دولة الترفيه
من ضمن فعاليات رؤية 2030، حدّد مجلس الشؤون الاقتصادية
والتنمية برئاسة محمد بن سلمان، اثني عشر برنامجاً من
أجل تحقيق أهداف الرؤية، ومن بينها برنامج جودة الحياة
2020 حيث تمّ تحديد نطاق زمني لتحقيقه، أي في غضون عامي
2018 ـ 2020.
وبحسب خطة التنفيذ، تركّز (وثيقة برنامج جودة الحياة)،
بشكل أساسي على جعل المملكة أفضل وجهة للعيش للمواطنين
والمقيمين على حد سواء، ويعني البرنامج بجانبين أساسيين:
ـ تطوير نمط حياة الفرد: عبر وضع منظومة بيئية تدعم
وتسهم في توفير خيارات جديدة تعزز مشاركة المواطنين والمقيمين
في الأنشطة الثقافية، والترفيهية، والرياضية.
ـ تحسين جودة الحياة: تطوير أنشطة ملائمة تسهم في تعزيز
جودة حياة الأفراد والعائلات وخلق فرص العمل وتنويع الاقتصاد،
بالإضافة الى رفع مستوى مدن المملكة لتتبوأ مكانة متقدمة
بين أفضل المدن في العالم.
حسناً.. لنقف قليلاً عند الشكل.
أولاً، إن هذا البرنامج ينسج على منوال برنامج إماراتي
بعنوان (الميثاق الوطني للسعادة والإيجابية)، وقد جاء
في سياق إنشاء وزارة السعادة في 8 فبراير 2016، ويسمى
الوزير وزير دولة للسعادة، ويعمل على موائمة خطط الدولة
وبرامجها وسياساتها لتحقيق سعادة المجتمع.
وثمة مضامين بين برنامج الجودة السعودي والسعادة الاماراتي
تكاد تكون متطابقة، ولا نحتاج سوى التعرّف على الشركة
التي أوكلت إليها مهمة إعداد هذه المناهج لأغراض محددة،
وليس السياسي منها مغلولاً.
في المضمون، يشتغل برنامج جودة الحياة أولاً وقبل كل
شيء على الجانب الترفيهي للمواطن، بما يجعله أولوية الأولويات
فيما لا يذكر مقدّماتها الضرورية، على الأقل ولو من باب
ربط جودة الحياة بتأمين الأسس الضرورية لها قبل الانتقال
الى الجانب الترفيهي والرياضي.
في المرتبة الثانية، يأتي تأمين فرص العمل، وتنويع
الاقتصاد، ورفع مستوى المدن، في خلطة عجيبة، إذ وضع تأمين
فرص العمل للمواطنين في نفس الخانة التي تضم تنويع الاقتصاد
والذي يتعلق بالسياسة الاقتصادية للدولة، فيما يأتي رفع
مستوى المدن في سياق السياسات المدينية وبرامج التحديث
العمراني، الأمر الذي يشي بتشوّش الرؤية لدى واضعي البرنامج.
ما يهمنا هنا، وبرغم من التبعثر الواضح في ترتيب أولويات
جودة الحياة، أن ثمة فاصلة فلكية بين النظري والعملي في
البرنامج. فإن ما يحكى عن جودة الحياة يتطلّب وقفة جادة
مع واقع المواطنين.. فهل يكفي لإقناعنا أن يقال بأن السعودية
تحتل المركز الثالث عربياً و33 عالمياً من أصل 156 دولة،
وفق مؤشر السعادة العالمي الصادر عن شبكة حلول التنمية
المستدامة التابعة للأمم المتحدة لعام 2018، فيما احتلت
الامارات المركز الأول وقطر المركز الثاني والكويت في
المركز الرابع.
في حقيقة الأمر، إن المعايير المعتمدة لتحديد المراكز
غير محدّدة بدقة، وإذا كانت كذلك، من يخبرنا عن تطبيقها
على الأرض كيما يحصل على نتائج دقيقة، بل من يضمن لنا
أن السعودية لم تدفع «عمولة» لقاء حصولها على هذا المنصب،
وهي عادة دارجة بين دول الثراء مع منظمات دولية.. ولنا
في تصعيد الجامعات السعودية في غضون عام واحد الى مراتب
متقدّمة بعد أن كانت في قعر قائمة من أصل 500 جامعة حول
العالم.
نقول ما سبق، لأن مؤشرات السعادة على الأرض تكاد تكون
نادرة، فكيف يكون الشعب سعيداً ونسبة البطالة فيه بين
الشباب أكثر من 30 وفق تقديرات صندوق النقد الدولي، وبناء
على عضو مجلس الشورى فهد بن جمعة. وكيف يكون الشعب سعيداً
وربع سكّان المملكة يعيشون تحت خط الفقر، وأيضاً بحسب
فيليب ألستون، المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بالفقر
وحقوق الانسان في 19 يناير 2017، حيث عبّر عن «صدمته»
من مستوى الفقر في بعض المناطق.
كيف يكون الشعب سعيداً، ومعدلات الانتحار في تزايد.
في أغسطس 2008 أعلنت وزارة الداخلية السعودية عن ارتفاع
معدلات الانتحار الى 185 في المائة، في وقت كانت فيه الأوضاع
الاقتصادية والاجتماعية مستقرة نسبياً، بفعل مداخيل النفط
المرتفعة، وقد سجّل 2009 نحو 800 حالة انتحار. ما يبعث
على الغرابة أن الاعلام السعودي ومن أجل تخفيف وطأة ارتفاع
نسبة المنتحرين في السعودية لجأ الى المقارنة مع دول تشهد
حرباً مدمرة مثل سورية لعقد مقارنة بينهما كيما تظهر السعودية
في مرتبة متدنية في معدلات الانتحار. وفي العام 2014،
يذكر موقع إرم السعودي بأن السعودية التي يبلغ عدد مواطنيها
نحو 20 مليوناً تساوت مع سوريا، التي يبلغ عدد مواطنيها
نحو 24 مليوناً قبل العام 2011، في معدلات الانتحار بـ
0.4 حالة انتحار لكل 100 شخص في 2014. والحال أن هناك
ما يقرب من ثلاث حالات انتحار يومية.
علاوة على ما سبق، ففي عهد سلمان، تضاعفت أعداد المعتقلين
السياسيين، كما تزايدت حالات الإعدام، إلى جانب تدابير
أمنية عديدة من بينها المنع من السفر الذي طال الآلاف،
وتناقص بشكل دراماتيكي أعداد المشاركين في النقاشات المفتوحة
على مواقع التواصل الاجتماعي لصالح أنصار الحكومة، والذين
يعبّر عنهم بـ «الذباب الالكتروني»، فيما أخفّى الملك
سلمان وإبنه محمد، ولي العهد، سلاحاً خطيراً وراء حملة
مكافحة الفساد والإصلاحات الاجتماعية الشكلية، وهي معاقبة
كل من يوجه انتقاداً لهما بالسجن لمدة تتراوح بين خمس
وعشر سنوات.
في حقيقة الأمر، أن دولة الترفيه التي يبشّر بها إبن
سلمان، هي مشروع دعائي وضمن الحملة التسويقية لرؤيته في
الخارج. على الضد، فإن هذه الدولة تفتقر الى الحد الأدنى
من المعايير المطلوبة للتنمية، ولحقوق الانسان، وللترفيه،
وجودة الحياة. وكخلاصة هي دولة تسفيه المواطن.
|