Trump: They have to pay
.. فسينفقونها، ثم تكون عليهم حسرة، ثم يغلبون
قد تكون مفارقة أن عهد الحزم والعزم والظفرات، أي عهد
الملك سلمان.. هو أكثر العهود انهزاماً عسكرياً وسياسياً،
والأكثر تراجعاً اقتصادياً، والأقل شعبية داخلياً وخارجياً،
والأكثر عرضة للإبتزاز من أي عهد أو ملك مضى؛ بحيث يمكن
القول بأن السعودية لم تُستَنزف مالياً وعسكرياً وأخلاقياً،
وتفقد أكثر رصيدها من سمعتها، مثلما يحدث لها في الوقت
الحالي.
وإذا كان هناك من «نصر» لهذا العهد السلماني ـ غير
المجيد ـ فيكمن في قدرته على مضاعفة القمع والعنف والإعدامات
ضد المواطنين، بحيث كتم أنفاس كل القوى الحيّة في المجتمع،
وصار القمع عابراً لكل الطوائف والمناطق والقبائل والطبقات
الاجتماعية، بل عابراً لكل أنواع النخب الثقافية والسياسية
والفنية والعلمية والدينية والرياضية.
إن كان هذا يعدّ نصراً، فقد انتصر سلمان وابنه على
الشعب، وعلى المخالفين له حتى من بين أمراء العائلة المالكة.
وعدا عن ذاك، لم نشهد انجازاً يعتدّ به، ولا نصراً سياسياً
أو عسكرياً، يمكن الإشارة اليه، لا في اليمن، ولا في قطر،
ولا في العراق، ولا في سوريا، ولا ضد إيران، ولا غيرها.
فأينما اتجهت بناظريك لا تجد سوى الخذلان والهزيمة والفشل
المدوّي.
لقد رأينا إذلال ترامب لمحمد بن سلمان في زيارته الأخيرة
حين حوّله الى سبورة يعرض عليها التاجر الأمريكي بضاعته،
فيما ابن سلمان يضحك ببلاهة.
والتاجر الأمريكي، ترامب، يريد اليوم أن يبيع شركته
المفلسة في سوريا الى آل سعود. وهو قد أعلن ـ حتى قبل
زيارة ابن سلمان لأمريكا ـ بأن الرياض يجب ان تتحمّل دفع
تكاليف خروج القوات الأمريكية من سوريا، وقدّرها ترامب
بأربعة مليارات دولار. وحين أعلن ترامب نيته القريبة لإخراج
قواته من سوريا، ضجّ آل سعود، ورأوا أن ذلك سيحدث فراغاً
عسكرياً سيشغله النظام السوري بانتصار جديد، أو ربما تقوم
تركيا بأخذ المواقع الأمريكية، وهو خسارة أيضاً من المنظار
السعودي.
واجه ترامب غضب آل سعود، بأن قال علناً، ان السعوديين
اذا ما أرادوا بقاء القوات الأمريكية في سوريا، فعليهم
الدفع (They have to pay).
أي ذلّ هذا الذي وصل اليه آلس عودي، بحيث ان عليهم
وفي كل الأحوال أن يدفعوا المال، سواء بقيت القوات الأمريكية
في سوريا أو خرجت منها؟!
ان هذا يذكّرنا بمقولة تشرشل، وزير الحرب، ورئيس الوزراء
البريطاني الأسبق، من أن بلاده ستقاتل حتى آخر جندي هندي!
وقد كانت الهند مستعمرة بريطانية، تمثّل بكاملها عبر وزارة
في لندن اسمها (وزارة الهند)، وكانت الجيوش الهندية تخدم
التاج البريطاني في الحربين العالميتين الأولى والثانية!
الآن يحق لترامب أن يقول بأن مهمته إنجاح السياسات
الأمريكية كيف كان اتجاهها، حتى آخر ريال سعودي (ليس لدى
الرياض مقاتلين حقيقيين)!
الملك سلمان في خطابه في قمة الظهران، لم يأتِ على
ذكر سوريا أو العراق او لبنان، وقد أحسن البعض الظن، فقال
أنه لا يريد أن يفتح معارك جديدة. لكن المسائل ليست بهذه
البساطة، فالرياض لا تريد أن تفتح نقاشاً ينسف قمّة خطط
لها أن تكون تظاهرة سياسية ضد ايران فحسب. ثم ان الرياض
لم تشأ التذكير بخسارتها في سوريا، وهي تشهد هزيمة جيشها
(جيش الإسلام الوهابي) في دوما. كما انها للتوّ قد خسرت
معركتها في العراق، فسعت الى تغيير تكتيكاتها، ولمّا تنجح
بعد.
كان هناك أمل أن تكف الرياض عن العبث في سوريا بعد
هذه الهزائم، وهذا ما بشّر به بعض المحسوبين على النظام.
لكن محمد بن سلمان قد قرّر ـ بلغة استعلائية ـ وهو في
أوروبا بأن بلاده مستعدّة للمشاركة في أي هجوم على سوريا
(إذا ما تطلّب الأمر)!
أصيبت الرياض بخيبة أمل من أن الضربة الصاروخية المحدودة
ضد سوريا بالصواريخ لم تؤت أكلها. وكانت تتمنى لو أنها
كانت حرباً شعواء، تُنسي العالم مآسي اليمن، وتشغلهم عمّا
يفعله آل سعود وطيرانهم ومرتزقتهم فيها!
بعد الضربة الأمريكية البريطانية الفرنسية الفاشلة،
كثر الحديث عن الحل السياسي، وعن الانسحاب الأمريكي من
سوريا. فترامب وغيره يدركون بأن لا أفق لبقاء تلك القوات،
وما يمنع من سحبها هو حدوث انهيار كامل لمعسكر الغرب،
وانتصار ساحق لروسيا وسوريا وايران. كرر ترامب مرة أخرى
وأخرى بأنه يريد سحب قواته من هناك.
وتبيّن ان الإدارة الأمريكية تتفاوض مع مصر لإرسال
قوات تحل محل القوات الأمريكية؛ وبعدها فاجأنا عادل الجبير
ـ وزير الخارجية ـ ليعلن بعد لقائه بالأمين العام للأمم
المتحدة، بأن بلاده مستعدة (ودولا عربية أخرى) لإرسال
قوات الى سوريا، ودفع كامل التكاليف، بشرط أن تبقى القوات
الأمريكية في مواقعها ولا تنسحب منها.
الأمريكيون يبحثون عن انسحاب استراتيجي، وتغطيته تكتيكياً
بقوات عربية، حتى لا يظهر الأمر وكأنه هزيمة. فيما تريد
الرياض استمرار الحرب في سوريا الى ما لا نهاية، شأنها
في ذلك شأن الكيان الصهيوني، إذ من وجهة نظرهم لا يجب
ان تهدأ الساحة السورية بأية حال من الأحوال.
مصر التي تعاني من اهتزازات أمنية شديدة منذ انقلاب
السيسي، حافظت على علاقة إيجابية مع النظام السوري، وليس
في نيتها محاربته؛ وهي لن تذهب الى سوريا إلا في حال تحقق
عنصرين أساسيين:
الأول ـ أن توافق سوريا وروسيا على ذلك، ولو من زاوية
ان الوجود المصري العسكري أهون من الوجود الأمريكي والتركي؛
وأن لا تخوض القوات المصرية قتالاً، وإنما يكون دورها
فقط التغطية على الهزيمة الأمريكية، بحيث يكون بقاء القوات
المصرية بضعة أشهر.
الثاني ـ أن يكون ثمن ارسال القوات المصرية مُجزياً،
بحيث تقبضه من السعودية والإمارات، اللتين عليهما ايضاً
دفع تكاليف الانسحاب الأمريكي.
السعودية التي تبرعت بمالها لقصف سوريا بالصواريخ الأمريكية
والغربية مرتين على الأقل؛ تريد ان تقدم الجيش المصري
ضحية، وأن تشتري به بقاء القوات الأمريكية، لعلمها ان
القوات العربية أياً كان عددها، لا تستطيع الصمود لأسابيع
معدودة. اما (جيش الكبسة) السعودي فلا يعوّل عليه في أي
معركة، وهو ليس جيشاً تُخاض به حروب شرسة كما في سوريا،
ولعل تجربة اليمن تكفي للدلالة، حيث قاتلت الرياض بقوات
سودانية وسنغالية ويمنية جنوبية، ولاتزال!
لم تكتف الرياض بهزائمها الخاصة بها والتي صنعتها بيدها،
فعمدت الى شراء الشركات المفلسة (القضايا الخاسرة)، ظنّا
منها أنها ستربح منها، أو ستقلل خسائرها من قضايا أخرى.
أي محلل يدرك أن الأمريكي لم يكن ليدعو الى الانسحاب
من سوريا، لو كان على أرض صلبة، وأنه يحقق انتصارات، او
أن هناك إمكانية لتحقيق نصر مستقبلي.
انها قضية خاسرة، فلم يريد آل سعود المشاركة فيها؟
أو لم يكفهم خسائرهم السابقة في سوريا نفسها (وآخرها تفتيت
جيشها الوهابي: جيش الإسلام في دوما)؟
هل هو عمى استراتيجي سعودي؟ أم هي الأحقاد التي تتغلّب
على العقل؟ أم هو حب المغامرة والمقامرة التي دأب على
ممارستها الأخرق محمد بن سلمان؟ أم أن آل سعود ملزمون
أمريكياً بتتبع سياسات ترامب حذو القذّة بالقذّة، رغم
سلبه أموالهم، وإهانتهم بتعليقاته على الملأ؟
عصر الحزم والعزم والظفرات لم يقبض منه آل سعود سوى
السخرية. ففي كل القضايا الكبرى ومنذ وصول سلمان الى السلطة،
لم يحقق سوى الفشل والخذلان والعار. والغريب المدهش، أن
الرياض وفي أي اتجاه ذهبت، يخيب سهمها، ويرتدّ عليها،
وينفضح أمرها.
لا شك ان آل سعود مفتونين بالحروب، إشعالاً، ومشاركة،
وإضراماً.. كيف لا، ونجد قرن الشيطان، كما وصفها رسول
الإسلام عليه السلام؟! وحال آل سعود النفاقي تنطبق عليه
الآيات الكريمة: (وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ
وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَا
كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ
وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ. وَمَا
كَانَ صَلَاتُهُمْ عِندَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً
فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ. إِنَّ
الَّذِينَ كَفَرُوا يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا
عَن سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ
عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا
إِلَىٰ جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ. لِيَمِيزَ اللَّهُ
الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ
عَلَىٰ بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ
فِي جَهَنَّمَ أُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ)(٣٤-٣٧/
الأنفال).
|