الليلة ثقيلة يا قطر!
هيثم الخياط
تكاد أزمة قطر والسعودية تُحسم لصالح قطر، دون ان يعني
توقف السعودية عن معركتها، بحيث تستمر الأزمة ستستمر لفترة
غير قصيرة قادمة.
المعركة السعودية خاسرة منذ ان اطلقتها، والآن بات
واضحاً أن قطر قد كسبتها.
كيف نعلم أن قطر قد كسبت المعركة؟
من استياء آل سعود وكتابهم ومقالاتهم وتعليقاتهم ضد
تصريحات وزير الخارجية الأمريكي تيلرسون، بشكل خاص، والتي
اتهم فيها السعودية وحلفها كما قطر بالإرهاب؛ ثم انثنى
وقال ان قطر اكبر دولة متعاونة ضد الإرهاب، وان موقفها
عقلاني، ثم وقع تيلرسون معها مذكرة لمكافحة الإرهاب، وهكذا!
ايضاً تصريحات وزير خارجية بريطانيا الذي اعترض على
حصار قطر، وقال ان ليس هناك مواجهة عسكرية بين السعودية
وقطر، وهذا تغيير في الموقف. وقبلهما وزير الخارجية الألماني
الذي اتهم الطرفين بدعم الإرهاب، ومعهما جماعات وافراد،
وقال ان شروط السعودية والإمارات غير منطقية.
ويبدو ان قطر دفعت الجزية لترامب، فتغير الموقف الأمريكي.
هذا ما سنتأكد منه في قادم الأيام.
ثم ان السعودية ليست قادرة على احداث انقلاب داخلي
في قطر، وهي التي ما فتئت تعمل عليه وتروج لوقوعه؛ كما
لا تستطيع ان تقوم بعمل عسكري ضد قطر ان كانت امريكا ترفضه.
فماذا يتبقى لها؟
الرفض فقط، والإستمرار في حماقتها الى آخر الشوط كما
فعلت في اليمن وقبلها سوريا وقبلهما العراق!
ستستمر الحملة السعودية الإعلامية والسياسية، ولكن
ل توجد في واقع الأمر اوراق ضغط سعودية كبيرة على قطر.
في الحقيقة فإن الرياض استنفذتها منذ الأيام الاولى التي
اعقبت تفجير الأزمة.
لا تستطيع الرياض الآن التراجع بسهولة عن سقف اهدافها
المرتفع؛ وهي اهداف غير مقبولة قطريا واقليميا ودولياً.
كما لا تستطيع القبول بحل وسطي، فهو خسارة ايضاً. بل قد
تكون مترددة في طرد قطر من مجلس التعاون، لأن ذلك يعني
صرف شهادة وفاة للمجلس، وخروج سلطنة عمان والكويت منه.
كل ما هو متوفر الآن، هو التهريج والشتم والردح الإعلامي
في القنوات الفضائية، وفي فضاء التواصل الاجتماعي.
فبعد أسابيع من الاجراءات والتصعيد السياسي والاعلامي
والتهديد العسكري بغزو قطر، واسقاط حكم تميم، ونفي أمّه
وأبيه..
وبعد الانذار السعودي وحلفه بضرورة تنفيذ قطر لثلاثة
عشر مطلباً بدون نقاش وبدون مفاوضات، وخلال عشرة أيام
فحسب..
وبعد تمديد المُهلة ـ سعودياً ـ لمدة يومين..
اجتمع وزراء خارجية دول الحصار (السعودية والامارات
ومصر والبحرين) في القاهرة، فيما انتظر العالم النتيجة
الصاعقة التي ستحل على قطر.
فكانت النتيجة تقريباً.. لا شيء!
خرج الوزراء الأربعة مهزومون تعلو وجوههم الخيبة والفشل!
هو انتصار لقطر غير نهائي، ولكنه في كل الأحوال انتصار
لقطر كبير، رغم أن المعركة مستمرة في الحدود التي يسمح
بها الأمريكي!
بشرنا الصحفي محمد آل الشيخ، بأن انتفاضة السعودية
وحلفائها ستجعل قطر قريباً في (خبر كانَ) اي في عداد الزائلين،
بل ولن تتوقف حتى تتبع اردوغان وتركيا لتجعلهم في خبر
كان. وطالب آل الشيخ وزراء الدول الأربع بعدم التنازل
عن أي مطلب من المطالب الثلاثة عشر، إذ ليس امام امير
قطر الا الاذعان لها رغما عن انفه، وهو من الصاغرين! وزاد
بأن القطريين يتحلقون حول التلفزيونات في انتظار نتائج
مؤتمر القاهرة ووصف حالهم كالإرهابي الذي ينتظر حكم المحكمة!؛
ثم تراجع آل الشيخ قليل وقال ان المشكلة ليست مع شعب قطر،
ولا حتى مع تميم الذي وصفه بأنه (مسيكين، يعني ضَفْعَةْ
رجّال، لا يِهِشْ ولا يِنِشْ)؛ وانما المشكلة مع الأمير
الأب حمد، ومع حمد بن جاسم، رئيس الوزراء السابق.
بشارة آل الشيخ المتفائلة، سمعنا أمثالها حين تم العدوان
على اليمن، وقالوا ان ما بعد اليمن سوريا ثم طهران ولن
يتوقف الزحف السعودي إلا في موسكو!
لم يطل الامر حتى جاءت نتائج مؤتمر القاهرة بالإحباط.
علق آل الشيخ مرة ثانية فقال: (ما نتج عن اجتماع الدول
الأربع المقاطعة هو للأسف أقل من توقعاتنا بكثير). وسأل
المحتفين بهزيمة السعودية: هل يستطيع القطريون التعايش
مع العقوبات السعودية طويلاً؟
ول نعلم هل حذرتنا الرياض وحليفاته ام بشرتنا بحملة
عنوانه (# قطر تنتحر) في المقالات والهاشتاقات والفضائيات،
ولكن قطر لو انتحرت، لكفى الله المؤمنين السعوديين والاماراتيين
القتال، ولأُعلن النصر السعودي مبكراً!
مستشار محمد بن سلمان الإعلامي، وهو سعود القحطاني،
بشرنا أيضاً، بأن سفك دماء الملايين العرب على يد قطر
جاء من يحاسبهم عليها؛ وكأن الرياض المجرمة في كل ارض،
لم تفعل شيئاً خاصة في اليمن. واخذت سعود القحطاني الحماسة
قبيل انتهاء مدة الانذار السعودي، ودعا الى بتر العضو
الفاسد الذي استعلى في الأرض، ضمن هاشتاق آخر من ابداعاته
باسم (# تنظيم الحمدين) ـ اي امير قطر السابق ورئيس وزرائه.
أيضاً خاب أمل المستشار القحطاني بنتائج مؤتمر القاهرة!
وضاحي خلفان، رئيس شرطة دبي السابق، أُحبط هو الآخر
بسبب سقف توقعاته العالي، ومن بين ذلك ضم قطر للامارات
ولكنه منّى نفسه: انتظرو شهرين، سيحدث انهيار في الإنشاءات
بقطر! ودع الى عدم التغريد عن قطر، فللقطريين ايرانهم
ولنا سعوديتنا! واخذ خلفان بالتخبيص السياسي متهماً قطر
ببيع سنّة العرب، لتشتري شيعة الفرس.
ايضاً فإن سعود الريّس، رئيس تحرير الحياة الطبعة السعودية،
تألم وهو يرى القطريين ينتصرون على بلاده، وحذرهم: لا
تستعجلوا!. والاعلامية هيلة المشوح تهدد (الحَمَدين بالمحاسبة)
رغم كل الصعاب والخسائر.
وغرد الموالون تحت هاشتاق (# الليلة ثقيلة يا قطر)
وذلك قبل ساعات من اجتماع القاهرة، فهددوا حكام قطر اتباع
الصهاينة والمجوس. وتوقع آخر بأن يفرّ اعلاميو قناة الجزيرة،
وحكام قطر الى اوروبا ويتركوا الشعب القطري يشرب حليب
(الأَتَانْ)، اي انثى الحمار! وتضامن جيش الامارات الالكتروني
مع شقيقه السعودي، فقال احدهم بان ليلة اهالي قطر ثقيلة
كلها كوابيس ووساوس ورعب، وان الزائدة الدودية على وشك
الانفجار.
استلم عادل الجبير الرد القطري على مطالب بلاده الثلاثة
عشر، من وزير الدولة الكويتي محمد الصباح. كان الجميع
يراقب وينتظر مخرجات اجتماع القاهرة؛ لكن قبل انعقاده
بساعات، او اثناء انعقاده كما قيل حدثت المفاجأة.
فقد اتصل ترامب بالسيسي وأبلغه بعدم التصعيد وحل المشكلة
بين الدول المتصارعة!
ل مُهل اضافية ولا مواجهات عسكرية والا فإن تركيا وايران
ستزيدان نفوذهما في المنطقة في غير صالح الأمريكي!
قضي الأمر الذي فيه تستفتيان، وانتهى الزعيق ولغة التهديد،
قرار اشعال الأزمة امريكي، ترامبي بالتحديد، وانهاؤها
أمريكي أيضاً، والبقية ادوات في المعركة.
وحسب المري القطري فإن اتصالاً هاتفياً واحداً (فَرْكَشَ
الاجتماع ونَكَشَ البيان، فجاءت المحصلة النهائية لاجتماع
القاهرة: رز بلبن).
وجاء البيان الرباعي باهتاً بارداً يتكلم عن احترام
القوانين الدولية، وزعموا ان اجتماعهم تنسيقي وليس لاتخاذ
قرارات متسرعة؛ والرد المناسب على قطر في الوقت المناسب.
بعد ظهور نتائج قمة القاهرة، خاطبت مغردة دول الحصار
بأنكم (هزّأتُمْ أنفسكم، وطَلَعَتْ قطر بطلة قدّام العالم).
مغرد متابع للشأن السعودي لاحظ أن كبار الطبالين السعوديين
محبطون: (شكلهم كانوا منتظرين ابن سلمان يقصف قطر بسروال
المؤسس).
المغرد الاماراتي خالد القاسمي انفعل وقال: نحن اشترين
مصر، وبعن حكومة قطر الارهابية؛ وبرر السعودي الأحمدي
خيبة الأمل من المؤتمر فقال: (الدبلوماسية تتطلب الهدوء
الذي يسبق العاصفة التي ستعصف بمستقبل قطر للهاوية).
وحين لاحت خسارتها للمعركة مع قطر، سربت الرياض وثائق
اتفاقها السابق معها في عامي ٢٠١٣
و ٢٠١٤، وذلك عبر السي ان ان،
زاعمة انها نفس مطالبه المرفوضة والمستهجنة الحالية، وهي
ليست كذلك.
وقال رأس الحرب الاعلامية سعود القحطاني، مستشار محمد
بن سلمان برتبة وزير، ان بلاده لا يخفى عليها ما تفعله
قطر من تمويل المنشقين السعوديين؛ وعرّض بقطر بقوله ان
القائمين على الأمن السعودي سعوديون غير مجنّسين؛ وعاد
واتهم القحطاني قطر كذبا وفجوراً بتمويل ما أسماه بإرهاب
العوامية، وقال ان ذلك لن يمر دون عقاب سعودي.
المحامي في المنفى اسحاق الجيزاني استنتج من اتفاق
الرياض ٢٠١٣، ان حصار قطر الحالي
لا علاقة له بتهم تمويل الإرهاب، وانما بإسكات الجزيرة
واخضاع قطر للمشيئة السعودية. لكن الصحفي السعودي الموالي
جداً محمد بك الساعد، رأى ان دويلة قطر لا تستحق ان تكون
ضمن النظام الدولي، لممارستها الخيانة، اي انه لا يجب
ان تكون هناك دولة اسمها قطر.
القطريون بلسان صحفييهم رأوا في تسريبات الاتفاق (ثقافة
سيساويّة) نُقلت الى مجلس التعاون، وان المسرّبين فقدوا
ما تبقى من ثقة واحترام. وانتشى الصحفي القطري آل إسحاق،
بان قطر انتصرت في الأزمة، وان نصرها سيعيد ترتيب موازين
القوى في المنطقة، نافياً انتهاك قطر لاتفاق 2013، وقال
ان من انتهكه هو من انتهك الجيرة والدم والدين، وحذر:
(هذا سيكلّفكم كثيراً)!. أيضا رأى الاعلامي القطري جابر
الحرمي في التسريب ضرراً، فهو (آخرمسمار في نعش مجلس التعاون).
وشرح: (لن تكون هناك ثقة دولية في منظمة يفترض انها تحترم
اتفاقياتها)، موضحا ان الاتفاق سرّي، فلم يتم نشره؟
الصحفي السعودي خلف الحربي استمتع وهو يرى بلاده تعرض
الوثائق بالتقسيط المريح حسب رأيه؛ والشرق الأوسط حكمت
على جولة تيلرسون لحل الأزمة بأنها فاشلة، لأن امريكا
صارت قريبة من الموقف القطري. الإعلامي اللامع عبدالرحمن
الراشد تساءل، في عنوان مقالته: هل يميل الوزير الأمريكي
مع قطر؟ واوضح ان الدوحة ترفض ان تتغير ولن تتغير في ظرف
عادي، كما ان الدول الأربع المحاصرة لقطر لن تتراجع وترضخ
للموقف الامريكي! وزاد بان ميل تيلرسون لقطر يعقد المشكلة،
وهدد بأن قطر ستدفع الثمن ولن يفيدها الأتراك ولا الأمريكيون!
وكان الراشد قد هدد قطربمجزرة (كرابعة العدوية).
واذا كان صحيحاً ما قاله الراشد بأنه الدول المحاصرة
اضافت شرطين جديدين الى قائمة المطالب الثلاثة عشرة؛ فهذا
يعني ان القوم فقدوا اتزانهم؛ واستاء الراشد من سعادة
القطريين بنتائج زيارة تيلرسون، محتملاً بأن قطر وافقت
على كل الشروط! لكن قطرياً انتشى فقال: (سيكتب التاريخ
ان اصغر أمراء العرب عمراً، هزم أكبر ملوكهم وأمرائهم،
بالحكمة والموعظة الحسنة)! وقال آخر: (بلّوها واشربوا
مياهها. اتفاق الرياض انتهى كما المطالب الثلاثة عشر).
التصعيد والفجور في الخصومة
التصعيد السعودي في الإعلام، وفي الخطاب السياسي، وفي
السلوك والسياسات، ومنذ بداية الأزمة مع قطر، يؤكد ان
هناك فجوراً في الخصومة، ولا أدلك على ذلك القرارات التي
اتخذتها السعودية بشأن الحصار وتشتيت العوائل ومعاقبة
المتعاطفين مع قطر، وغيرها.
واضافة الى فتاوى مشايخ السلطان ضد قطر، تمّ توجيه
خطباء الجمعة في السعودية للدعاء على قطر، ما دعا الاعلامي
القطري السويدي لتوجيه كلامه لدول الحصار: (ماذا استفدتم
من حصاركم لقطر، غير إنكم صغّرتم انفسكم، وأضعتم هيبتكم،
وفقدتم مصداقيتكم، وأهنتم دولكم؛ والأهم: لعبنا ـ نحن
القطريون ـ بِحِسْبَتِكُمْ). وبسبب الدعايات الحكومية
وجد مغرد سعودي بأن اكثر الشعب المسعود قد تم غسل دماغه
وبات مقتنعاً أن إيران احتلت قطر، وان استخدام السلاح
ضد قطر هو لمحاربة ايران، مثلما حدث في اليمن.
ومن الفجور في الخصومة استخدام الحج في الصراعات السياسية،
حيث سيحرم القطريون من أداء حج هذا العام، مثلما هم اهل
غزة، وشعب اليمن وسوريا وغيرهم. وكانت السلطات السعودية
قد أمرت ملاك الفنادق والخِيَمْ وغيرهم بعدم التعامل مع
القطريين (بعثة الحج القطرية)؛ لكن الأيام دول، تتغير
وتزول، وبيت الله باق الى يوم القيامة، يقول الاعلامي
القطري عبدالله الملا.
معلوم ان الدولة السعودية الأولى سقطت عسكرياً، وكان
المحفز لذلك: منعها المسلمين من الحج باعتبارهم كفرة مشركين.
لن يكون القطريون اول من يُمنع ولا آخرهم؛ ومع هذا، يأتيك
موظف في المباحث السعودية ليقول بأن قطر تسيّس فريضة الحج!
وليس السعودية التي تستخدم قضية الحج في الإبتزاز السياسي،
كما حصل مع عدد من الدول الإفريقية، حسب اللوموند؛ وكما
هو المشاهد حالياً في غزة وسوريا واليمن. في حين زعمت
الصحفية نورة شنار، بأن تميم هو الذي منع مواطنيه من الحج،
وان فعله يستهدف اثارة الشفقة على قطر، والزعم ان السعودية
منعت القطريين من الحج! ولكن حسبنا الله ونعم الوكيل،
(فبيت الله ليس ملكاً لكم يا آل سعود)، يقول القطري يوسف
بن ابراهيم!
|