|
|
|
ترامب وسلمان
ونتنياهو: حلف الفجّار! |
احتفاء باستراتيجية ترامب التصعيدية ضد ايران
السعودية ترقص فرحاً وتتمنى الحرب!
توفيق العباد
يفترض ان يكون حكام السعودية وإعلاميوها اكثر حصافة
وحكمة في تعاملهم مع ملف العلاقات مع ايران، وخصوصا الصراع
الذي يحاول الرئيس الاميركي تفجيره مستعينا بخدماتهم.
فهم اصحاب تجربة كبيرة، ومن ابناء المنطقة الذين عايشوا
التطورات والاحداث جميعا، ويفترض ان يكونوا قد اكتسبوا
خبرة وافية، بعكس ترامب الطارئ على السياسة، قليل الخبرة،
وربما المعرفة بحقائق التاريخ.
كان على ال سعود ان يسألوا: مالجديد الذي اضافه ترامب
الى العلاقات الاميركية الايرانية؟ وماذا بعد خطابه عالي
النبرة لفظياً ضد ايران، المتواضع بل المتراجع من حيث
المضمون؟ وما هي الاليات التي ينوي استخدامها لوضع استراتيجيته
موضع التنفيذ؟ وما هو الدور الموكل لهم ولاسرائيل تنفيذه
في سياق هذه الاستراتيجية التي يجري الحديث عنها؟
الصحف السعودية حفلت بالعديد من العناوين والتحليلات
التي تعدت صيغة الخبر الى قاموسها المشبع بتسعير الاحقاد
والشتائم والالفاظ الهابطة.. واذا صرفنا النظر عن كل ذلك
نجد ان المملكة تشعر بالسرور والغبطة للموقف الاميركي،
وتعتبره تماهيا وانسجاما مع الموقف السعودي في هذا المجال،
كما تؤكد اصطفافها خلف الحلف الجديد الذي ينوي ترامب تشكيله،
حتى وان كان مقتصرا عليها وعلى اسرائيل، الى الحد ان الملك
سلمان اتصل بترامب مباركاً تصعيده ضد ايران.
عبد الرحمن الراشد اعتمد التهويل بخطر هيمنة ايران
على المنطقة، خلال سنوات، اذا ما تُركت دون رادع، في حين
أنه نفى ان يكون ترامب متهورا، او انه يقرر بلا تقدير
للعواقب، محاولاً اضفاء الرصانة والحكمة على موقف الرئيس
الاميركي. واعتبر الراشد القرار الأميركي شجاعاً "لم
نرَ مثله منذ عقدين، ويمكن أن يكون بداية تصحيح إقليمية
أو على الأقل وقف الزحف الإيراني”.
خالد بن حمد المالك ابدى حرصا شديدا على هيبة اميركا
التي فرط فيها اوباما واستعادها ترامب. وشدد على عودة
الرئيس الاميركي الى صيغة العمل مع حلفائه الاقليميين؛
ومشاري الذايدي بلغ به الشطط مبلغا بعيدا بالحديث عن (ساعة
الحساب)، وعن (حزم اميركي) شبيه بـ (الحزم السلماني).
لا يجوز ان ينبري من يدري ومن لا يدري من الكتاب، لقضية
خطيرة على السعودية والعالم، بهذا الاستخفاف والسطحية
في المعالجة والتحليل.
ما الجديد في الموقف الاميركي، الذي يستحق ان يحتفي
به المسعودون فيعتبرونه فتحا ترامبيا تاريخيا؟
فالعلاقة بين واشنطن وطهران ظلت متوترة منذ انتصار
الثورة الايرانية، ولم يتوقف العداء الاميركي والتهديدات
لها لحظة واحدة، كما لم تتوقف المحاولات الاميركية للعدوان
عليها وتدبير الانقلابات، او الانشقاقات الداخلية، او
الغزو الخارجي، او التحريض والتشويه، وصولا الى اقامة
التحالفات المذهبية وتسعير الفتنة الطائفية في المنطقة.
تاريخ العلاقة بين امريكا وايران سلسلة متواصلة من
العداء، وما يقوم به ترامب لا يعدو ما يفعله اي رئيس اميركي،
جمهوري او ديمقراطي، حيث يبدأ عهده بمحاولة الترهيب والتهديد،
وينتهي الى ما انتهى اليه اسلافه. فهل كان الرؤساء السابقون
حمامات سلام، وترامب هو الصقر الوحيد؟
رغم كل العداء والتآمر الأميركي، لم تتورط واشنطن في
حرب مباشرة مع ايران، لازال نتنياهو وال سعود يحلمون بها.
هذا الاحجام الاميركي لا يعود الى عفة وترفع عن خوض الحروب،
فقد جربتها مراراً ودمرت خلالها دولا بأكملها، وأسقطت
انظمة، وقتلت عمدا وقهرا ملايين المدنيين الابرياء دونما
مبالاة ودونما اعتبار للأمم المتحدة.. الا ان واشنطن لم
تواجه ايران عسكرياً تهيبا وخشية من التداعيات الكارثية،
ولعدم الثقة بأن نصراً ممكن التحقق.
لذا.. فعلام يراهن المتحمسون السعوديون لحرب امريكية
ضد ايران؟ ألم تكفهم ارتدادات الحرب على العراق التي لا
يزالون يدفعون فواتيرها، ماديا وامنيا وسياسيا؟
من جهة اخرى، لا يعرف السعوديون ايران على حقيقتها،
في حين يعرفها الغربيون جيداً. ايران اليوم، تختلف عما
كانت عليه قبل اربعة عقود، سواء من حيث القدرة العسكرية
والاقتصادية، أو من حيث تحالفاتها الاقليمية والدولية،
أو من جهة تماسكها الاجتماعي ونهضتها العلمية، حيث يبز
العلماء الإيرانيون نظراءهم في الدول المتقدمة في مجالات
شتى.
ما أزعج السعودية هو تآكل نفوذها السياسي في المنطقة،
تماشياً مع تراجع الدور الأمريكي، وضعف الدول الحليفة
كاسرائيل التي ترى خطراً حقيقياً ووجودياً قادماً من ايران
وحلفها. لهذا ظهرت الاسطوانة السعودية المشروخة، بأن ايران
تتدخل في شؤون الدول العربية، وكأن الدول المعنية سعودياً
لا والي لها ولا حكومة تتحدث باسمها؛ وكأن التدخل الامريكي
والاسرائيلي مسموح به وهو من النوع الممدوح وليس المذموم!
التدخل المذموم هو ما تقوم به أمريكا وحلفاؤها، وفي
مقدمهم السعودية، التي تسعى الى تغيير الانظمة بالقوة
العسكرية وبالتدخل الخارجي، والتي تثير الفتن والقلاقل
في الدول المستقرة لتحقيق مشاريع سياسية تعدها دوائر المخابرات
الاجنبية، واوضح مثال على ذلك ما يجري في سوريا والحرب
العدوانية السعودية الأمريكية على اليمن.
اما تبرير امريكا والسعودية واسرائيل مواجهة ايران
على يد ترامب بأن طهران تدعم الارهاب، فلا قيمة له، وكل
المعني هو دعم حماس وحزب الله. اما داعمو الارهاب الداعشي
والقاعدي فهي السعودية وحلفاؤها الأمريكيون.
حرب ترامب واللوبي الصهيوني على ايران، لا مصلحة للسعودية
ولا للشعوب العربية في الدخول في اتونها، خاصة وان حماسة
الرياض للحرب تصطدم مع محدودية قدرتها العسكرية والاقتصادية
لخوضها.
الأحقاد والضغائن السعودية أعمت أمراء الرياض عن التفكير
في مآلات سياسة ترامب، ليس فقط على المنطقة بل وعلى بلده،
وكما قال الكاتب الاميركي نيكولاس كريستوف: (لنحو اربعين
سنة، جربت الولايات المتحدة ان تعزل ايران. وانتهى الامر
الان الى ان سياسة ترامب تجاه ايران يبدو انها تعزل اميركا).
لم يؤيد ترامب في سياسة التصعيد مع ايران سوى اسرائيل
والسعودية، وكلا البلدين يؤكّدان أنّ ترامب تماهى مع سياساتهما،
وتبنّى حرفيًا موقفهما!
وضع ترامب امام الكونغرس ثلاثة اسباب موجبة للعقوبات:
انتاج ايران ونشر صواريخ باليستية.. ورفض التفاوض على
توسيع القيود الحالية على نشاطاتها النووية.. والتثبت
من ادلة على تقارير استخبارية تؤكد قدرتها على انتاج قنبلة
نووية خلال اقل من اثني عشر شهرا.
وصدور تشريعات مثل هذه تتطلب موافقة ستين من اعضاء
مجلس الشيوخ، بما يعني ان الجمهوريين يحاجون الى ثمانية
اصوات ديمقراطية، وهو امر غير مرجح دون الحصول على ضمانات
بالمحافظة على الاتفاق. ولهذا فقد شدد ترامب على انه في
حال لم يتمكن من التوصل الى توافق مع الكونغرس ومع حلفائه
الاوروبيين فإنه سيقرر الخروج من الاتفاق بمفرده.
واضح ان فريق ترامب ومستشاريه ممن يمثلون اللوبي الصهيوني
في الادارة الاميركية، قد وضعوا الافخاخ للوصول الى هذه
النتيجة، فهم اذ يعرفون ان ايران سترفض حكما التفاوض على
اي بند في الاتفاق، ويشككون بقدرتهم على اقناع رجال الكونغرس
في السير في ركاب سياساتهم المتهورة، ويعرفون سلفا ان
عودة الاوروبيين للاصطفاف حول هذا الموقف التصعيدي بعيد
المنال، لذا فقد وضعوا البند الثالث الذي يمكنهم بسهولة
فبركته، عبر تقارير مخابراتيه تثبت وجهة نظرهم، كما سبق
ان فعلوا ذلك مرارا، في الملف النووي الايراني وملف اسلحة
الدمار الشامل العراقية.
ولهذا فقد سارع الزعماء الاوروبيون المعنيون، رئيسة
الوزراء البريطانية والمستشارة الالمانية والرئيس الفرنسي،
الى اصدار بيانهم الصارم بالتزامن مع اذاعة بيان ترامب،
والذي أعلنوا فيه تمسكهم بالاتفاق النووي مع إيران، وأعربوا
عن قلقهم من التبعات المحتملة لموقف ترامب.
البيان المفاجئ وغير المعتاد في الرد، ومناوأة السياسة
الاميركية بشكل معلن، أكدا رغبة الدول الثلاث في الحفاظ
على استمرارية خطة العمل المشتركة الشاملة بخصوص الاتفاق
النووي والتزام كافة الأطراف بها، الأمر الذي يخدم المصالح
الوطنية المشتركة، وشدد البيان على تصميم الزعماء الثلاثة
على إدامة الاتفاق الذي كان ثمرة ثلاثة عشر عاما من المفاوضات
المضنية بين ايران والدول الست .
زعماء اوروبا واعلامها الحر يحذرون من تهور السياسة
الاميركية، في حين أن كتاباً سعوديين ينطقون بايحاء من
رغبات امرائهم يثنون على سياسة ترامب المتهورة؟.
صحيفة الغارديان عبرت عن المشهد بعنوانها الرئيسي:
ترامب يفشل اذ يغرد خارج السرب، فيثير قلق اصدقائه، ويزيد
لحمة اعدائه. كما شدد مراسل الصحيفة في واشنطن ديفيد سميث
على ان المحللين في العاصمة الاميركية يعتقدون ان قرار
ترامب السير بمفرده، واطلاق النار على برامج الرعاية الصحية
(اوباما كير) وعلى ايران، يعكس احباطه المتفاقم من قيود
السلطة الرئاسية. ونقل عن جون كيللي كبير موظفي البيت
الابيض قوله ان رجال الكونغرس يشعرون بالاحباط من سياسات
الرئيس، اذ ان الجالس في البيت الابيض يبدو رجل اعمال
اكثر منه زعيما سياسيا. بينما ركزت الفايننشيال تايمز
على ان زعماء العالم ردوا بعنف على محاولات ترامب احباط
الاتفاق مع ايران.
هذه هي صورة الموقف الدولي والاميركي والتي تؤكد التخبط
الذي تعانيه سياسة ترامب وبرامجه تجاه ايران، وان ما يسميه
الاعلاميون السعوديون استراتيجية المواجهة لا يأبه بها
احد، ولا يعيرها اي اهتمام.. وهو ما يخشى ان يتحول الى
مجموعة مغامرات يدفع السعوديون وشعوب المنطقة ثمنها.
|