التطبيع.. مخرج للرياض وتل أبيب من أزمتهما!
التشابه بين الكيانين السعودي والصهيوني كبير، وكبير
جداً. ممارساتهما متقاربة، وأزمتهما (الوجودية) واحدة؛
وخصومهما وأصدقاؤهما وتطلعاتهما واحدة؛ وقد يكون المخرج
لكليهما هو التطبيع العلني، بدلاً من العلاقات السريّة
عبدالحميد قدس
صورة المنطقة في المنظور الاستراتيجي تظهر الحقائق
التالية: التوازنات القديمة لمعادلات القوة تنهار تدريجيا..
وعالم جديد يتشكل في المنطقة على انقاض القوى التقليدية..
والقوى العالمية تعيد قراءة توازناتها الدولية، انطلاقا
من الحقائق الميدانية في الشرق الأوسط، الذي يبدو انه
سيكون النموذج المصغر الذي تنبني عليه موازين القوى في
العالم الجديد، متعدد الرؤوس.
وبينما تظهر ايران وتركيا باعتبارهما من القوى الناشئة
والفاعلة، تتشبث السعودية بقشة الولاء للغول الاميركي
المتراجع.
فعلى الصعيد الميداني استطاع حزب الله وحماس ان يدمرا
أُسطورة الجيش الاسرائيلي الذي لا يقهر، وان يقيدا حركة
جيش الاحتلال، بعد لجم دبابة الميركافا وخرق قببه الحديدية.
واليمنيون تمردوا على عصر الطاعة للطاغوت السعودي،
وبعد ان صمدوا امام وحشية عنفه الاعمى، وسياسة القتل السهل
كما في افلام الويسترن الاميركية، باتوا قادرين على خرق
الاجواء المحمية بالباتريوت والرعاية الاميركية.
اما السوريون فقد اسقطوا الـ″إف 16″، واكدوا
ان الدعم والحضور الايرانيين تعديا مرحلة محاربة الميليشيات،
وحماية النظام، وصولا الى تأسيس منظومة المواجهة مع الكيان
الاسرائيلي، واستعدادا للحرب الفاصلة المقبلة، بدءا من
كسر احتكار الطائرات الاسرائيلية السيطرة على الجو.
ايران تعزز انتشارها في المنطقة على وقع الانتصارات
العسكرية التي يحققها الحلفاء في جميع مواقع المواجهة..
وتخلق حالة من الصراع والتوازن من الوجود الاميركي "غير
الشرعي" والباحث عن مبررات البقاء.. بينما تدافع
تركيا عن شرعيتها المدعومة بتنظيم اخواني يوزع شبكة واسعة
من الانصار ومراكز القوى في جميع دول المنطقة تقريبا،
اضافة الى ست قواعد عسكرية خارجية، ثلاث منها تحيط بالسعودية
والجزيرة العربية، في قطر والسودان والصومال.
اما العرب فبعد ان استكملوا دورة تدمير مراكز القوة
لديهم، والعبث بما بنوه طيلة القرن الماضي، من منجزات
سياسية واقتصادية وعسكرية، بما في ذلك القضية الفلسطينية،
التي شكلت رافعة لحالة النهوض النسبي للامة في ستينيات
القرن الماضي.. باتوا الان يقفون عراة في العراء على رصيف
الانتظار، يشاهدون الحدث ولا يفعلون فيه.. وقد خرجوا تماماً
من المعادلة.
تتساءل الكاتبة ليلى نقولا، أستاذة العلاقات الدولية
في الجامعة اللبنانية، في مقال لها: ماذا بقي لإسرائيل
بعد سقوط الصورة والدور؟ وهي بذلك تصوب على دول اخرى في
المنطقة، اخذت مكانتها السياسية والمعنوية من خلال الصورة
الذهنية التي اشاعتها عن نفسها لدى شعوب المنطقة، والدور
الوظيفي الذي قامت به في اللعبة السياسية الدولية على
الصعيد الاقليمي.. والمثال الاوضح على مثل هذه الدولة
هو المملكة السعودية.
لقد كان المبرر الفعلي لإقامة هذا الكيان السعودي في
المنطقة، في سياق الاستراتيجية الاستعمارية التي رعتها
بريطانيا، قبل ان تسلمها لوريثها الشرعي في الهيمنة العالمية:
الولايات المتحدة الاميركية، هو قيامها بثلاث وظائف متكاملة:
ان تشكل احتياطي قوة للدول الاستعمارية، بالتوازي مع
الكيان الصهيوني، لضرب حركة التحرر العربية، وتأمين البيئة
الملائمة لثقافة التبعية والخضوع للهمينة الامبريالية
الاميركية.
وان تضمن استمرار تدفق الثروات العربية الى المصانع
الغربية، وتحويل المجتمعات العربية الى سوق استهلاكي نهم
لمنتجات الاقتصاد الرأسمالي.
وان تستعد لاستخدامها مخلب قط في حروب الولايات المتحدة
الاقليمية.
الهزيمة الإسرائيلية
كيف فقدت اسرائيل صورتها كقوة مرعبة ودورها في تطويع
حركة التحرر العربية؟ لقد استفاقت المنطقة مذعورة في 25
مايو عام 2000 على ظهور مارد جديد في جنوب لبنان، استطاع
اجبار قوة الاحتلال الصهيونية على اخلاء مواقع احتلالها
الذي استمر ثمانية عشر عاما. واجبر الكيان الصهيوني على
تفكيك منظومة عسكرية وسياسية كلفته مليارات الدولارات،
وثلاث حروب شنها على لبنان في الاعوام 82 و93 و96، وتحالفات
امتدت طيلة فترة الحرب الاهلية مع قطاعات واسعة من القوى
اللبنانية.
وعلى الرغم من ذلك، لم تقدّر مراكز الابحاث الصهيونية
قوة المقاومة حق قدرها، واخذها غرور القوة والاستعلاء
الى حيث لم تر القدرات الحقيقية للقوة البازغة ومستقبلها
في الصراع. واندفع جيش الاحتلال الاسرائيلي الى معركة
ارادها لتصفية حزب الله على غرار ما فعل مع منظمة التحرير
الفلسطينية عام اثنين وثمانين.
الا ان حرب عام 2006 قلبت الطاولة على الكيان الصهيوني،
وفرضت عليه معادلات قوة جديدة، وقواعد اشتباك لم يكن يفكر
فيها مطلقا في تاريخه. جيش الاحتلال يخرج مهزوما، ويطلب
وقف النار، ويلتزم عدم الاعتداء على الاراضي اللبنانية.
والتجربة نفسها تكررت في غزة في 2009 و2014، ليتأكد
العجز الاسرائيلي عن ضرب حركات المقاومة الجديدة، التي
يقول الاسرائيليون ان ايران تقف وراءها.
أنياب إسرائيل ومخالب السعودية
أدركت الصهيونية انها امام خطر جديد، طبيعته مختلفة
عن القوة التقليدية التي تملكها، واساليب التهديد والاغتيال
والتدمير التي يتقنها جيش الاحتلال، لم تعد تجدي نفعا.
فتحركت آلة الفتنة الصهيونية، وحركت معها الدور السعودي
بكل قوته. فبدأ النفخ في الصراع المذهبي لتطويق المقاومة،
وخلق حائط صد ضد ما يسمونه النفوذ الإيراني، وسد النافذة
التي تدخل منها روح المقاومة، التي ظن المطبعون العرب
انهم سيطروا عليها ودجنوها عبر مفاوضات اوسلو واتفاقيات
انشاء السلطة الفلسطينية.
وقتل رئيس وزراء لبنان رفيق الحريري في هذا السياق
لتبرير تنفيذ القرار 1559، لطرد السوريين واستئصال المقاومة
من لبنان. كما عقدت المؤتمرات الاقليمية في شرم الشيخ
وغيرها، وتحركت اللجنة الرباعية الدولية لحشد قوى الاستسلام،
وتكثيف غيوم التضليل بالسلام والتنمية الاقتصادية، وحوصرت
ايران بحجة برنامجها النووي، ومورست اقصى الضغوط على سوريا
لاجهاض المقاومة في لبنان وفلسطين.
واللافت ان كل هذه المحاولات باءت بالفشل. واللافت
اكثر ان كل تراجع اسرائيلي كان يتزامن مع تراجع سعودي.
وخروج جيش الاحتلال والنفوذ الصهيوني من لبنان، جرى بالتوازي
مع خسارة السعودية اوراق قوتها وتراجع دورها التاريخي
المؤثر في اللعبة السياسية اللبنانية.
فمن المعروف ان لبنان منذ السبعينات، وخصوصا بعد الحرب
الاهلية 75-76، خضع لمعادلة سين – سين التي اطلق تسميتها
رئيس مجلس النواب اللبناني، للاشارة الى التوازن السوري
السعودي في ادارة شؤون لبنان.
الا ان الدور السعودي بدأ بالانحسار مع هزيمة اسرائيل
عام 2000، ثم تلقى ضربة قوية بخسارة اسرائيل حرب 2006،
التي انحاز فيها النظام السعودي علانية ومنذ الساعات الاولى
الى العدو الاسرائيلي، واصفا المقاومة بأنها مجموعة مغامرين،
ومجيشا فريقا كبيرا من اللبنانيين لطعن المقاومة في ظهرها.
واستمر تراجع الدور السعودي على الساحتين اللبنانية
والفلسطينية، كما في سوريا التي كانت تقيم احسن العلاقات
مع الرياض.. حتى وصل مرحلة العداء المطلق للبنانيين والفلسطينيين
والسوريين، والعمل على اثارة الحروب الاهلية، واطلاق وحش
الارهاب التكفيري الوهابي، لتدمير النسيج الاجتماعي في
بيئة المقاومة اللبنانية والسورية.
رأس حربة العدوان
لقد كشف النظام السعودي كل اوراقه المخبوءة، واستخدم
كل ترسانته من الفتن والارهاب والقوة الناعمة، وصولا الى
القوة العسكرية المباشرة، في عدوان لم ينقطع في العراق
وسوريا ولبنان وفلسطين والبحرين واليمن.
ولم تعد السعودية قوة الاعتدال والمصالحة بين القوى
العربية، ولا الخزينة التي تمول العجز في موازنات بعض
الدول في الازمات، او اليد التي تساهم في اعمار ما تدمره
الحروب، ولا الدولة التي تنأى بنفسها عن الحروب المباشرة،
وتستضيف المصالحات العربية، وهو الوجه الذي اظهرته طيلة
العقود التي تلت حرب اليمن عام 67 ميلادية.
السعودية في السنوات الاخيرة تمول الارهاب في الدول
العربية كافة، وتشن حربا عدوانية وحشية لتدمير اليمن،
وتثير الفتن وتنفخ في اوارها اعلاميا وسياسيا، وتحتل البحرين،
وتناصب قوى المقاومة العداء المطلق.. وهي في حالة اشتباك
وعداء مع اغلب قوى ودول المنطقة.
هي رأس حربة العدوان الاميركي: تعادي من يعاديه.. وتصادق
حلفاءه وادواته. فتدعم انفصال الاكراد في شمال العراق،
كما دعمت انفصال جنوب السودان، لا لسبب الا انسياقا خلف
الاجندة الإسرائيلية، او لمناكفة ما تسميه النفوذ الايراني.
التحالف السعودي الاسرائيلي
لا احد يشك في التخادم بين النظامين السعودي والاسرائيلي
طيلة العقود الماضية، لكن السؤال الذي يدور حوله الجدل
اليوم هو: هل ينتقل هذا التعاون غير المباشر والتخادم
من تحت الطاولة ـ وتحت الرعاية الأميركية، الى لقاء مباشر
وعلاقات صريحة؟
هناك الكثير من المؤشرات عن اتصالات سعودية اسرائيلية.
وهي لم تعد سرية، بل ان الطرفين يتعمدان تظهيرها الى العلن،
في سياق سياسة تطبيعية منسقة ومدروسة، تترافق مع حملة
اعلامية لا تخفى على المتابع، بحيث بات ظهور مقال يدعو
الى المصالحة والتطبيع مع الكيان الصهيوني في الصحافة
السعودية، امرا عاديا ومتوفرا عشرات المرات.
والهزائم السعودية المتتالية تزيد النظام الملكي ضعفا،
امام الراعي الاميركي، بحيث يخسر دوره الوظيفي ومبرر وجوده
باستمرار. فلعبة الارهاب انكشفت وارتدت جزئيا على العائلة
المالكة، واضطرت الرياض الى الانسحاب الكامل، او الابقاء
على الحضور الشكلي في العراق وسوريا ولبنان.. ولم تستطع
السعودية ان تقدم اي خدمة لمشروع ترامب التصفوي للقضية
الفلسطينية، بعد ان خاب مسعاها مع القيادة الفلسطينية،
لاجبارها على التخلي عن القدس، وحق العودة للاجئين الفلسطينيين،
رغم التدخل المباشر لولي العهد السعودي في الامر.
والطامة الكبرى التي حاصرت النظام السعودي، كانت فشله
في حسم الصراع في اليمن، الذي تحول الى مركز قوة لاعداء
السعودية، رغم الوحشية المفرطة، والتضحية بكل قيم الإسلام،
والاخوة العربية وحقوق الانسان.
فماذا بقي للنظام السعودي لكي يقدمه للسيد الأميركي،
الذي يعاني من هزائم جوهرية، ويترنح امام النفوذ الايراني
والروسي المتفاقم في المنطقة؟
لا شيء! تماما كما هو الحال بالنسبة للنظام الصهيوني،
الذي يتفرج على ازمات المنطقة، ويراقب الهزائم الاميركية
المتتالية، دون ان يكون بمقدروه التدخل، بل تحول تدخله
ـ تماما كالتدخل السعودي في كل أزمة ـ الى نقطة ضعف للمشروع
الأميركي، وبدل ان يقدم خدمة للعدوان يقع في مصيدة، فيعلو
صراخه طلبا للنجدة من واشنطن.
فهل تدفع هذه الوضعية المأزومة الطرفين المتورطين ـ
السعودي والصهيوني ـ الى توحيد القوى أكثر وأكثر، املا
في تعويض الخسارة المحققة؟
احتمالات التقارب حدّ التحالف
تقول روسيو فاسكيز، الكاتبة الصحفية في صحيفة لاباييس
الاسبانية، انه لا أحد يجرؤ على القول بإمكانية تبلور
تحالف سعودي إسرائيلي علني، الذي يبدو انه نتيجة حتمية
للتحولات السياسية والعسكرية في المنطقة، لان مثل هذا
التحالف من شأنه أن يهز منطقة الشرق الأوسط.
وتضيف الكاتبة الاسبانية، انه في حركة سياسية دبلوماسية
لم يسبق لها مثيل، تحاول السعودية التقرب من إسرائيل،
من خلال إرسال بعض الإشارات والتلميحات التي تخفي في طياتها
بوادر التعاطف فيما يخص المحرقة اليهودية (الهولوكوست)
التي حدثت في ظل حكم هتلر النازي. وفي هذا الإطار، تقدم
الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي والمتحدث باسم النظام
السعودي، الدكتور محمد بن عبد الكريم العيسى، برسالة إلى
مديرة المتحف التذكاري للهولوكوست في أمريكا، سارة بلومفيلد،
أكد فيها استنكاره كل المحاولات الرامية إلى إنكار جريمة
الهولوكوست، أو التقليل من شأنها. ولا يشك احد من المراقبين
في الخارج، ان الجانب الصهيوني تلقى الرسالة بعين الرضا،
وفهم الرغبة السعودية الكامنة خلفها.
في شأن آخر، وعلى الرغم من النفي العلني للحكومة السعودية،
فإن المصادر الاسرائيلية تؤكد موافقة الرياض على مرور
الطائرات التي تنطلق من الهند وشرق آسيا إلى إسرائيل،
عبر المجال الجوي السعودي، وهو ما سيوفر على شركة الطيران
الإسرائيلية، ان تقطع طائراتها حوالي ألفي كيلومتر اضافية.
ويبدو ان النظام السعودي بات مطمئنا الى قاعدته الشعبية
(النجدية الأقلّوية)، التي باتت مشبعة بروح العداء لايران
والاحقاد المذهبية، بما يكفي لتبرير سياسة التقارب مع
إسرائيل، على خلفية العداء المشترك للنفوذ الايراني.
ويعمل الجانبان السعودي والاسرائيلي بكل جهد، عبر اللوبيات
التابعة لهما في الولايات المتحدة، لاقناع الادارة الاميركية
والكونغرس بضرورة تسعير العداء لإيران، واستبدال الحرب
المباشرة معها، بالحروب الخاسرة الاخرى التي خيضت بالوكالة
لضرب نفوذها.
وسرعت الرياض من تلميحاتها بالعلاقة الودية مع اسرائيل
منذ منتصف شهر نوفمبر الماضي، عبر الطلب الى صحيفة إيلاف
الاليكترونية السعودية اجراء مقابلة مع رئيس هيئة الأركان
العامة الإسرائيلية، الجنرال غادي أيزنكوت. وهي المرة
الأولى التي يظهر فيها مسؤول اسرائيلي امام الجمهور السعودي
في لقاء من مكتب الصحيفة في تل ابيب.
واعتبرت صحيفة يديعوت أحرونوت العبرية، في مقال لمعلقها
العسكري أليكس فيشمان، أن المقابلة النادرة والشاذة التي
منحها آيزنكوت، لوسيلة إعلام سعودية، ليست بادرة طيبة
إسرائيلية، بل بادرة طيبة سعودية. وأوضحت أنها تأتي كجزء
من عملية متواصلة لإعداد الرأي العام في داخل السعودية،
نحو تحويل العلاقات السرية بين الرياض وتل أبيب إلى علاقات
علنية.
واعقبت الصحيفة السعودية نفسها هذه المبادرة، بمقابلة
اخرى مع وزير المخابرات والمواصلات الإسرائيلي يسرائيل
كاتس، التي كان ابرز ما فيها دعوته الملك سلمان وولي عهده
لزيارة إسرائيل، واستقبال رئيس حكومة الاحتلال بنيامين
نتنياهو في الرياض (من أجل دفع مسيرة سلام إقليمية). والعبارة
الأخيرة تم شطبها من الصحيفة الالكترونية ايلاف، كما شطبت
ايلاف بعد نشرها ما قاله كاتس من إن (السعودية تستحق قيادة
مسيرة السلام، لأنه لا توجد دولة عربية تتمتع بنفس مقدار
القوة والفهم)، وشطبت قوله أنه (يبارك للسعودية انفتاحها
وإصلاحاتها).
الآن هناك غزل غير مسبوق يستكمل بدعوة إسرائيلية للمفتي
السعودي ولرئيس هيئة كبار العلماء لزيارة إسرائيل، واشادت
إسرائيل باعتدال المفتي آل الشيخ، ودعوته الى نبذ الكراهية
لليهود.
الضجيج الإعلامي
ولتمرير هذه الصفقات، وبلوغ الهدف النهائي بوصول محمد
بن سلمان الى الكنيست زائرا على خطى انور السادات، يجهد
الاعلام السعودي في التصويب على الموقف الايراني ضد الكيان
الصهيوني، والتشكيك في الشعارات المبدئية والثابتة التي
تتمسك بها، في رفض السياسات الصهيونية والتمسك بالحقوق
الثابتة للشعب الفلسطيني في كل فلسطين. ويغمض هذا الاعلام
عينيه عن وقائع وليس مجرد شكوك، بشأن عمليات التطبيع التي
تنفذها مملكة آل سعود وحلفاؤها المستتبعون لها في المنطقة
مثل كيان آل خليفة في البحرين.
وفي اليوم الذي يعلن فيه خالد المالك في صحيفة الجزيرة
السعودية، ان ايران جعجعة بلا طحن، ويسأل عن الصواريخ
الإيرانية: لماذا لا تتساقط على اسرائيل، يصدر اعلان من
النائب الليكودي ايوب الفرا عن استقباله الامير البحريني
مبارك آل خليفة في الكنيست الاسرائيلي.
ومع ذلك يصمت السعوديون، بل يرفعون عقيرتهم بالضجيج
وزيادة جرعة الاحقاد المذهبية، لكي يسهموا بالتستر على
الخيانة القومية التي يرتكبها امراء من حلفاء او ادوات
حكام الجزيرة العربية.
وعندما يسأل المالك: متى سيرى العمل الفعلي ضد إسرائيل،
ولو بإطلاق صاروخ واحد على إسرائيل من تلك الصواريخ إيرانية
الصنع؟، يعتقد القارئ ان هذا السؤال ينم عن حرص على تحرير
فلسطين وتدمير الكيان الصهيوني، او ان الكاتب الهمام يبحث
عن حلفاء لمملكته التي تدك صرح الصهيونية، والتي استنفدت
مخزونها من الصواريخ في المواجهة، ولهذا فهي تسخر من بقاء
مخزون الصواريخ الايرانية بعيدا عن ارض المعركة!
لان المنطق والمنهج البسيط يفترض ان النظام السعودي،
الذي يختطف الحرمين الشريفين ويحتكر تمثيلهما، والذي يتنطح
للحديث باسم العروبة والدفاع عن العرب وحياضهم، يفترض
ان يكون في طليعة القوى الزاحفة لتحرير المسجد الاقصى
ثالث الحرمين الشريفين، وارض فلسطين العربية، وازالة الكيان
الذي يشكل التهديد التاريخي الاول للامن القومي العربي
منذ نحو سبعة عقود.
الا ان واقع الحال هو عكس ذلك تماما، والاعلام السعودي
لا يسأل عن دور المملكة التي تملك اكبر ترسانة عسكرية
عربية، وصاحبة الثروة الهائلة والنفوذ السياسي والديني
الواسع، بل يهرب الى حيث يثير الغبار والدخان والفتنة
المذهبية، لتضييع الهدف، والتشويش على اي جهد لمواجهة
الاستراتيجية الصهيونية الاميركية في المنطقة.
وعلى طريقة فريق كرة القدم جيد التدريب، يتناوب المثقفون
السعوديون الموالون في التهيئة والتسديد في مرمى الخصم،
ضمن جوقة تديرها مخابرات العائلة المالكة، واجهزتها في
وزارة الداخلية، والديوان الملكي.
ويكمل صالح زياد في صحيفة الوطن ما بدأه المالك في
الجزيرة، لتمرير ثقافة التطبيع مع اسرائيل، فيشيد في مقاله
بعنوان: المسلمون وهولوكوست اليهود، بما كتبته زميلته
في صحيفة الوطن عبير العلي، وزميله عقل العقل في الحياة،
واشادتهما برسالة الامين العام لرابطة العالم الإسلامي،
الدكتور محمد العيسى، إلى مديرة المتحف التذكاري.
ويقول زياد ان رسالة أمين عام الرابطة تتضمن الوصف
للهولوكوست بأنها جريمة بحق الإنسانية، والتخطئة لأي تبرير
لها أو تقليل من شأنها، والبراءة للإسلام والمسلمين من
القبول بها، أو عدم الحزن والأسف عليها. كما تتضمن البراءة
من المتطرفين، المنتمين إلى الإسلام أو المنتمين إلى غيره
من الأديان، الذين يعلنون كراهيتهم للآخرين حتى من أبناء
ديانتهم، ويتأولون الدين لأهوائهم ومآربهم السياسية.
نهاية المقامر السعودي
هذه الرسائل السعودية ليست استفاقة وعي لنبذ التطرف
والتعصب الذي وسم البلاد منذ تأسيس هذه الدولة، بل هو
رسالة للخارج، واعلان استعداد للخطوة الكبرى المتمثلة
بالمصالحة العلنية مع الكيان الصهيوني بعد ان شعر الطرفان
بالخطر الجارف عليهما معا.. الا ان السؤال الذي يتم تداوله
الان في الاوساط السعودية: هل سيكتب لهذه السياسة التراجعية
النجاح؟ وهل يمكن للاسرائيلي المأزوم ان ينقذ النظام السعودي
من ازمته؟ وهل يمكنهما معا تعويم دورهما الوظيفي في سياق
الاستراتيجية الامبريالية قبل التخلي عنهما؟
الامر مشكوك فيه تماما.. وما عجز النظام السعودي عن
تحقيقه بقوته، سيكون اصعب عليه في ضعفه. اذ ان الدوائر
الاميركية تراقب عن كثب كيف خسرت السعودية اوراق قوتها
في المنطقة، ولم تعد ذات تاثير فاعل الا في اطار الشغب
واثارة القلاقل والفتن، وهو ما لم تعد تحتاجه السياسة
الاميركية التي اشبعت المنطقة خلخلة وتخريبا وتمزيقا.
بل ان هذه السياسة بدأت تنقلب عليها، ولن تستطيع قطف ثمار
الدمار الذي احدثه زلزال الربيع العربي. وعلى العكس من
ذلك فهي تبدو كمن يقدم الفرصة السانحة للتغلغل الروسي
والإيراني، مع عجزها عن وقف تمدد هاتين القوتين في المنطقة.
والسعودية التي تخلت عن ثوابتها القومية والإسلامية،
طمعا في الدور الوظيفي الذي ارتهنت له، تجد نفسها اكثر
ضعفا واكثر عجزا في مواجهة التحديات التي حولتها الى جزيرة
معزولة، بين دول وشعوب تناصبها العداء او تقيم معها جدران
الشكوك والحذر.
واذا كان النظام السعودي يعتقد ان التطبيع مع الكيان
الصهيوني، سيشكل خشبة الخلاص له من ازماته، فهو سيكتشف
سريعا ان مد اليد للصهاينة سيشكل سقطة مدوية في قاع الهزيمة
والانكشاف على كل المستويات. الا انها اقدار الانظمة الدكتاتورية
التي يشكل اول مظاهر سقوطها عجزها عن قراءة الاحداث وفهم
تحولات الواقع. انها المقامرة بآخر الاوراق السعودية!
|