الرؤية الاستثمارية ـ البحث عن شراكة استراتيجية
السعودية في ظروف متغيرة
القسم الثاني
سعدالشريف
في إبريل من العام 2016، أطلقت رؤية السعودية 2030
في سياق برنامج تحوّل شامل للمملكة. لم يكن مجرد انتقال
عادي، وليس مبنياً على محض معطيات اقتصادية، بل هو يمثّل
سابقة في تاريخ تحوّل الدول، إذ لأول مرة يستند على دراسة
مجتمع ودولة. سردية الرؤية، كما صاغتها مجموعة «ماكينزي»
و»بوسطن غلوب» وشركات أخرى لم يكشف النقاب عن هويتها،
رسمت مسار «التحول الوطني» في ضروبه الاقتصادية، والاجتماعية،
والثقافية. وفي المآلات الختامية، هناك عملية إعادة تشكيل
المجتمع والدولة، وفق شروط ليست بالضرورة محليّة، أي ليس
تعبيراً عن حاجة داخلية بقدر اندكاكها في مشروع جيواستراتيجي
كوني.
من النفط الى الاستثمار
جولة ولي العهد الخارجية في الربع الأول من العام 2018
بعد انقطاع لنحو عشرة أشهر (كان آخرها زيارة الى روسيا
في 30 مايو 2017) بدأت من مصر (4 مارس الماضي) ومروراً
بالمملكة المتحدة (7 مارس) وتالياً الولايات المتحدة (19
مارس) وأخيراً اسبانيا (11 إبريل). وقد رسمت الجولة خط
بداية لمرحلة جديدة للمملكة السعودية في انتقالها الى
زمن اقتصادي آخر بمضامين ثقافية، واجتماعية، وسياسية.
هي، دون ريب، زيارة استثنائية في جولة استثنائية قام
بها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان. دلالات الزيارة
كثيرة ومن أبرزها:
أولاً: كونها تأتي بعد أكثر
من تسعة شهور على تسنمّه منصب ولي العهد (أعلن عن ذلك
رسمياً في 21 يونيو 2017)، تخللتها عمليات جراحية في جسد
السلطة أفضت الى إقصاء المنافسين كافة عن طريقه نحو العرش.
وعليه، فهو يقوم بجولة خارجية بوصفه الملك الحتمي، والذي
ينسج من الآن خارطة تحالفاته المستقبلية في الإطارين الإقليمي
والدولي.
هي جولة مختلفة واستثنائية دون أدنى شك، فلأول مرة
بعد أكثر من نصف قرن يطلّ شاب من الجيل الثاني في عائلة
آل سعود على العالم، ويقدّم نفسه بكونه إصلاحياً، وتقدّمياً
كما وصفه وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون. إذاً،
هي خطوة تمهيدية كبيرة قبل الوصول الى سدّة العرش، في
ظل متغيرات راديكالية قام بها ابن سلمان في الداخل بما
يتطلب تعويضاً عن فراغات خطيرة في العائلة المالكة، وفي
المؤسسة الدينية، وفي العلاقة مع القوى التقليدية والتجّار..الخ.
ثانياً: رهان ابن سلمان الاستراتيجي
كان ولا يزال على خطة التحوّل الوطني التي وعد بأن تكون
«الوصفة السحرية» لانتقال السعودية من اقتصاد أحادي يقوم
على النفط الى متعدد يجمع بين النفط ومروحة واسعة من مصادر
الدخل يبدأ بطرح أرامكو للإكتتاب العام (برغم من الارتيابات
المحيطة بموعد الطرح)، وتالياً الاستثمار في الأسواق العالمية،
وبناء المدن السياحية، وتوطين الصناعات الأجنبية المدنية
(ولاسيما التكنولوجية) والعسكرية..الخ.
ثالثاً: وقد يكون جامعاً
لأسباب أخرى، هو التطلّع لإعادة إحياء «الحقبة السعودية»
وفق مواصفات جديدة. إن الاحتفالية التي رافقت جولة محمد
بن سلمان منذ لحظة مغادرته الديار الى مصر وتالياً بريطانيا
تشي بما يشبه التواطؤ الجمعي (السعودي المصري البريطاني)
على تظهير ابن سلمان في هيئة الملك ـ المنقذ. ربما تكون
وزيرة الخارجية البريطانية في حكومة الظل يميلي ثورنبيري
الأسرع في التقاط هذه الملاحظة، حين قالت عن ابن سلمان
بأنه «منتهك للقانون الدولي ويستخدم الجوع كسلاح حرب ونستقبله
في لندن كأنه نيلسون مانديلا».
ما جمع في زيارة ابن سلمان الى مصر وبريطانيا والولايات
المتحدة هي أنها ذات أغراض متعدّدة. وفي الوقت نفسه، تنطوي
على مشتركات تندرج في نهاية المطاف في إطار «أجندة المستقبل».
البداية من مصر، التي تشكّل المدماك الأول والأساس
في الأمن القومي العربي وتالياً السعودي. وإذا كانت السعودية
قد عملت على احتواء مصر منذ رحيل الزعيم جمال عبد الناصر
في 1970، فإنها في الوقت نفسه سعت بكل مقدّراتها على منع
النموذج الناصري من الانبعاث في مصر مجدداً، وبعد ثورة
25 يناير 2011 عملت على تقويض النموذج الإسلامي الإخواني
من التسيّد في مصر والتمدد خارجها.
لا ترى السعودية أمنها واستقرارها مفصولاً عن مصر،
ولذلك فإن التحالف مع النظام السياسي في مصر استراتيجي
وحيوي ومصيري. وفق هذا التصوّر، لم يختلف أحد داخل العائلة
المالكة على أن التخطيط لإطاحة نظام محمد مرسي في 30 يونيو
2013، وتمويل انقلاب 3 يوليو بعد ذلك كان عملاً ضرورياً
وحتمياً لأمن السعودية واستقرارها.
السعودية التي يتكاثر الخصوم من حولها، لا يمكن لها
أن تعيد تشكل «محوريتها» في النظام الرسمي العربي (رغم
تهالكه)، الا من خلال البوابة المصرية. تماماً، كما أن
التموضع السعودي العربي والدولي لا يكون الا من خلال الشراكة
الاستراتيجية مع مصر. بل أكثر من ذلك، إن مفهوم «الحقبة
السعودية» لا يكون ساري المفعول الا بوجود قيادة مصرية
موادعة مع السعودية.
إن اشتغالات مصر بالملفات الإقليمية (سوريا، اليمن،
ليبيا، فلسطين، قطر) قد لا تكون فارقة، ولكن بالتأكيد
ضرورية لإضفاء مشروعية ما على الأداء السياسي السعودي
والخليجي عموماً. وكما كانت مشاركة قوات مصرية وسورية
في حرب الخليج الثانية ضرورة لتخفيف الإحتقانات الشعبية
في العالم العربي نتيجة قدوم قوات أميركية الى «جزيرة
العرب» التي تكتسب معنى متسامياً في الأدبيات الإسلامية،
وفيها اشتهرت مروية مأثورة «أخرجوا المشركين من جزيرة
العرب»، فإن مشاركة مصر عسكرياً ودبلوماسياً هي الآن أيضاً
ضرورة للسبب ذاته، مع فارق أن العالم العربي يشهد أخطر
انفلاشاته.
لا شك أن ثمة أغراضاً انتخابية في زيارة ابن سلمان،
برغم من النتائج المحسومة سلفاً لصالح عبد الفتاح السيسي.
ولكن، ما جعل الدعم السعودي ضرورياً هو انخفاض نسبة المشاركة
في الانتخابات والذي يطلق عليه بالتصويت السلبي، أي التشكيك
في النظام وعدم الثقة فيه، وهذا مؤشر على بداية القطيعة
بين السلطة والمجتمع، تمهيداً لجولة أخرى من المواجهة
الثورية.
الأمر الآخر، إن السعودية التي تريد أن تستثمر في السياحة
المصرية، لا يمكنها تجاوز ملف الإرهاب، الذي تشكّل جزيرة
سيناء محوره وساحة عمله. وعليه، فإن واحدة من أهداف الزيارة
كان تقديم العون اللازم لأجهزة الأمن المصرية من أجل تنظيف
سيناء من الجماعات الإرهابية، ولا سيما تنظيم بيت المقدس
ـ ولاية سيناء، التابع لتنظيم «داعش»، ولا سيما في هذه
المرحلة التي بدأ فيها الأخير ينقل كوادره ومقاتليه الى
القارة الأفريقية بعد أن خسر الأرض في العراق وبلاد الشام.
إن المبالغ التي أعلنت السعودية عن ضخها في السوق المصرية
ليست قليلة، في وقت تجاوز فيه حجم الاستثمارات السعودية
في مصر أكثر من 100 مليار ريال (26.6 مليار دولار)، وباتت
مرشّحة للزيادة بعد زيارة إبن سلمان. ودلالة ذلك، أن ثمة
عملاً سعودياً طويل الأمد يجري ترسيخه في مصر في المرحلة
المقبلة، وسوف تكون المصالح المتبادلة الأساس الذي سوف
يحكم العلاقة بين الرياض والقاهرة.
من جهة ثانية، إن التطلع الامبراطوري لدى محمد بن سلمان
وطموحه بتتويج نفسه زعيماً عربياً، يفرضان عليه اختيار
مصر منصة إطلاق عربية ودولية للتتويج. حجم ونوعية الوفد
المرافق له أضفيا أهمية خاصة على زيارته مصر، على المستويات
كافة: سياسية واقتصادية ودينية وعسكرية. فثمة بعد استعراضي
في الزيارة تعمّد ابن سلمان تثبيته، وهو متطلب في «عملية
التسويق» لزعامته و»أجندته السياسية والاقتصادية».
كل شيء في زيارة ابن سلمان الى مصر يوحي بأنه «تقمّص
الدور» على نحو متقن، وأنه يتصرف بوصفه «ملكاً متوّجاً».
في جولاته مع السيسي خلال الأيام الثلاثة التي قضاها ابن
سلمان في مصر ثمة رسائل أراد إيصالها الى من يهمه الأمر،
من بينها أن التحالف الاستراتيجي بين مصر والسعودية يتجسد
في العلاقة الوثيقة بين ابن سلمان والسيسي. وهو تحالف،
بحسب البيان الرئاسي في مصر، يشمل «المجالات السياسية
والأمنية والعسكرية والثقافية والتعليمية والتجارية والاستثمارية
والسياحية».
في البعد السياسي، كان ابن سلمان يتطلع لأن تساهم علاقة
مصر مع الكيان الإسرائيلي في ملء الفراغ، في العلن على
الأقل، في العلاقة بين السعودية وإسرائيل. قد تكون صحيفة
(تايمز أوف إسرائيل) قد أجابت عن سؤال محوري في هذا الملف
بالحديث (بتاريخ 9 مارس 2018) عن سلسلة لقاءات مشتركة
بين مسؤولين إسرائيليين ومصريين وسعوديين في القاهرة(1).
من غير المنطقي استبعاد إسرائيل من أي ترتيبات خاصة
بجزيرة سيناء الواقعة ضمن اتفاقية كامب ديفيد. ومن المنطقي
أن تبحث السعودية عن ذريعة لشق قنوات تواصل مع الجانب
الإسرائيلي، بما يجعل مصر وسيطاً نموذجياً لتسهيل التواصل
عبر المشاريع السياحية في سيناء وتيران وصنافير ومدينة
نيوم..
وفي النتائج السياسية، فإن ابن سلمان سعى الى تفعيل
دور مصر طبقاً للمواصفات والمقاييس السعودية، وكما ذكر
سفير الرياض في القاهرة أحمد القطان: «حين تنهض مصر يتحسن
الوضع الاقتصادي للمواطن العربي». في حقيقة الأمر، ان
النهضة المصرية مشروطة بالتحامها بالمدار السياسي السعودي،
وإن اختيار ابن سلمان مصر كأول محطة له خارجية بعد توليه
منصب ولاية العهد يؤشر الى الدور المناط بمصر في ظل صراع
المحاور و»صدام الاجندات».
السعودية لديها مشكلة مع تركيا ـ المشروع، وكذلك مع
ايران ـ المشروع، وهي غير قادرة بصورة منفردة على مجابهة
المشروعين، بعد التحوّلات البنيوية التي حصلت في المملكة
خلال الأعوام الثلاثة السالفة، وتسارعت في السنة الأخيرة،
وكذلك نتيجة الإخفاقات على المستوى العسكري في اليمن،
والسياسي مع قطر، وسوريا، والأردن، ولبنان، وفلسطين..
بكلمة: يشكل عهد سلمان عهد الخيبات بحق، على مستوى إدارة
الملفات الإقليمية.
لجهة تصريح ابن سلمان حول من وصفها «قوى الشر في المنطقة»،
ويقصد بذلك: إيران، وتركيا، والجماعات المتطرّفة، لم تكن
زلّة لسان ولا حتى تسليف موقف للجانب المصري، بل هو يتحدث
عن خصوم حقيقيين للسعودية، يحملون مشاريع تهدّد التطلع
المحوري السعودي. إن التوضيح الصادر عن السفارة السعودية
في أنقرة ربما أفصح عن المقصود بالجماعة المتطرّفة، ألا
وهي بحسب المتحدّث الإعلامي بإسم السفارة السعودية بتركيا:
«ما يسمى بجماعة الإخوان المسلمين والجماعات الراديكالية.”
وبالتالي فما أرادت السفارة نفيه أثبتته بطريقة أخرى،
إذ إن أردوغان المنتمي حركياً لجماعة الإخوان المسلمين
يجد نفسه معنياً بالتصريح والتوضيح.
مهما يكن، فإن مصدر قلق السعودية في السنوات الأخيرة
من تركيا، كما من ايران، هو أنهما دولتان محوريتان، وكادت
تركيا بمشروعها الاخواني أن تعيد إحياء النموذج العثماني
الذي لطالما جرى الحديث عنه في عامي 2016 و2017. ويبدو
صحيحاً تماماً القول بأن «السعودية ترفض محاولة تركيا
الهيمنة على العالم الإسلامي»، وهذا يعكس جوهر الموقف
السعودي من أردوغان، ومن الإخوان المسلمين عموماً.
لم تنجح محاولات السعودية في ضبط إيقاع الدور التركي
في الإقليم، برغم من مسعى جدّي للملك سلمان في بداية توليه
العرش لجهة بناء تحالف سني يضم السعودية ومصر وتركيا وباكستان،
ولكن بدا أن هذا المسعى يتجاوز الوقائع الجيوسياسية والاستراتيجية
والتاريخية، وقد اكتشف سلمان بأن أردوغان يحمل طموحاً
امبراطورياً يصعب مجاراته، وهذا ما بدا واضحاً في أزمة
قطر واصطفافه الى جانبها واستعداده للذهاب الى حد المواجهة
العسكرية مع التحالف الرباعي (السعودية والامارات ومصر
والبحرين)، وكذلك في العلاقة مع ايران التي رفض أردوغان
أن يقامر بعلاقات بلاده معها اقتصادياً، وأمنياً، وسياسياً،
وعسكرياً من أجل أهداف سعودية خالصة.
كذلك الحال في الملف السوري حيث تبنى التركي مقاربة
مختلفة ودخل في تنسيق مع الجانبين الروسي والإيراني لمعالجة
ملفات شائكة على الساحة السورية، إلى جانب بطبيعة الحال
الموقف من الانقلاب في مصر في 3 يوليو 2013 والذي شاركت
فيه السعودية والامارات بالتمويل وبالاعلام، والانخراط
السياسي، والغطاء الدولي.
ولذلك، فإن محمد بن سلمان كان يبحث عن حليف موثوق يمكن
الرهان عليه، ولا يتحقق هذا الهدف الا بربط مصر بمشاريع
اقتصادية تجعلها مرتهنة للجانب السعودي. باختصار، إن بناء
تحالف استراتيجي بين الدولتين يتطلب تشبيكاً واسعاً للمصالح
المشتركة تمهّد لبناء جبهة موحّدة.
وتشكّل المشاريع الاقتصادية المشتركة والطموحة منها
مدينة نيوم بكلفة 500 مليار دولار، رافعة سياسية من شأنها
أن تعيد تشكيل الخارطة الجيواستراتيجية في الشرق الأوسط
عموماً، الى جانب تأثيرها الاقتصادي الفارق، وفي الوقت
نفسه تؤسس لتحالف طويل الأمد ومتين بين الدولتين ابتداءً
وتحالفاً استراتيجياً يضم دول الاعتدال المتحالفة مع الولايات
المتحدة.
بريطانيا.. رعاية التأسيس الثاني
|
|
مصر.. مركب الزعامة السعودية |
لا تختلف زيارة محمد بن سلمان الى بريطانيا عن زيارته
لمصر من حيث أهميتها في هذا التوقيت بالذات، والأهداف
المأمول تحقيقها.
لم تكن مجرد جولة استثمارية، لا على الضفة الشرقية
ولا الغربية، ما حدا بصحيفة (الجارديان) البريطانية لمطالبة
حكومة تيريزا مي بعدم المتاجرة بالقيم من أجل إبرام صفقات
أسلحة(2).
ربما تكون المرة الأولى التي يتجابه تياران في الشارع
البريطاني موضوعهما السعودية: تيار يضع الزيارة في إطار
قيمي ويجعل من ولي العهد السعودي رمزاً لانتهاك مبادئ
حقوق الانسان من خلال مواصلة الحرب على اليمن والتسبب
في إحداث كارثة إنسانية، وإن السجادة الحمراء التي تفرشها
له حكومة ماي تنطوي على مباركة للكارثة الدموية وتغطية
مفاعليها الخطيرة على الشعب اليمني. وهناك تيار آخر يمثّل
الوجه الدعائي للمملكة السعودية، ولولي العهد ابن سلمان
بوجه خاص، الذي تظهرت صوره فجأة في الشوارع الرئيسية في
العاصمة البريطانية، وعلى واجهات بعض الباصات العامة،
مشفوعة بعبارات حول الرؤية المستقبلية والتغيير.
في المنظور البريطاني، كانت تتطلع لندن الى قطف أولى
ثمار الترتيبات التي جرت في عهد الرئيس باراك أوباما،
والتي جرى الحديث فيها عن نقل ثقل وازن من قوة الولايات
المتحدة الى منطقة أوراسيا وتفويض شؤون الخليج لكل من
بريطانيا والشركاء الأوروبيين وعلى رأسهم فرنسا. وكان
وزير الخارجية البريطانية الأسبق فيليب هاموند قد صرّح
في 5 ديسمبر 2014 خلال التوقيع على اتفاقية إنشاء القاعدة
البحرية في البحرين ما نصّه: «فيما تركّز الولايات المتحدة
جهودها بصورة أكبر على منطقة آسيا ـ المحيط الهادىء، فإننا
وشركاؤنا الأوروبيون من المتوقّع أن نتحمل قسطاَ أكبر
من العبء في الخليج، والشرق الأدنى وشمال أفريقيا».
بريطانيا التي راهنت في خيار الخروج من الاتحاد الأوروبي
على التعويض اقتصادياً عبر شراكة متينة مع الخليج، وفي
مقابل الجشع الترمبي الذي لم يدع فرصة لأقرب حلفائه في
أوروبا من مجرد الحصول ولو على قطعة صغيرة من الكعكة السعودية،
وجدت نفسها بين فكي كماشّة: الخروج من الاتحاد الأوروبي
بتداعياته الاقتصادية من جهة والجشع الترمبي من جهة ثانية،
الأمر الذي يجعلها متمسّكة بقوة بالرهان على الشراكة الاقتصادية
مع السعودية أولاً وبقية دول الخليج ثانياً..أراد محمد
بن سلمان طمأنة شريكه البريطاني بانه حاضر لتعويض خسائر
خروجه من الاتحاد الأوروبي، وقد اختار التوقيت المناسب
لإيصال هذه الرسالة الى الجانب البريطاني.
في المقابل، منذ وصول ترامب الى البيت الأبيض في 21
يناير 2017 فإن محمد بن سلمان وفريقه، وبرغم أشكال الدعم
التي حصل عليها من فريق ترمب، ولا سيما من صهره كوشنر،
في تدبير كل مخططات التغيير داخل السعودية على مستوى العائلة
المالكة تسهيلاً لوصول سلس للعرش، لم يشعر بالاطمئنان
الى إمكانية استمرار الدعم الأميركي. ولذلك، فإن الصفقات
الكبرى التي كان يبرمها محمد بن سلمان بقدر ما تلبي جشع
ترمب وفريقه ورغبته في الحصول على أكبر قدر من المكاسب،
فإنها تبعث قلقاً على مستقبل الحكم السعودي.
ثمة معطيات تفيد بأن الملك سلمان وابنه محمد يتطلعان
لأن تستأنف بريطانيا لعب دور الرعاية للتأسيس الثاني للمملكة،
أو بالأحرى للدولة السعودية الرابعة كما يحلو لمناصري
محمد بن سلمان نعتها. وهذا ما لفت الانتباه اليه وزير
الخارجية البريطاني بوريس جونسون في مقالة كتبها في صحيفة
(التايمز) في 28 فبراير 2018 بعنوان (محمد بن سلمان مصلح
ويستحق دعمنا). في المقالة، ثمة سردية جديدة يقدّمها جونسون
حول العلاقات السعودية البريطانية في عهد محمد بن سلمان
عطفاً على علاقة جدّه عبد العزيز برئيس الوزراء البريطاني
الأسبق ونستون تشرشل. يقول جونسون: «إن صفحة جديدة ستكتب
بين بريطانيا والسعودية في 7 مارس عند زيارة ولي العهد
السعودي»، وأوضح:
«قبل 73 عاماً تقريباً في مثل هذا اليوم، سافر ونستون
تشرشل إلى واحة الفيوم في مصر لعقد اجتماع مع ملك المملكة
العربية السعودية عبد العزيز بن سعود، وكتب تشرشل عن هذا
اللقاء قائلاً: «قدّم لي ساقي الماء الخاص به كأساً من
ماء البئر المقدسة بمكة، لقد كان ألذ ما تذوقت في حياتي».
ويعقّب جونسون:
«فإذا كان ذلك الاجتماع في الصحراء هو فصل أول في العلاقات
بين بريطانيا والمملكة العربية السعودية، فإننا سنكتب
صفحة جديدة في 7 مارس عندما يزور لندن حفيد ابن سعود،
ولي العهد محمد بن سلمان»(3).
إذاً، كانت بريطانيا والسعودية على موعد مع حدث يكتسب
صفة التاريخية والاستثنائية في علاقات الدولتين. وقد خبرت
العائلة المالكة الرعاية البريطانية الأولى لمرحلة التأسيس،
وأوصلتها الى شاطئ الأمان، وحتى بعد انتقالها الى المعسكر
الأميركي على خلفية، جزئياً على الأقل، الخوف من دعم بريطانيا
لمشروع دولة هاشمية على حساب عبد العزيز، فإن السعودية
بقيت في مسيس الحاجة للعون البريطاني في كل مراحلها، حتى
لجهة إعادة ترميم العلاقة مع واشنطن أو إيصال رسائل لها،
كما حصل في بداية عهد ترمب حيث لعبت تيريزا مي دوراً وساطوياً
لصالح الملك سلمان لفتح قنوات تواصل مع ترمب وصولاً الى
اللقاء المباشر.
زيارة ابن سلمان الى بريطانيا، وبرغم الاحتجاجات التي
تخلّلتها، عكست إصراراً لدى الطرفين على انجاحها وتحقيق
أهدافها كاملة. فقد تقدّم محمد بن سلمان بأوراق اعتماد
للجانب البريطاني يحصل بموجبه على دعم لعهده الجديد.
من نافلة القول، فإن زيارة ابن سلمان الى بريطانيا
جاءت في وقت بدأ فيه المبعوث البريطاني الدولي الخاص بالملف
اليمني مارتن جريفيث تسلّم مهامه وأصبح لبريطانيا الكلمة
الفصل في هذا الملف، وهذا من شأنه زيادة التنسيق البريطاني
السعودي ليس في اليمن فحسب، بل في ملفات المنطقة عموماً.
حين يجري توصيف ما بين السعودية وبريطانيا على أنها
شراكة استراتيجية، فإنها بالفعل كذلك، لأن آفاق هذه الشراكة
لا حدود لها، اقتصادياً، وأمنياً، وعسكرياً، واستخبارياً،
وسياسياً، واستراتيجياً.
فرق المستشارين البريطانيين تتناوب على المملكة في
حقول عدّة، ولا سيما في الجوانب الأمنية، والاستخبارية،
والعسكرية، ويمثّل برنامج التوازن الاقتصادي بين السعودية
وبريطانيا الإطار الحيوي للتعاون بين البلدين في مجال
نقل التقنية وإقامة المشاريع الاقتصادية. وتتطلع بريطانيا
لأن تكون لها حصة وازنة من طرح اكتتاب أرامكو في السوق
العالمية (حتى الآن تم تأجيل الطرح الى العام 2019). وقد
تقدّمت بريطانيا بعدد من المبادرات الاقتصادية من أجل
تعزيز الشراكة الاقتصادية فيما يرتبط بالاستثمارات والشؤون
الجمركية.
بعد رواج أخبار حول احتمال تراجع السعودية عن الطرح
العالمي لشراكة أرامكو والتوجّه نحو السوق المحلية خشية
من تعقيدات قانون جاستا الأميركي، فإن بريطانيا قدّمت
نفسها بديلاً راجحاً من خلال بورصة لندن، وإن كان ذلك
لا يحل المشكلة نهائياً إذ لا يريد محمد بن سلمان إغضاب
ترامب الذي يصرّ على جعل بورصة نيويورك منصة لاطلاق الاكتتاب
العام لشركة أرامكو.
من جهة ثانية، لعبت بريطانيا دوراً محورياً في دعم
المواقف السعودية في المحافل الدولية في ملفات: اليمن،
سوريا، إيران، حقوق الانسان، وإن زيارة ابن سلمان تؤكّد
على استمرار هذا الدور في المستقبل أيضاً.
وكما في مصر، فإن ابن سلمان خصّ في اليوم الثاني لزيارته
لبريطانيا كبير أساقفة كانتربري، جاستن ويلبي باجتماع
في قصر لامبث ودام ساعة ودار الحديث حول «العلاقات بين
الأديان في تأكيد على قيم التسامح». لا جدال في أن الاجتماع
يندرج في سياق تظهير صورة جديدة عن المملكة السعودية غير
الصورة النمطية الطاغية في الغرب عموماً بكونها منبع الإرهاب
الديني. إن حديث ابن سلمان عن تراجع منسوب التطرّف من
60 في المائة الى 10 في المائة بقدر ما يثير أسئلة حول
الطريقة التي تمّ بها تخفيض التطرّف في سرعة قياسية، فإن
ذلك قد يؤسس لقطيعة بين الدين والدولة في المملكة، وربما
يفضي الى صدام دموي في مرحلة ما.
بين السعودية وبريطانيا تجربة طويلة من التعاون في
مجال الأمن وتبادل المعلومات في الحرب على الإرهاب، وهذا
التعاون لا يزال قائماً، وتتمسّك الحكومات البريطانية
المتعاقبة بهذا الشق من التعاون مع السعودية لحاجتها للحصول
على معلومات حول المتطرّفين الذين زاروا المملكة والتقوا
مع شيوخ الوهابية، ثم عادوا ونقلوا التطرف الى المساجد
في بريطانيا، أو شاركوا في القتال في سوريا والعراق وأماكن
أخرى..
في الحصاد النهائي لزيارة ابن سلمان لبريطانيا: 90
مليار دولار صفقات أسلحة (شراء 48 مقاتلة يوروفايتر تايفون)،
واستثمارات خلال السنوات المقبلة، و2 مليار صفقات تجارية،
ودخول بريطانيا كشريك استراتيجي في رؤية السعودية 2030،
والتزام بريطانيا بتوفير كل شروط دعم برامج الترفيه في
المملكة السعودية، واتفاقية شراكة في مجال أمن المعلومات
التقنية.
الخلاصة: في مصر، كما في بريطانيا، ولاحقاً في الولايات
المتحدة، سعى ابن سلمان لتحقيق هدف رئيسي يتمثل في الحصول
على «وصفة الشرعية» التي تكسبه مشروعية محلية تكون أساساً
يبنى عليه في تتويجه ملكاً قادماً، وسوف يعمل كل ما من
شأنه على تعزيز موقعه الإقليمي والدولي يكون رافعة له
محلياً.
الاستثمار الاقتصادي ـ والاستراتيجي
|
|
بريطانيا.. التأسيس الثاني للعرش السعودي |
زيارة محمد بن سلمان الى واشنطن في 19 مارس 2018 كانت
أكثر من اقتصادية وأقرب الى الاستراتيجية والمصيرية. سوف
يُبنى عليها مستقبل ولي العهد في معادلة العرش، وكذلك
العلاقة السعودية الاميركية في حال بقيت الأمور متّسقة
كما خطط لها الطرفان (محمد بن سلمان وفريقه وترامب وصهره).
الأمير الشاب، الذي يوصف بأنه في عجلة من أمره، بحسب
توماس فريدمان، استثمر كثيراً كيما يحصد أقصى المكاسب(4).
جاء هذه المرة الى واشنطن ومعه تطلّع نحو تحقيق فكرة الشراكة
الاستراتيجية، التي رعاها والده مع الرئيس السابق باراك
أوباما في لقاء 4 سبتمبر 2015 بحضور محمد بن سلمان، ثم
تسييلها في اتفاقية تمّ التوقيع عليها في قمة الرياض في
21 مايو2017 في أول زيارة لترامب بعد توليه الرئاسة، وصولاً
الى إدخالها حيز التنفيذ في زيارة ابن سلمان للولايات
المتحدة في 19 مارس 2018.
لفتة عارضة جديرة بالانتباه: كما في رحلته الى بريطانيا،
فإن الإنقسام حول زيارة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان
الى الولايات المتحدة كان واضحاً على المستويات السياسية
والاعلامية والشعبية. وهذا، في الشكل على الأٌقل، يجعل
ابن سلمان شخصية مثيرة للجدل.
لناحية أهداف الزيارة، فإن ابن سلمان كان يتطلّع الى
قطف ثمار الجهود الذي بذلها على مدى تسعة شهور قضاها في
إجراء تغييرات إجتماعية، وإيديولوجية راديكالية، يعتقد
بأنها كافية لتشكيل صورة «السعودية الجديدة»، التي يراد
لها أن تمحو الصورة النمطية عن دولة كانت توصف في سنوات
سابقة بـ «بؤرة الشر»، والمنبع الايديولوجي والمالي للإرهاب.
بكلمات أخرى، أراد ابن سلمان أن يحظى بدمغة «السعودي المختلف»،
الذي يستحق الدعم بجدارة لأنه يسير، حسب اعتقاده، وفق
ما تقتضيه العلاقة بين دولة ليبرالية وأخرى على الطريق
ذاتها.
بالتأكيد، لا يعكس المناخ الأميركي السياسي والاعلامي
والشعبي قناعة مشتركة بأن محمد بن سلمان هو رجل مختلف،
أو الملك التقدّمي وفق المواصفات والمقاييس الأميركية.
وبإمكان المراقب العثورة بسهولة متناهية على نعوت قاسية
جداً لابن سلمان (مثل المتهور، الطائش، عديم الخبرة، المستعجل)
كما جاء في «واشنطن بوست»، و»نيويورك تايمز»، و»نيووزويك»
وغيرها.
لناحية ترمب، لا تزال النظرة الى السعوديين عموماً
محصورة في كونهم «زبائن رائعين»، وأن السعودية ثرية ويجب
أن تهبنا جزءاً من هذه الثروة. لادبلوماسية ترمب قد تسهّل
مهمة المراقب لمجريات زيارة ابن سلمان وأهدافها. فقد حسم
ترامب موقفه من ضيفه حين قال بأنه «ينظر اليه أكثر من
كونه ولي عهد»، وأن العلاقة تأخذ منحى استراتيجياً.
كان الإعلام الأميركي لاسيما المرئي والمقروء، مواكباً
لترتيبات الزيارة وملفّاتها لجهة إطلاق سلسلة ملاحظات
نقدية على أداء ابن سلمان في الداخل: التغييرات الاجتماعية،
ومكافحة الفساد، ومحاربة التطرّف، وفي الخارج: الحرب اليمنية
والمأساة الانسانية الناجمة عنها، والأزمة الخليجية، والتوتّر
المتصاعد في العلاقة مع ايران، والدبلوماسية السعودية
المتعثّرة أو المتقلبة على مستوى الاقليم (الكويت، سلطنة
عمان، الاردن، السلطة الفلسطينية، لبنان)..
خلاف البيت الأبيض وأجهزة الأمن القومي حول شخصية محمد
بن سلمان تجعله رهين معادلة بالغة التعقيد. بكلمات أخرى،
إن الخطط التي تمّ التوصّل إليها بين محمد بن سلمان وصهر
ترامب، جاريد كوشنر، على الأٌقل فيما يرتبط بترتيبات البيت
السعودي الحاكم وبرغم من نجاحها في الشكل لم تصل الى نتائج
محسومة، على الأٌقل في المقلب الأميركي، وهذا ما يظهر
في الأسرار المسرّبة حول الحياة الخاصة للأمير الى الاعلام
الأميركي، ولا سيما لصحف وقنوات مقرّبة من مجتمع الأمن
القومي الأميركي. إبان حملته المزعومة على الفساد نشرت
الصحف الأميركية أسراراً خطيرة عن فساد ابن سلمان نفسه
(شراء لوحة دافنشي بنصف مليار دولار، وشراء قصر في فرنسا
بقيمة 300 مليون دولار، وقبل ذلك شراء اليخت الروسي بما
يربو عن 400 مليون دولار).
ما يلفت في المقاربة الاعلامية الاميركية لشخصية محمد
بن سلمان أنها تنطوي على تناقض حاد. وهذا يظهر بوضوح في
تقرير مطوّل لشبكة ان بي سي في 15 مارس 2018 والذي خُصّص
للحديث عن إخفاء محمد بن سلمان لوالدته فهدة بنت فلاح
بن سلطان آل حثلين العجمي، بالاستناد إلى إفادات 13 مسؤول
استخباري أميركي. التقرير حذّر من تداعيات دعم ترمب للأمير
الشاب وأنه «قد يأتي بنتائج عكسية بمرور الوقت بسبب «عزلة
الأمير وتهوّره» (5).
على الضد، أجرت شبكة سي إن بي إس نيوز الأميركية مقابلة
مع محمد بن سلمان ضمن برنامج «60 دقيقة» نشرت قبل ساعات
من سفره إلى أميركا، ونشر في التاسع عشر من مارس 2018
بدا فيها الجانب الدعائي لافتاً، إذ جرى توظيف المقابلة
لإطلاق المواقف السياسية والايديولوجية التي أرادها ابن
سلمان للتسويق لزيارته للولايات المتحدة.
بحسب المقابلة، فإن سردية ابن سلمان، في مجملها، غير
متماسكة وليست تاريخية، فهو يتحدث عن تجربة الإخوان المسلمين
في السعودية ولا سيما في المجال التعليمي، وقال بأن «المدارس
السعودية تعرضت لغزو من عناصر لجماعة الإخوان المسلمين..»،
وهذا ينطوي على تعريض غير مباشر بالملك فيصل، الذي كان
مهندس العلاقة مع جماعة الإخوان، وهو من استعان بها لملء
الفراغ الكبير في المجال التعليمي، حيث كانت المملكة على
عتبة تحوّل اقتصادي واجتماعي كبير.
الطريف أن ابن سلمان كان يتحدّث في المقابلة بصفته
ملكاً غير متوّج، وحسم في نهاية المقابلة معادلة العرش
بصورة نهائية بقوله إنه:»إذا عاش خمسين عاماً أخرى فالمتوقع
أن يحكم البلاد»، وحين سئل إن كان سوف يوقفه شيء أجاب:
الموت فحسب(6).
إجابة الأمير الأخيرة تشكّل الكلمة المفتاحية لرؤيته
لذاته، ولنوع الدعم الذي يطلبه من إدارة ترمب، ، فهو جاء
للحصول على «لمسة البركة» قبل العودة الى الديار بصفته
ملكاً بلا منازع.
على أية حال، فإن مقابلة سي بي إس مع ابن سلمان وُصِفَت
بحسب مهدي حسن في موقع (ذا انترسبت) الأميركي بأنها «جريمة
بحق الصحافة»، لجنوح الشبكة عن خطها الاعلامي في برنامج
يعد «واحداً من أكثر المجلات الخبرية المحترمة في التلفزيون
الأمريكي..وإذ تدّعي الشبكة بأنها تقدّم «تقارير استقصائية
قاسية، ومقابلات، ومقاطع مميزة وملفات شخصية لأشخاص في
الأخبار»(7).
في حقيقة الأمر، المقابلة ومجمل النشاطات التي قام
بها فريق ابن سلمان قبل وخلال الزيارة على صعيدي الإعلام
أو الكونغرس هي ضمن حملة العلاقات العامة مدفوعة الأجر،
وهي عادة متبّعة في المراحل السابقة وتعزّزت في هذه المرحلة
بسبب تزايد الانقسام حول القيادة السعودية والقضايا التي
تورّطت فيها داخلياً وإقليمياً ودولياً. إن الخوف من التدخّل
السعودي المفرط في السياسة الأمريكية - من خلال العديد
من شركات الضغط والعلاقات العامة، التي تتمتع بنفوذ كبير
على مستوى الكونغرس – قد حصل، وهذا ما انعكس في نتائج
لقاءات ابن سلمان مع أعضاء الكونغرس وفي نتائج التصويت
على مشروع قانون ضد دعم السعودية في حرب اليمن، والذي
انتهى بفوز المعارضين للقانون.
إن اخفاق الكونغرس في التصويت على وقف دعم السعودية
في اليمن مرتبط بالصفقات العسكرية التي أبرمها محمد بن
سلمان مع إدارة ترمب إذ لا يمكّن تصوّر سهولة مرور الصفقات
في ظل ممانعة اميركية لدعم السعودية في حرب اليمن.
بصورة عامة، فإن الحرب على اليمن لم تكتسب أهمية خاصة
في لقاء ابن سلمان وترمب، برغم من الصخب الاعلامي الذي
أحاط بها حتى ما قبل الزيارة، ولايبدو أن ثمة خططاً قريبة
لإنهاء معاناة الشعب اليمني، ولكونها مرتبطة بالصراع مع
ايران في المنطقة فإن الحل يكون مستبعداً. صحيح أن وزير
الدفاع ماتيس تحدث عن «نهاية سعيدة للحرب على اليمن بشروط
إيجابية للشعب اليمني وللمنطقة»، ولكن ليس في الأفق ما
يبشّر بقرب هذه النهاية، وإن كان يعكس التباينات داخل
الادارة الاميركية.
لناحية مقابلة ابن سلمان مع سي ان بي سي، ثمة إلماحات
الى نوع الملفات التي ناقشها مع إدارة ترمب، ومن بينها:
مستقبل العرش وحاجته لاستمرار دعم إدارة ترمب، وملف ايران
السياسي والنووي، وطرح أرامكو للإكتتاب كجزء من برنامج
الاستثمارات التي استغرقت كامل مدّة إقامة ابن سلمان في
الولايات المتحدة، الحرب في اليمن، ملف الأزمة الخليجية،
والنووي السعودي. ملف صفقة القرن أبعدت عن التداول الاعلامي
وتركت للتداول الثنائي عربياً بهدف تنضيجها.
بصورة إجمالية، فإن زيارة إبن سلمان جاءت في ظل تطوّرات
متلاحقة أبرزها:
أولا ـ اعفاء وزير الخارجية ريكس تيلرسون، الذي لم
يكن شخصاً مرغوباً فيه لدى محمد بن سلمان وولي عهد أبو
ظبي محمد بن زايد، وكان ينظر اليه على أنه منحاز الى قطر
وعارض غزوها، كما عارض خروج الولايات المتحدة من الاتفاق
النووي مع ايران. بدلاً عن ذلك، فإن تعيين شخصية من اليمين
المتطرّف المقرّب من اسرائيل والمعارض للإتفاق النووي
مع ايران مايك بومبيو، مدير وكالة الاستخبارات المركزية
يعد خبراً ساراً ويستكمل باقي شروط التحالف الاستراتيجي
بالمعنى التاريخي والمليء للكلمة، أي العودة الى التحالف
السائد في مرحلة الحرب الباردة، ودرّته عهد الملك فهد.
ثانياً ـ الكلام الفصل في إدارة ترامب من الاتفاق النووي
مع إيران، بعد أن كان يتراوح بين: تعديل الاتفاق بما يشمل
الصواريخ الباليستية، أو إلغاء الاتفاق بصورة نهائية.
الورقة الأوروبية الاستباقية باجتراح خيار ثالث: فرض عقوبات
إضافية على ايران مقابل إبقاء الولايات المتحدة على الاتفاق
النووي، كانت محاولة أخيرة لمنع انهيار الاتفاق، ولكنها
لم تصمد إذ سار ترمب في خيار الالغاء. كانت السعودية واسرائيل
في طليعة الدول المؤيدة لقرار ترمب.
نوع الموقف الأميركي من الاتفاق النووي انعكس حكماً
على الملف النووي السعودي، والذي قد يسلك مساراً جديداً،
لا سيما بعد مفاوضات لندن في الثاني من مارس 2018 التي
شارك فيها وفدان سعودي وأميركي. بومبيو كان قد أعلن بأن
الولايات المتحدة تعارض مبدأ التخصيب وهذا يشمل السعودية
بحسب (بند 123 من قانون الطاقة النووية الأميركي)(8).
الجدير بالإشارة أن مجلس الوزراء السعودي وافق لأول
مرة على ما سمي «السياسة الوطنية لبرنامج الطاقة الذرية»
في 13 مارس 2018، أي قبل إسبوع من زيارة محمد بن سلمان
الى الولايات المتحدة. وتنص السياسة على «حصر جميع الانشطة
التطويرية الذرية على الأغراض السلمية في حدود الاطر والحقوق
التي حددتها التشريعات والمعاهدات والاتفاقيات الدولية»،
بحسب وكالة الانباء الرسمية (واس).
|
|
ترامب وابن سلمان.. من يستثمر لدى الآخر؟!
|
لابد من إلفات الانتباه الى أن فكرة «النووي السعودي»
تعود الى عهد الملك فيصل، ولكن جرى تأجيلها لأكثر من مرة،
ولعب «الفيتو» الاسرائيلي دوراً رئيساً في منع دخول السعودية
الى النادي النووي، يؤازره رفض أميركي لامتلاك السعودية
التكنولوجية النووية، بصرف النظر عن كونها سلمية أو عسكرية.
في العام 2007 وقّعت السعودية في عهد الرئيس جورج دبليو
بوش أربع اتفاقيات استراتيجية شملت اتفاقية حول انشاء
مشاريع نووية تحت إشراف أميركي.
ومن أجل طمأنة الجانب الاسرائيلي، قدّم الرئيس بوش
ضمانات خلال زيارته تل أبيب بأن المشروع النووي السعودي
لن يشكّل خطراً على أمن اسرائيل. مع ذلك، فقد طوي الملف،
وبقي مطوياً في عهد الرئيس باراك أوباما الذي لم يقبل
مناقشة منح الجانب السعودي إمكانية تخصيب اليورانيوم على
الأراضي السعودية، بل إن تطابق الهواجس الأميركية الاسرائيلية
إزاء حصول السعودية على التكنولوجية النووية أقفل النقاش
بصورة نهائية.
اليوم، وبرغم من وصول شاب مستعد للسير في خيارات الرئيس
ترامب، بطريقة لم تعهدها أي من الادارات الأميركية السابقة،
فإن ذلك لم يعزّز الثقة في القيادة الجديدة، بل على العكس
فإن طموحات الشاب الى جانب إخفاقاته تفرض على واشنطن مراجعة
الملف الأشد خطورة على أمن اسرائيل والعالم، ولا بد من
تدقيق ودراسة للطلب السعودي على الدوام.
يدرك المسؤولون السعوديون بأن هناك تحفظات أميركية
قديمة وجديّة حول النووي السعودي، وقد حاول وزير الخارجية
السعودي عادل الجبير مقاربتها بطريقة مواربة في مقابلة
مع سي إن بي سي في 18 فبراير 2018، حين سئل عمّا سوف تفعله
المملكة السعودية في حال أخفقت في الحصول على دعم الولايات
المتحدة لبرنامجها النووي وقال: «هذا في الحقيقة أمر يعود
إلى اختصاصيي الطاقة النووية للتعامل معه، ولكن هدفنا
هو أننا نريد أن نحصل على نفس حقوق البلدان الأخرى».
السعودية أعلنت مجتمعة تارة مع دول مجلس التعاون الخليجي
(2006)، وأخرى منفردة (2010) السير في خيار انتاج الطاقة
النووية، ولكن دائماً تكون النتيجة سلبية، برغم من إعلان
الرياض عن مفاوضات مع بلدان وشركات حول العالم حول بناء
مفاعلات نووية لأغراض سلمية، ولكن لم يغير ذلك من الموقف
الأميركي.
قد لا تمانع ادارة ترمب من بيع مفاعلات نووية للسعوديين
كجزء من صفقة بمليارات الدولارات لتعزيز صناعة الطاقة
النووية الأمريكية. لكن البند 123 من قانون الطاقة الذرية
الأميركي يشترط عقد اتفاق للتعاون السلمي من أجل نقل مواد
أو تكنولوجيا أو معدات نووية، شريطة أن تلتزم الدولة الموقعة
بمعايير محددة لمنع انتشار الأسلحة النووية(9).
إحدى القضايا الرئيسية في مفاوضات النووي السعودي كانت
تحوم حول السماح أو عدم السماح للسعودية بتخصيب الوقود
النووي وإعادة معالجته. وقد طرحت المسألة ذاتها خلال المفاوضات
النووية الأميركية مع الامارات العربية المتحدة (في عهدي
جورج دبليو بوش وباراك أوباما) حيث طالب أنصار حظر الانتشار
النووي بتمديد العمل بما يسمى باتفاق الذهب القياسي، الذي
لا يسمح بالتخصيب، عندما قامت الإمارات بتخصيب اليورانيوم
طواعية. ومع ذلك ، فإن السعوديين يرون أن التخصيب هو حقهم
السيادي، ولكن الكونغرس منقسم حول هذه النقطة وبالنظر
إلى معارضة إسرائيل.
الطريف أن تحذير ابن سلمان إيران بأنه في حال طوّرت
قنبلة نووية فسوف تتبع المملكة السعودية نفس المسار «في
أقرب وقت ممكن»، لا يخيف الايرانيين بقدر إخافته أولاً
الإسرائيلي، وتالياً الحليف الأميركي، الذي يحاول إقناع
السعوديين بمجرد التوقف عن التفكير في مسألة التخصيب.
خشية الولايات المتحدة من لجوء السعوديين إلى الشراء
من الباعة الآخرين، بمن فيهم الروس أو الصينيين ، قاد
بعض الخبراء إلى اقتراح طريق وسط يوافق السعوديون بموجبه
على تعليق التخصيب لبعض الوقت، في أي مكان من خمسة عشر
إلى خمس وعشرين سنة(10).
في النتائج، لن تقبل واشنطن أن تبرم الرياض صفقة نووية
مع الروس أو الصين أو حتى مع فرنسا، وإذا كان ولا بد فإن
واشنطن هي من سوف يكسب الصفقة، وهي أيضاً من سوف يشرف
على إدارة المشروع بكامل حمولته. إن استغلال الرياض لما
يكن وصفها بـ «المناكفة النووية» بين طهران وواشنطن، يهدف
بدرجة أساسية لزيادة الحافز الأميركي للضغط على ايران.
وفي حال وافقت واشنطن على دخول السعودية العصر النووي،
فإن منسوب الطموح لدى الرياض يبدو عالياً جداً، حيث تكشف
الخطة المعلنة عن بناء 16 مفاعل نووي خلال العقدين المقبلين
بكلفة تقرب من 80 مليار دولار والتي من المتوقع ان تنتج
نحو17.6 غيغاواط من الكهرباء، أي حوالي 10 في المائة من
حاجة المملكة، بحلول العام 2040. لابد من إلفات الانتباه
الى أن مواقيت بناء المفاعلات النووية كما يحدّدها المسؤولون
السعوديون ليست دقيقة، وهي من باب اختبار ردود الفعل أو
استدراج عروض أميركية، كما تشي تجارب سابقة.
وعلى ما يبدو، فإن إدرة ترامب قد توظّف خلافها مع ايران
حول ملفها النووي والباليستي لتسديد ضربة مزدوجة: ايران
والسعودية معاً. وعلى أية حال، فمنذ اعلان ترمب قرار ادارته
الانسحاب من الاتفاق النووي توقّف النقاش النووي بين واشنطن
والرياض، وسوف يبقى كذلك حتى إشعار آخر.
جدير بالتذكير أن السعودية سعت منذ مطلع الألفية الثالثة
الى تنويع حلفائها، في مرحلة بدأ التدهور يطبع العلاقة
بين الرياض وواشنطن على خلفية ضلوع 15 سعودياً من أصل
19 انتحارياً في هجمات 11 أيلول (سبتمبر) 2001، وهذا ما
حمله الملك سلمان على عاتقه بعد توليه منصب ولي العهد
في حزيران (يونيو) من العام 2012، حيث قام بزيارتين الى
الصين وروسيا لتوسيع مروحة تحالفات السعودية مع العالم
بعد أن شهدت العلاقات مع واشنطن توتّراً متصاعداً ولا
سيما في عهد الرئيس أوباما.
مع صعود ترمب والدخول في تفاهمات مع ابن سلمان، فتحت
صفحة جديدة في العلاقات بين الرياض وواشنطن، تعيد احياء
عهد الملك فهد، الذي يمثّل العهد الذهبي في تاريخ العلاقة
بين البلدين.
صراحة ترمب كانت كافية لأن تكشف عمّا يريده من ابن
سلمان، وقد عرض ذلك بطريقة كاريكاتورية حين استعرض أمام
الكاميرات مخططات صفقات الأسلحة مع السعودية، وكشف عن
رقم فلكي للأموال التي سوف تحصل عليها الولايات المتحدة
من السعودية.
كلام ترامب للإعلام عن الصفقات التجارية مع السعودية،
بما فيها تأمين 40 ألف وظيفة في عدد من الولايات التي
زارها إبن سلمان (نيويورك وبوسطن وسان فرانسيسكو وسياتل
وهيوستن) تشي بمعطى مغفول عنه، وهو أن السعودية لم تنجح
حتى الآن في استقطاب الاستثمارات الأميركية الى الداخل
السعودي، وإن العكس هو الصحيح، أي إعادة إنتاج سياسة «البترودولار»،
ولكن بشكل جديد.
من المفارقات الملفتة أن الولايات المتحدة سوف تحقّق
الاكتفاء الذاتي في مجال الطاقة في نفس العام الذي تصل
فيه السعودية إلى ختام رؤيتها، أي 2030. وقد أصبحت الولايات
المتحدة المنتج الأكبر للنفط عالمياً منذ منتصف العام
2016، بفعل الاستغلال المتزايد للنفط والغاز الصخري، وهذا
ما دفع السعودية الى المسارعة الى خصخصة (5٪) من
شركة أرامكو السعودية.
في المقابل، لم يحقق ابن سلمان حتى الآن ما وعد به
لناحية تنويع مصادر الدخل، وهذا الوعد لا يزال نظرياً
فحسب. فالشركات الأميركية تستثمر في دول الجوار السعودي،
بسبب عدم ثقة هذه الشركات في الإجراءات الشكلية التي قام
بها ابن سلمان تحت عنوان «مكافحة الفساد». أولئك الذين
تضرّرت مصالحهم، لاسيما الشركاء التجاريين الدوليين مع
الوليد بن طلال، وصالح كامل، ومحمد حسين العمودي وغيرهم،
حذرون جداً إزاء فكرة الدخول الى السوق السعودية. يضاف
الى ذلك هجرة الأموال الى الخارج، والتي قدّرت بـ 64 مليار
دولار في العام 2017 بناء على معطيات الربع الثالث من
ذلك العام(11).
جدول أعمال إبن سلمان في الولايات المتحدة كان مصمماً
لبناء شبكة أمان لمستقبله السياسي من خلال الدخول في شراكة
استراتيجية تقوم على عقود طويلة الأجل اقتصادية، وتجارية،
وأمنية، وعسكرية.
استراتيجية المواجهة ضد ايران في الشرق الأوسط كانت
من بين الملفات موضع الاتفاق المبرم بين واشنطن والرياض.
وعليه، فإن توسيع أفق المواجهة مع إيران ليشمل مناطق نفوذها:
اليمن، العراق، سوريا، لبنان، سوف يكون سمة المرحلة المقبلة،
وبتوظيف أدوات الحرب كافة، الصلبة والناعمة معاً. لهجة
ابن سلمان في المقابلة مع قناة سي ان بي سي ضد ايران كانت
واضحة في بلوغها ذروة العدائية، بإعادة تأكيده على وصف
المرشد الإيراني الخامنئي بـ «هتلر»، بسبب ما وصفه «مشروع
التمدد في المنطقة».
موقف ترمب الواضح من إيران، وكذلك الفريق العامل في
إدارته، يمنح السعودية مساحة مريحة للتحرّك ضد ايران في
كل أرجاء منطقة الشرق الأوسط، بما في ذلك الحرب إن استطاعت
إلى ذلك سبيلا، وهذا يمثّل نقطة فارقة بين عهدي أوباما
وترمب في الملف الإيراني. في نهاية المطاف، فإن إبن سلمان
عمل على تقديم نفسه وبلاده كجبهة متقدّمة في مواجهة ايران،
وكل خصوم الولايات المتحدة في المنطقة.
تلزم الاشارة الى أن تأجيل القمة العربية (عقدت في
الرياض في 15 إبريل 2018) الى ما بعد عودة ابن سلمان من
زيارة الولايات المتحدة يدخل في إطار التنسيق بين واشنطن
والرياض. في المنظور السعودي، كانت القمة العربية في الرياض
فرصة استثنائية لتزخيم مكانة المملكة وإعادة إحياء دورها
المحوري (رؤيتها لذاتها)، ودورها الوظيفي (رؤية الآخر
إليها).
بكلمات أخرى، كان إبن سلمان يعمل بالتنسيق مع ادارة
ترمب على بلورة أجندة القمة، على الأقل في ملفات محدّدة
(ايران، السلام مع اسرائيل) برغم من أن سوء حال العرب
جعل القمة غير ذات جدوى، فضلاً عن سقف المطالب السعودية
من إدارة ترامب في الملف السوري، لا سيما الضربة العسكرية
المنتظرة والقاصمة لظهر النظام بدّلت وجهة القمة وتحوّلت
الى مزايدة سعودية، باطلاق نعت «قمة القدس» في رد فعل
على خذلان ترمب للسعودية في الميدان السوري.
برغم من نزوع إبن سلمان نحو «تشبيك» أكبر قدر من المصالح
بين واشنطن والرياض لضمان استقرار العلاقة ودعم الولايات
المتحدة للحكم السعودي الذي سوف يدير دفّته ابن سلمان
في حال سارت الأمور كما يخطط لها، فإن ثمة شكوكاً في جدوى
هذا النوع من الاستراتيجية. وبحسب بروس رايدل، من معهد
بروكنغر، فإن الاستراتيجية السعودية نحو أمريكا قائمة
في الوقت الراهن وبشكل أساسي على العلاقة مع عائلة ترمب،
فيما محمد بن سلمان يتمتّع بخبرة ضئيلة في تعقيدات السياسة
الأمريكية، «التي هي أكثر تعقيداً من أي وقت مضى في عصر
ترمب». لا يزال السعوديون مصرّين على «شخصنة» العلاقات
السياسية، ويرون بأن بناء قاعدة مصالح مشتركة مع عائلة
ترامب كفيل بحماية النظام السعودي واستقراره، وهي عادة
جارية منذ عهد الملك عبد العزيز حتى اليوم(12).
ما كشفه موقع (انترسبت) الأميركي عن التنسيق الوثيق
بين صهر ترامب، جاريد كوشنر، ومحمد بن سلمان حول إعادة
ترتيب البيت السعودي، بما في ذلك تصفية المنافسين داخل
العائلة المالكة يؤكد رهان ابن سلمان على عائلة ترمب في
تعزيز موقعه داخل المملكة. المجلة نقلت عن مصدر أميركي
تحدّث مع ابن سلمان، وقال له بأن «كوشنر كان في جيبه».
فقد كان الأخير في أكتوبر 2017 يعقد جلسات مكثّفة في الرياض
مع ابن سلمان ظهرت نتائجها في «مجزرة الأمراء» أو «سجناء
الريتز» في الرابع من نوفمبر من العام نفسه تحت عنوان
حملة مكافحة الفساد، والتي شملت نحو 200 من الأمراء والوزراء
والتجار وغيرهم. اللافت، أن مستوى التنسيق بين ابن سلمان
وكوشنر كان الى القدر الذي يشمل مناقشة أسماء من أمراء
ووزراء وتجار يراد اعتقالهم، واستبعادهم، ومعاقبتهم، وهذا
غير مسبوق في تاريخ العلاقات بين الرياض وواشنطن، ويعكس
ليس حميمية العلاقة بقدر ما يؤشر الى ارتهان تام من جانب
محمد بن سلمان للجانب الأميركي طمعاً في دعمه قبالة تحديات
مستقبلية محتملة.
ترمب، من جانبه، أيّد اعتقال الأمراء وكتب تغريدة في
7 نوفمبر 2017 على حسابه في تويتر: «لدي ثقة كبيرة في
الملك سلمان وولي عهد المملكة العربية السعودية، فهم يعرفون
بالضبط ما يفعلونه..». كما وجّه انتقادات للأمراء والوزراء
المعتقلين وقال بأنهم «كانوا «يحلبون» بلادهم لسنوات»(13).
في النتائج، ما يقال عن أن العلاقة بين الرياض وواشنطن
في عهد الرئيس أوباما كانت «صخريّة» حسب مؤسسة بروكنز،
أو «مسمومة» حسب فايننشال تايمز، هي في عهد ترمب «وردية»،
برغم ما يكتنفها من غموض كونها مرتبطة بشخص ترمب الذي
يواجه ضغوطات داخلية على خلفية سلوكه الشخصي وفساد عائلته
المالي.
المصادر
1-https://www.timesofisrael.com/egypt-hosted-secret-meetings-between-israeli-saudi-arabian-officials-report/
2- Simon Tisdall, Enough of the
shameful kowtowing to the Saudis, The Guardian, 4 March
2018;
https://www.theguardian.com/commentisfree/2018/mar/04/shameful-kowtowing-saudi-prince-visit-uk
3- https://www.thetimes.co.uk/article/boris-johnson-saudi-reformer-mohammed-bin-salman-deserves-our-support-k5lhkhqlh
4-https://www.nytimes.com/2017/11/07/opinion/saudi-prince-reform-coup.html
5-https://www.nbcnews.com/news/world/u-s-officials-saudi-crown-prince-has-hidden-his-mother-n847391
6-https://www.cbsnews.com/news/saudi-crown-prince-talks-to-60-minutes/
7-https://theintercept.com/2018/03/19/the-cbs-interview-with-saudi-arabias-mohammed-bin-salman-was-a-crime-against-journalism/
8- بومبيو حول نووي السعودية: قلنا
لها بالضبط ما طلبناه من إيران، موقع آر تي، 25 مايو 2018،
أنظر:
https://goo.gl/YckpZX
9-https://www.armscontrol.org/factsheets/AEASection1239
10-http://www.atlanticcouncil.org/blogs/new-atlanticist/mbs-comes-to-washington-5-things-to-watch
11-http://www.middleeasteye.net/news/analysis-money-flees-saudi-arabia-rapid-pace-1866086512
12-https://www.washingtonpost.com/news/worldviews/wp/2018/03/19/saudi-arabias-ambitious-crown-prince-comes-to-a-washington-in-turmoil/?utm_term=.9eef1230cab4
13-https://theintercept.com/2018/03/21/jared-kushner-saudi-crown-prince-mohammed-bin-salman/
|