إنتهازية سياسية ملكية
دعوا العائلة المالكة تواجه مازرعته من عنف وتطرف وحدها
دعوا وزير الداخلية وإخوته يحلّون مشكلة العنف والتطرّف وحدهم وبالطريقة
التي يريدون.
لقد زرعوا زرعهم، فليخرجوا شوكهم بأنفسهم!
لماذا؟
بالرغم من أن من مصلحة الشعب أن لا ينحدر الى هاوية العنف، إلا أن
العائلة المالكة تريد منّا أمرين متناقضين:
فهي من جهة تريد دعماً شعبياً لمواجهة العنف ودعاة العنف، وأن نتناسى
في الوقت نفسه أنها هي من خلق العنف وساعده ودعمه ورعاه، وأن سياساتها
هي التي أوجدت التطرف ولاتزال.
ومن جهة ثانية تريد منّا بعد أن تقضي على العنف، أن ندعمها في معركتها
وهي تواجه دعاة الإصلاح فتقمعهم، وتزجّ بهم في السجون بتهمة العمالة
للأجنبي، وكلّنا يعرف من هو العميل، ومن هو الذي بيده بيع الوطن وأهله
ومستقبل أبنائه!
قلنا للعائلة المالكة: إنك لا تستطيعين مقاومة العنف ومقاومة الإصلاح
في آن واحد. فالأخير دواء، والأول داء. وضرب الإثنين يعني اختلالاً وتعامياً
عن تشخيص المرض بحيث تساوى الداء والدواء. فلماذا نكافح العنف شعبياً،
إذا كنّا نعامل على أساس أن لا فرق بيننا وبين من يفخخ السيارات والمصاحف
ويفجر الأماكن العامة ويقتل رجال الأمن؟
العنف والتطرف لا ينميان إلا في بيئة مريضة. والأمراء لا يريدون معالجة
البيئة، بل المعالجة السطحية للمرض عبر العنف. إذن: فلتجرب وزارة الداخلية
وأميرها قمع العنف بوسائلها، وليبتعد المواطنون عن المعركة، لنرَ أية
حلّ يستطيعون تقديمه! إذا كانوا لا يريدون استخدام دواء (الإصلاح)!
قلنا للأمراء وقالها الناصحون الإصلاحيون: إن بيئة العنف تتطلب زمناً
طويلاً لكي يقضى عليه، ولكن الغباء الملكي بلغ أقصاه. فلم يكد يقضَ على
العنف سطحياً أو يخفف منه خلال الأشهر الماضية، حتى بادروا الى توجيه
عنفهم الى الإصلاحيين! وخرج علينا سلطان محللاً بأنه قد تم القضاء على
ثمانين بالمائة من العنف! هكذا بكل بساطة! وكأنه يريد القول بأن الأمراء
قد فرغوا من العدو العنفي، وجاء الدور على الآخرين الإصلاحيين الذين
أصبحوا عدواً جديداً!
إذن.. فلنرَ أين توصلنا هذه السياسة!
لماذا يصطف الإصلاحيون مع الحكومة في مواجهة عنف وتطرف صنعته؟!
دعوا الأمراء يغطسون في العنف والتطرّف وحدهم، لا رغبة في تحويل البلاد
الى مستنقع، وإنما لكي يدرك الأمراء أن حلولهم خرقاء! لعلهم يرشدون!
دعوهم يصارعون الغول الذي نفخوا فيه الروح وأخرجوه من القمقم ولازالوا
يراعونه ويرعونه!
دعوهم ولا تباركوا لهم الردّ عنفاً بعنف! فلقد نُصحوا مراراً في الصحافة
وغيرها، بأن الحل العنفي وحده لا يجدي، ولكنهم لازالوا متأكدين بأن عصاهم
الطويلة وسيفهم المسلول سيحلّ المشكلة عن آخرها!
هذا النظام لا يبحث عن اصطفاف شعبي إلا ليحوّله ضد الشعب، كما فعلوا
خلال العامين الماضيين! فالإصلاحيون الذين رفضوا الضغوط الأميركية على
البلاد وعلى العائلة المالكة، والإصلاحيون الذين حشدوا الشارع ضد التطرف
والعنف انتصاراً للأمراء، هم أول ضحايا العنف السلفي والهمجية الملكية!
فأصبحوا بين ليلة وضحاها متطرفين وعملاء!
لا يجب أن نكرر أخطاءنا الماضية.. لا يجب أن تصدر البيانات والكتابات
المدينة للعنف ـ حتى وإن كنا لا نؤمن به ـ ولا يجب أن نفسح المجال للعائلة
المالكة بدعمنا الشعبي لكي تستخدم القوة ـ مجرد القوة ـ لحل معضل نحن
نعلم أنه لا يحلّ إلا بالإصلاح أولاً وتالياً.
سيصطف السلفيون مع النظام. وهذه عادتهم. فهم الوحيدون الجديرون بدعم
آل سعود. أما الأكثرية فهي تتطلّع الى إصلاح بعد أن تخرج العائلة المالكة
من تجربة العنف منهكة.
هذا هو الدرس الذي يجب أن نتعلّمه.
إنها ليست خيانة وطنيّة!
وليست دعوى الى العنف!
ولكنها معركة بين مستبدّ طاغ، وآخر متطرّف عنيف باغ!
فما شأن الإصلاحيين بهذا؟!
على الإصلاحيين أن لا يدخلوا معركة ويدعموا العائلة المالكة إلا بعد
أن يتأكدوا من الثمن، وهو أن تعلن العائلة المالكة أنها بصدد الإصلاحات
وتعلنها بصراحة وبتاريخ مجدول متى ستقوم بذلك، وبعد أن تطلق سراح المعتقلين
الإصلاحيين، وبعد أن تزيد من هامش حرية الصحافة. أي بعد أن نتيقن أننا
بعد (تخفيف) موجة العنف بصدد إصلاح حقيقي.
في الوقت الحاضر، فإن الأمراء لا يريدون سوى ضرب التيار العنفي ليتفرغوا
للتيار الإصلاحي فيضربوه هو الاخر! فمن هو العاقل سياسياً الذي سيساعد
العائلة المالكة على النجاح في مخططها وتسريع توجيه الضربة الى نفسه؟!
نحن أمام عائلة مالكة لا تستحق (نقولها بصراحة) أن يقف الى جانبها
أحد. وإن التزام سياسة الصمت في هذه المرحلة أفضل. نقول ذلك لا خيانة
ولا حباً في العنف! وإنما تسهيلاً لبرنامج وزير الداخلية الذي يريد أن
يحلّ كل مشاكل البلاد بالعنف والقبضة الحديدية!
فلندعه وإخوته يكملون مشوارهم لوحدهم، حتى يعقلون.
والى ذلك الحين، فلتخرس الأصوات، وأن لا نقحم أنفسنا في معركة يكون
الإصلاحيون هم الخاسر التالي فيها!
هل هي انتهازية سياسية؟!
ربما تكون كذلك!
ولكن هل هناك أكثر انتهازية من الأمراء بعد الذي فعلوه بالإصلاحيين؟!
سيستمر العنف بعكس ما تتوقع العائلة المالكة.
وستأتي الإصلاحات رغماً عنها بعكس ما تتوقع أيضاً.
هذا هو التحليل النهائي، طالما عدنا الى المربّع الأول.
|
