تويتر: مؤدّب مهذّب.. آل سعود وذبابهم؟ لا!
لاحظت البروفيسورة المعارضة مضاوي الرشيد، كما لاحظ
غيرها بأنه قد (تم بالفعل تسميم تويتر، من قبل مخربي النظام
السعودي). هذا الرأي تبنّاه بالتوازي الدكتور المعارض
فؤاد إبراهيم، الذي قال أنه (قبل سيطرة الذباب الالكتروني
على تويتر بقيادة المُشير سعود القحطاني، كانت الهاشتاغات
تدور حول قضايا ترفع الرأس. أما الآن فلا ترى إلا هاشتاغات
عن البيتزا والزواج من مغربية وغيرها.. في سجون ابن سلمان،
شعبٌ آخر رفض التطبيل والتزييف).
الجيوش الالكترنية السعودية وقذارتها ليست جديدة، وقد
اشتكى ابن النظام، جمال خاشقجي، منها، حين وجهت السلطات
بعض الجهد الإلكتروني ضده، وقال انها تشوه تويتر، ووصف
خطاب تلك الجيوش بأنها مملة وسطحية ومكرره. وأضاف خاشقجي
بأن موظفي الذباب الالكتروني يهاجمون بتوجيه رسمي، ويتوقفون
بتوجيه رسمي أيضاً.
الصحفي أنس زاهد، القى باللائمة على مواقع التواصل
التي أعطت الفرد شعوراً وهمياً بالأهمية، بحيث ان (الأنا)
تكاد تنفجر، وأصبح معظم الناس نسخاً كربونية من النموذج
الإنساني المجوّف الذي صنعته الرأسمالية.
لكن قذارة الإعلام الحكومي الورقي والالكتروني (مع
فارق المسافة) لم يخدم قضية الحكم السعودي في أي حقل،
بل أجج النقمة عليهم وعلى النظام، وأظهرهم على حقيقتهم
كجهلة وعديمي تربية.
الآن يعرف كل الناطقين بالعربية، أن كتابات الموالين
للنظام السعودي على مواقع التواصل الاجتماعي، ليس فقط
تفتقد الى العلمية، او العقلانية، بل هي في مستوى متدنٍّ
من الذوق والأخلاق والإحترام للآخرين. وعليه فإن دفاع
هكذا اشخاص عن آل سعود، وباللغة المتسافلة، لا يجلب تعاطفاً
معهم ولا مع مشاريعهم.
وفي الحقيقة فإن هناك استغراباً شديداً من المواطنين
العرب على السوشيال ميديا، من هذا خطاب ذباب آل سعود الإلكترونيين،
وقد ظنّ بعضهم أن هذا ينسحب على كل المواطنين، ولكنهم
بسرعة يكتشفون الأمر، وأن هذه الجماعة التي تعمل في أجهزة
الإستخبارات، انما هي من سنخ النظام، وافرادها لا يختلفون
عن الجلادين داخل سجون القمع السعودي من حيث الانحطاط.
الصحافة السعودية انزلقت الى الغرائزية، وصارت ابشع
في بعض الأحيان مما يكتبه الذباب على مواقع التواصل. ونحن
نعلم بأن الذباب الالكتروني لا يكتب بأسمائه الصريحة،
وغالباً ما يجري الاعتذار لهم بأنهم مجرد جهلة غير متعلمين
وانهم (درباوية) وما أشبه. لكن كيف تبرّر انحطاط الكتاب
السعوديين في صحافتهم فينزلقوا الى هذا النوع من الكتابات
(مثال ذلك كتابات محمد آل الشيخ في صحيفة الجزيرة، ونورة
شنار، وهيلة المشوح، وعبدالله الجهمي، وامثالهم؟).
يبدو ان النظام قد اكتشف انه بلغة المدافعين عنه، لم
يكسب احداً، بل زاد من مساحة الناقدين له ولسياساته ولأساليبه.
من هنا جاءت مراجعة من نوع ما ربما لم تُستكمل.
فخلال الأسابيع الثلاثة الماضية، لاحظنا ـ في الصحافة
الورقية السعودية ـ انحساراً في مهاجمة الدول وأشخاص قياداتها،
من ايران الى قطر الى تركيا وغيرها؛ وهو انحسار كمّي،
وانحسار نوعي ايضاً؛ وكان من المتوقع ـ ما دام الموجّه
الرسمي واحداً ـ ان تتمدد الأوامر الحكومية الى تويتر
ومواقع التواصل الاجتماعي الأخرى، وكأنها إعادة قراءة
جديدة لاعلام الحكم السعودي لم تُستكمَل بعد.
كتب المفكر محمد علي المحمود التالي: (ألاحظ منذ بضعة
أشهر، أن تويتر تأدّب كثيراً، فلم أعد أشاهد تلك الكلمات
البذيئة، ولا ذلك التكفير والتفسيق، قياساً بما كنت أواجهه
من قبل. حسابات كانت تشتمني اختفت، وبعضها تأدّب. مالذي
حدث؟).
يعتقد المحمود أن هناك أحد سببين: اما الملاحقة القانونية
للمغردين. واما ان الحسابات مدعومة من قطر، فجاءت الأزمة
معها لتأخذ تلك الحسابات معها.
لا هذا ولا ذاك. اذ لا توجد ملاحقات قانونية، وما أكثر
الشواهد والأدلة على ذلك. وكيف يلاحق النظام أنصاره ودعاته،
بل كيف يواجه النظام جنوده المطيعين لتنفيذ سياساته والتي
ما خرقوها ولا تجاوزوها.
وفضلاً عن هذا، فإن رمي التهمة على قطر، ليس تكبيراً
لها، بقدر ما هو تصغير للدور السعودي.
لكن الصحفي يوسف أبا الخيل يرى السبب في عدم تقبل الناس
للتطرّف، حيث ظهر مزاج عام ضده. فيما أقرّت الحجازية سحر
زين العابدين، بالتخفّف من التكفير والتفسيق (ربما لأن
معظم المشايخ الوهابيين اما في السجن او محاصرين برأي
عام كاره لهم). لكن سحر تقول انه ظهر التخوين والتدليس،
وهذا الفريق هو جيش المباحث، حيث تم تبديل ادوارهم (ومازال
الرد على الإختلاف إما بذيئاً او عنصريا).
ذات الملاحظة وجدها الصحفي غسان بادكوك، والذي فرّق
بين المتطرفين دينياً الذين اعادوا حساباتهم الفكرية،
(وأما العنصريون فلايزالوا يسرحون ويمرحون بحرية كبيرة
في طرقات تويتر).
طبعاً، فإن العنصرية في معظمها موجهة من الحكم النجدي
ضد الحجازيين. لهذا قالت ناشطة حجازية بأنه قد (تم إعادة
التدوير بشكل آخر لمهاجمة جهات أخرى. ألا ترى ان صوت التكفير
والتفسيق اختفى، وظهر صوت العنصرية باسم الوطنية؟).
هناك حدث عن تطويع الوهابية لتعيش عصرها وان تتخلّى
عن العنف، ولذا يعزى هدوئها الى أوامر من ال سعود. لكن
نجاح التطويع النسبي مؤقت، وما يلبث ان ينفجر خزان العنف
والكراهية والتكفير، فآل سعود لم يستغنوا عن الوهابية
ومشايخها في معاركهم السياسية الداخلية والخارجية.
الأديب محمد زايد الألمعي يرى ان ما يقال عن تراجع
المشايخ، و(الكلام عن تنازلاتهم لما أحدثوه في الدين،
لا يعني أنهم تخلّوا عن منصب الموقّع نيابة عن الله)؛
وحول علاقة ال سعود بكهنوتهم قال: (أن يقوموا هم بتمدين
تديّنهم، وأنسنة كهنوتهم، فتلك لعمري المعجزة، وإحدى خدع
الحواس التي لا يجيدها إلاّ الراسخون في شعوذة الحداثة).
|