ما خفي أعظم
قصة الإنقلاب السعودي في قطر
حرب الأفلام الوثائقية بين قناتي (العربية) و (الجزيرة)
خالد شبكشي
في نوفمبر الماضي، وخلافاً للحكمة القائلة: اذا كان
بيتك من زجاج، فلا ترمِ بيوت الناس بالحجارة.. بثت قناة
العربية سلسلة من الأفلام الوثائقية بعنوان: (تاريخ قطر..
صراع على السلطة).
الآن جاءت قناة الجزيرة لتردّ الحجر من حيث جاء، فالشرّ
لا يدفعه الاّ الشرّ، حسب القاعدة التراثية!
وثائقي الجزيرة كان بعنوان: (ما خفي أعظم). وهو يتحدث
عن الدور السعودي الإماراتي البحريني المصري في محاولة
الإنقلاب الفاشلة في قطر عام ١٩٩٦؛
والتي تتحدث عن ادخال الأسلحة الى قطر من البحرين والإمارات
ومصر، وتجنيد شخصيات من آل ثاني بحجة (إعادة الشرعية)
الى الحكم، أي إعادة جد تميم الى الحكم. وفي نفس الوقت
تكون هناك قوات سعودية واماراتية جاهزة للتدخل برّاً،
وقوات وهابية جيء بها من (مأرب) في اليمن، وضباط قطريون
يفتتحون الإنقلاب والسيطرة على المواقع الحسّاسة، وقوات
من قبيلة الغفران ـ آل مرة، تعضد الانقلابيين.
يومها انكشف المخطط وفشلت المحاولة.
لكن المهم في كل هذا، هو ان تلك المحاولة الانقلابية
كانت فاتحة لصراع قطري سعودي، وقطري إماراتي، وقطري بحريني،
وقطري مصري، الى هذا اليوم. فما نشهده الآن، هو مجرد نسخة
مكررة مما جرى قبل اثنين وعشرين عاماً. وقد كانت تلك المحاولة
بمثابة الوقود الذي يغذّي الصراع القائم ضد قطر اليوم،
وسيستمر فيما يبدو الى آفاق مستقبلية مفتوحة.
حسب الفيلم الوثائقي فإن خلية التخطيط للانقلاب تشكلت
من الأمير سلطان، وزير الدفاع السعودي، ومحمد بن زايد،
وولي عهد البحرين حينها حمد بن عيسى، إضافة الى عمر سليمان
رئيس استخبارات مصر. واظهر الفيلم ان الأمير سلمان ـ الملك
الحالي ـ كان ضالعاً في المؤامرة، حيث تطلب نقل وهابيين
يمنيين من مأرب الى الأحساء بالقرب من قطر للمشاركة في
التدخل البرّي المباشر، موافقته المباشرة.
المتواطئون سعوديو الجنسية الذين اعتقلوا في قطر بعد
المحاولة الانقلابية، جرى اطلاق سراحهم بعفو وتدخل من
قبل الملك عبدالله.
ومع هذا لازال ال سعود ينفون تدخلهم في الانقلاب او
في شؤون الدول الأخرى الداخلية، وفي بعض الأحيان يبررونه
بحجة الدفاع عن الشرعية القطرية، وجاء الفيلم مزعجاً الى
حد ان محمد بن سلمان في زيارته للقاهرة أشار اليه بامتعاض.
اغلب ردود الإعلاميين الرسميين تتحدث في وادٍ آخر، ولا
تناقش محتوى الفيلم الوثائقي.
فإعلامي المباحث محمد الطاير، يزعم انه بعد بث الفيلم
ان قناة الجزيرة سقطت للأبد ولم يعد لها تأثير، ورأى الاحتفال
بسقوط اقوى أسلحة قطر، وهي قناة الجزيرة. والاخواني المعارض
سابقا، والذي انقلب على قطر مؤخراً، كساب العتيبي يقول
ان وثائقي الجزيرة لا جديد فيه، وانه تناول بالتجريح شخصيات
في ذمة الله، ويقصد الأمير سلطان؛ وشكك كساب في الوثيقة
التي تتحدث عن دور الملك سلمان في الانقلاب، متهماً قناة
الجزيرة التي كان يمدحها سابقاً بالكذب.
الصحفي منصور الخميس، رأى أن بث الفيلم الوثائقي (عملية
انتحارية) تفضح من أسماه الإبن العاق، أي الشيخ حمد الذي
انقلب على ابيه الشيخ خليفة. وفي نفس الاتجاه غرد موظف
المباحث مشعل الخالدي، فبدلا من التعليق على انقلاب السعودية
والامارات على الشيخ حمد في قطر، تحدث عن انقلاب حمد على
أبيه خليفة، وقال انه فعل ذلك بالتواطؤ مع إسرائيل؛ ودعا
الى تكرار التجربة السورية ومنح مقعد قطر في الجامعة العربية
للمعارضة القطرية.
أما الصحفي صالح الفهيد، فهو ينفي أساساً انه قد حدث
انقلاب سعودي في قطر، فكل الذي حدث بنظره، ان الأمير المخلوع
أراد استعادة عرشه، لكن الفهيد اعترف بأن كل ما قامت به
قطر ضد الامارات والسعودية منذ ١٩٩٦
كان دافعه الثأر مما أسماه بـ (الانقلاب المزعوم)؛ واصفاً
اعلام قطر بـ (الواطيء)، الذي لم يسلم منه أحد في المملكة،
حيث طالت اساءته للمؤسس ابن سعود وأبناءه الملوك، وهدد:
(أثق تمام الثقة بأنهم سيدفعون ثمن هذا التطاول ولن يفلتوا
من العقاب، وحسابهم عسير).
حين تنقلب القيم والمفاهيم يصبح الانقلاب السعودي فضيلة،
وهذا ما يراه الإعلامي عثمان العمير، حيث قال ان الفيلم
لم يكشف مؤامرة، بل (إشادة بدول التحالف وموقفها المعلن
من الانقلاب على الشرعية)! وهي الحجة التي يستخدمها السعوديون
دائماً ضد خصومهم كما في اليمن الآن. في ذات الوقت يتباهى
الداعية السلفي نايف العساكر، شقيق مدير مكتب محمد بن
سلمان، بأنه في عام ١٩٩٢ حدثت
اشتباكات حدودية بين السعودية وقطر حول (الخُفوس) موضحاً
(تم ارجاع حدودنا بخشم البندق، رغماً على أنف التِّفْخْ).
اما الإعلامي الموالي صالح السعيد، فيرى مشاركة السعودية
في الإنقلاب بقطر عمل نبيل، فهو يحمل ادانة ضد الشيخ حمد،
ويحمل رفضاً لعقوق الإبن لوالده. (يعني السعودية تعمل
انقلابات لأن حاكم في بلد ثانٍ عقّ والده). ما هذا السخف؟!
وانخرط الناقد عبدالله الغذامي في تفاهات اعلام السلطة،
وتألم من كذب قناة الجزيرة، وغلوها في صناعة الزيف حسب
قوله، وقال ان لا حل مع والد تميم، امير قطر السابق، الذي
هو كذاب متآمر متربّص.
القطريون استخدموا الفيلم لتبديد مزاعم الرياض وأبو
ظبي وكشف تآمرهما القديم والجديد. فالأمير جوعان بن حمد،
شقيق تميم، خلص من وثائقي الجزيرة، التالي: (أكذوبة السعودية
القائلة: صبرنا على قطر عشرين سنة، أصبحت الآن عارية)؛
والإعلامي صادق العماري وجد تشابهاً كبيراً بين محاولتي
انقلاب عام ١٩٩٦، و ٢٠١٧،
فالدول المتآمرة هي نفسها، وذات الشخصيات المحرضة، وحتى
التوقيت، فقد كان الانقلابان في شهر رمضان.
الإعلامي القطري جاسم سلمان، تحدث عن مبررات الانقلاب
السعودي الاماراتي الواهية فقال: (أخذ زايد الحكم من أخيه
شخبوط ولم تتدخل قطر. وأخذ الملك فيصل الحكم من أخيه سعود
ولم تتدخل قطر؛ وأخذ محمد بن زايد الحكم من أخيه خليفة
ولم تتدخل قطر، وأخذ محمد بن سلمان مستقبل الحكم من ابن
نايف ولم تتدخل قطر. فمن هو الذي يتدخل في شؤون الآخر
وصبر عشرين عاماً؟)؛ في حين تحدثت الإعلامية إلهام بدر
عن مؤامرات السعودية وأخواتها بأنها لا تستهدف فقط الشيخ
حمد وابنه الشيخ تميم، بل تستهدف (إبادتنا كشعب بالكامل
والاستيلاء على قطر) حسب تعبيرها. وزاد الإعلامي علي عبدالله
بأنه في عام ١٩٩٦، لم يكن في
قطر غاز، او قناة الجزيرة، ولم تكن على أراضيها قيادات
الاخوان، ولم يكن هناك حديث عن تمويل قطري للإرهاب، فلم
تآمرتم عليها حينئذ بالأسلحة والقوة والمرتزقة يا مرتزقة،
يسأل علي عبدالله.
اتجه الاعلام السعودي في الرد على وثائقي الجزيرة (ما
خفي أعظم)، في حرف النقاش باتجاه الدفاع عن وزير الدفاع
ولي العهد السابق سلطان بن عبدالعزيز، الرأس المدبّر للإنقلاب،
بحجة انه ميّت ولا تجوز له إلا الرحمة!
الأمير خالد بن جلوي آل سعود، يقول بأن (الإساءة للأمير
سلطان إساءة لكل سعودي)؛ والكاتب عبدالله الخطاف الى وصف
حكام قطر بأنه لا حياء لهم وفُجار وأعداء يدعمون الإرهاب
والخراب والجريمة. والإعلامي سلمان الدوسري يعدد مثالب
قطر، وبينها زعمه انها تحالفت مع الحوثي (قاصف مكة). كذبة
كبيرة كعادة اعلام التضليل. وهدد آخر بأن ما نُشر عن دور
سلطان في الانقلاب سيُضاف الى الفاتورة باهظة التكاليف
التي سيدفعها حكم الإرهاب في قطر بزعمه.
القاضي المدرس في معهد القضاء السعودي عمر العمر، يرى
ان قناة الفتنة انكشف خبثها ودعا عليها بالزوال، ولسلطان
بالغفران!؛ وتتالت دعوات الذباب الالكتروني المُسعود لسلطان
بالرحمة والغفران. لكن علي المالكي، هبط فقال بأن الأمير
سلطان وزير الدفاع وولي العهد الأسبق، شامخ في حياته ومماته،
وان الأقزام في دورة المياه ـ أي قطر ـ يحاولون التطاول
عليه؛ وقال ان حكام قطر أدنى من حذاء سلطان، وانهم وضيعين،
وايامهم معدودة.
ومن التهديدات ما قاله اعلامي الذباب الالكتروني منذر
آل الشيخ: (هل تستعجل تلك القاذورات مسحهم؟). لكن الطريف
هي الفضائل الملفقة التي سيقت بحق الأمير سلطان ومن بينها
ما ذكره أيمن القرشي من أن افريقية نبشت منزل نمل بحثاً
عن القمح (نعم منزل نمل جمع نملة)، وحين سمع سلطان بذلك،
بكى، وأرسل وفداً كبيراً الى قبيلتها ودعمها! ليضيف القرشي:
(أمثل هذا يُساء إليه)؟!
مرة أخرى، تجهزت قناة العربية للردّ على وثائقي الجزيرة
(ما خفي أعظم). ما تريد قوله، قد قالته في نوفمبر الماضي.
ولكنها الحرب السجالية الإعلامية (tit-for-tat).
كل ما كان لدى قناة العربية هو استضافة مرشح السعودية
لخلافة تميم في حكم قطر، سلطان بن سحيم آل ثاني، بعد ان
هرب منهم عبدالله بن علي آل ثاني. وهذا الشاب الغرّ، لا
يجيد قولاً سوى ان أباه قد تم اغتياله منذ اكثر من عشرين
عاماً على يد الحاكم السابق حمد والد تميم. عدا عن ذاك
لا شيء جديد. وهذا الاتهام قد سبق تكراره في وثائقيات
العربية ايضاً.
ففي ظل تداعيات وثائقي ما خفي اعظم، علق سلطان بن سحيم
آل ثاني بأن محاولة الانقلاب عام ١٩٩٦
مزعومة، مثل زعم اردوغان ان هناك انقلاباً عليه وذلك للتخلص
من خصومه. وبعد ان جرى ترتيب موعد اللقاء مع العربية،
شمّر سحيم عن ساعده مبتدئاً معركته او زوبعته في فنجان،
وقال: (على الله توكلنا واستعنّا من كل كذاب أفاك. العين
بالعين والسن بالسن، والبادئ أظلم). يعني هو يعترف انه
جزء من معركة إعلامية ضد الدوحة. وأضاف: (الرد يأتيهم
عاجل وعلى المكشوف. انتظروني على العربية)!
غير ان المعركة السعودية خاسرة، وهذا ما استشعره الأمراء،
وهو ما جعل محمد بن سلمان يصرح للإعلاميين في القاهرة
باستعلاء، بأن أزمة قطر تافهة جداً جداً، وأنه لا يشغل
نفسه بها، وان موظفاً اقل من رتبة وزير يتولى الملف، وان
عدد سكان قطر لا يساوي شارعاً في مصر؛ وزاد بأن سياسة
بلاده مع قطر ستكون مثل سياسة أمريكا مع كوبا: عزلها وتجاهلها؛
وقال ان حكام قطر تتملكهم عقد نفسية، كما يقول ابن سلمان.
ابن سلمان الذي وصف ازمة بلاده مع قطر بأنها صغيرة
جداً جداً، جاء الآن ليقول انها تافهة جداً جداً.
الإعلامي القطري عبدالله الوذين يعزف على نفس الوتر،
فقد اختلقت الرياض أزمة قطر، وحشدت لها الاعلام والقبائل،
وأهل الدين والمطربين والشعراء والمنشدين والرياضيين،
وعقد من اجلها مؤتمرات وهمية، وقُدّمت رُشى للسياسيين،
وبسببها تم قطع الأرحام، وصرف لأجلها المليارات، ثم يقول
ابن سلمان: قضية قطر تافهة جداً. ويضيف الوذين: (الآن
علمَ الجميع من هو التافه السفيه خاوي العقل).
الأزمة الخليجية ستستمر حرباً في القنوات الفضائية
وفي السياسة وفي الاقتصاد، وحروب التشهير بين الطرفين
قد يُحسم لصالح السعودية إذا ما قرر ترامب ذلك، خاصة بعد
رحيل ريكس تيلرسون وزير الخارجية الأمريكي، والذي منع
اجتياح السعودية لقطر عسكرياً.
|