التعيينات الوزارية الجديدة: البحث عن مخلّص
أجرى الملك فهد في الثالث عشر من أبريل تغييراً وزارياً في قطاعات
العمل والشؤون الاجتماعية والماء والكهرباء، حيث تم نقل الدكتور غازي
القصيبي من وزارة المياه وأسندت اليه وزارة العمل التي كان على رأسها
علي النملة الذي تسلّم حقيبة الشؤون الاجتماعية المستحدثة، فيما تم تعيين
المهندس عبد الله الحصين وكيل وزارة المياه السابق على رأس الوزارة.
ترتبط هذه الوزارات الحيوية بقطاعات شديدة الحساسية كونها تلامس المشكلات
اليومية والمباشرة للسكان، وفي ذلك تحدٍ جد خطير للوزراء الجدد، كون
المهام الموكلة اليهم تتطلب جهداً فردياً استثنائياً. وفيما يبدو فإن
بقاء سياسات الدولة ونظامها الاداري دون تغيير يناسب وطبيعة التحديات
والمهام المنوطة بهذه الوزارات، يجعل من الصعوبة بمكان التنبوء بنتائج
إيجابية يمكن لهؤلاء الوزراء تحقيقها.
هناك موضوعات كبرى تواجه هذه الوزارات: البطالة، الفقر، الموارد الطبيعية
وأهمها الماء. فقد باتت معلومة الوتيرة المتصاعدة لحجم البطالة في البلاد،
والتي تجاوزت معدلات قياسية، وبالرغم من اضطراب التقديرات الرسمية وغير
الرسمية حيال نسبة عدد العاطلين عن العمل في السعودية، فإن قليلها خطير
وكثيرها منذر بكارثة، وأن غياب احصائية دقيقة عن حجم البطالة يمثل أحد
أبرز التحديات التي تواجه الوزير الجديد، بالنظر الى الدراسات الاقتصادية
التي أعدّها خبراء محليون والتي تحدثت عن نسبة تصل الى 37 بالمئة من
قوة العمل المحلية الكامنة.
إن معالجة مشكلة البطالة لا تتوقف على مجرد الكفاءة الادارية التي
يتمتع بها الدكتور غازي القصيبي، بل هي تتطلب آليات جديدة وسياسة عامة
تطال مجمل الجهاز الاداري للدولة، تماماً كما أن فشل الوزارة الجديدة
في تسوية المشكلة جزئياً أو كلياً ليس مرتبطاً بفشل الوزارة أو الوزير
وإنما بفشل الدولة في تهيئة ظروف مناسبة تعين الوزير وفريقه الاداري
على إيجاد حلول حاسمة، إذ لا يمكن اختبارقدرات الأبطال وهم مكبّلين بالاغلال.
إن التعويل على حيوية وجرأة الدكتور غازي القصيبي في التصدي لمشاكل وزارته،
وهكذا تجاوزه للتدابير البيروقراطية المعيقة لعمل أغلب الوزارات ليس
كافياً من أجل خلق انطباع متفاءل بأنه سيكون المخلّص القادم لمشكلة البطالة،
فما واجهه في وزارة المياه سيواجهه أيضاً في وزارة العمل باعتبارهما
تنتميان الى نفس الجهاز الاداري ومحكومتين الى نفس الاجراءات البيروقراطية،
بل وتخضعان الى نفس العقلية القائمة على أساس مراكمة المشاكل وترحيلها
للمستقبل دون حل. ولا ننسى الاشارة هنا الى أن النجاح الذي حققه الدكتور
القصيبي في وزارة الصحة جاء في فترة طفرة اقتصادية تشهدها البلاد، وأن
ما قام به حينذاك هو معالجة سوء تصريف الموارد المالية في القطاع الصحي،
اما الآن فهو يواجه مشكلة شحة الموارد المالية الى جانب صناعة موارد
جديدة.
من الناحية الفنية، تواجه وزارة العمل مشكلة العمالة الاجنبية، حيث
يندرج في مهام الوزارة الجديدة معالجة مشكلة استقدام العمالة من الخارج
والتي كنت تتم في العقود الماضية دون ضوابط صارمة، والتي بلغت بحسب الارقام
الرسمية 7 ملايين عاملاً، بما يشكل عبئاً كبيراً على دورة العمل المحلية
وكيفية احلال العمالة الوطنية مكانها. نشير هنا الى أن مكتب الاستقدام
كان تابعاً لوزارة الداخلية، وقد تم تحويله الى وزارة العمل، لأن الاولى
كانت تتعامل من منطلق أمني مع موضوع استقدام العمالة، فيما ينتظر من
وزارة العمل اخضاع عمليات الاستقدام لشروط فنية محضة. ويرجع بعض المراقبين
مشكلة العمالة السائبة الى كون عدد من الامراء الحائزين سلفاً على ثقة
وزير الداخلية حصدوا عشرات الآلاف من رخص الاستقدام، والتي أدت الى انتشار
ظاهرة العمالة السائبة وشكّلت غطاءً لعمليات مرابحة غير شرعية، أما حين
يوضع الملف في عهدة وزارة العمل فسيتم تطبيق شروط صارمة على استقدام
العمالة بحسب حاجة المشروعات المقترحة مع النظر الى إمكانية تغطية الحاجة
من اليد العاملة الوطنية.
بالنسبة لوزارة الشؤون الاجتماعية، فإن أهم المهام المنوطة بها، هي
معالجة مشكلة الفقر، وتنظيم أنشطة الجمعيات الخيرية تحت ضوابط صارمة،
ووضع نظام للضمان الاجتماعي.
إن معالجة مشكلة الفقر لا تنحصر في تقديم معونات خيرية أو تخصيص مبالغ
مقطوعة للأسر المحتاجة، بل تستهدف معالجة شاملة تبدأ من وضع تعريف محدد
لمفهوم الفقر، على أساس الحد الادنى للأجور والحاجات الاساسية المطلوبة
في المدينة او القرية أو الحواضر والارياف. ويترافق علاج مشكلة الفقر
بوضع نظام للضمان الاجتماعي، لا يعتمد فقط على الاعانات والمساعدات الخيرية
المتقطّعة، وأخيراً وضع سياسة شاملة كفيلة بتوليد فرص عمل بحيث لا يحتاج
فيها الأفراد المحتاجون للاعتماد على الضمان الاجتماعي او الوقوع ضحية
مشكلة الفقر في المستقبل.
بالنسبة لوزارة المياه، فإن المشكلة وإن بدت ضامرة نسبياً حتى الآن
الا أن ما تحمله للمستقبل ينذر بأزمة شديدة الخطورة، بسبب قلة المصادر
المائية، وانخفاض منسوب المياه الجوفية في مناطق عديدة، الى جانب قلة
الاستثمار المالي والتقني في مجال توفير الاحتياجات الاساسية من هذا
المصدر الحيوي.. وكان الامير طلال قد نشر قبل أكثر من عقد رسالة اعتمدت
على دراسات محلية أعدّها خبراء في مجال الموارد الطبيعية وفيزيولوجيون
تحدّثوا فيها عن مجال هدر الثروة المائية والعشوائية في استعمال المياه
في زراعة غير مربحة او غير اساسية فيما أمكن التعويض عن هدر المياه بإستيراد
المنتوجات الزراعية من اجل حماية وتوفير المصادر المائية. ولاشك أن الاعلان
عن مجلس للمياه على المستوى العربي مؤخراً يشير الى خطورة الأزمة التي
تعاني منها عدد من البلدان العربية وعلى رأسها السعودية التي تكاد تنعدم
فيها المصادر المائية.
|