الوهابيون في حيرة: الحرام بالأمس حلال الآن!
ناصر عنقاوي
منظومة القيم والأعراف تتغير بشكل سريع في السعودية.
ما هو حرام بالأمس بالمنظور القيمي الوهابي وقد لا
يكون كذلك، صار حلالاً أو مباحاً.
النظرة الى الغناء والموسيقى مثال لذلك. ولبس العباءة
مثال آخر. وسواقة المرأة المحرمة صارت حلالاً.. وأمثال
هذه القضايا كثير.
التحول السريع الذي يدفع به الحكم وعلى رأسه محمد بن
سلمان، أصابت التيار الوهابي بالذات بالذهول، كونه الأكثر
تشدداً في اختياراته الفقهية، وتحويلها الى خلاف عقدي،
يكفّر بسببها المخالف. وها هو الآن يرى ما يعتقده مخرجاً
من الملّة، مباحاً، دون أن ينطق أحد من هيئة كبار العلماء
معترضاً.
بسبب غياب التشريعات، والانسداد الطويل في الحياة الاجتماعية،
هناك ما يشبه الإنفلات، المطلوب الى حد كبير رسمياً، بل
ان الحكم يدفع بهذا الاتجاه. والحجة ما قالها محمد بن
سلمان من انه لا عودة الى الماضي الذي أضاع ثلاثين عاماً
من حياة المواطنين. لكن إذا ما حدث اعتراض على أمر ما،
وتحول الى رأي عام في مواقع التواصل، قال رجال الحكم ـ
سلمان وابنه ـ بأن الدولة تطبق الشرع وترفض التجاوز على
القيم وغير ذلك.
حدث هذا حين جرى عرض أزياء في مدينة الرسول عليه الصلاة
والسلام. وحين اهتاج الرأي العام، ظهر علينا ابن الملك
سلمان، وامير المنطقة هناك، ليقول بأنه سيحقق في الأمر.
وقبلها كانت قضية حفل زواج كورنيش جدة، ورقص جازان،
وأيضاً قال من قال بأن الحكومة ستحقق في الأمر!
وفي نفس الفترة ظهرت قديمة جديدة، محورها: كثرة المساجد
والتي يصل عددها الى ما يزيد على مائة الف مسجد، وهي تشكو
قلّة المصلين، وسوء صوت المؤذنين، كما أن جيران المساجد
في كثير من الأحيان يشكون توجيه الميكرفونات في غير الأذان
خارج المسجد بحيث سبب ازعاجاً للكثيرين، الى حد أن المنازل
القريبة من المساجد صارت في كثير من الأحوال أقلُّ كلفة:
استئجاراً أو بيعاً.
الشيخ ابن عثيمين الذي توفي في ٢٠٠١،
أي قبل سبعة عشر عاماً، له رأي بشأن الميكرفونات الموجهة
للخارج، فهو لا يرى ذلك، عدا الأذان والإقامة. لكن تلفزيون
الام بي سي وجدها فرصة مناسبة لاستخراج رأيه وإثارة موضوع
المساجد والأذان بشكل عام. فقد استضافت الام بي سي الإعلامي
محمد السحيمي، وناقشته الأمر، ولكن السحيمي توسّع، ولم
يحسن التعبير، وتم تقويله فيما بعد ما لم يقله، من بينها
أنه يريد اغلاق المساجد وأنه ضد الأذان، وما أشبه. كل
ما أراد قوله هو تنظيم عملية بناء المساجد، وتوحيد الأذان،
وعدم توجيه الميكرفونات خارج المسجد.
لكن الرأي العام الوهابي استثير، ودعا بعضهم لبناء
مسجدا عند بيت السحيمي، ودعا عبدالله السواط الى قتله،
ودعا ثالث الى تعذيبه، فقررت السلطات خلاف القانون إيقاف
السحيمي عن الكتابة وأحالته للتحقيق، دون ان تُحاسب الإم
بي سي، وهذا ايضاً سبب غضب فريق آخر يرفض التصرف الحكومي
وانحناءه دون وجه حق للتيار الوهابي المتطرف.
الإعلامي عبدالرحمن الفريح، أعجبه إيقاف السحيمي والتحقيق
معه، وتمنى مقاضاة شبكة ام بي سي التي قال انها تسعى للإنحلال
في المجتمع وهي (المنبر الذي يتبنّى السحيمي ومن هم على
شاكلته. هؤلاء خطر على الدين والوطن، وحان الوقت للقضاء
على فكرهم).
اما الصحفي والكاتب وحيد الغامدي الذي اعتقل على خلفية
كتاباته النقدية للوهابية، فأقسم بالله ان السحيمي من
أكثر الكتّاب تديّناً ومحافظة على الفروض، وقال انه يعرفه
عن قرب. والإعلامي وليد الظفيري قال أن السحيمي صدق في
قوله ان هناك احياء تكثر فيها المساجد مع قلة المصلين،
وان هناك تنافس بينها برفع مكبرات الصوت، والتي تجلب الفزع
أحياناً، وان بعض المؤذنين أصواتهم نشاز لا تجلب الا الصداع.
و تألمت الإعلامية هالة القحطاني: (من المخيف ان تتابع
كيف يُمارَس من حولك التوحّش عند اختلاف الرأي، فتضطّر
اللجوء الى الصمت كي تتجنّب افتراسه لك). والصحفي صالح
الطريقي كتب: (أنتَ أمام قطيع تشكّلت قيمهم الأخلاقية
بطريقة خاصة جداً. يُحرّمون الرأي، ويبيحون السرقة، ويرون
أنفسهم حرّاساً للفضيلة).
في ذات الإتجاه، وبعد أن كان يناسب آل سعود التشدد
في الفتاوى، وكان يطلب من مشايخ مدرسته السلفية الوهابية
المزيد منها، مثلما هو الحال في حرمة سواقة المرأة للسيارة،
والسماح للمرأة بدخول الملاعب، وغيرها، رأى اليوم الانفتاح
وضرورة تعديل فتاواهم في القضايا الفقهية المختلف بشأنها،
تماشياً مع حاجاته ورغباته، ووصل الأمر ان مجلس الشورى
طالب هيئة كبار العلماء بمراجعة فتاواها بعد أن كان يخضع
لكل حرف تقوله حقاً ام باطلاً!
مثلاً، هناك قضيتان اختلف الفقهاء بشأنهما: الأولى:
الموقف من زيارة النساء للمقابر، حيث اخذ الوهابيون بالرأي
المتشدد وهو الحرمة والمنع. والثاني: قضية لبس المرأة
للعباءة، فضلاً عن نوعها، حيث لا حجاب إسلامي الا في العباءة
بنظر مشايخ الوهابية.
كلا القضيتين جرى تجاوزهما مؤخراً بدفع من السلطات،
ما زاد ارباك التيار السلفي المتقلقل بين التحريم المغلّظ،
وبين المباح او الحلّيّة!
عضو الشورى والقاضي السابق عيسى الغيث قال ان الراجح
لديه (جواز زيارة النساء للمقابر.. ونتمنى السماح لهن
بذلك قريباً وفق ضوابط) ورأى (رفع الضرر الواقع على النساء
اللاتي حُرمنَ من حضور دفن أقاربهن، وذلك بالسماح لهن
بزيارتهم بعد ذلك). وشرح الغيث بأن مسألة زيارة النساء
للمقابر ليس من مسائل العقيدة ولا من مسائل الفقه المُجمع
عليها، وانها قضية اجتهادية، وطالب بترك الخيار للناس
بلا تحكّم ولا مصادرة، أي عدم الزامهم برأي المؤسسة الوهابية
الفقهي.
الشيخ المغامسي ظهر وقال: (لا حرج في زيارة النساء
للمقابر، وهناك خلاف شهير بين أهل العلم في ذلك).
وبالنسبة للبس العباء، تحدث الشيخ عبدالله المنيع عضو
هيئة كبار العلماء بما فُهم منه ان الحجاب لا يُحصر في
العباءة، وهذا كان يُعتبر من الكبائر عند الوهابية.
لاحظ محمد الزهراني، انه قبل ٣٥ عاماً،
تسابق الدعاة على تحريم المُختلف عليه، واليوم يتسابقون
على تحليله. ذات الملاحظة جاءت من المحامي عبدالرحمن اللاحم،
الذي قال ان هناك (تهافتاً متسارعاً من المتشددين لإخراج
الجوانب السمحة من الشريعة، اللي كانت موزّيْنْها/ أي
مخبئينها لعقود من الزمن. إنها رياح التنوير). او هي التماشي
مع السلطان الطاغية!
|