محمد بن سلمان وأسئلة
الاصلاح وإنقاذ الدولة
محمد قستي
هل محمد بن سلمان مصلح؟ وهل نحن في عهد إصلاح؟ وما
هو توصيف ما جرى في العهد السلماني منذ بدايته على الصعد
السياسية والاقتصادية والأمنية، ما هو دافعها؟
هناك التباس في توصيف ما جرى، هل هو: اصلاح؛ احتكار
للسلطة وصراع عليها؛ محاربة للفساد؛ تماه مع امريكا وسياساتها؛
تطبيع مع اسرائيل وعهد صهيوني؛ عهد حزم جديد؛ انقاذ للدولة؛
محاربة للفساد؛ تصحيح للإقتصاد؛ مكافحة للتطرف، مواجهة
التهديدات التي تواجه المملكة وانقاذها منها عبر الحزم
والمواجهة.. الخ.
كل مراقب يستطيع ان يُقدم تقييمه لما جرى خلال السنوات
الماضية من خلال زاوية معيّنة، لكن هناك زاويتان اساسيتان
تمثلان الدافع الأساس لما جرى كله.
الأول ـ الصراع على السلطة من أجل احتكارها كلية، ونشدد
على كلمة (كلية)، حتى يكون الملك القادم مبسوط اليد في
فعل ما يشاء، وهذا يرتبط بالموضوع الثاني؛
الثاني ـ انقاذ الدولة من مصير الانهيار، بسياسات تعالج
الجذور، ولا يمكن معالجة تلك الجذور بدون وحدة قرار تكون
مرجعيته بيد شخص لديه الجرأة لفعل ذلك.
لكي يتمّ هذان الأمران، ويكون أحد الأمراء منتصراً
في الصراع على السلطة، مستحوذاً عليها بالكامل، ومدفوعاً
بقلق المصير على الدولة واحتمال انهيارها.. فإنه بحاجة
الى قرار أمريكي يغطيّه، ويرضى عن سياساته، ويسمح له بتصفية
الخصوم داخل العائلة وخارجها، من غير منغّصات. ولكن لهذا
ثمنه، كما جرى مع ترامب: (اموال ـ علاقة مع اسرائيل ـ
انخراط اكبر في المشروع السياسي الأمريكي على مستوى الصراع
الاقليمي ـ واخيراً القيام بتغييرات اجتماعية محددة تتعلق
بتوسعة هامش لبرلة المجتمع فيما يتعلق بالمرأة وحقوقها،
والحريات الشخصية، والسياحة، وتغيير المناهج التعليمية
الدينية، وغيرها).
دوافع غير إصلاحية
دوافع محمد بن سلمان وأبيه في الأساس ليست اصلاحية،
ولا تتوخّى الاصلاح للدولة، وإنما الغرض هو السيطرة على
الحكم، وتحويل مسار الحكم والخلافة للعرش، من المستوى
الأفقي (من الأخ الى أخيه) الى المستوى العمودي (من الأب
الى ابنه)، وتصفية الخصوم داخل العائلة المالكة، وكذلك
المنافسين المحتملين.
لذا اتخذ الاجراءات عملية تصفية داخل العائلة المالكة،
وكان لا بدّ من تصفية مراكز القوى التي تعارض انتقال السلطة
الى محمد بن سلمان، او تفرّده الكامل بها:
في الوصول الى السلطة:
- وُضع ابن سلمان على سكّة ولاية العهد، حين تمّت الاطاحة
ـ بالترغيب والترهيب ـ بولي العهد مقرن بن عبدالعزيز،
فأصبح ابن سلمان ولي ولي العهد. ومن هنا كان التحليل لدى
البعض بأن الأمير منصور بن مقرن، الذي تم تعيينه نائباً
لأمير عسير، كجزء من ثمن ازاحة مقرن عن ولاية العهد، والذي
سقطت طائرته مؤخراً وتوفي.. قد تم اغتياله عمداً، رغم
استبعاد ذلك.
- الإطاحة بمحمد بن نايف ولي العهد ووزير الداخلية والذي
كان أثيراً لدى الأميركيين، وجاءت اقالته المفاجئة لكثيرين
غير مسبّبة، وبعد الضغوط قيل انه (مدمن مخدرات)، وليصار
لاحقاً الى مصادرة امواله، وهو تحت الإقامة الجبرية.
في تصفية آخر المنافسين المحتملين، جرى مؤخراً:
- الإطاحة بوزير الحرس الوطني متعب بن عبدالله، الذي
لديه قوة عسكرية تصل الى مائة ألف مقاتل. وتم معها اعتقال
أخيه تركي أمير الرياض الأسبق، كما جرى الحجر على بعض
شيوخ قبائل مطير وعتيبه وغيرهما، وهي قبائل تشكل عناصرها
عماد الحرس الوطني وألويته؛ كما جرى مصادرة أموال أبناء
عبدالله، ومواليه؛ فضلا عن اعتقال الراس المفكر في الجناح،
ونعني به خالد التويجري رئيس الديوان الملكي في عهد الملك
عبدالله.
- ضرب أكبر منافس محتمل يمتلك المال والأدوات الإعلامية
والعلاقات الدولية، الا وهو الوليد بن طلال، وأيضاً بتهمة
الفساد، ومن المؤكد أنه سيتم تجريده من الكثير من املاكه
ـ رغم أنه لم يكن يوماً عضواً في الحكومة أو مسؤولا فيها؛
ومن المؤكد ايضاً انه سيخسر السيطرة على قنواته الاعلامية
ضمن مجموعة (روتانا)؛ مثلما خسر من قبل بإقفال قناة العرب
الاخبارية التي أُغلقت بوصول سلمان وبعد ساعات من قيامها
بالبث من البحرين!
- ضرب النخبة المالية ورجال الأعمال، ومصادرة أموالهم
ـ أو بعضها ـ وأيضا بحجة مكافحة الفساد، وذلك للإستفادة
من أموالهم، والتغطية على القرارات السياسية بالإطاحة
بوزير الحرس الوطني، ولتجييش الشارع خلف اجراءات السلطة
وهو شارع مرتبك مثار من الأزمة الأقتصادية، واي مكافحة
للفساد صدقاً ام كذباً فهي تدغدغ المشاعر العامة. من بين
نخبة رجال الأعمال: اشخاص محسوبون على اجنحة وتيارات وملوك
سابقين، شاركوهم في الثروة والأعمال: ابن لادن، صالح كامل،
الوليد بن ابراهيم مالك الام بي سي، وغيرهم.
وضمن هذا السياق، سياق الاستحواذ الكامل على السلطة:
سياسياً ومالياً ودينياً واعلامياً، لا بدّ من اضعاف المؤسسة
الدينية والتيار السلفي الرسمي، واعتقال رموز التيار الصحوي،
لأسباب ثلاثة:
1/ أولاً هي شريك ثانوي في الحكم ولا بد من تقليص نفوذها
و(شفط) قواها، كيما تستقيم المؤسسة كاملاً مع توجهات الحاكم
الجديد (محمد بن سلمان).
2/ لأنها قوة قابلة للإستثمار ان لم يجر السيطرة عليها.
يمكن ان يستثمرها اي جناح داخل العائلة المالكة، بل اية
قوة سلفية سياسية موجودة او يمكن ان تخرج في المستقبل.
وابن سلمان يعلم ان المؤسسة الدينية لا تميل اليه، وإنما
لغريمه محمد بن نايف وللتيار المحافظ والمتشدد داخل العائلة
المالكة.
3/ ثم لأن المؤسسة الدينية، لن تشعر بالرضا ـ في أدنى
الأحوال ـ تجاه السياسات التي ينوي محمد بن سلمان القيام
بها، أو قام بها حتى الآن؛ ونقصد هنا السياسات الاجتماعية
الليبرالية الداخلية. ومثلهم الصحويون الذين يُنظر اليهم
كمنافس لكلا المؤسستين السياسية التي تمثلها العائلة المالكة،
والدينية التي يمثلها هيئة كبار العلماء، حيث تم ضربهم
وهم الذين تم تصنيعهم رسمياً بأوامر من الملك فهد بداية
الثمانينات لخدمة مشروع الدولة.
من كل ما جرى نفهم مجدداً، أن الذي يدور في بال محمد
بن سلمان وأبيه، لا شيء سوى الاستحواذ على السلطة، واحتكارها
بالكامل، في عملية لم يقم بها ملك من قبل منذ تأسيس الدولة،
بمن في ذلك مؤسس الدولة نفسها، عبدالعزيز آل سعود (والد
الملك الحالي وجد ولي العهد).
لهذا لا يجب النقاش أساساً فيما اذا كان ما قام به
محمد بن سلمان عملاً اصلاحياً أم لا؟
فالإصلاح الاقتصادي او السياسي او الديني او الاجتماعي
ـ المزعوم ـ لم يكن هدفاً، وإن تحقق بعضٌ منه بصورة عرضية،
فهو لم يكن مستهدفاً بذاته.
إنقاذ الدولة من خطر وجودي
حتى موضوع إنقاذ الدولة من محنتها، وإخراجها من ورطاتها
المحلية والخارجية، لم يكن مستهدفاً بالضرورة بصورة مباشرة،
وقد يكون ملحقاً بالهدف الأساس وهو (احتكار سلمان وابنه
وأحفاده) للعرش ما بقيت الدولة.
فالملك الحالي ليس الوحيد المصاب بالقلق على مصير الدولة،
بل على وجودها. كل النخبة النجدية الحاكمة، حتى المختلفة
مع النظام، تشعر بقرب نهاية الدولة، وأنه لا بدّ من عمل
شيء. وهذا الشعور ليس جديداً، بل هو بدأ بالصعود على السطح
منذ بداية التسعينيات من القرن الماضي، ولكنه يتأكد مع
مرور الوقت، كلما ألمّت بالدولة خسائر خارجية في نفوذها
السياسي، وخسائر داخلية تجلّت في العجز عن تحقيق منجز
للمواطنين، ومواجهة المشاكل الخدمية المحلية، وفي مقدمها
البطالة والسكن.
مالذي يجعل سلمان اكثر حماسة في انقاذ الدولة من غيره،
وقد كان أحد صنّاع مأساتها وفشلها وهزائمها؟!
واضح هنا، حقيقة أزمة الدولة السعودية الوجودية ـ تماماً
مثل القلق الوجودي للدولة الصهيونية، وليس مجرد نظام الحكم
ـ لكنه جرى استخدام هذا القلق لتبرير الاستحواذ على السلطة.
جمع الملك سلمان ـ كما تقول الروايات ـ عدداً من مشايخ
هيئة كبار العلماء قبيل ساعات من الإطاحة بمحمد بن نايف،
وطلب منهم مبايعة ابنه، محذراً بأن ليس أمام البلاد خيار
الا التذرّر والفناء، وانه لا بدّ من مساعدتهم، والا فإنّ
الجميع سيكون خاسراً.
لا يحتاج مشايخ الوهابية الكبار للكثير من الإقناع،
فهم يعلمون ان مصيرهم ومصير مذهبهم مرتبط بالدولة. الدولة
بالنسبة لهم مجرد مركبة لترويج المذهب؛ مثلما المذهب مجرد
مركبة لتعضيد حكم العائلة المالكة، كما يرى ذلك آل سعود.
سيتحمل مشايخ الوهابية اذن، ما يقوم به النظام من مخالفات
بنظرهم، وسيصمتون عن السياسات التي يعارضونها، حفاظاً
على ما في يدهم وبقاءً للدولة التي لاتزال تسندهم.
في التقييم العام لإجراءات محمد بن سلمان، خاصة الأخيرة
منها، والتي أخذت عنوان (مكافحة الفساد)، لا يمكن النظر
اليها على قاعدة: هل تؤيد مكافحة الفساد أم لا؟ كما يريد
مؤيدو النظام، فإن قلت أنك ضد الاجراءات، قيل لكَ بأنك
تدعم الفساد، وإن قلتَ أنك مؤيدٌ لمكافحة الفساد، جوبهت
بأسئلة مثل: لماذا مكافحة الفساد الآن، وبعد نصف قرن على
الأقل من استشرائه؟ كيف يكافح الفساد من يده ملطخة بالفساد،
كالملك نفسه، وابنه الذي اشترى قبل أشهر يختاً من ثري
روسي بملياري ريال؟ ثم هل أموال المفسدين التي يراد مصادرتها،
والتي كشفت وول ستريت جورنال ان النظام يريد استحلاب ثمانمائة
مليار دولار من اصحابها، هل هذه الأموال ستدخل خزينة الدولة،
وتُصرف على الحاجات الملحة للمواطنين، أم تذهب لتغذية
الحروب، وشراء الولاءات الأجنبية، ويتقاسم ما يُنهب منها
المفسدون ضمن حاشية محمد بن سلمان الجديدة؟!
في بعض الأحيان، توضع اجراءات محمد بن سلمان في سياق
اصلاحي اجتماعي لبرالي، فيقال: هل تؤيد سواقة المرأة للسيارة؟!
وهل أنت مع تصفية مراكز القوى في العائلة المالكة؟ ولبرلة
الحياة الاجتماعية؟ واعتقال المتطرفين الدينيين الذين
كانوا بالأمس حلفاء للنظام؟
اليست هذه الإجراءات في مجملها جيدة؟
نعم! بغض النظر عن الهدف من ورائها، وبغض النظر عمّن
أملاها على محمد بن سلمان.
هذه الاجراءات مجرد خيارات، ولكل خيار ثمنه السياسي
في نهاية الأمر.
لكن حذار من أن توضع تصرفات النظام في اطار اصلاحي،
إذ لم تمر على البلاد فترة قمع كما هي عليه الآن منذ تأسيسها.
هذه حقيقة. والحقيقة الأخرى هي أنه لا يلوح في الأفق
القريب ولا البعيد نية رسيمة للقيام باصلاحات سياسية في
البلاد، ولا مشاركة وطنية في صناعة القرار، ولا توجد آمال
يعتدّ بها في تحسين الوضع المعيشي للغالبية العظمى للمواطنين.
|