الاوضاع الاقتصادية والسياسية والأمنية موائمة
قلق حكومي من موجة احتجاجات شعبية
ناصر عنقاوي
دعا ناشطون في الداخل والخارج الى احتجاج غير محدد
المكان، ولكنه محدد الزمان، وفي مقدمة الداعين المعارض
والاعلامي غانم الدوسري، الذي رفد الحراك بفيديوهات وتوجيهات
اجتذبت الشباب في المملكة السعودية، وأشعلت خوفاً لدى
العائلة المالكة من أنها قد تواجه رغبة جامحة للتمرّد
خاصة مع وجود ظروف اقتصادية وامنية وسياسية صعبة يعيشها
المجتمع.
الحكومة التي شككت في نجاح الاحتجاج، هي من أنجحه قبل
أن يبدأ، وذلك بسبب ردود فعلها العنيفة تجاهه. وواضح أن
الدعوات للاحتجاج كانت متسلحة هذه المرة بأساليب نضال
جديدة، وبثقافة سياسية اعلى مما كانت عليه، وبجبال من
الاستهزاء والسخرية بالعائلة المالكة صنعتها الكوميديا
السوداء التي كان يبثها في فيديوهات قصيرة غانم الدوسري.
حالة القمع الشديدة، وغياب المجتمع المدني، والانتشار
الواسع لقوى الأمن بكافة اصنافها، احبطا خروج تظاهرات
كبيرة، ولكن تجمعات صغيرة ظهرت في مدن عديدة، واعتبرت
الحكومة ذلك نجاحاً لها، في حين اعلن المحتجون انهم هم
الناجحون، وانهم استطاعوا استنفار السلطة بطاقتها القصوى،
وقالوا بأن الحكومة قمعت الاحتجاج الكبير، ولكنها لن تستطيع
قمع الرغبة في الإحتجاج.
استنفرت السلطات كامل قواها الاعلامية والأمنية لمواجهة
المحتجين، وتجهزت بالفتاوى اللازمة، وتصاعدت اللغة التهديدية
الرسمية بضرب الأعناق، واطلاق النار على رؤوس المواطنين،
ودهسهم بالسيارات، ووضعهم في السجون وغير ذلك من التهديدات
والإرجاف الشديد، الذي عكس خشية النظام ورعبه.
بدأ الأمر باعلان مواطنين يوم احتجاج، تجاهلته السلطات،
ثم تناولته بالسخرية، ثم بالمواجهة الشرسة بكافة الوسائل
الاعلامية والنفسية والأمنية والدينية الرسمية.
مبررات الاحتجاج كثيرة: تردي الوضع الاقتصادي؛
الحرب على اليمن؛ قمع الحريات؛ الاعتقالات؛ الفشل
السياسي الخارجي؛ الفساد داخل العائلة المالكة وحاشيتها؛
وغير ذلك.
وقد استفاد المعترضون من حملة الاعتقالات التي
سبقت الاحتجاج بأيام، لتأكيد حقيقة ان من لا يطالب بحرية
الكلمة، سيخسر حرية الصمت. ومن جانب الحكومة فإنها ابتداءً
سعت الى تطويع هاشتاق: (حراك ١٥ سبتمبر)
لصالحها؛ ثم ابتدعت هاشتاقات أخرى بديلة، مثل: حراك ١٥ سبتمبر مؤامرة، وهو ما ابتدعه سعود القحطاني،
المعروف بوزير الذباب الالكتروني؛ وهاشتاق: تلاحمنا
اساس وحدتنا؛ وهاشتاق: ابونا سلمان كلنا تحت رايتك؛
والوطن خط أحمر، وغيرها.
لكن ربما ولأول مرة يظهر أمير في المنفى ـ وهو خالد
آل سعود ـ ليؤيد هذا الحراك، ويندد بمحمد بن سلمان المراهق
وسياساته. لكن الحملة الحكومية المضادة استنجدت بفتوى
متسرعة على الهواء للمفتي ومن قناة ام بي سي قال فيها
ان هدف الحراك زرع الفتنة وسفك الدماء.
الداعية المتطرف في قناة وصال الطائفية عمر المقبل،
قال ان الحراك يقف وراءه اعداء بلادنا؛ وجزم الداعية
سليمان الطريفي بأن الشعب لن يستجيب للفوضى التي يزينها
الحاقدون؛ وقال ان الحراك مجرد جعجعة على تويتر ينشرها
حاقدون. اما الشيخ المغامسي، فوصف الدعوة بأنها فتنة،
وانها حراك شيطاني مضر بالوطن؛ والشيخ سعد الغنيم
قال ان وسم ١٥ سبتمبر من صنع اعداء الوطن.
ولاحظ د. فؤاد ابراهيم، أن كل من اراد النجاة بنفسه من
بطش (الدب الداشر)، أطلق تصريحاً تخوينياً ضد حراك ١٥
سبتمبر.
هيئة كبار علماء النظام اكدت في بيان تضامني لها مع
النظام على حرمة المظاهرات؛ والشيخ المطلق عضو هيئة
كبار العلماء، حذر مما اسماه بالدعوات المفلسة والحاقدة
التي تدعو للإحتجاجات؛ والداعية خالد المصلح طالب
بطاعة آل سعود، والتصدي لكل مُرجِف؛ ومثله الداعية
سعد العتيبي الذي زعم ان حراك ١٥ سبتمبر يجرمه
الشرع والنظام، لأنه دعوة للفوضى واخلال بالأمن.
واستنفر رجال المباحث جهدهم فاتصلوا هاتفياً بالشيخ
صالح اللحيدان (عضو هيئة كبار العلماء، ورئيس مجلس القضاء
الأعلى سابقاً) ليدين الحراك ففعل على وجل مطالباً باستعادة
منصبه ضمنياً؛ كما اتصلوا بقضاة ومشايخ آخرين لذات
الغاية. لكن بساطة الناس تقول التالي: اخرجوا وطالبوا
بحقكم وإلا بقيتم في وضع سيء لسنين قادمة.
نخب النظام الاعلامية وغيرها، أيدت الاعتقالات باعتبارها
طريقاً للحداثة؛ وأيدت قمع السلطات للحراك لأنه فوضى.
وزير ابن سلمان، ورئيس الذباب الالكتروني، سعود القحطاني،
الذي سبق وحذر امير قطر من قمع الحراك السلمي لشعبه معتبراً
ذلك جريمة حرب؛ والذي طالب تميم بالاستجابة لمطالب
شعبه؛ ما ادى الى استخدام تصريحه هذا ضده لتشريع الحراك
ضد آل سعود. القحطاني هذا، ربط الحراك بالعمالة لقطر،
ووصفه بأنه نكتة ومؤامرة.
أحد المواطنين ردّ على القحطاني بالصوت والصورة، فكان مصيره السجن.
الحكومة استبقت الأمر باجراءات أمنية مشددة لمواجهة
اي تحركات في الشارع؛ تضامن معها تركي الحمد الذي
اعتبر معارضة سياسات آل سعود انشقاقاً وخيانة؛ واكد
الحمد على دعم الملكية الوراثية، وحذر من دعوات الحراك
الشعبوي التي وصفها بـ (العبثية)؛ وزعم انه
يدعو للإصلاح ولكن (في وقته المناسب) اما الحراك
السياسي في الشارع فهو بنظره فوضى غير خلاقة. وعاد
الحمد فأكد على دعمه للنظام الملكي فهو ما يصلح للعرب،
جميع العرب!
الناقد الأدبي عبدالله الغذامي فقد اتزانه، واتهم المعارضة
بأنها مُستأجرة لا تمثل شعبا ولا اخلاقيات ولا وعياً؛ في
حين تحدث الاعلامي ابراهيم السليمان عن حراك قلبه الصخري
تجاه قيادة آل سعود، فهذا ما يعرفه وليس حراك الشعب؛ واما
الصحفي محمد آل الشيخ، فربط الدعوة للحراك بقطر وتحريضها،
مؤكدا على ضرورة اخضاعها وتسليمها لآل سعود؛ وزعم
ان الثورات والفتن لن تنتهي الا بانهاء نظام الحكم القطري،
وانهاء نظام الحكم في تركيا. قطرية ردت على آل الشيخ: (هل
قطر هي التي قالت لحكومتك ان تنهب فلوس الشعب؟ وتفقره،
وتصادر حقوقه؟. ام ان قطر هي سبب بطالة الشباب والسكن؟.
الحمد لله ان الشعب كشفكم).
احمد الزبيدي هدد المحتجين الذين وصفهم بالكلاب، بالشنق
في الشوارع؛ وجمال خاشقجي الذي كُسر قلمه مؤخراً،
واختار الهجرة الى امريكا وصف دعوة الحراك بأنها (عبثية
وغير مسؤولة)؛ وزاد محذراً بأنها دعوة مشبوهة؛ في
حين استُجلب اللاعب ياسر القحطاني ليصف المشاركين في الحراك
بأنهم باعوا بلدهم وانفسهم لشق الصف السعودي؛ واضاف
بأن (كل الدنيا تحسدنا على الأمن والرخاء والولاء
لقيادتنا).
أيضاً حول علي سعد موسى، الاكاديمي والكاتب وعضو الشورى
السابق، حول الأمر الى مجرد نكتة، واصفا دعاة الاحتجاج
بأنهم جهلة؛ والدكتور عبدالعزيز الثنيان رآها دعوة
سوء، ونداء مُفلس؛ وفياض الشمري دعا بالويل والثبور وعظائم
الأمور على من استباح الوطن وشذّ عن طاعة ولي الأمر؛ والشاعر
عبدالله المقحم رأى دعوة الحراك هزيلة خاسرة دعت اليها
جهات خارجية مبغوضة؛ والاعلامي صالح الفهيد وصف المعارضة
بـ (الخبول والسفهاء.. ينفعون ولا يضرّون). في
حين ان الارهابي ٢٠ المكمل لعدد ١٩
الذين قاموا بتفجيرات سبتمبر، ونقصد عبدالله ثابت، وصف
اصحاب دعوات الاحتجاج بالكلاب المسعورة التي لا تريد خيراً
للبلاد وأهلها، والصحفية نورة شنار اتهمت قطر بأنها وراء
غانم الدوسري والحراك (الوهمي) بنظرها.
هذا، ولم يفاجئنا وزير خارجية البحرين بتغريدات مؤيدة
لآل سعود، فقال في هاشتاق (اي حراك؟ أي خرابيط؟):
(الكلاب تنبح والغربان تنعق). رد عليه المعارض حمزة
الحسن ساخراً: (ظنّيتك واحد من ذباب معاليه القحطاني.
ما تستحي انت؟ وتحفظ مقامك كوزير لمملكة مساحتها أصغر
من مساحتك؟).
هناك اخواسلفيون يخشون الاعتقال، غردوا لدرء الشبهة
عن انفسهم، ومنعاً لاعتقالهم، ولاسترضاء آل سعود من بينهم
سعد التويم والغامدي وكساب وامثالهم.
الاخواني د. سعد الغامدي هجا الحراك شعراً فقال:
حراكٌ فاجرٌ لا خير فيه
|
سيوردُ للبوارِ منظّميهِ
|
ومثله الاخواسلفي عبدالله القصادي الذي شكك بأن حراك ١٥
سبتمبر عملاً مخابراتيا أجنبياً، ظاهره رفع المظالم وتحصيل
الحقوق، وباطنه استعداء الدولة على الشعب.
لو لم يستشعر آل سعود الخطر من الشعب المُسعوَد، ما
جاءت هذه التعليقات والفتاوى، هذا غير عشرات بل مئات المقالات
والتهديدات بالصوت والصورة وبالكلمة على مواقع التواصل
الاجتماعي. لولا ان الأمر جاد، ما نزلت قوات السلطة الى
الشارع مبكراً. حسب هذه الدعوة للحراك والاحتجاج، انها
اطلقت شحنة من الوعي لدى المواطنين، وحسب الحراك أن كشف
ان الشعب ساخط على آل سعود وسياساتهم، وان القمع هو وسيلتهم
الوحيدة للبقاء. اذ ليس فخراً ان تقمع الحراك السلمي،
ثم تزعم ان الشعب يحبك لأنه لم يخرج معترضاً؛ فمجرد قمع
الرغبة الشعبية في الخروج دليل على افلاس آل سعود وسياستهم.
المعارض في المنفى عماد الحواس، وجه نداءه للجنود: (ايها
الجندي، لا ترفع سلاحك في وجه من جراحُهُ هي نفسُ جراحِكْ)؛
ورأى ان الحراك كسر حاجز الخوف قبل ان يبدأ، ولاحظ عويل
من اسماهم بالذباب الإلكتروني، مؤكدا ان الزمن لن يعود
للوراء.
المعارض الآخر، عبدالله الغامدي، دعا العسكريين الى
وضع يدهم بيد الشعب، فوضعهم المادي ليس أحسن حالاً من
بقية الشعب. وخاطب الغامدي آل سعود ساخراً: (اعتبروا
الشعب مثل ترامب. استقبلوهم بالورود، واعطوهم من خير وطنهم،
وارقصوا معهم العَرْضَةْ، ودعوهم يرجعون مسرورين، مثلما
رجع ترامب مسروراً).
الدكتورة حصة الماضي اقسمت بأن الحراك أرعب آل سعود،
واستنفر قواهم لاستنكاره؛ وحزب الأمة الاسلامي ربط
بين حملة الاعتقالات ومواجهة حراك ١٥ سبتمبر؛ وصاحب
الحساب الساخر(سماحتي) كان جاداً حين تساءل: (هل
بقي لمن كان يزعم بإمكانية الإصلاح المتدرج من داخل النظام
أي حجة؟)؛ واضاف معلقا على مقولة الأمن والأمان،
بأن المعني هو أمن المافيا الحاكمة، عدوة الشعب، وان الأمان
للمنتفعين من تلك المافيا، فـ (أمنهم يكمن في خوف
الشعب). وختم بأن من يحارب الاصلاح هم من لديهم منكرات
يخشون زوالها؛ ولذا لم يستغرب من وقوف بعض النخب التي
صنعها النظام ضد الحراك، لأنهم سيزولون بزوال الفساد.
من جانبه قال بدر الرشيد بأن الضعف والفشل لا يعيب
المرء او المجتمع، انما يعيبه الجمود الذي يُطمئنُ الطغاة
ويجعلهم يتمادون في غيّهم، لذا فإن حراك ١٥
سبتمبر مجرد بداية لمشوار التغيير، حسب رأيه. اما
مالك السعيد، الناشط في المنفى الألماني، فوجد ان المشكلة
تبدأ برجال الدين الذين شرّعوا وأفتوا للإستبداد، فهؤلاء
يجب الكفر بهم ان اراد الشعب تحصيل حقوقه. وتساءل: لماذا
لا يدرك آل سعود ان هناك جيلاً شاباً متحمساً مقبلاً على
الحياة ويطمح للتغيير؟. وسخر الدكتور عبدالله الشمري
من تهمة ان الحراك السلمي يسبب الفتنة، في حين يعتبر النظام
حرب المسلمين في اليمن وقصفهم وقتل رجالهم ونسائهم وأطفالهم
بطولة وحزم.
اما الدكتورة مضاوي الرشيد فقالت بأن اعتقال العودة
في التسعينيات ادى الى انتفاضة بريدة، فهل سيحدث ذات الأمر
احتجاجاً على اعتقاله؟ والكشكول جاء بتغريدة ضد الحراك
للشيخ عبدالعزيز الفوزان وعلق: (اللهم ان هذه اللحى
خانت الأمانة وباعت الدين بالدنيا، وزكّتْ الظَلَمَة.
اللهم اكشف سترهم، وافضحهم في الدنيا والاخرة).
العلامة الأثري شرح مصطلحات عبيد آل سعود؛ فالوطن يعني
آل سعود، والوطنية تعني التطبيل لهم، والفتنة هي كل ما
يزعج آل سعود من أقوال وأفعال. والطبيب المعارض في المنفى
(ماجد) اكد ان الحق لن يضيع (سنصل يوماً لحكومة منتخبة
تمثل كل اطياف الشعب، ومجلس أمة منتخب).
الآن هناك دعوات جديدة للاحتجاج بوسائل أخرى، كما أن
هناك دعوات لأن تكون هناك فعالية اسبوعية.
أياً يكن الحال، فإن سياسات محمد بن سلمان قد تطلق
شرارة تمرد اجتماعي لا قبل له به.
|