رؤية مستقبلية لمرحلة ما بعد الاعتقالات
موجة عنف خاسرة.. كسابقاتها؟
عبد الوهاب فقي
|
الخاشقجي وابن سلمان:
ابن النظام يكشف عن خيبة أمله!
|
|
الملوك يتغيرون.. والقمع باق،
حدّته تختلف من زمن لآخر
|
|
مقالة الخاشقجي: بلد قمعي لا يُطاق!
|
|
ناصر العمر..
اطروحاته استئصالية نازيّة!
|
|
الملك وابنه الداشر قلبا المملكة عاليها سافلها في ثلاث سنوات!
|
|
الشيخ البيشي مع ابن سلمان (سيلفي):
اعتقل ايضاً!
|
|
ابراهيم الفارس..
داعشي وليس اخواني!
s
|
|
حمود العمري.. استاذ بمرتبة تكفيرية متقدمة!
|
|
الشيخ السويلم: عدو المرأة وحقوقها!
|
|
سأل أحدهم عن محتوى الحقيبة التي يتسلمها ناصر العمر من مسؤول قطري!
|
|
شيخ المباحث عبدالعزيز الموسى
|
|
نورة الشنار.. خلية الاعلام الأمني
|
|
كساب العتيبي، فشل الجمع بين الولاء لتميم والولاء لآل سعود!
|
|
الشيخان القرني والعريفي
يدينان رفاقهما لينجوا برقبتيهما!
|
كتب جمال خاشقجي مقالا في الواشنطن بوست (18 سبتمبرالجاري)،
عنوانه مثير: (لم تكن السعودية دائماً قمعية الى هذا الحدّ.
الآن هي لا تطاق). وكشف خاشقجي في مقالته، أجواء الرعب
في المجتمع وموجة الاعتقالات التي طالت أصدقاءه، والعديد
منهم لازالوا في الخارج (المنفى) يخشون العودة مثله، حيث
ترك عائلته وعمله. وبرر خاشقجي كتابته هذه المقالة بأن
(الصمت لا يخدم وطني ولا من اعتُقل).
اذا كان خاشقجي ـ وهو ابن النظام ـ لم يتحمّل القمع،
وهو بالكاد أصابه بعض الشرر، فكيف هو الحال بالنسبة لأولئك
المتهمين بالتجسس، وبقلب نظام الحكم، ممن لا يشاركون النظام
معظم سياساته الداخلية والخارجية؟
الاعتقالات في المملكة السعودية مستمرة، وكل يوم يُكشف
عن معتقلين جُدد. كثير من عوائل المعتقلين تتكتّم عن اعتقال
أبنائها، والقناعة عند غالبية الباحثين والمراقبين تقول
بأن المملكة لم تشهد في تاريخها الحديث قمعاً شرساً مستطيلاً
من الناحية الأفقية ـ ليشمل كل مناطق البلاد، وعمودياً
ـ ليشمل كافة النسيج الاجتماعي بطبقاته المتعددة وتنوعه
الفكري، بمثل ما تشهده اليوم في عهد الملك سلمان وابنه.
قمع غير مسبوق تاريخياً
حتى في عهد الملك فيصل في الستينيات وبداية السبعينات،
حيث المنطقة العربية تمور بالانقلابات والثورات والحروب،
وحيث الحركات السرية والعلنية، تتفشى في مناطق المملكة
كافة؛ وحيث الكشف عن العديد من الانقلابات العسكرية داخل
الجيش السعودي.. حتى في ذلك الوقت، وما هو مشهور من خشونة
الملك فيصل مع معارضيه، وقسوة فهد ـ وزير الداخلية يومها
ـ ضد المعتقلين.. فإن ما يجري الآن أسوأ بكثير من ذلك
الزمان.
هناك تشابه بين تلك المرحلة وهذه. وأهمها دوافع العنف
الرسمي الأعمى، ففي الحالتين (في الستينيات والوقت الحاضر)
تستشعر العائلة المالكة الضعف والخوف والقلق الوجودي على
مصير الحكم.
وهناك تشابه أيضاً في الظروف الاقليمية المضطربة وضغطها
على الوضع المحلي. في الستينيات كانت هناك موجة قومية
ناصرية، وموجة يسار سياسي نشطة. اليوم هناك موجة متنوعة
ايضاً: حيث اليمين الداعشي القاعدي (والإخواني إن شئت)،
وحيث الموج الداعي الى الديمقراطية والحرية.
في الستينيات كان عبدالناصر ومصر رمزا الشرّ لآل سعود،
واليوم هي ايران وقيادتها.
كان نفوذ السعودية الإقليمي متضعضعاً في المنافسة مع
مصر، واليوم هو أكثر ضعفاً مع ايران.
كانت الرياض تشترك وتنشيء الأحلاف: الحلف الاسلامي
وغيره، واليوم هي تفعل نفس الشيء حيث التحالفات الفاشلة
تتكاثر كالفطر (تحالفات الواتساب!).
حتى الحروب فيها تشابه: في الستينيات كانت الرياض تخوض
حرباً على اليمن (الجمهوري حديثاً)؛ واليوم هي تخوض حرباً
أخرى على اليمن الجمهوري نفسه ايضاً.
في الستينيات الميلادية الماضية كان الوضع المحلي متشابهاً
مع ما هو عليه الآن:
انشقاق في العائلة المالكة وصراع على الحكم أدى الى
عزل الملك سعود؛ وهناك تضعضع في شرعية النظام كما هو الوضع
الحالي؛ وهناك صدام مع نخبة الشعب المتعلمة؛ وايضا كانت
هناك أزمة اقتصادية حادّة بسبب الفساد، حتى خلت الخزينة
الا من ألفي ريال تقريباً.
نعم.. يبدو الوضع اليوم أسوأ مما كان عليه في أي وقت
مضى منذ تأسيس المملكة في سبتمبر 1932. كل المشاكل رغم
تشابهها، تبدو أكثر عمقاً وحدة اليوم. يضاف اليها مشكلات
اساسية مع حلفاء وحماة النظام؛ وكذلك وجود مشكلات في وسط
الحلف السعودي الأمريكي: (مع قطر مثلاً).
وتأتي هذه المشكلات المضاعفة، في وقت يتراجع فيه النفوذ
الأمريكي بحدّة في منطقة الشرق الأوسط، وهو موجٌ سبق له
الانتصار بحيث جعل كل حلفاء أمريكا في المنطقة يظهرون
أقوياء منتصرين.
التراجع الأمريكي، ولّد الكثير من عدم الثقة في الحليف
الحامي، وهذا دفع الرياض مضطرة، لأول مرة في تاريخها ربما،
أن تفكر ـ الى حد ما ـ بنفسها، وان تخطط ـ الى حد ما ـ
لوحدها، وأن تعيد ـ الى حد ما ـ بعض حساباتها، وهو أمرٌ
لم تألفه من قبل، ولم تجربه.
ومع هذا فشلت في التفكير والتخطيط والحساب، فكانت خطواتها
ومبادراتها السياسية متخبطة وساذجة ومُحبطة!
اعتاد آل سعود على القيام بموجات اعتقال كثيرة ضد خصومهم.
هذا ليس جديداً في تاريخ هذه العائلة. الاعتقالات الأخيرة
والمستمرة حتى الآن، مجرد تصعيد لحملة مستمرة منذ سنوات.
لم تبدأ موجة العنف الرسمية باعتقال السلفيين، او الاخواسلفيين،
ولن تنتهي بهم وحدهم.
سبقهم مئات من المعتقلين الشيعة في المنطقة الشرقية.
وسبقهم مئات من المعتقلين الحقوقيين في شرق البلاد
وغربها.
كل ما في موجة العنف الجديدة، انها توسّعت الى فضاءات
مناطقية وفكرية مختلفة.
اي انها وصلت الى الدائرة الضيقة للنظام نفسه.
الغريب في حملة الاعتقالات الأخيرة، انها ركّزت على
المعتقلين (الاخوان، او الإخواسلفيين)، في انتقائية تعودناها،
رغم وجود آخرين غير مسيّسين أصلاً، او ابرياء يعاديهم
التيار الوهابي برمته، مثل حسن فرحان المالكي، وعبدالله
المالكي؛ فضلا ان بعضهم قضاة محسوبون على محمد بن نايف
ويعملون في وزارة الداخلية. والسبب ان تيار الاخوان المسلمين
العالمي حمل قضية اخوان السعودية، ولم يكن يهمّه الاخرون.
حتى في الاعلام (كما قناة الجزيرة) فإنها لم ترَ معتقلين
سوى تيار الاخوان.
كثير من هؤلاء المعتقلين من الدعاة (الوهابيين) كانوا
سنداً للحاكم في قمعه للآخرين. وكانوا محرضين طائفيين
من الدرجة الأولى.
خذ نموذجاً لذلك ناصر العمر، الذي دعا لاستئصال المواطنين
(ووضع حد لتكاثرهم)، ونذكر بأنه هو صاحب مذكرة (واقع الرافضة
في بلاد التوحيد)، التي قدم في نهايتها مقترحات لا يمكن
لنازي شوفيني ان يقدمها لاستئصال نحو ربع الشعب!
ابراهيم الفارس، ومحمد البراك، من ابرز الوجوه التي
لا همّ لها الا التحريض الطائفي في أدنى مستوياته.
كانا يدرسان في الجامعات الدينية السعودية الى حين
اعتقالهم. لم يقبل النظام اي شكوى ضدهما لتحريضهما العنفي
على الشيعة المواطنين، ولإثارة الفتنة. ومن يريد ان يعرف
من هما هذان الشيخان، فليقرأ تغريداتهما.
النظام الذي اعتقل ابني (ابراهيم الفارس) بتهمة الانتماء
للقاعدة او داعش، هو نفسه الذي كان يغض الطرف عن الدعشنة
الفكرية والطائفية، عاد واتهمه بالتجسس لصالح قطر! وليته
اتهمه وغيره بما هو فيهم وليس بالإفتراء!
من بين المعتقلين حمود بن علي العمري، الشيخ والاستاذ
في جامعة ام القرى، والطائفي والعنفي، لم يوقف الا مؤخراً
وبنفس التهمة. هذا ابعد ما يكون عن فكر الإخوان. هذا وهابي
داعشي متطرف حتى النخاع.
ولدينا عبدالله السويلم، الشيخ الذي يرفض للمرأة ان
تتعلم، واستكثر تعليمها مبادئ الكتابة والقراءة. اما العمل
فحرام وجريمة، وعليها ان تبقى في المنزل وان يعطيها زوجها
في المقابل اربعمائة او خمسمائة ريال في المقابل، كما
يقول. هذا الشيخ بهذا الفكر، كان مفسوحاً له ان يحاضر
ويخطب ويُنشر ما يقوله في محطات النظام وحلفائه الفضائية.
والان يأتي النظام ليعتقله باعتباره اخوانياً وجاسوساً
لقطر!
لهذا.. وجدنا اشخاصاً أيّدوا الاعتقالات، لأنهم وجدوا
كثيراً من المعتقلين السلفيين، دعاةً للإستبداد، وللظلم،
وللطائفية. وأيضاً لأن هؤلاء المعتقلين كانوا محرضين على
اعتقال غيرهم، وفي افضل الأحوال انهم صمتوا عن جرائم النظام
ولم يدافعوا بكلمة عن جمهرة من المعتقلين أدخلت السجون
وحكم عليها بالإعدام اعتباطاً، ونفذ في افرادها تلك الأحكام.
علقت احدى المغردات فقالت: (على بلاطة وبدون مثاليات:
ليس لديّ أدنى تعاطف مع كائن أفنى حياته في محاربتي كامرأة)؛
وعلقت اخرى على اعتقال الاخوانيتين نورة السعد، ورقية
المحارب: (كم من تغريدات كتبوها ضدنا؟ كم من حقوق لنا
وقفوا ضدها؟ يرفضون حقوقنا الانسانية، ثم نطالب بحقهم
في الرأي؟ مْعَصي!).
ومن الواضح حتى الآن، ان حملات الاعتقال التي زادت
حدتها مؤخراً ستستمر، لتشمل كل التيارات والاتجاهات والمناطق.
كل من يصنف مخالفاً للسلطة او مواقفها السياسية، او يتجرأ
بالحديث او الكتابة ناقداً حتى للمشاكل الاجتماعية.. فسيكون
مصيره الاعتقال، ما يعني ان المعركة مفتوحة على كل المجتمع.
هذه الصدامية التعميمية، المترافقة مع سياسة عدوانية
مشابهة على المستوى الخارجي، والتي تتسم بالحدّة والرعونة،
لم تكن سمة موجات الاعتقال السابقة منذ تأسيس الدولة.
فغالباً ما تكون الاعتقالات محصورة في فئات سياسية مصنّفة
يساراً او ناصرية، او شيعة. وفي اكثر الأحوال فإن مركز
الاعتقالات هي المنطقة الشرقية الغنية بالنفط والتنوع
المذهبي. هذه المرة تبدو الحرب مفتوحة على الجميع، بمن
فيهم من يقف مع السلطة نفسها، بل ومن داخل الدائرة الحاكمة
او قريباً من نواتها صانعة القرار، او حامية للنظام.
ردود الفعل على الإعتقالات
ردود الفعل على اعتقالات النظام متنوّعة.
المؤسسة الدينية الرسمية التي يمثلها المفتي وهيئة
كبار العلماء، تؤيد الاعتقالات، او على الأقل لا تعترض
عليها، حسبما ظهر من تصريحات بعضهم. وقد اصدرت هيئة كبار
العلماء بياناً قالت فيه بأن (استهداف الوطن في عقيدته
وأمنه ولحمته الوطنية جريمة يؤخذ على يد مرتكبها، ولا
تُقبل هوادة في ذلك)!
تعودنا على هذا الموقف، فمشايخ الوهابية مع النظام
(في الخير وفي الشر) كما يقال. لكن موقفهم براغماتي ايضاً:
فهم يعتقدون بأن مواجهة النظام او اللجوء الى الشارع طلباً
للدعم، سيؤدي الى المزيد من الخسائر لآل سعود وللمؤسسة
الدينية الوهابية نفسها. وفي اقل الاحتمالات، فإن الاعتراض
ولو بصوت خافت على الاعتقالات او على سياسات محمد بن سلمان
الاقتصادية والاجتماعية والترفيهية!، قد يؤدي ـ من وجهة
نظرهم ـ الى تسريع عمليّة انضابهم من سلطاتهم، وتهميشهم.
كل تحليلات المؤسسة السلفية الدينية قائمة على حقيقة
ان مصير آل سعود هو مصيرهم. ان هزم هزموا، وان انتصر انتصروا.
لا قيام للدعوة الوهابية الا بآل سعود. ولا استمرار لحكم
آل سعود الا بالوهابية ومشايخها. وعليه حتى لو تعدى محمد
بن سلمان وتجاوز الحد في التعدي على صلاحياتهم، او اتخذ
سياسات يرونها فاسدة مفسدة، فإن السكوت أجدى بنظرهم، وان
المصلحة العامة تستدعي الوقوف معه!
هناك من المشايخ من كان متحمساً للاعتقالات، لا لخلاف
فكري مع مشايخ سلفيين مثله يؤمنون بما يؤمن ويشتركون في
ذات المرجعية الفكرية الوهابية.. وانما لخلاف مصلحي. فهذا
مصلحته مع النظام وتتطلب منه ان يستجيب لطلب الحكومة بمهاجمة
خصومها، والصحوي ينتقد جيش موالاة النظام من المشايخ.
المثال الأبرز كان في موقف الشيخ عبداللطيف آل الشيخ،
رئيس هيئات الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، الذي فاجأ
الجميع بـ (تلذّذه) بالاعتقالات، وتمنّيه ان تشمل كل خصومه،
وان يحرض بطريقة الحجاج: (إني ارى رؤوساً قد أينعت وحان
قطافها).. يقول ذلك بسرور بالغ، على امل استرجاع منصبه
الضائع.
بالطبع، هناك مشايخ يعملون في جهاز المباحث، وهؤلاء
لا مكانة لهم اجتماعية ذات قيمة، كما لا قيمة لهم علمياً
(عبدالعزيز الموسى، الذي قال انه يجدر بقتل المعتقلين)،
او (نايف العساكر) وأضرابهما.
ما يسمى بالتيار الليبرالي، الذي يمثل في واقعه احد
اجنحة الطغيان السعودي، وقف الى جانب الحكومة في قمعها
لخصومه. وهذا موقف متوقع؛ فلطالما كان الصحوي والسلفي
يستقوي بالحكومة على ضرب الليبرالي ويحرض عليه ايضاً،
في حين لا يعدو كل منهما جناحاً بيد السلطة ترفعه لتضرب
خصمه: والدهر يومان: يومٌ لك، ويوم عليك.
هناك كتاب محسوبون على المباحث، بل على الخلية الأساس
التي تروج للإعتقالات وتحرض عليها: محمد آل الشيخ نموذجاً،
ومثله محمد بيك الساعد في عكاظ، ونورة شنار، والمحامي
عبدالرحمن اللاحم، وخالد المطرفي، وأمثالهم. لكن ما يفاجؤك
هو ان النشطاء الشيعة الذين ابتلوا بتحريض الطرفين الوهابي
السلفي (بمختلف تصنيفاته) والليبرالي (بمختلف تصنيفاته)
الى حد التحريض على تدمير العوامية كما خالد العلكمي..
النشطاء الشيعة رفضوا الاعتقالات والاتهامات، ولم يعلنوا
التشفّي، وأدانوا حملة التحريض ضد المعتقلين، وطالبوا
بالعدالة والإنصاف لهم، والتحقيق في الاتهامات التي تلقيها
السلطات جزافاً ضدهم. هذا الموقف عكسه الدكتور فؤاد ابراهيم،
والحقوقي في المنفى طه الحاجي، وغيرهما.
داخل التيار الصحوي (الإخواسلفي) ـ المُستهدف بالاعتقالات
ـ تباينت المواقف. فقد فاجأنا عائض القرني، والعريفي،
بالاصطفاف مع الحكومة واجراءاتها. وسواء كانا مجبرين،
او باختيارهما، فإن الموقف كان محط نقد من قبل الحقوقي
المنفي يحي عسيري الذي تحدث عن (مستوى منحط وسافل دفع
العريفي والقرني للتبرؤ من رفاقهما)!
رأينا جمال خاشقجي ـ المتهم بميول اخوانية ـ يلجأ الى
أمريكا، ويُمنع من الكتابة كلياً في السعودية، ولكنه يستغرب
الاعتقالات (لا أصدق انه جرى اعتقال القرني والعودة. بلادنا
ورجالها لا يستحقون ذلك، ولا تعرف أجواء الاعتقال والتخويف.
لا بد أن هناك سوء فهم). سوء فهم؟ يستاء المحامي والناشط
عبدالعزيز الحصان فيقول بأن الخاشقجي مدلّس لأنه (منذ
وعيت على هذه الدنيا وبلادنا تعيش أجواء الاعتقال والتخويف).
اما مؤيدو وناشطو التيار الصحوي في الداخل، فأكثرهم
صمتوا، الا من اضطر للإعلان عن تأييده لدفع التهمة عن
نفسه، وحتى يأمن شر الإعتقال. وبعضهم، رأى التنديد بالمعارضين
المطالبين بحراك 15 سبتمبر كبوابة لاعلان ولائه وتأييده
لاجراءات محمد بن سلمان القمعية.
مثال ذلك الاخواني عسكر سلطان الميموني الذي شتم دعاة
الاحتجاج فقال: (خبتم وخاب مسعاكم، ابو فهد في قلوبنا،
ومحمد في عيوننا). في اقل من يوم بعد التغريدة تمّ اعتقاله!
اخواني آخر هو الشيخ عبدالوهاب الطريري الذي أكد على
اهمية التلاحم بين الشعب وقيادته، وأبدى يقينه بفشل الحراك،
وزاد (اللهم ادفع الفتن عنّا)!. وعائض القرني قال بأن
المشاركين في الحراك (يجمعهم العداء للوطن، والسعي لإحداث
الفتنة، وسيعودون بالخيبة والندامة). والاخواني المعارض
ـ سابقاً ـ كساب العتيبي، الذي عاد الى بلاده من المنفى
بوساطة من تميم، وسمّى ابنه ـ حديث الولادة ـ تميم، قال
ان هدف الحراك زعزعة امن الوطن واستقراره، وان القيادة
خط أحمر!
حتى جمال خاشقجي نفسه وقبل اربعة ايام من كتابته مقالته
في الواشنطن بوست زعم التالي: (رغم كل ما يجري ـ من اعتقالات
ـ مؤمنٌ ان دولتنا تحافظ على حبال الود بينها وبين مواطنيها
الذين تختلف معهم، فدعوكم من دعوات مشبوهة لاعتصام أو
حراك)، وزاد: (هذه دعوة عبثية وغير مسؤولة، تضرّ بالشباب
والدولة ووحدتنا)! ومثله العريفي الذي دعا الى (تماسك
الصف، وان لا نستجيب لدعوات كهذه).
القادم أسو
في نتائج الاعتقالات، يمكننا قول التالي:
أولاً ـ أنها لا تُضيف مبرراً جديداً لمهاجمة قطر ومحاولة
الاطاحة بنظام الحكم فيها. اي ان الاعتقالات مهما تم ربطها
بقطر، فلا يمكن تثميرها سياسياً، خاصة وان النظام احتضن
عبدالله بن علي آل ثاني، واعتبره الحاكم الشرعي الجديد
لقطر. ثم جاء بشيخ قطري ثان، وهو سلطان بن سحيم آل ثاني
ليستكمل تشكيل حكومة قطرية في المنفى.
فحتى لو افترضنا ان من اعتقلوا ينتمون الى خلية تجسس،
فهي لا تفيد في تحشيد الشارع الى جنب النظام: لأن الأخير
يفعل ذات الشيء بحق قطر، ولأنّ المعركة شارفت على الانتهاء
لصالح قطر، وان لم تتوقف.
ثانياً ـ ان الاعتقالات تفتت المحيط الاجتماعي الحاضن
للسلطة، وهو المحيط النجدي الوهابي، حيث اهم واغلب المعتقلين
ينتمون اليه. واضعاف هذا المحيط، او المساهمة في انشقاقه،
لا يفيد آل سعود ولا حكمهم، ولطالما اعتبرت نجد المكان
الحصين للموالاة، والآن هي منقسمة حول الاعتقالات، والتي
من المؤكد ستزيد حجم المعارضة فيها ضد آل سعود وحكمهم.
اي ان الاعتقالات سواء في محيط نجد أو غيرها، تضيف مبررات
جديدة لزيادة المعارضة وتحفيزها.
ثالثاً ـ ستضعف الاعتقالات المؤسسة الدينية الوهابية
المتخاذلة والمستكينة والتي يراها الجميع ضعيفة مطواعة
بيد نظام طاغ فاسد. واضعاف المؤسسة الدينية، يعمّق أزمة
الشرعية الدينية لحكم آل سعود، في محيط نجد، كون هذه المؤسسة
ليست القيادة الدينية لأكثر المواطنين المنتمين لمذاهب
أخرى سواء في الحجاز او الشرق او الجنوب.
رابعاً ـ ليس مؤكداً أن تؤدي الاعتقالات الى تعزيز
سلطة محمد بن سلمان وقبضته على الحكم. على العكس، فالأقرب
انها تُضعف تلك القبضة، وتؤجج التيارات داخل العائلة المالكة،
التي ترى ان هذا الدب الداشر الغرّ، قد ذهب بعيداً في
استجلاب العداء للعائلة المالكة حتى من بين الموالين مذهباً
ومنطقة!
خامساً ـ لمن يعتقد بأن نجاح رؤية 2030 وتأسيس انفتاح
اجتماعي، لن يتم بدون اضعاف المؤسسة الدينية، واعتقال
المشايخ الذين يتوقع منهم المعارضة لما يسمونه بـ (علمنة
الدولة) أو (إفساد المجتمع) على طريقة دبي.. لهؤلاء نقول
بأن مشكلات الرؤية بنيوية، فأصلها قائم على معطيات خطأ،
وعلى مبالغات، وعلى خطط عمياء غير علمية. وبالتالي فهي
حتى لو أيّدها كل المواطنين، فإن نجاحها يبدو مستحيلاً.
حتى وإن قيل بأن الرؤية تحتاج الى مناخ ملائم، فهذا المناخ
لا يعني تكسير المختلف ونشر الرعب في المجتمع. على العكس
من ذلك، إن الاعتقالات تضيف عاملاً جديداً لفشلها الحتمي.
سادساً ـ اذا كان غرض الاعتقالات تكتيكي، وليس استراتيجياً..
بمعنى ان كان الهدف منها او أحد أهم اهدافها، القضاء على
حراك 15 سبتمبر، وتغيير بوصلة وتوجه المجتمع نحو (الخطر
القطري)، فإن الاعتقالات ستفيد أية دعوات قادمة للإحتجاج،
وقد تدفع بجمهور الصحويين للشارع، وهذا محتمل ايضاً؛ تماماً
مثلما خرجوا في انتفاضة بريدة عام 1994 احتجاجاً على اعتقال
الشيخ سلمان العودة. والمهم ان غرض القمع ان كان إخماد
الأنفاس، فإنه يحدث في كثير من الأحيان عكس ذلك. اذ تصبح
الاعتقالات بمثابة محفّزات على الاحتجاج والاعتراض، خاصة
ان كانت الظروف الاقتصادية والاجتماعية والمعاشية والسياسية
والأمنية تساعد في ذلك.
سابعاً ـ تؤكد الاعتقالات، مرة أخرى، الحاجة الى الإصلاح
السياسي لايقاف تغوّل آلة الاستبداد السعودي. فالدولة
وضعت في يد شاب بالكاد تجاوز الثلاثين من عمره، وخلال
عامين استطاع ان يقلب عاليها سافلها، وأن يهدر الأموال،
وان يخلق المزيد من المشاكل السياسية الخارجية والحروب
دون ان ينجح في أي منها. وخلال هذه الفترة ايضاً، اختفى
تريليونا ريال من خزينة الدولة، وتوقفت مشاريعها، وأغلقت
الشركات، وزادت الضرائب، كما زادت نسبة البطالة، واشتدت
حالة القمع والارهاب.. وبالتالي فإن كل هذا لا يمكن إلا
ان يضعضع السلطة حتى وان كانت تمسك (سيفاً أملحاً).
بين الباحثين الغربيين هناك من يعتقد بامكانية نشوء
انتفاضات اجتماعية احتجاجية، وهناك من بدأ الحديث عن ضرورة
الاصلاح السياسي الذي لا يستطيع احد اليوم ان يشير اليه
ولو بكلمة. بل ان كلمة (اصلاح) لا توجد اليوم في القاموس
السعودي (حرفياً) ولا تستخدم الكلمة في التحليلات السياسية.
نحن أمام سياسات متسارعة، يقودها محمد بن سلمان، كلها
تؤشر بأن هناك ازمات قادمة، وعنف أكثر طغيانا وعمى.
ولذا قال كثيرون بأن آل سعود لا يحتاجون الى معارضة.
فمحمد بن سلمان قد تكفل بتخريب الدولة بنفسه. آل سعود
هم أعداء انفسهم، وهم الذين ينقضون غزلهم من بعد قوة أنكاثا.
|