.
بل ان الكثيرين فوجئوا بأن تكون السعودية هي المبادرة
الى نسف مؤسسة سياسية، راهنت عليها كثيرا في السنوات الماضية،
لدعم حضورها السياسي ومشروعها الجديد للصراع الاقليمي،
باعتبارها، كما صورت نفسها في اعلامها وادبياتها السياسية،
المدافع عن امن الخليج ومصالح دوله وشعوبه، وانها رابطة
العقد بين هذه الكيانات الصغيرة التي تحوز ثروة عالمية
طائلة، دون ان تملك القدرة على حماية امنها واستقرارها.
فالى اي حد تضرر مجلس التعاون من (عاصفة الحقد) السعودية
الموجهة نحو قطر في اخر نسخة من عنفها وانفعالها؟ وهل
اصبح هذا المجلس في مهب الريح، وأول ضحايا نزعة الهيمنة
السعودية على الخليج؟
الواقع ان الحديث عن مصير هذا المجلس، ارتفع منذ الساعات
الاولى لخروج الازمة الاخيرة بين دوله الى العلن، مع اكتشاف
قنوات فضائية سعودية واماراتية بعد منتصف الليل بقليل،
في الثالث والعشرين من مايو الماضي، تصريحات للامير تميم
بن حمد يؤكد فيها علاقات بلاده القوية مع ايران ورغبته
في تطويرها!
ردة الفعل السعودية والاماراتية جاءت سريعة وشاملة
وفي قمة التصعيد، فبدت وكأن الدولتين ومعهما البحرين ومصر،
كانتا على علم بالتصريح قبل صدوره، او انهما اعدتا خطة
الهجوم على قطر بانتظار الذريعة والتوقيت المناسبين.
ومنذ صفارة البدء للمعركة المفتوحة حتى الان، استخدمت
(دول الحصار) كما سميت فيما بعد، كل ما لديها من اوراق
الضغط، بهدف كسب الحرب الخاطفة في ساعاتها الاولى، وقبل
ان تستفيق القيادة القطرية من الصدمة.
احد هذه الاسلحة كان التهديد بطرد قطر من مجلس التعاون
الخليجي ومن الجامعة العربية.. هذا السلاح الذي صار سهل
الاستعمال الى حد الابتذال، بعد ان استخدمته الدول نفسها
ضد سوريا وليبيا في سياق مختلف آخر.
التهديد بطرد قطر
وتواترت اخبار متفرقة عن تهديدات متبادلة بين قطر ودول
الحصار الاربع، اغلبها كان تصريحات متسرعة من مسؤولين
واعلاميين، بضرورة زيادة جرعة العقاب المفروض على قطر،
واستكمال عزلها خليجيا وعربيا واسلاميا اذا امكن، عبر
استخدام النفوذ السعودي المالي والدور المصري الفاعل،
لإغلاق الابواب امام الامارة الصغيرة، وخنقها سياسيا،
بعد ان استكملت كل الاجراءات لخنقها اقتصاديا وفرص الحصار
التام عليها.
الحملة لطرد قطر من مجلس التعاون بلغت اوجها في مواقع
التواصل الاجتماعي، وفي الصحافة السعودية والاماراتية،
وشارك فيها الاف المغردين والكتاب او المستكتبين.. الا
انها انتقلت الى الجانب الرسمي وبشكل علني فاقع في تصريحات
وزير الخارجية البحريني الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة،
خلال المؤتمر الصحفي المشترك لوزراء خارجية مصر والسعودية
والإمارات البحرين، في 05 يوليو 2017، حيث اكد أن مناقشة
سحب عضوية قطر من مجلس التعاون الخليجي، سيتم في إطار
المجلس، وستتم مناقشته في أول جلسة.
ومن جهته، قال نائب رئيس الشرطة والأمن العام في دبي
ـ سابقاً، الفريق ضاحي خلفان تميم، الشخصية الاكثر تعبيرا
عن سياسات الدولة والقريب من صاحب القرار الاماراتي..
قال إن قطر تستثمر في تمويل الارهاب، وأن توقيع مذكرة
التفاهم القطرية الاميركية بشأن مكافحة الارهاب لا تعدو
كونها حبرا على ورق! مشددا على ضرورة طرد قطر من مجلس
التعاون! واضاف بصريح العبارة انه: «بعد ما كشفت عنه الوثائق
التي نشرتها قناة سي إن إن، وأظهرت تهرب قطر من الوفاء
بالتزاماتها التي وقعت عليها، ونكثها للعهود، من الأفضل
طردها من مجلس التعاون الخليجي”.
وسبق ان كان سفير الإمارات لدى روسيا عمر غباش، قد
صرح في 28 يونيو 2017، بأن دول الخليج العربية تفكر في
فرض عقوبات جديدة على قطر. وأشار في مقابلة مع صحيفة الغارديان
البريطانية، إلى إن دول الخليج يمكن أن تطلب من شركائها
التجاريين أيضا الاختيار بين العمل معها أو التعاون مع
قطر.
وأضاف بأن طرد الدوحة من مجلس التعاون الخليجي ليس
العقوبة الوحيدة المتاحة، قائلا: (إذا لم تكن قطر على
استعداد لقبول المطالب، فسنقول لها في تلك الحالة وداعا
لا نحتاج إليها في خيمتنا).
وعلى الرغم من هدوء اللهجة السعودية والاماراتية نسبيا
بعد صدمة التحول في الموقف الاميركي، ظل التهديد بعزل
قطر واخراجها من البيت الخليجي طاغيا على الخطاب الرسمي
لدول الحصار.. وهو ما عبر عنه وزير الدولة الإماراتي للشؤون
الخارجية الدكتور أنور قرقاش، من أن الدول الداعية لمحاربة
الإرهاب، حسب تعبيره، متجهة إلى قطيعة ستطول مع قطر، مضيفا
«أن ملخص الشواهد التي أمامنا، وكما تصرخ قطر بالقرار
السيادي، فالدول الأربع المقاطعة للإرهاب تُمارس إجراءاتها
السيادية.”
تفجير مجلس التعاون
|
|
اذا انسحبت قطر او طُردت من مجلس التعاون انهار
المجلس كلياً |
عزل قطر وحصارها كان الخطوة الاولى التي بادرت اليها
السعودية وحليفاتها في المواجهة الجديدة، وكان في ظن القيادة
السعودية المتعجلة، ان تهديداتها وعنترياتها كافية لتركيع
الامارة الصغيرة، وجرها الى بيت الطاعة السعودي، وتحقيق
انتصار خاطف يعزز دورها الاقليمي، ويمكّن آلتها الاعلامية
من استغلاله، لتعويض الفشل الذريع للسياسات السعودية في
كافة الملفات الاقليمية التي تورطت فيها خلال السنوات
الماضية.
الا ان القيادة السعودية اكتشفت لاحقا، ان التمادي
في الاجراءات العدوانية لمحاصرة قطر، وصولا الى الغاء
عضويتها في مجلس لتعاون الخليجي، يعني اولا وقبل اي شيء
آخر: تفجير هذا المجلس واصدار شهادة رسمية بوفاته.
ولم يكن مفاجئا ان تقدم السعودية على طرد قطر من النادي
السياسي الخليجي، نظرا الى ما اتسمت به سياسات الرياض
من رعونة وتهور، الا ان ما فاجأ المراقبين هو التردد في
ذلك وعدم الاقدام عليه بشكل رسمي، رغم المؤشرات العديدة
التي كانت تؤكد حدوثه، لاستكمال حصار قطر واجبارها على
الاستسلام.
ولعل اهم الاسباب التي منعت النظام السعودي من الاندفاع
نحو هذه الخطوة حتى الآن:
اولا: ادراك صانع القرار السعودي ان تأثيره الفعلي
على القرار داخل مجلس التعاون الخليجي لا يتعدى نصف عدد
أعضائه بالتحديد، اذ انه يهمين على صوت البحرين التابعة،
والتي لا تتمتع بأي هامش مستقل في حركتها السياسية، اضافة
الى الامارات الحليف المشاكس، والذي يحتفظ لنفسه بهامش
واسع للمناورة، واتخاذ القرار البعيد عن الرغبة السعودية
والمتعارض مع توجهاتها احيانا.
ولعل الدول الاخرى، وخصوصا الكويت وسلطنة عمان قد ابلغتا
السعودية بشكل صريح، بعد ان بدا ذلك واضحا في مواقفهما
من الازمة، انهما لا تتبنيان هذا النهج العدواني والتسلطي
على دول الجوار، ولا تقتنعان بهذه المبررات المبتذلة لاثارة
ازمة عاصفة بين دول الخليج.. بل ان السياسة السعودية العدوانية
على قطر اثارت مخاوف لدى هاتين الدولتين من ان تطالهما
اثارها السلبية في مراحل لاحقة، وباتتا على قناعة بأن
ما تثيره قطر من قلق على سيادتها وحقها في اتخاذ القرار
المتعلق بسياساتها الداخلية، هاجس حقيقي لكافة دول المجلس
امام التغول السعودي على قرار دول المنطقة.وهكذا ادرك
السعوديون ان طرد قطر من عضوية المجلس هو اعلان بانهاء
هذه المؤسسة الخليجية.
ثانيا: بات واضحا ولا يحتاج الى تحليل وكثير تبصر،
ان انفراط عقد مجلس التعاون الخليجي والاعلان عن دفنه
رسميا، سيصيب القوة السعودية الاقليمية قبل غيرها. اذ
لطالما احتمى النظام السعودي خلف هذا الستار الشفاف، وبرر
سلوك امرائه ومطامعهم بالحرص على دول الخليج، وحمايتها
من التطلعات والمخاطر الخارجية. ان مجلس التعاون الخليجي،
مجرد أداة للسيطرة على القرار السياسي في دول الخليج،
وأداة أيضاً تُستخدمه الرياض في حديثها للدول غير الخليجية
باعتباره رأسه وكل شيء فيه!
ثالثا: صمود قطر امام الاجراءات السعودية الفورية لحصارها
برا وبحرا وجوا، بما في ذلك طرد القطريين من الاراضي السعودية،
ووقف كل اشكال التعامل المالي مع البنوك القطرية، وحجز
الاموال والاستثمارات القطرية.. وبسرعة كبيرة تمكنت قطر
من استيعاب اثار الهجوم مستفيدة من دعم ايراني وتركي فوري،
على اكثر من صعيد، ونجاح ديبلوماسي باهر، على الصعيد الخارجي،
قلب الطاولة على الطرف المعتدي، وحول الحصار الاقتصادي
السعودي الى حصار سياسي وديبلوماسي واعلامي عالمي على
السعودية.. وبالتالي فقد التهديد بطرد قطر من مجلس التعاون
قيمته الفعلية.
رابعا: يذهب الكثير من المحللين والمراقبين الى الاعتقاد
بأن مجلس التعاون ليس شأنا خليجيا صرفا، فهو قد انشئ في
الاساس لاسباب ومصالح دولية، ولا يزال القرار بشأنه من
اختصاص اصحاب تلك المصالح التي صممت هذا المجلس على قياس
مخططاتها واستراتيجياتها المتعلقة بالخليج. ولعل هذه الدول
لا تجد مبررا حتى الان لانهاء الوجود الشكلي لهذا المجلس،
بانتظار اعادة تفعيله واستغلاله مستقبلا. ولفت هؤلاء المحللون
الى ان هذا المجلس لم يحقق طيلة العقود الماضية على انشائه
اي خدمة لدول الخليج نفسها، على الرغم من محاولة النظام
السعودي الاخيرة الهيمنة عليه واعتباره ناديا للمصالح
السعودية.
وفي اي حال، فقد احجمت السعودية حتى الان عن الاقدام
على هذه الخطوة الانتحارية الاخرى في مسلسل مغامرات قيادتها
غير المحسوبة.. دون ان يعني ذلك عدم اللجوء اليها في المستقبل
وضمن سياقات وحسابات اخرى.
قلق غربي من العدوانية السعودية
ولعل ما يعزز هذا الاعتقاد، ان الصرخات الاولى التحذيرية
من خطورة النهج العدواني السعودي، تأتي من انه قد يعصف
بهذه المنظومة الاقليمية، وبما يهدد المصالح الاوروبية
والاميركية. فقد بادر الاتحاد الأوروبي، الى التحذير من
أن التجمع الإقليمي العربي لمجلس التعاون الخليجي، قد
ينهار نتيجة للنزاع الدبلوماسي الحالي بين الدول الأعضاء
فيه. واعلنت مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي
فيديريكا موغيريني، أن الاتحاد الأوروبي «قلق» من تأثر
مجلس التعاون الخليجي من هذه التوترات.
كما جاء ذلك ايضا على لسان وزير الخارجية البريطاني،
بوريس جونسون، في الثالث من يوليو الجاري، وفي سياق ترحيبه
بإعطاء قطر مهلة أكبر للرد على المطالبات السعودية (3
يوليو 2017)، حيث أعرب عن امله في استمرار إحراز تقدم
سعيا لاستعادة وحدة مجلس التعاون الخليجي، الذي يشكل عنصرا
أساسيا في استقرار منطقة الخليج، حسب تعبيره.
وكانت صحيفة فايننشال تايمز البريطانية قد حذرت في
مقال لها من انهيار مجلس التعاون الخليجي جراء الأزمة
الحالية بعد قطع دول خليجية العلاقات الدبلوماسية مع قطر.
فتحت عنوان الخلاف مع قطر يهدد بقاء مجلس التعاون الخليجي،
قالت الصحيفة إن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان أشاد
العام الماضي بأهمية مجلس التعاون، قائلًا إن المجلس سيصنف
من ضمن أقوى المجالس الاقتصادية في العالم كتكتل، إذا
عمل بالشكل الصحيح في الأعوام المقبلة.. وأضافت الصحيفة
أنه بعد سبعة أشهر من هذه التصريحات فإن المجلس الاقتصادي
العربي الوحيد والفعال في العالم يواجه خطر التفكك والانقسام،
بعد فرض السعودية وبعض الدول الخليجية حصاراً على قطر. ورأت
ان الاجراءات المتخذة ضد قطر «تهدد أسس مجلس التعاون الخليجي».
|
|
واشارت الصحيفة البريطانية في لفتة مهمة وذات دلالة،
الى ان الاجراءات العقابية السعودية جميعها تصيب السعوديين،
شركات ومؤسسات وافرادا، بأكثر مما تصيب القطريين! كما
ان اي اجراء يؤدي الى انهيار منظومة مجلس التعاون سيؤثر
على الشركات الغربية والسياسات الغربية في المنطقة، وقالت
إنه (بغض النظر عن بديهيات تداعيات قرار الحظر على دولة
قطر، فإن هذا القرار ألقى بظلاله على تجار الجملة السعوديين،
الذين طالما اعتادوا على إرسال شاحناتهم المحملة بالبضائع
عبر الحدود، وكذلك خبراء البنوك الذين يذهبون من الإمارات
إلى قطر التي تعتبر من أكبر مصدري الغاز، والتي تشهد عمل
العديد من الشركات الإقليمية في إطار التحضيرات لبطولة
كأس العالم لكرة القدم).
وحفلت الصحافة الغربية بمقالات وتحليلات عن مخاطر انفراط
عقد التحالف الاقتصادي الخليجي على التجارة العالمية،
اسوة بالحديث عن سقوط منطقة اليورو، وعن العواقب الاقتصادية
الناتجة من هذا الافتراض حال حدوثه، ومع تصاعد الخلافات
بين دول المجلس، باتت تثار عدة تساؤلات بشأن مستقبل مجلس
التعاون الخليجي في حال وصل الخلاف إلى طريق مسدود، وذلك
بعد عقود من تأسيس المجلس.
اذ ان الازمة الحالية هي الاصعب في تاريخ المجلس، بعد
مرور نحو 36 عامًا على قيامه، والاغرب ان المعول الذي
يعمل على هدم هذا البناء تحركه اليد التي روجت له في السنوات
الماضية، والتي راهنت عليه اكثر من غيرها لتأكيد زعامتها
وهيمنتها على المنطقة، وباعتباره جواز مرور لها للعب دول
اقليمي ودولي مميز.
وحول المخاطر الامنية للسياسات السعودية الرعناء تجاه
قطر خصوصا، لفت مقال نشرته صحيفة الفايننشيال تايمز مؤخرا
الى أن الأزمة القطرية قد تنقل الاضطرابات من الدول العربية
غير الخليجية الى الخليج المترف لأول مرة، محذرة من تداعيات
هذه الأزمة عالمياً.
وقال جدعون رخمن، رئيس تحرير الشؤون الدولية
بالصحيفة: «في السنوات الست الماضية، كان لدينا عالمان
عربيان اثنان: أولهما عالم العنف والمآسي، والثاني عالم
الأضواء البراقة والعولمة. فقد عصفت النزاعات والحروب
بكل من سوريا والعراق وليبيا وبدرجة أقل بمصر؛ في حين
أن أبوظبي ودبي والدوحة ازدهرت وصارت محطات ومراكز عالمية
للتنقل والأسفار والعطلات ولدنيا المال والأعمال».
واضاف: «لكن الجدار الفاصل بين العالمين العربيين بدأ
يتداعى؛ فالسعودية والبحرين ومصر والإمارات قد فرضت حصاراً
على قطر بزعم أن القطريين يدعمون الحركات الارهابية في
أنحاء المنطقة، خصوصاً في سوريا وليبيا. بالتالي، فقد
تلاشى لتوّه السراب الذي كان يخيل للناظرين أن دول الخليج
الثرية ستبقى في منأى ومأمن من نطاق النزاعات الأوسع في
الشرق الأوسط». ويختم الكاتب بالقول: السؤال الذي
يطرح نفسه بكل وضوح الآن هو: هل ستشهد دول الخليج سقوطاً
مدوياً مهولاً يذهلُ له الكل، مثلما ذهلوا لنهضتها الصاروخية
المدهشة؟ إن كانت الأقدار تخبئ ذلك، فإن التداعيات المترتبة
على ذلك ستكون عالمية الأبعاد.
ووفقاً لتقرير لصحيفة نيويورك تايمز الأميركية، فإنه
مع فوضى الربيع العربي، الذي أدى لتساقط المستبدين كأحجار
الدومينو، أدركت الأسرة السعودية الحاكِمة، إلى جانب باقي
المَلكيات في العالم العربي، أنَّ الدور قد يأتي عليها
تالياً. فدُبِّرت الثورة المضادة في الرياض، وكان هدفها
الأول والأساسي هو حكومة الرئيس المُنتخب في مصر محمد
مرسي. وكان مرسي أحد قيادات جماعة الإخوان المسلمين، وهي
حركة برهنت على أنَّها كانت القوة السياسية الوحيدة المتماسكة،
والمُنظَّمة، والمنضبطة، والقادرة على الحلول محل الأنظمة
العربية المتداعية.. الا ان الازمة الاخيرة تثبت عكس ذلك
تماما، وان المظهر المتماسك لدول الخليج لم يكن الا سرابا
خادعا، اذ سرعان ما عصفت به السياسات غير الواقعية لحكامه،
بما يهدد بتدمير ما جرى بناؤه سياسيا واقتصاديا، بل وتهديد
وحدة دول هذه المنطقة.
الموت السريري
لم يعد هناك من شك حول تفكك هذه المنظومة الخليجية
وانعدام تاثيرها، بصرف النظر عن الاعلان عن ذلك رسميا،
لاسباب تتعلق بالمحاذير الدولية، او ردة الفعل السياسية
السلبية على النظام السعودي بشكل خاص.
ولا يختلف اثنان على مسؤولية الممارسات السعودية عن
فشل هذه التجربة في التعاون بين دول شديدة التقارب على
صعيد انظمتها السياسية وواقعها الاجتماعي وحاجاتها التنموية.
وواقع الحال ان مجلس التعاون الذي يعيش اليوم حالة
موت سريري، تلقى طعنة قاتلة جراء الحملة السعودية الاماراتية
الاخيرة على قطر.. اذ لا يعقل ان توجه هذه الاتهامات الى
دولة عضو فيه، وتصل العلاقات ببين الطرفين الى مرحلة من
التأزم، تقترب من الحرب الساخنة او العسكرية، مع بقاء
الاطار السياسي والامني الذي يجمعهما سالما ومتماسكا.
والملاحظة الاولى التي خطرت للمراقبين لهذه التدهور
المريع في العلاقات السعودية القطرية هي: لماذا لم تلجأ
دول الحصار، وثلاث منها دول خليجية الى هذا الاطار التنظيمي
لحل مشاكلها، وبحث خلافاتها الداخلية قبل نشر غسيلها القذر
على الملأ؟
عدم محاولة حل المشكلة عبر آليات مجلس التعاون الخليجي،
كانت اولى وأوضح العلامات على انهيار المجلس وتحويله جثة
هامدة في ساحة المواجهة التي شاءتها السعودية لمحاسبة
جارتها الاصغر. ولعل امراء المملكة قد ايقنوا ان امكانية
استغلال المجلس لترويج سياساتهم قد بلغت اخر مراحلها،
بعد تجربة فاشلة منذ العام 2013 لتحويله الى اتحاد خليجي
سياسي وامني واقتصادي، على غرار الاتحاد الاوروبي، والتعبير
الاوضح عن هذا اليأس السعودي تمثل بلجوء النظام الى انشاء
تحالف يضم مصر، وهي ليست من دول المجلس، لمحاربة دولة
خليجية.
وكانت السعودية قد تجاوزت هذا الاطار الخليجي لتخريج
سياساتها في اكثر من محطة، ابرزها التحالف العشري للعدوان
على اليمن، والتحالف الاسلامي لمحاربة الارهاب، واخيرا
التحالف الذي تم الاعلان عنه برعاية الرئيس الاميركي دونالد
ترامب في قمة الرياض في 20 و21 مايو الماضي.
تاريخ من الفشل
في الأصل، أنشئ مجلس التعاون الخليجي كرد فعل على قيام
الثورة الإسلامية في إيران، وانتشار المخاوف من انتقال
شرارة تغيير الانظمة الملكية، بعد انهيار اكبر دعائمها
الاقليمية، ممثلا بنظام الشاه الملكي القوي، شرطي الخليج
كما اطلق عليه. وجاءت الفرصة المناسبة حين شنّ صدام حسين
حربه على ايران، فسارع الملك فهد الى اعلان المجلس الذي
لا يضم العراق رغم انه دولة خليجية. فهم صدام حسين الرسالة
وصمت، ولم تكن ايران قادرة على معارضة قيام المجلس ـ كما
فعل الشاه ـ ومشغولة بالحرب المفاجئة مع العراق، والتي
كانت مدعومة سعوديا وغربياً منذ انطلاقتها الأولى.
لكن الانقسامات واختلال توازن القوى داخل المجلس جعلته
بلا فائدة إلى حد كبير، طيلة العقود الماضية منذ من تأسيسه
في مايو 1981، على حد وصف دورية غالف ستيتس نيوز، رغم
الآمال الكبيرة والوعود البراقة.
ولعل الفشل الاكبر في عمل مجلس التعاون تمثل في عدم
جدوى التعاون الدفاعي بين اعضائه، وهو الهدف الرسمي الرئيسي
من انشائه.. اذ ظل هذا التعاون على الصعيد العسكري مجرد
وهمٍ، تزعزعه عوامل عدم الثقة بين العوائل الحاكمة والمنازعات
البينية على الحدود والدور والنفوذ، والتي لا تلبث ان
تتحول الى ازمات دون ضوابط.
وحتى الفزاعة الايرانية التي روجت لها الدوائر الغربية
والاسرائيلية، لجذب دول الخليج العربية الى محور الصراع
مع ايران، لم تكن كافية لزيادة اللحمة بين اعضاء المجلس،
والحديث عن ايران النووية في وسائل الاعلام الغربية والخليجية،
ظل في اطار التحريض السياسي، مع تفاوت كبير في درجة الاستجابة
له، حيث أن السعودية والإمارات والبحرين وحدها تبنت سياسات
تعبر عن قلق مسؤوليها من النفوذ الإيراني في المنطقة،
بينما اقتصر رد فعل قطر والكويت على المجاملة السياسية،
في حين لم تخجل عمان من اتباع منهج مغاير تماما.
وفي حين لا تبالي الكويت بما يشاع عن النوايا والقدرات
الايرانية في ظل تجربة طويلة من العلاقات الناجحة والتعاون
بين البلدين، خصوصا في مرحلة احتلال صدام للكويت ومراحل
تحريرها، اثبتت فيها ايران حرصا على الكويت وسيادتها..
فإن قطر كانت باستمرار أكثر قلقا بكثير من التهديدات القادمة
من السعودية على استقرارها الداخلي مقارنة بإيران. اما
عمان فكانت اشبه بالحليف لايران ولعبت دورا مميزا في الوساطة
والمحادثات بينها وبين واشنطن فيما يتعلق بأزمة البرنامج
النووي الايراني.
وظهر فشل مجلس التعاون على الصعيد الامني في كل المحطات
الاساسية التي واجهت دول مجل التعاون فيها تحديا على هذا
الصعيد، بدءا من ازمة احتلال الكويت، والدور الشكلي لقوات
درع الجزيرة في حرب الصحراء الاولى والثانية، واقتصار
الدور الخليجي على تغطية التدخل الاميركي، وتأمين مسرح
العمليات لمئات الاف الجنود الاميركيين الذين غزوا المنطقة
بذريعة اسقاط نظام صدام حسين وتحرير الكويت.. مرورا بمواجهة
تحديات الربيع العربي، والحرب العدوانية على اليمن، التي
خاضتها السعودية بقوات متعددة الجنسيات من المرتزقة، وتحالف
هجين من الدول الخليجية والعربية والاسلامية، رغم المشاركة
الاسمية لاغلب تلك الدول التي اعلن عن ضمها للتحالف العشري،
وانتهاء بالحرب على الارهاب التي لم تظهر فيها قوة خليجية
ذات تأثير، رغم المزاعم عن استهداف هذه المنطقة كهدف رئيسي
لداعش والتنظيمات الارهابية.
الا ان الفشل الامني وفي مجال التعاون العسكري لم يكن
العنوان الوحيد لضحالة دور ومكانة التحالف الخليجي، اذ
ان هذا المجلس فشل ايضا على المستويات الاقتصادية والسياسية،
حيث لم يسجل اي انجاز طيلة السنوات الماضية.
الخاتمة
ان خروج امير دولة الكويت عن صمته، واطلاقه التحذيرات
من مصير مشؤوم لمجلس التعاون، بفعل الهجوم السعودي الاماراتي
على قطر، وتفاعلات هذه الازمة المستفحلة، وتعبيره عن شعوره
بـ «المرارة والتأثر البالغ للتطورات غير المسبوقة التي
يشهدها البيت الخليجي»، رأى فيها المراقبون بمثابة نعي
لكل من وساطته المتعثرة، ومجلس التعاون الخليجي نفسه.
فالاندفاعة السعودية غير المسبوقة نحو عسكرة الصراعات،
وتفجير الخلافات، وعدم التردد في استخدام كل الاسلحة في
اي معركة مفترضة، أو متوهمة، تضع المنطقة كلها وأمن دولها
على كف عفريت، ومن البديهي ان تعصف بالمؤسسات القائمة
سواء الجامعة العربية او مجلس التعاون الخليجي، التي تحولت
الى مؤسسات شكلية ،تعيق تقدم العلاقات بين شعوب المنطقة
بدل تطويرها.. بل الاهم انها تحولت الى عائق امام جموح
الرغبة السعودية في عهد الملك سلمان وابنه المتسلط على
الحكم، والذي اصبح مهجوسا بالسيطرة على منطقة الخليج كقوة
قاهرة تواجه القوى الاقليمية الاخرى، كا يشاع في الاعلام
السعودي.. ومن البديهي ان عقلية بهذا المستوى من الدكتاتورية
وهاجس الاستحواذ، لا تلتفت الى مؤسسات التعاون والتنسيق
مع الاخرين، حتى لو كانوا من اقرب الاقربين.
|