دولة الحروب
هي مملكة قامت بالسيف، وخوض الحروب داخل الجزيرة العربية
وخارجها، ولكن في رواية التأسيس، هناك من يتعمّد تخفيض
شأن الدور البريطاني الذي كان محورياً، فلولاه لما صمد
الكيان في ظل زوابع عسكرية كبرى شهدها العالم في الربع
الأول من القرن العشرين وما بعده.
بعد الإعلان عن قيام المملكة السعودية في سبتمبر 1932،
بدا واضحاً أن هذا الكيان الكبير يعاني من ضعف بنيوي شديد،
يجعله غير قادر على مواجهة هزّات أمنية داخلية أو خضّات
عسكرية على الحدود.
وفي النتائج، لم تكن المملكة السعودية جاهزة في أي
يوم لخوض حرب خارجية، دونما مساندة من قوة عظمى، وعلى
وجه الخصوص بريطانيا في التأسيس، والولايات المتحدة في
التسيير.
وتبعاً له، أدرك ملوك آل سعود السابقين بأنهم لا قبل
لهم على حرب مباشرة ومفتوحة مع أي من الدول العربية الكبرى
المحيطة بها، فكانت تلجأ لدعم القوى الاجنبية (أميركا،
وبريطانيا، وأحياناً اسرائيل بطريقة غير مباشرة كما في
حرب اليمن 1962).
ومع ذلك، يأنس آل سعود بالحروب مع الدول الصغيرة أو
الضعيفة، وبالمعارك سريعة الحسم ـ إن استطاعوا ولم يستطيعوا،
لأن ذلك يمنحهم شعوراً بالقوة والثقة، لاسيما في ظل الانتقادات
الشديدة التي تلاحقهم نتيجة الانفاق العسكري الهائل على
مدى عقود، والفشل في مواجهة التحديات العسكرية والأمنية
الخارجية بصورة منفردة.
لا يستقوي آل سعود على أحد كما يستقوون على الأشقاء
في مجلس التعاون الخليجي. فتظهير التنمّر وإستعراض العضلات،
والتكشير عن الأنياب.. لا تجدها الا هنا في الخليج، ولطالما
هدّدوا باجتياح الكويت مرة، وحشدوا قواتهم مرات على حدود
الامارات، وسلطنة عمان، من أجل إرغام قادتها على تبني
سياسات معينة لا تخدم مصالحهم، ولكن تحقق رغبة حكّام الرياض.
يتذكر المراقبون كيف تدحرج الخلاف السعودي الاماراتي
والذي بلغ ذروته في مايو 2009، بإعلان الامارات الانسحاب
رسمياً من مشروع الاتحاد النقدي الخليجي، وذلك على خلفية
عدم اختيارها مقراً للمصرف المركزي الخليجي، والذي أدّى
الى انهيار مشروع العملة الخليجية الموحّدة.
تواصل الخلاف بين الرياض وأبو ظبي وشمل ملفات جديدة:
التجارة البينية، السفر بالهوية، وكادت الأمور تصل الى
خواتيمها الوخيمة بعد إغلاق الحدود بين البلدين، دع عنك
الخلاف الحدودي الذي لا يزال جرحاً لم يندمل حتى اليوم،
برغم من توقيع اتفاقية ترسيم الحدود في 1974.
تكرّر سيناريو الحرب مع سلطنة عمان التي تمايزت بمواقف
سياسية مستقلة في ملفات إقليمية ودولية. وكانت السعودية
تنظر الى هذا التمايز أحياناً من منظور عدائي، وكأن المطلوب
من عمان، بل ومن الدول الشقيقة والصديقة أن تضبط ساعتها
السياسية على توقيت الرياض، وإلا أصبحت مصنّفة في خانة
الخصوم.
مثال تشكيل التحالف العربي بقيادة السعودية ضد اليمن،
هو الأشهر كعنصر خلافي بين الرياض ومسقط. فقد أعلنت الأخيرة
بأنها ليست جزءاً من هذا التحالف، وبقيت متمسّكة بخيارها
في الحياد الإيجابي، فكانت ترعى أي مسعى سياسي يفضي الى
التسوية ووقف الحرب على اليمن. ولكن الجانب السعودي لم
يرق له الحياد العماني، والمطلوب، من وجهة النظر السعودية،
هو الانحياز لجانب التحالف وتبني استراتيجيته العسكرية،
والضغط من أجل إرغام اليمنيين على الحل الذي يقترحه السعودي
والاماراتي.
في السياسة، كانت الرياض ترفض، وقد أفصحت عن ذلك في
أكثر من مناسبة ولأكثر من مسؤول خليجي، احتضان عمان حواراً
حول اليمن، وأنها على استعداد للقبول بأن يجري هذا الحوار
في طهران وليس في مسقط، مع أن الأخيرة لم يصدر عنها ما
يستوجب هذا الموقف الخصامي.
أكثر من ذلك، حشدت السعودية قواتها على الحدود العمانية،
وذلك لإجبار حكومة مسقط على تعديل سياستها، وقطع العلاقات
مع اليمنيين المعتدى عليهم. كما شجّعت الاتجاهات الدينية
المتطرّفة في الجانب اليمني المتاخم للحدود مع عمان، بما
يهدّد أمن الأخيرة ويزعزع استقرارها، وما قصة التحركات
السعودية في محافظة المهرة منذ أواخر نوفمبر الماضي، والتحضيرات
لإقامة مركز سلفي في مدينة قشن، ثاني أكبر مدن محافظة
المهرة، سوى واحدة من الأساليب التي لجأت اليها السعودية
للضغط على سلطنة عمان بسبب موقفها من الأزمة الخليجية
والعدوان على اليمن.
في آخر صراعات الحروب السعودية، ما تكشّف في تغريدات
فريق محمد بن سلمان المحرّض على خوض حرب على قطر.
سعود القحطاني، مستشار في الديوان الملكي، والمعروف
بـ «دليم» أو (صَبّاب القهوة) في ديوان محمد بن سلمان،
هدّد باجتياح قطر وقال في تغريدة له في 5 فبراير الجاري:
«..تراها إشارة من الكبار وما يحتاج جيش يتحرك ولا طيارات
تحلق. 200 جيب ما توقف إلا بالوجبه...».
برغم ما تعكسه التغريدة من عبث طفولي، إلا أنها ترجمة
أمينة لأجواء صنّاع القرار في الرياض وأبو ظبي، بل كادت
أن تكون حقيقة في الشهر الأول من الأزمة التي انفجرت في
يونيو 2017، لولا تدخّل الأميركيين أنفسهم لمنع وقوعها،
بل هو ما تحدّث عنه أمير الكويت صباح الأحمد في زيارته
لواشنطن ولقائه ترمب في 7 سبتمبر 2017، حين تحدث عن الجهود
التي حالت دون وقوع مواجهة عسكرية وقال ما نصّه: «لقد
نجحنا في وقف التدخل العسكري».
وتيرة الحديث عن خيار الحرب تزايدت هذا الشهر، فبراير،
كما يظهر في مقالات وتغريدات ومدونات فريق محمد بن سلمان
وأنصاره.
ابراهيم مرعي، الناشط على موقع تويتر، وخريج كلية سان
سير بفرنسا، وحامل شهادة ماجستير علوم استراتيجية من كلية
الحرب، تفتق ذهنه في 6 فبرار عن تقييم «فيما يخص معالجة
الازمة القطرية بعد دراسة شاملة ودقيقة استغرقت 4 أشهر»
الى أن «التقييم الاستراتيجي الاقليمي والدولي، السياسي
والاقتصادي والعسكري والأمني والاجتماعي، ملائم لتنفيذ
عملية عسكرية خاطفة لتحرير قطر».
إن تحويل الخصومة الى ثقافة شعبية، والنزول بها الى
حرب بين شعوب يدمّر بيئة التعايش، إذ سوف نكون أمام وقائع
ليس من السهولة بمكان التعامل معها على طريقة «أون ـ أوف»،
لأن كل ما يدخل المشاعر يتطلب أكثر من مجرد قرار سياسي،
وليست بالعملية الخاطفة.. فاحذروا العبّث باتجّار الحروب.
|