تركي الحمد.. العلماني السلطوي!
هيثم الخياط
هذا ليس تركي الحمد.. الدكتور في العلوم السياسية،
والروائي، والداعية للإصلاح السياسي والثقافي، الذي نعرفه.
هذا ليس تركي الحمد الذي دخل السجن في عقود مضت لمعارضته
من موقع المتحزب اليساري. ثم دخلها لأسابيع بسبب تغريدات،
رغم ان الملك عبدالله منحه قلمه، ثم عادت أجهزة الأمن
فكسرتها!
هذا ليس تركي الحمد، الذي يزعم الحداثة والعلمانية
او الليبرالية ويبشر بهما.. يقول مغردون كثر، وهم يقرأون
باندهاش تغريداته خلال الشهر الماضي، المليئة بالتناقضات،
والمبررة للعدوان على المواطن كما على دول الجوار، فضلاً
عن سخريته وتضامنه التام مع آل سعود لسحق مطالب الشعب،
وتسخيف المعارضين باطلاق شتى الأوصاف والتهم، والعدوان
على الخصوم محرّضاً السلطة لاعتقالهم وكتم أنفاسهم!
الذي كان ينظر المقربون اليه كإصلاحي منبوذ من السلطة،
اصبح اليوم (فاشيّ سلطوي) كما وصفه مغردون علّقوا على
مواقفه الأخيرة.
مالذي تغيّر في تركي الحمد، حتى تحوّل من النقيض الى
النقيض؟
اليس تركي الحمد هو الذي كتب للامير عبدالعزيز بن فهد:
(انتم لا تعرفون اي شيء عن أي شيء رغم ذلك تديرون دولة.
بسياستكم نحن نتجه الى كارثة؟). اليس هو من قال لـ (عزوز):
(ولدتَ وفي فمك ملعقة من ذهب، فهل أحسستَ يوماً بمن لا
ملعقة في فمه؟). ألم يقل له: (تسوّرون الاراضي وتأكلون
الحقوق باسم الاسلام، وتقولون: شرع الله. كلا، لن نصدق
ولن نؤمن)؟ ألم يقل أن آل سعود اختصروا اسم البلد باسمهم،
اي آل سعود؟
ألم يقل الحمد ان فساد البلد يكمن في الرأس كما السمكة؟
وأن ورثة ابن سعود أفسدوا كيان الدولة؟ وان سياستهم تجاه
الشعب لا تعبّر عن حب واحترام؟
تركي الحمد في نسخته الجديدة مختلف تماماً في معظم
مواقفه وآرائه.
أمران يفسران هذا التحوّل:
الأول ـ شعوره بالقلق من سقوط حكم آل سعود ونهاية دولتهم،
وهو يعتقد أن الخطر الوجودي يعود لأمرين: احدهما، الأخطار
المحدقة خارجيا بما فيها من فشل وهزائم؛ والثانية، المؤسسة
الدينية الوهابية، أو حتى الدين ذاته، والذي اصبح عبئاً
على الدولة ومعوقاً لها ويجب الانفكاك منه بسرعة.
ابتداء يقر تركي الحمد بأن كيان المملكة يتعرض للخطر،
وهو يدعو للاتحاد مع ال سعود، وعدم نقدهم، بحجة الحفاظ
على الوطن، او حتى بدون حجة. يقول: (فوالله اني لآكل لحم
أخي كارها، ولكني لا أرضى له أن يؤكل)، مع العلم ان سياسات
آل سعود هي التي جلبت المخاطر.
هذا هو تفكير أهل الجاهلية الأولى، يرد عليه احدهم؛
وآخر يسأله: (هل ناقشت الفقر يوماً، البطالة.. السكن..
هموم المواطن البسيط؟).
لم يقف الحمد عند تحريم النقد على نفسه بل وعلى غيره،
بل وزاد في النظام مديحاً والحجة كما يقول: (السعودية
وطني اولاً، ثم هي في معركة وجود. قد أنقد سياسات معينة
للحكومة، ولكني مع الدولة قلباً وقالباً). وعاد الى التبرير
مرة أخرى، مؤكدا ان وجود الدولة في خطر. ومن قال لك يا
تركي ان الآخرين المعارضين ضد أصل الدولة، هم ضد الحكومة
التي تؤيد أنت معظم سياساتها بشكل أعمى. لستَ اكثر وطنية
منهم.
من هذه الخلفية هاجم تركي الحمد المعارضين في الخارج،
وقال ان المعارض الحقيقي يجب ان يبقى في الداخل، وانتقد
الدعوة لاسقاط النظام؛ وشتم المعارضين في الخارج واصفاً
اياهم بالمنشقين، وأنهم لا يتمتعون بكاريزما، وتنقصهم
الثقافة، بل واتهمهم بأنهم أدوات لأجندات خارجية.
وكان تركي الحمد قد أيّد اسقاط الحكم في قطر، وبشّر
بأن البديل جاهز، وسيشكل حكومة منفى كممثل للشعب القطري.
حيث ستطلب حكومة المنفى الاستعانة بالسعودية للتدخل عسكريا،
وهذا من حقها. فانظر الى هذا التناقض. سأل أحدهم: (معقول
انت تركي الحمد؟!).
نعم هو بشحمه ولحمه. وحين جاءت دعوة الاحتجاج يوم ١٥
سبتمبر الماضي، قال انه اصبح احتفالاً بشرعية النظام السعودي،
وقال ان الرياض وجدة والدمام هادئة، حتى زحام الرياض اختفى.
رد عليه الاعلامي نبيل المعجل ساخراً: (حتى شوارع فيينا
كانت هادئة).
واستسخف الحمد نشاط المعارضة حين قال بان من خطط لحراك
15 سبتمبر غريب عن المجتمع السعودي، لان الحكومة تستخدم
التاريخ الهجري، ويستنتج (هناك أياد خفية تحرك الخيوط
من وراء الستار، فانتبهوا). المغرد المشهور محمد ترنر
رد: (تحليلك غريب)؛ وميسون الخميس تقول لتركي الحمد بأن
راتبها يصل الى حسابها بالتاريخ الميلادي، واليوم الوطني
في 23 سبتمبر من كل عام.
وتساءل الحمد: لماذا يصر البعض على ان الشعب مناهض
لنظام الحكم، ويدفعه للتحرك واسقاطه، وزاد (نواقصنا نعالجها
من داخل النظام)، وان الشعب راضٍ عن آل سعود، ولا يحتاج
لراع اجنبي يعرفهم بحقوقهم (ارفعوا أيديكم عن وطني). ينسى
الحمد بأن السعوديين (يتدخلون في كل الأوطان، ما سلم بلد
من تدخلاتهم السياسية وفتاويهم الدينية). وقطري يسأل:
من أعطى حكومتك الحق بالتدخل في وطننا واختيار حاكم صوري؟
وماذا عن الاجنبي السعودي والاماراتي في اليمن؟، يسأل
يمني. وعراقي يسأل: لماذا تدخلتم في سوريا والعراق؟ وغضب
مواطن من جملة (راضون بنظام حكمهم) من أين أتيت بها؟ عندك
ثلاثين الف معتقل، غير الملايين الصامتين الحانقين بسبب
الظلم: (إِمْحَقْ ليبرالي)!
تركي الحمد مصرّ على دعم الأنظمة الملكية وترجيحها،
محذراً من (دعوات الحراك الشعبوي العبثية) حسب زعمه؛ اي
لا تقاوموا ملكية آل سعود. لماذا؟ يقول لأن العرب ـ وليس
السعوديين فحسب ـ لا يصلح لهم إلا نظام ملكي؛ ولأن دعوات
الحراك السياسي وتأجيج الشارع بشعارات براقة مقدمة للفوضى
غير الخلاّقة، بزعمه.
بالله هل هذا الرجل له علاقة بالإصلاح وبالليبرالية
او العلمانية او الحريات أياً كان صنفها؟
زياد هوّاش قال انه سيؤيد مقولة ان العرب يليق بهم
الملوك والممالك، لولا انها من صنع الانجليز، ولولا ان
القواعد الأمريكية تحميها. ومنصور باز استغرب وقال: لا
اعرف محللا سياسياً يعتدّ به يؤمن بما يقوله الحمد (انظمة
الحكم يحددها استفتاء عام وشامل. هذا من بديهيات السياسة).
وسخر حزام القحطاني من المثقف الليبرالي الذي اجرى دراسة
فاكتشف ان كتلة بشرية عربية عددها 350 مليون لا يناسبها
الا الانظمة الملكية.
وهكذا فإن دافع تركي الحمد للحفاظ على نظام الحكم السعودي،
ربما بسبب خلفيته النجدية، وشعوره بقرب زواله، كان محركاً
لمواقفه، حيث أسس رؤية جديدة لذاته المكسورة، فأصبح ابتداءً
ضد أي نقد للحكومة؛ وضدّ المطالبة بالإصلاح في هذا الوقت؛
وضد المعارضة في الخارج كما الداخل، ومع الاعتقالات للخصوم
السلفيين وغيرهم ممن يشاطرونه الكثير من الآراء، ومع تدمير
العوامية والاعدامات، حيث نجد اشارات لذلك، وفي اكثر الأحيان
هو يلتزم الصمت عن كل المساوئ والجرائم والأخطاء الحكومية.
وفوق هذا، هو مع حرب اليمن، ومع التصعيد ضد قطر، وقبلها
هو مع مواجهة ايران، ومع التحالف مع اسرائيل وضد حماس.
بالمختصر هو مع كل مواقف الحكومة حالياً.
وبهذا يصبح تركي الحمد شخصاً آخر، لا علاقة له بأيّ
مزاعم إصلاح يرفعها، ولا مبادئ يزعم اعتناقها ويبشر بها
ليبرالية او علمانية، بل تحوّل ـ بقصد ـ الى آلة إعلامية
تخدم ال سعود.
الثاني ـ لكن هناك دافع ثان له أثره في مواقف تركي
الحمد الأخيرة التي استكملت التفافته. الا وهو عداوته
للدين وللتيار السلفي، وشعوره بأن الحكم الجديد، تحديداً
حكم محمد بن سلمان، سيقوم باللازم من جهة (علمنة الدولة)
وضرب التيار السلفي الوهابي وتحجيمه، وهو يعتقد ان ابن
سلمان ولي العهد، قادر على التصدي للمخاطر الخارجية جميعاً.
هو اذن بين حدّي الخوف الوجودي على الدولة، من جهة؛
والأمل والرجاء بحدوث تغيير هيكلي في أيديولوجية الدولة
السعودية.
ابتداءً هو يبشرنا بأن (هناك مملكة تتجدد.. تخرج من
ثوب وهابية ضاق عليها، وآن لها أن تُلقيه). وهذا ما أزعج
مشايخ السلطة المقربين كالشيخ العتيق الذي قال لتركي الحمد:
ستذهب الى مصيرك، وستبقى السعودية إسلامية سلفية. واضاف
العتيق: كلما تولى ملك من ملوك السعودية قال أشباهك مثل
قولك. وسبق ان استاء هؤلاء من الحمد حين قال: (داعش جرثومة
قابعة في مدارسنا، جامعاتنا، مؤسساتنا، أُسرنا، في كل
الجو حولنا، تنتظر الفرصة لتنتعش من جديد، طالما بقي تراث
ابن تيمية وتلاميذه بيننا).
ويرى الحمد ان البلاد قد اتجهت نحو الحداثة (وإن رغمت
أنوف) وان الاتجاه نحوها مسألة بقاء أو فناء (يقصد ان
الدولة السعودية ستفنى بدون ذلك). رد قارئ: (حداثتك يا
دكتور كالمثل الشعبي القائل: اشربي وإلا العصا.. فيها
إرغام أنوف ورفضها رفض للحياة. هذا توحش فكري متطرف، وليست
حداثة).
لكن الحمد يعتقد ـ مصيباً بنحو ما ـ بأن الايديولوجيا
الوهابية ساهمت في تأسيس الدولة، ولكنها أصبحت سدّا أمامها؛
والخيار امام آل سعود إما التشبّث بالوهابية فتنهار الدولة
كما حدث مع الاتحاد السوفياتي، أو (يطلّقونها) للحفاظ
على الدولة، مضيفاً (وهو ما يحدث في سعودية اليوم). ويتفاءل
الحمد كما تفاءل قبل ١٥ عاماً: (بعد طول انتظار،
اخذ التفاؤل ينشر أرديته الوردية في المكان والزمان. تفاؤل
بأنه في النهاية: لا يصح الا الصحيح)؛ مؤكداً: (سيأتي
يوم يدرك فيه الجميع أن فصل المؤسسة الدينية عن الدولة
هو طوق النجاة للدين والدولة. فهل ندركه قبل فوات الأوان؟).
وفي ظل الاعتقالات في تيار الصحوة السلفية، ينتشي تركي
الحمد فيقول: (نحن اليوم نعيش أيام الصحوة الحقيقية، فالصحوة
استنارة وعقل ناقد). يسأله احدهم: (عقل ناقد؟.. ضعها تحتها
ألف خط): (هل يكون هذا العقل الناقد ناقداً فقط للموروث
الديني، ومغيّباً عن السياسة والإصلاح الاجتماعي؟ أهذه
هي علمانيتكم؟).
لكن الحمد يمضي جذلاً: (ما يجري في السعودية اليوم
هو اجتثاث للدولة العميقة التي تضع العصي في الدواليب،
وتدمير للتنظيم الموازي الذي يعرقل كل مشروع نهضوي). هو
هنا يشرعن الاعتقالات بحق الخصوم، بكل اطيافهم، لكن استخدام
جمل (الدولة العميقة/ التنظيم الموازي) المعوق للنهضة،
يثير الرثاء حقاً. الدولة العميقة ان وجدت، فهي في العائلة
المالكة وجهاز مباحثها واستخباراتها ومشايخها ودبابيسها
في الاعلام، وفي رجال المال الذين ينتفعون من الأمراء.
الخوف على النظام السعودي، الذي لا يستطيع أن يعيش
الحمد بدونه، والرغبة في تحول البلاد باتجاه مختلف، جعله
يؤيد الاعتقالات، والقمع، حتى لجمال خاشقجي ابن النظام
الآخر: (فقد أعطيتم المذكور أكبر من حجمه).. تجاهلوه،
يقول الحمد. ويحمد الله شامتاً: (حمداً لله، إنني عشتُ
حتى أرى انقشاع أفيون الصحوة، وسقوط رداء القداسة عن دعاة
المال والتحريض والعنف).
ليت الأمر وقف عند هذا الحد، فهو يسخر بأي شيء له علاقة
بالعروبة والعرب كأمة، أو بأمة اسلامية، وينصح في انتهازية
سياسية (الكسب من لعبة الأمم). يتمدد موقف الحمد الى قضية
فلسطين، فحين هاجمت اسرائيل قطاع غزة بالطائرات، رفض التعاطف،
لأن القضية صارت كمومس يطرق بابها التجار والمحتالون،
كما يقول. هو لا يفرق بين القضية ورجالها المزعومين. رد
عليه عربي: (لكنكم ـ كحكومة ـ تتاجرون بكل المومسات، وترتعد
فرائصكم حتى من المتاجرة بفلسطين خشية غضب أولياء نعمتكم.
من يعيب على الآخرين متاجرتهم، عليه ان يتقدم بالفعل).
لكن الحمد واصل: (لم أعد أكترث ـ للقصف الاسرائيلي. لم
أعد أعرف الصادق من الكاذب. لم اعد اكترث). وزاد الحمد
الجرعة، متهماً حماس باستفزاز اسرائيل. بل ان اسرائيل
بنظره خير من ايران، فاسرائيل هي العدو العاقل، وهي خير
من صديق جاهل. هذا الكلام لا يمثل اساءة لايران، بقدر
ما هو تلميع لصورة اسرائيل، وإساءة لآل سعود، ولتركي الحمد
نفسه.
وكما قلنا فإن تركي الحمد مع النظام (في الخير والشر).
هو من مؤيدي الحرب على اليمن، ويراها ضرورة لإيقاف زحف
ايران. وحين طالت واعترف باستنزاف البلاد مالياً وبشرياً،
بررها بالقول (لو انها لم تحدث ربما كان عليك تعلم الفارسية
اليوم). هل هذا الحمد درس السياسة ويفهمها؟! هذا تبرير
بشع لحرب عدوانية، عديم الانسانية من قام بها، ولا افق
انتصار فيها، يرد د. حمزة الحسن.
أما ايران فهي عقدة النخب النجدية في أغلبيتها الساحقة،
ملحدة كانت ام وهابية ام اخوانية ام لا دينية.
والحمد يستنسخ موقف محمد بن سلمان بأنه لا يستطيع التفاهم
مع ايران، نظراً لايمانها بالمهدي المنتظر! محمد بن سلمان
جاهل، لكن ماذا عن استاذ السياسة هذا؟! رد الدكتور ابراهيم
المطرودي: (اليس موقفنا من ايران هو نفس موقف الغرب من
المسلمين؟ أليس لدينا معتقدات دينية مهيمنة، تمنع من أي
حوار حقيقي؟). والحمد ايضاً يربط كل شيء بايران ومخططاتها،
كما حكومته حتى فيما يتعلق باحداث العوامية وتدميرها وتشريد
اهلها.
وكما الموقف من اليمن وايران، كذلك من العراق، فالحمد
مع انفصال كردستان وبمبررات سخيفة. يقول: (للأكراد كقومية
كل الحق في تقرير مصيرهم، واقامة دولتهم من حيث المبدأ،
بمثل ما ان للفلسطينيين ذات الحق، ولكنها مصالح الآخرين
التي تمنع ذلك). والحمد هنا يتناغم مع الموقف الرسمي السعودي
الذي يميل الى تأييد تأسيس دولة كردية، نكاية بالعراق،
وتركيا وايران معاً، وهو امر كشفت عنه زيارة ثامر السبهان
مؤخرا لأربيل، ثم زعمت السلطات أنها تريد القيام بوساطة،
وبعد الانكشاف قالوا انهم ضد تقسيم العراق.
لكن موقف الحمد اثار المواطنين اكثر مما اثار العراقيين
وغيرهم.
منصور باز قال بأن هناك مائتي الف قومية في العالم،
فهل يعني ذلك قيام مائتي الف دولة تنضم الى الامم المتحدة؟
آخر خاطب الحمد بقوله: إنك (لا تتمتع بثقافة دينية ولا
سياسية ولا اجتماعية ولا حتى تاريخية). وثالث سأل الحمد
ما اذا كان قد فكر في عواقب التقسيم الذي لن يوفر احداً
بحجة القومية او بداعي الطائفة والعرق، ونصح: (انظر الى
تركيبة بلدك وفكر). واعترض رابع على مماثلة القضية الفلسطينية
بالكردية، وسأل ساخرا: (أليس من مقومات الدول الحديثة
اختلاف الأعراق والثقافات؟ أم ان هذا يعتمد على مكان الدولة؟).
وقفز خامس معلقاً: (أعطوا أهل القطيف دولتهم)؛ وحق تقرير
المصير قد ينشيء للأحساء والقطيف دولة، يقول معلق سادس،
ويضيف: (عداؤكم للعراق وصل حدّ الفجور). وعلى ذات القاعدة
يحق لأهل الحجاز تقرير مصيرهم من عائلة آل سعود، وان تكون
لهم دولة، خاطبه مواطن غاضب. والاعلامي ابراهيم المالك
يقر حقيقة ان الاكراد صارت لهم دولة داخل الدولة، ولكن
(لا أعتب على العراق مقاومة تقسيمها.. حقهم! هذا جزء مما
خُطط له).
يبقى موضوع قطر وكيف تماهى الحمد في مواقفه مع النظام،
وعطّل مفاعيل مخّه في التحليل. وعموماً فإن كل النخب النجدية
حين تصل الى موضوع ايران والآن قطر، فإنها تقوم بالتخبيص
وتتحكم فيها انفعالاتها الشخصية وغرائزيتها بحيث لا ترى
الحقائق على الأرض.
الحمد يقول ان نظام قطر (على وشك السقوط) ويضيف كلمة
(قريباً) أيضاً. لماذا؟ يقول لأن البديل جاهز (يقصد عبدالله
بن علي آل ثاني) وسيشكل حكومة في المنفى على غرار حكومة
عبدربه هادي، مقرها فندق بالرياض؛ والسيناريو التالي ـ
حسب الحمد ـ هو: الطلب من آل سعود للتدخل عسكريا في قطر،
وسيتدخلون بنفس الحجة اليمنية (اعادة الشرعية)!
لكن فات الحمد ان هذا المشروع قد قُبر في مهده، لكنه
في عالم آخر.
والحمد يقول ان تميم عبث بالورقة القبلية (النار)،
ومع قبيلة آل مُرَّةْ التي تشكل غالبية القطريين.
والحقيقة ان اكثر آل مرة من مزدوجي الجنسية (سعوديين
وقطريين)، وان ديار آل مرة هي واحة يبرين في السعودية،
وأن الرياض هي التي استخدمت القبلية وشجعتها ونفخت فيها،
كما انها استخدمت فرغ الغفران من آل مرة في انقلاب سابق
على والد تميم، وتسعى لاستخدامها ثانية في الانقلاب الذي
يجري الإعداد له حالياً.
متابع حذر تركي الحمد بأن من يحاول قلب نظام الحكم
في قطر يعطي الضوء الخضر لم يختلف معه مستقبلا لأن يفعل
ذات الشيء؛ وتساءل: هل هذا فكر؟ نحارب قطر اليوم وغداً
نختلف مع الكويت ونحاربها بدرع الجزيرة، وبعده عمان، والعراق
وهكذا؟
ومن السخرية بمكان ان يتحدث تركي الحمد عن تبديد حكومة
قطر اموال شعبها، وكأن آل سعود المثال الذي يحتذى في هذا
الأمر. ويخاطب الحمد امير قطر باستعلاء: انت تقامر بقطر.
دع عنك وهم السيادة. لكن اليست السيادة وعدم التدخل مما
يؤمن به تركي الحمد؟. هنا استغرب قطري من حقيقة ان تركي
الحمد لا يجرؤ على كتابة تغريدة مختصرة عن معاناة شعب
مكمم بلا وظيفة ولا سكن ولا حتى ما يسد الرمق.
لا يهم فتركي الحمد مهتم بالمعركة الاعلامية والانتصار
فيها، يقول: ستخضع قطر لمطالب دول المقاطعة، وقطر بها
جنون عظمة. لماذا لا يكون ال سعود مصابين بالجنون؟
ومن السخرية بمكان ان يقول الحمد بأن قطر كان يمكن
ان تختار درب سنغافورة وماليزيا ودبي وتصبح نموذجاً، لكنها
اختارت (درب الزَّلَقْ). رد عليه سعودي: الدوحة الآن تتحدى
دبي وسنغافورة (خلال عشرين عاماً انقلبت قطر ٣٦٠
درجة، الرياض تتقدم لكن كسلحفاة). قطري ذكي سأل الحمد:
(لمَ لمْ تختاروا انتم درب سنغافورة ودبي وماليزيا؟ يا
رجل: شخص واحد يورّث تريليون)!، والمقصود هو الامير مشعل
ملك الشبوك.
ها قد استعرضنا المفكر تركي الحمد بصورته الجديدة،
وما أكثر النخب النجدية التي انقلبت وتغيرت او ربما عادت
الى عرينها المناطقي والمذهبي والقمعي الأول. ومثل تركي
الحمد، عبدالله الغذامي، واضرابه.
|