قراءة في الموقف الاسرائيلي من التصعيد السعودي في
لبنان
هل خذلت إسرائيل صهاينة الرياض؟
فريد أيهم
منذ اللحظات الاولى لاندلاع الازمة التي اثارتها السعودية
ضد لبنان، توجهت انظار المحللين والمراقبين الى الدور
الاسرائيلي، وردة فعل زعماء الكيان الصهيوني، على التصعيد
السعودي تجاه ألدّ أعداء اسرائيل: حزب الله في لبنان.
وامام عنف التهديدات السعودية، والتلويح بعاصفة (حزم
سلمانية) تعصف بالمقاومة في لبنان، ثارت التساؤلات حول
السيناريوهات المحتملة لحرب جديدة على لبنان، وكيف يمكن
للسعودية تنفيذ تهديداتها.
السيد حسن نصرالله، امين عام حزب الله، وفي كلمته التي
تناول فيها هذه القضية في اليوم التالي لاستقالة رئيس
الوزراء اللبناني سعد الحريري من الرياض، اشار الى هذه
السيناريوهات والنوايا السعودية، الا انه استبعدها وقلل
من امكانية حدوثها، لطمأنة الرأي العام اللبناني، الذي
بدا فعلا في حالة قلق، من ترجمة التهديدات السعودية، على
الصعيد الامني، من خلال تفجيرات ارهابية متنقلة في المناطق
اللبنانية، او عسكري عبر عدوان كبير لاجتياح الاراضي اللبنانية.
وبعد ايام قليلة من الأزمة، خرجت مصادر القصر الرئاسي
اللبناني لتؤكد بالمعلومات، ان المسألة تتجاوز استقالة
الحكومة، او معاقبة الشيخ سعد الحريري، لاسباب سعودية
داخلية، وإنما تتعلق ـ فعلا ـ بقرار دولي لتغيير المعادلات
السياسية في لبنان، واجتثاث ما يسميه الاميركيون والاسرائيليون
والسعوديون هيمنة حزب الله على القرار اللبناني.
الشائعات ملأت الصحف اللبنانية بعد ايام من تأكيد احتجاز
الحريري في السعودية، وذهب بعضها الى حد الحديث عن وجود
طائرات سعودية في قبرص، ستجتاح لبنان في اللحظة المناسبة،
بالتعاون مع طيران التحالف الدولي الذي تقوده الولايات
المتحدة لمحاربة داعش في المنطقة.
الا ان كل هذه السيناريوهات ظلت ناقصة وغير مقنعة،
ما لم ترتبط بالتدخل الصهيوني، والدور موكول القيام به
لجيش الاحتلال الاسرائيلي، حيث تراوحت التحليلات والمعلومات
المتناثرة، بين مشاركة اسرائيل في الغزو السعودي للبنان،
واستغلال الجيش الاسرائيلي الفرصة لاجتياح لبنان، والانتقام
من هزيمته على يد المقاومة عام 2006، وتصفية الخطر المستجد
لحزب الله في لبنان وسوريا على الكيان الصهيوني.
وفي العاشر من نوفمبر، اي بعد اسبوع من بدء الازمة
التي افتعلتها السعودية، خرج السيد نصرالله ليعلن بالمعلومات
وليس بالتحليل كما قال، ان السعودية طلبت من إسرائيل ضرب
لبنان. وأضاف أن السعودية تحرض دول العالم على لبنان،
وأن لديه معلومات بأن الرياض عرضت عشرات مليارات الدولارات
مقابل قيام اسرائيل بضرب لبنان.
رد الفعل الاسرائيلي
هذه المعلومات والمخاوف لم تكن من جانب واحد. اذا ساهم
الجانب الاسرائيلي في تداولها واثارتها. وانشغل الرأي
العام الاسرائيلي بها الى درجة عالية من القلق، وهو ما
يبرر تخصيص وسائل الاعلام الاسرائيلية عشرات الحلقات التلفزيونية،
والمقالات الصحافية، والتصريحات المنسوبة الى مستويات
مختلفة من المسؤولين الاسرائيليين السياسيين والامنيين،
للرد على هذه التساؤلات وطمأنة الرأي العام الداخلي.
في السادس من نوفمبر، حذّر دانيال شابيرو، سفير أميركا
السابق لدى إسرائيل تل أبيب من الانجراف وراء رغبة ما
وصفهم بحلفائها في السعودية في محاربة حزب الله. وتساءل
الدبلوماسي الأميركي في مقال نشره بصحيفة هآرتس الإسرائيلية
عن الرابط بين استقالة رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري
المفاجئة، وبين العلاقة السعودية الإسرائيلية. وأضاف انه
يجب ألا تدفع إسرائيل من قبل الرياض إلى مواجهة سابقة
لأوانها.
ونقل المعلق العسكري لصحيفة هآرتس (11/11/2017)، عاموس
هارئيل، عن دان شابيرو، قوله بأن كل المؤشرات تدلل على
أن السعودية تدفع إسرائيل نحو شنّ حرب على «حزب الله»
وإيران.. «في ظل النجاحات التي حققها نظام بشار الأسد
في سورية بدعم إيران وحزب الله، وبإسناد روسي، فإن هناك
ما يدلل على أن السعوديين يريدون نقل ساحة المواجهة من
سورية إلى لبنان، وهم معنيون بأن تتولى إسرائيل عنهم تنفيذ
هذه المهمة القذرة»، على حد تعبير شابيرو.
موقع (غلوبال ريسيرش) البحثي الكندي، سلط الضوء على
وثائق سرية كشفت أن السعودية وإسرائيل يعملان سويا لإثارة
الحرب في لبنان. وكشف الموقع في تقرير له ان القناة الإسرائيلية
العاشرة نشرت برقيات دبلوماسية مسربة أرسلت إلى جميع السفراء
الإسرائيليين في جميع أنحاء العالم، تُظِهر أن تل أبيب
والرياض تنسقان عمدا من أجل تأجيج الأوضاع في الشرق الأوسط.
وسرب باراك رافيد وهو كبير المراسلين الدبلوماسيين
في القناة العاشرة الإخبارية الإسرائيلية، البرقية، وقال:
إن البيان جاء من وزارة الخارجية الإسرائيلية في القدس
يوم 6 نوفمبر، ليصل إلى جميع السفارات الإسرائيلية .حيث
طلبت الخارجية الصهيونية من الدبلوماسيين الإسرائيليين
بذل قصارى جهدهم لرفع الضغط الدبلوماسي على حزب الله وإيران،
وحثت على دعم حرب السعودية في اليمن، كما دعتهم إلى مناشدة
كبار المسؤولين في الدول المضيفة، إلى طرد حزب الله من
الحكومة اللبنانية.
وساد اعتقاد بأن الخطة السعودية ضد لبنان هي مؤامرة
منسقة، جرى اعدادها باشراف جاريد كوشنر، صهر الرئيس الاميركي
ومستشاره، الذي قام بزيارة سرية وغير معلنه الى الرياض،
وكشفت عنها السي ان ان الاميركية في الثلاثين من اكتوبر
الماضي.
وذكرت المصادر الاميركية ان الخطة لحظت دورا للجيش
الاسرائيلي في مخطط غزو لبنان، واحداث تغيير جوهري في
بنيته السياسية والديموغرافية، بما في ذلك توطين الفلسطينيين
والسوريين المقيمين فيه، ضمن مخطط أوسع للتسوية مع اسرائيل
وانهاء قضية اللاجئين الفلسطينيين، واسقاط شعار حق العودة.
وربطت هذه المصادر بين هذه المعلومات والدعوة العاجلة
التي وجهها ولي العهد السعودي للرئيس الفلسطيني محمود
عباس الى الرياض، مع انطلاق شرارة الازمة مع لبنان، للطلب
منه تحريك المخيمات الفلسطينية في اللحظة المناسبة لتوجيه
ضربة الى حزب الله.
إسرائيل تتجنب المواجهة
المسؤولون في الكيان الاسرائيلي زادوا الامر غموضا
من خلال الامتناع عن التصريح، او التعليق المباشر على
ما يجري في لبنان. وعلى العكس من ذلك تركوا المسألة عرضة
للتكهنات الصحافية، والمخاوف الشعبية. رئيس حزب العمل
الإسرائيلي آفي غباي تجاوز قاعدة الصمت واعرب عن قلقه
ازاء ما يحدث بين السعودية ولبنان.. وقال: «نحن لسنا أداة
في يد السعودية وما يحدث بينها وبين لبنان مقلق جداً”.
واعتبر أن التصعيد السعودي يمكن أن يؤدي لتدهور، بحيث
تجد إسرائيل نفسها في حرب ليست لها.
الا ان الاعلام الاسرائيلي تحرك بفعالية لكشف هذه النوايا،
وخرجت تصريحات الى العلن تتهم السعودية بجر اسرائيل الى
الحرب في لبنان. وكثفت الصحافة الاسرائيلية من نشر تقارير
تؤكد خطورة اقدام اسرائيل على مغامرة جديدة في لبنان،
محذرة من ان حرب لبنان الثالثة ستكون قاسية جدا، وان التهديدات
التي سبق ان اطلقها حزب الله ستشكل سيناريوهات واقعية
للحرب المقبلة، سواء على صعيد مخزونات اسرائيل من المواد
الكيماوية في حيفا، او اجتياح منطقة الجليل، اضافة الى
حجم الدمار المتبادل في المدن الاسرائيلية واللبنانية.
وصرح محلل الشؤون العالمية في موقع «واللاه» المخابراتي
العبري، أورين نهاري، في حديثٍ أدلى به للتلفزيون شبه
الرسمي، بأن السعودية تريد أن تقوم إسرائيل بالحرب عنها
ضد حزب الله حتى آخر جندي في جيش الدفاع، حسب تعبيره.
والرأي نفسه ذهب إليه محلل الشؤون العربيّة في القناة
ذاتها، عيران زينغر، قائلا إن (السعودية كانت من أكثر
الدول التي ضغطت على صناع القرار في تل أبيب لتوجيه ضربة
قاسية لحزب الله)، خلال حرب لبنان الثانية صيف العام 2006.
ووفق صحيفة يديعوت أحرونوت، فإن قلقا عارما يسود شعبة
الاستخبارات العسكرية (أمان) في الجيش الإسرائيلي من مواجهة
مستقبلية قاسية على الجبهة الشمالية، أي مع حزب الله.
وللتخفيف من الاحتقان لدى الرأي العام الاسرائيلي ذكرت
صحيفة معاريف الإسرائيلية، أنّ السبيل الوحيد المتوفر
أمام السعودية للرد على حزب الله، هو تشغيل خلايا تضمّ
لبنانيين أو أجانب لتنفيذ عمليات ضد أهدافه في لبنان.
والصحيفة بذلك تريد ان تستبعد حربا عسكرية واسعة قد يتورط
فيها الجيش الاسرائيلي.. وقال محلل الشؤون الأمنية في
الصحيفة يوسي ملمان إنّ رؤية واستراتيجية إسرائيل في هذه
الأيام تقتصر على ثلاثة أهداف وهي: مواصلة الحفاظ على
الهدوء عند الحدود اللبنانية، عدم إثارة استفزازات من
الممكن أن تؤدي إلى تصعيد وحتى إلى حرب جديدة مع حزب الله،
وفي الوقت نفسه بذل كل مسعى سري، لإضعاف قدرات حزب الله
العسكرية.
صحيفة هآرتس اشادت بالعلاقة المتطورة مع السعودية،
وقالت في مقال كتبه تسفي برئيل، انه ليس لدى إسرائيل حليف
أفضل من المملكة السعودية. فهي تحارب حزب الله، بل أطاحت
برئيس الوزراء اللبناني الذي تعايش لمدة عام في سلام مع
الحزب. ولا توجد دولة أخرى في العالم، بما في ذلك الولايات
المتحدة، تعمل بمثل هذا العناد ضد إيران، لا بل خرجت للحرب
في اليمن، وليس من أجل اليمنيين، الذين يمكن لهم بالنسبة
لها الموت جوعا، ولكن من أجل الحد من النفوذ الإيراني.
كما أنها تحذر حماس من تجديد العلاقات مع طهران، وتضغط
على واشنطن للخروج من سباتها من أجل العمل ضد التهديد
الإيراني. وقدم الكاتب «كل الاحترام لولي العهد، محمد
بن سلمان، الذي عمل بشجاعة على اقصاء عدة وزراء عن كراسيهم،
في حربه ضد الفساد، ولا يتخوف من مواجهة الأوليغاركية
الدينية السعودية”.
الا ان المشكلة كما تراها الصحيفة الاسرائيلية، هي
أنه حتى تحالف المصالح مع السعودية يشوبه عيب أساسي. اذ
أنه يطالب «إسرائيل» بدفع ثمن سياسي أكثر من اللازم. فحسب
رأيها، يجوز التعاون مع الدول العربية ضد الأعداء المشتركين،
ولكن ليس مقابل سلام حقيقي.
صحيفة إيلاف الاليكترونية السعودية اجرت مقابلة من
تل أبيب في 16 نوفمبر 2017، مع رئيس الاركان الاسرائيلي
الجنرال غادي إيزنكوت ونقلت عنه قوله إن للسعودية وإسرائيل
مصالح مشتركة ضد التعامل مع إيران، الا انه نفى وجود أي
نية لدى جيش بلاده لمهاجمة حزب الله في لبنان.
لماذا خذلت اسرائيل حليفها السعودي؟
ليس من المرجح ان تكون اسرائيل قد تعمدت توريط السعودية
في حرب خاسرة بهدف اضعافها، او التسبب بانتكاسة عميقة
لقيادتها الجديدة، اذ ان اسرائيل تراهن فعلا على السياسات
السعودية اليوم، سواء ما يتعلق بدعم الارهاب، او حروبها
في اليمن وسوريا ولبنان والعراق، وخصوصا في تركيز العداء
لايران لدى شعوب المنطقة، فضلا عن مراهنتها على المشاريع
الاقتصادية التي يعلن عنها ولي العهد السعودي.
لكن احجام الكيان الصهيوني عن الحرب المباشرة في لبنان
يعود الى اسباب عدة، من اهمها:
1- ان تكون السعودية قد راهنت على الدور الاسرائيلي،
من باب الاماني والرغبات، وانها ربما استنتجت من وعود
عامة اسرائيلية ان جيش الاحتلال سيكون رهن اشارتها لخوض
الحرب متى ما اشعلت فتيلها. وهذه الاخطاء السعودية ليست
جديدة، وقد تكون قد اعتمدت على تحليلات صانع القرار في
الرياض المبنية على العداء المطلق للكيان الاسرائيلي للمقاومة
وحزب الله، والمخاوف التي يعلن عنها باستمرار من التمدد
الايراني في سوريا وعلى مقربة من حدود الكيان المحتل.
وايضاً، لان السياسة السعودية عموما تبنى على الاحقاد
دون حساب الامكانيات والنتائج، فقد تكون الرياض اسقطت
هذه الرؤية على السياسة الاسرائيلية.
2- من الممكن ان تكون اسرائيل قد اعطت بالفعل وعودا
للرياض بالمشاركة في حرب على لبنان باشراف اميركي، كما
لمح الى ذلك المستشار الاعلامي للرئيس اللبناني، الا ان
التطورات لم تخدم هذا الهدف، بل فاجأت، المخطط الاسرائيلي
ودفعته الى التراجع. ومن هذه التطورات:
أ- فشل السعودية في احداث الانقسام في الساحة اللبنانية.
ب- جهوزية المقاومة للتصدي لاي عدوان، وخروج الامين
العام لحزب الله بخطاب هادئ رصين لمواجهة الازمة.
ج- حالة التضامن الداخلي في لبنان، والتي تحولت سريعا
الى حالة تضامن اقليمي ودولي مع لبنان، وضمنا مع المقاومة
من خلال رفض المس بالامن والاستقرار الداخلي.
د- مبادرة مصر الى رفض اشعال حرب جديدة في المنطقة
تحت ذريعة مواجهة حزب الله وايران.. مع ملاحظة ان هذا
الموقف المبكر للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، جاء اثر
زيارة عاجلة للرئيس الفلسطيني الى القاهرة، حيث وضع في
اجواء الطلب السعودي بإشعال حرب كبيرة في لبنان وزج الفلسطينيين
فيها.
المغامرة السعودية انتهت الى الفشل، واثبتت ان تغيير
المعادلات ليس مجرد قرار انفعالي، بل ان توازن الردع بين
المقاومة والكيان الاسرائيلي تعبير عن موازين قوى فعلية،
وان الرعب الاسرائيلي من الحرب القادمة لا تبدده الاموال
السعودية، ولا اوهام التطبيع التي يلوح بها نظام الامراء،
في ظل ما تشكله المواجهة من خطر وجودي على الكيان الاسرائيلي،
بحسب وصف مراكز الدراسات الاسرائيلية.
|