سفر الحوالي ينصح آل سعود:
سلّموا الحكم للقرشيين الأشراف!
عبد الوهاب فقي
في كتاب سفر الحوالي نصائح مطوّلة ومكررة لآل سعود.
لكن أهم ما أورده: الطعن في شرعية حكم آل سعود، حيث ممارستهم
غير إسلامية، وانتزاؤهم على الحكم غير شرعي، وقال بأن
الحكم هو للقرشيين، الأشراف، وليس لآل سعود.
ورأى الحوالي ان التحالف الوهابي السعودي سقط، وأن
الحديد سيطر على الميزان، ما زاد في خروج آل سعود عن الشرعية
الدينية. ورأى ان الحل هو ان يتنازل آل سعود عن الحكم،
وأن يتم تغيير اسم (السعودية)، وأن يتشكل مجلس حل وعقد،
يعيّن الحاكم ويدير الدولة.
ليست علاقتي بآل سعود عابرة بل هي عميقة وشخصية، وبعضهم
جالسته مرارا منفردًا به كالملك سلمان قبل أن يصبح ملكًا،
ووزير الداخلية الأمير نايف، ثم الأمير محمد بن نايف.
أنا أؤكد أنني لا أسعى للملك مطلقا، وأؤكد أيضا أنني
لست معارضاً، بالمفهوم الغربي للمعارضة، وإنما أنا ناصح
أعارض ما خالف الكتاب والسنة. وأكبر المآخذ علي، هو استنكاري
لقدوم القوات الأجنبية للسعودية، وهو موقف قلته ولا أزال
عليه، وقد أثبتت الأحداث صحته. كما أنني أتمسك بعداوة
أمريكا وإسرائيل ما حييت، وأشهد االله على بغض كل من كفر
برسول االله وحاد االله، ومستعد لتحمل أي أذى أو بلاء
في سبيل ذلك، ولو أدى الأمر إلى قتلي.
وأنا إنما أنصحكم يا آل سعود قياما بالواجب، وهذه النصيحة
في الحقيقة ليست الأولى لكم، فقد كتب الشيخ أحمد محمد
شاكر نصيحة مماثلة قبل نحو ٧٠ سبعين عاما
يحذر فيها من خطر القوانين، كما قدم لكم النصائح كثير
من المواطنين وعلى رأسهم العلماء، وكان الشيخ ابن باز
ينصحكم كل ثلاثاء، أما المفسدون فيزينون لكم الباطل، ويلبسون
عليكم الأمور، وهم دعاة على أبواب جهنم، ومن أبناء جلدتنا
ويتكلمون بلغتنا، ويوهمونكم أن سبب الإرهاب هو التيمية
والوهابية، والتخلي عن ابن تيمية معناه التخلي عن القرآن
والسنة، ويدعونكم للتخلي عن دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب
التي هي مصدر شرعية حكمكم، زاعمين أنها متشددة وتكفيرية،
وما كان محمد بن عبد الوهاب إلا شعبة من ابن تيمية.
وأقول لكم إنه قد مضى الجيل الذي كان العلماء فيه لا
يتكلمون إلا في شرب الدخان، وإعفاء اللحى، والأكل بالملعقة،
أو بعض الشكليات المتعلقة بالإيمان الظاهر فقط، وجاء جيل
يتقن اللغات الأجنبية، ويعرف النظريات الوضعية، ويتخصص
في علوم كثيرة. وأرجو ألا تخدعكم مرونة هذا الشعب فتحسبوا
أن السكوت رضا، فهو غالبا عن صبر واضطرار، والناس يخشون
ما يسمونه القبضة الحديدية، وإن كان قول الحق لا يقرب
أجلا ولا يؤخره.
وأنا والله الحمد لم أتعرض للتعذيب في السجن، ولم أعتذر
لأحد، وإنما غاية ما فعلته ولا زلت عليه: أنني أنكر المنكر،
ولست معارضا سياسيا كما يقولون، ولا أرى مغادرة هذه البلاد
مهما لقيت من الأذى.
وقد أحسن إلي دون أن يقصد من فصلني من العمل ومنعني
كل حق حتى التقاعد، فقد جعلني حرا ليس في فمي ماء وليس
لدي شيء أخسره إذا نصحت، والمتهمون لي تبين لهم أنفسهم
كذب الاتهامات، ومنها الزعم بأن لي علاقة بدولة أجنبية
أو بالمعارضة في الخارج أو أنتسب كما يقال لجماعة إرهابية.
وقد اقترح أحد ضباط المباحث )ع. ي) أن يوضع في البنك مبلغ
من المال، ويقال إن إيران حولته لي!
ولا يجوز ظلم أي إنسان مهما كان، وموقفي معلوم من قتل
جعفر الحائك الذي مات تحت التعذيب، وكيف أني بذلت جهدي
للوصول إلى اللواء مدير عام التحقيق، كي أبلغه إنكاري
مع أنه كما قيل شيعي.
وأنا لا أقول للأسرة الحاكمة لا تحاكموا أهل الدين
بالمرّة، بل ساووهم بالزناة وشاربي الخمور ومتعاطي المخدرات
في إحالتهم للقضاء، وإطلاق سراحهم إذا أطلقتم أولئك! وقد
فرح بعضنا ونحن في السجن لما سمع أن الحكومة سوف تفرج
عن السجناء في العيد، ولكن ضباط المباحث أخبرونا أن ذلك
لا يشملنا، وصدقوا.
أنتم ـ يا آل سعود ـ أحوج ما تكونون لمن ينصحكم. فقد
قال بعض الوزراء عنكم (شلّة بدو، ابتلاهم االله بحكم دولة)،
وأعوذ باالله أن ينفجر صمت الشعب في وجهي ووجه هيئة كبار
العلماء ووجوهكم. ولا يغركم أن الشعب صابر، فاحمدوا االله
على هذا الشعب واعدلوا معه. واعلموا أن للصبر حدودا وأن
الصابر مهيأ للانفجار، وكم من صابر ساخط، وأن بعض مقربيكم
المدعين حبكم، إنما ذلك لمصلحتهم المادية، ولو انقطع عنهم
الراتب شهرا واحدا لظهرت لكم حقيقتهم.
قد يقال لكم إن الذي كتب هذه النصيحة «مطوع مهبول»،
وهذا دأب كل من يرفض الحق، وقد يقال إن العمل بالنصيحة
يقتضي تغييرا جذريا للأمور، وهل تُغيَّر مسيرة التاريخ
إلا بذلك؟ وأنا لا أقول يجب أن نعتبر بمصير عاد وثمود
فقط، بل بمصير من حكمنا قريبا وعاشرناه، وبنى قصر خزام
وقصر الحمراء، وظل يحكم قائما وقاعدا وعلى جنب وناطقا
وساكتا، ثم كان مصيرهم كما هو معلوم.
هذه النصيحة أكتبها لكم وأنتم على أعتاب التحول الاجتماعي
الهائل، وإقامة الدولة السعودية الرابعة. ويقول دعاة التغريب:
المملكة في مرحلة تحول اجتماعي وثقافي فلا بد من التغيير،
والتغيير عندهم هو ترك الدين ومتابعة الغرب في الدياثة
والترفيه والألعاب وأمثال ذلك. ونحن نقول إن التغيير حق
وحتم، ولا خلاف أن التحول ضروري وأنه سنة الحياة، ولكن
يجب أن يكون إلى الأفضل وليس إلى الأسوأ، ولا يعني أبدا
أن نقضي على ثوابتنا بأيدينا، وندمر مجتمعنا بأنفسنا.
وكلنا نتفق، الموافق منا والمخالف، على أن السعودية
اليوم تعيش تحولا وأنها على مفترق طرق، فلماذا لا يكون
التحول باتجاه الإسلام؟
السعودية على مفرق طريقين لا مناص لها من سلوك أحدهما:
إما طريق الإسلام المستلزم نفي أن تكون السعودية دولة
علمانية. وإما أن تنضم لركب العلمانية وترضي أمريكا وإسرائيل
والإمارات. أي إما فسطاط الإيمان وإما فسطاط النفاق. وإذا
اختارت الفسطاط الثاني لا قدر االله، فلنتوقع انتقام االله
وغضب الشعب وردة فعله، وزيادة الإرهاب ضدها؛ إذ لا مكان
للعلمانية في بيئتنا المتدينة.
لا يجدي رفع الإسلام شعارا بلا تطبيق واقعي، كما لا
تجدي الاحترازات اللفظية كقول: في حدود عاداتنا وتقاليدنا.
والقضية ليست كما يظن البعض قضية هيئة للسياحة والترفيه،
أو حفلة غنائية أو اهتمام بالآثار الجاهلية، أو تقليص
لصلاحيات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أو مجرد تعديل
في تعريف التوحيد للشيخ محمد بن عبد الوهاب، بل القضية
أكبر من ذلك، فهي صراع بين الدين واللادينية، وبكلمة أوضح:
صراع بين التوحيد والشرك. وأنا أقول: إن الزحف العلماني
يجب مقاومته بكل قوة، وإن على فسطاط الإيمان واجب ثقيل
في هذا الخصوص.
أنتم ـ يا آل سعود ـ أسرة متدينة، ومصدر شرعيتكم هو
الدين وليس العلمانية، فلا تضعوا أنفسكم في صف أعداء الدين.
ويمكنكم بالدين لا بحربه، إفهام من أخطأ منكم ومن غيركم،
فمثلا:
١- الأمير خالد بن مساعد كان بالإمكان تفهيمه
بغير قتله، لا سيما وأنه كان غيورا على الدين، ولا يصح
أن يقال إن الذي قتله هو بن هلال مدير شرطة الرياض حينها،
فلا ابن هلال ولا غيره يستطيع قتل أحد من آل سعود من عند
نفسه.
٢- الأمير ممدوح بن عبد العزيز وقد كان شابا
متدينا، إذا بلغه منكر غيره، أو تبرج امرأة ضربها بالعقال،
ثم إنكم أرسلتموه للخارج وأجريتم له عملية غسيل مخ، فتعلم
التدخين ثم صار جامياً.
احذروا ـ يا آل سعود ـ النفاق ولا تتبعوا الهوى والمصلحة
السياسية. ولا بد من تصديق الأقوال بالأعمال، أما أن يقول
أحد قول أهل الإيمان بلسانه، ومع ذلك يتبع هواه ومصلحته
في شرعية حكمه وبقاء كرسيه، فهذا نفاق وضعف في الإيمان
ربما أخرجه من الملة.
وهذه أمثلة من واقعكم: لما أردتم عزل الملك سعود استعنتم
بالعلماء. ولما جاءت القوات الأمريكية الأجنبية إلى السعودية
فعلتم كذلك، والعلماء إنما أصدروا الفتوى بعد قدومها.
ولما أردتم سجن من يخالفكم، قلتم نحن نعمل بفتوى العلماء،
الذين لم يذكروا السجن قط. واليوم ليس في هيئة البيعة
أحد من هيئة كبار العلماء، والعلماء كلهم يفتون قديما
وحديثا بأن الربا حرام، وأنه لا يصح قول «شهيد الواجب»،
ويشترطون للابتعاث شروطا لا نرى منها شيئا.
وأنصحكم ألا تسموا الفساد إصلاحا كما قال االله تعالى
عن المنافقين: (واذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا
إنما نحن مصلحون. ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون).
الدين ـ لا السيف ـ أساس ملك آل سعود
إنما توحد أكثر جزيرة العرب على العقيدة والمنهاج ونشأ
عن ذلك الوحدة الفكرية العامة والوحدة السياسية القائمة
اليوم، وإنكار أثر العقيدة والقول أن البلاد توحدت بالسيف
الأملح مخالف لحقائق التاريخ، فالسيف كان نتيجة ولم يكن
سبباً، ومستخدمه متغلّب وليس مختارا من المسلمين.
مصدر الشرعية في هذه البلاد هو الدين، وبه يتخدّر الناس
إذا أراد منافق أن يخدّرهم. وإنما دبّت الفرقة والفتنة
والبغضاء، وكثر الشقاق والتحاسد والأزمات، لما تخلّت الأمّة
عن الدين والجهاد، وأصبح جيشها إرتزاقيا، وأصبح من يدعو
غير االله مواطنا، ووسّد الأمر إلى غير أهله، وجعلوا السيفين
مجرد شعار، وجعلوا المسؤول عن الوزارة أو القناة أو الصحيفة
هو الرويبضة.
الذين أسسوا الدولة السعودية، ليسوا العلمانيين والليبراليين
والتنويريين والرافضة والإسماعيلية، ولم يكن منهم نصراني،
أو قومي، أو حداثي، أو ديّوث، وإنما أسسها أهل الدين.
ولم يكن يضر أولئك المجاهدين أنهم لا يرطنون بالانجليزية،
ولا يؤمنون بالمواثيق الدولية. ولو أن أحدا قال إنهم إرهابيون،
لكان كلامه ينسحب أيضاً على دخول الرياض وضم الحجاز!
يا آل سعود: إن لم تبادروا بالتوبة فلا بد أن تحل بكم
المثلات، ومنها الهرم الذي ذكر ابن خلدون أنه إذا حلّ
بدولة لا يزول، وما أحسب الخلاف الذي بين الأسرة الحاكمة
حاليا، وما نراه اليوم من الترف وسوء الإدارة وكثرة المظالم
وانتشار الجريمة وتحكم النساء والصبيان وأمثال ذلك.. إلا
من علامات الهرم. فبادروا بالتوبة إلى االله ما دمتم في
المهلة، واحذروا من التناقض الذي يراه كل أحد.
والحقيقة المؤلمة أننا في السعودية أمة بلا هوية، فلا
نحن على الإسلام الصحيح، ولا على الاشتراكية، ولا على
الرأسمالية. وما نشاهده من تحول اجتماعي كبير هو ثورة
ثقافية، أو ثورة اجتماعية، لكن ما وجهتها؟ وإن ما نراه
ونسمعه هو قفزة كبرى، أرجو ألا تكون الهاوية مستقرها.
ويجب وضع مادة في النظام الأساسي تنص على أننا نسير
وفق مذهب أهل السنة والجماعة، ومن ثمرات ذلك قطع الطريق
على المناوئين للعقيدة، وقولهم إننا على مذهب الخوارج،
أو أن الشيخ محمد بن عبد الوهاب جاء بمذهب خامس، وتبيين
أن القول الراجح من آراء المذاهب الأربعة وغيرهم، مرجعه
هيئة كبار العلماء، ويجب اتباع كل القرارات والفتاوى الصادرة
منهم. ومع الأسف أن المعمول به اليوم هو إهمال كثير من
الفتاوى غير ما هو حرام صريح كالربا والتبرج، ومن الفتاوى
غير المعمول بها: الفتوى بشأن منع الكفار من دخول جزيرة
العرب؛ الفتوى بشأن الابتعاث؛ الفتوى بتحريم قول شهيد
الواجب؛ الفتوى بشأن مسلسل (طاش ما طاش)؛ والفتوى بشأن
تعظيم الآثار.
تغيير اسم السعودية
قد يصلح أن تنتسب القبيلة لحاكمها، أو تكون مشيختها
وراثية في الماضي، ولكن ذلك لا يصلح للدولة العصرية المعقدة.
وقد كان العرف القبلي أن ينتسب الناس إلى القبيلة أو الأسرة
الحاكمة، مثلما كانوا ينتسبون إلى بني هلال أو بني خالد
أو خفاجة أو العثمانيين. والذي سمى المملكة هذا الاسم
الحالي، هو فؤاد حمزة، الذي كان درزياً، ثم أشهد عند موته
أنه عاد لعقيدة أهل السنّة، كما ذكر زميله خير الدين الزركلي
في «الأعلام». والمسلمون لم يسموا أنفسهم (محمديين) كما
سمى النصارى أنفسهم (مسيحيين)، ولم يسموا المدن التي اختطها
عمر بن الخطاب (العمرية) مثلما يقولون: مدينة صدام سابقا،
والعزيزية، والفيصلية، والناصرية، والمشعلية.
وأنتم هنا شكلتم لجنة لذلك، لا يزال بعض أعضائها أحياء،
ولا تزال قراراتها محفوظة، فاقترحت اللجنة تسمية الدولة
(المملكة الإسلامية المتحدة) مثلا. فيجب إحياء ذلك، والتسمية
باسم جامع تلتئم عليه الأمة، وليس هذا استهانة بالاسم
الحالي «السعودية»، ولكن الانتساب لغير القوم لا يجوز
شرعا، وقد أوضح ذلك مشايخنا الأجلاء، كالشيخ ابن باز،
والشيخ ابن عثيمين، والشيخ الفوزان، بل اللجنة الدائمة
للإفتاء كلها.
وآل سعود أسرة كريمة، ولا يجوز أن تنتسب الأمة كلها
لها، لا سيما وأن تاريخ هذه البلاد غير ذلك، وأعظم رجالها
بعد النبي هم الخلفاء الراشدون، ويخطئ من يقول إنهم ـ
أي النبي والخلفاء ـ سعوديون كما سمعت بنفسي! ولا مانع
من تحديد مدة يتم فيها تغيير اللوحات والكتب.
الحكم لقريش وليس لآل سعود
لا بد من تطبيق ما ورد بشأن الإمامة الشرعية من نصوص
على كل حاكم. وكون الإمام يصلي أو يصوم أو يحج، هذا شأنه
وبينه وبين ربه، وإنما يهم الناس أمران هما (العدل والأمن)،
ولا يتمان إلا بأن يكون الأمر شورى، ويكون العقد الاجتماعي
هو البيعة الشرعية، ويكون الأمن - فكريا وغذائيا واجتماعيا
- هو السائد بين الناس.
وأنتم حالة استثنائية، فلستم من قريش التي ثبت النص
في كون الملك لها، أي بالأحقية والاختيار، ولستم من حِمْيَر
التي يؤول الملك إليها إذا فسد الزمان، وأصبح الحكم بالغلبة
والاضطرار.
والذي ثبت في الكتاب والسنة هو الشورى واختيار الأتقى
من قريش. ولذا أنصحكم بذلك، كما أنصح من يتولى من قريش
أن يفيد من خبرتكم في المجال السياسي. وكونكم وزراء عنده
أو مستشارين له، خير لكم في الدنيا والآخرة من أن تكونوا
أنتم المسؤولين عند الشعب ثم عند االله، وأنجى لكم من
النار، وأعذر لكم عند الخلق، وهذا المطلب وإن كان شاقا
على النفس
فأنتم أهله وأولى الناس به.
وأنتم تعلمون أنكم لستم من قريش، وقد تعلمون أن الخوارج
هم الذين قالوا بجواز أن يكون الإمام غير قرشي، فحينئذ
لا بد لكم من أحد هذه المواقف:
أ - إما أن تعلنوا للناس أنكم على مذهب الخوارج.
ب - وإما أن تتخلوا عن الإمامة لقريش وهذا هو الذي
ننصحكم به.
ج - وإما أن تعلنوا للناس أنكم لستم أئمة، وحينئذ للأمة
الحق في أن تختار من تنطبق عليه الشروط الشرعية، ليحكمها،
أو تعتقد أن الزمان شاغر عن وجود إمام.
ففكروا في الأمر جيدا، ولا تبالوا بشيء مقابل استنقاذ
أنفسكم من النار.
ويجمع علماء الاجتماع على أن الملكية الوراثية تؤدي
إلى أن يثور الناس وينتزعوا حقوقهم بالقوة، وهذا ما لا
نريده لكم ولا للأمة، ولا يغركم من يفتي لكم من بعض أهل
العلم إن وجد، واعلموا أن العلماء رحمهم االله لم يجمعوا
على خلع الملك سعود وترشيح فيصل للحكم، فكيف يجمعون على
من بعده، فكونوا كالشجرة اللينة التي تميلها الريح يمنة
ويسرة، ولا تكونوا مثل الشجرة الصلبة التي تنجعف مرة واحدة.
ومن مساوئ الملكية الوراثية الاستبداد والانفراد بالرأي،
واتهام الناس لكل تصرف، وكثرة الإشاعات ولو كانت كذبا،
وتحكم النساء والصبيان ولو بعد حين!
والإسلام ليس فيه كسروية وقيصرية مطلقا. ومما يؤكد
وجوب الرأي الجماعي أن مرحلة المركزية والرأي الفردي قد
انتهت، سواء كان الرأي علميا أو سياسيا، ومرحلة الرأي
الجماعي واللامركزية من فوائدها الشفافية والوضوح، مع
إتاحة الفرصة للرأي المخالف.
وللتخلص من هذه المشكلات.. ترك أوهام من فتنه المُلك،
وغرّه المتاع الزائل، فظنّ أنه يملك البلاد والعباد إلى
قيام الساعة.
وأنتم أول أسرة في تاريخ هذه البلاد ليس لها صلة بقريش.
وقبلكم كان العثمانيون الذين قرأت أنهم من ذرية أدبالي
القرشي، وكان ولاتهم الأشراف ذوو النسب المشهور، وكان
يحكم الناس آل عائض وهم من قريش أيضا. وقريش اليوم في
بلاد كثيرة وليسوا فقط في مكة وجزيرة العرب، وهم اليوم
أكثر عددا بالإجماع، وفيهم صالحون كثير ولله الحمد، فلم
لا يحكمون؟ وبذلك تضمنون للأمة الانتقال السلس للحكم،
وتدرأون عنها الاضطرابات الاجتماعية، وتقدمون لها خدمة
لن تنساها، وتدخلون التاريخ من أوسع أبوابه، وما لديكم
من خبرة وعبقرية ودهاء يمكنكم تقديمه لمن يأتي بعدكم.
والملك لله يؤتيه من يشاء، ولا تكونوا كاليهود الذين اعترضوا
على إيتاء الملك لطالوت وقالوا (نحن أحق بالملك منه).
ومن علامات آخر الزمان أن تسلب قريش ملكها، ومن نازعها
فيه، كبّه االله على وجهه في النار.
وبالقرشية صحت الأحاديث، وعلى ذلك أجمع الخلفاء الراشدون
والصحابة أجمعون، ولا نريد لكم ولا لأي إنسان مخالفة ذلك،
فيعيش المخالف معيشة ضنكا، ثم يكبّه االله على وجهه في
النار، مع أن الأمر ليس لأي قرشي، بل لمن توفرت فيه الشروط.
والبديل عن ذلك هو إما الملك غصباً، والعمل بمذهب الرافضة
في أن الحكم لأسرة معينة، وإما الديمقراطية الغربية التي
هي على مذهب الخوارج.
وقد استطعتم بلا ضجة، أن تنقلوا الحكم إلى الأحفاد
وأن تلغوا منصب (وليِّ ولي العهد)، فكيف لا تستطيعون استبدال
بطانة السوء وجعل الأمر شورى؟
أن ذلك لا يمنع من فترة انتقالية محددة ثم إسناد الأمر
إلى من يختاره مجلس الشورى (مجلس أهل حل وعقد من مشايخ
وشيوخ قبائل له صلاحيات مطلقة).
الخلاف داخل الأسرة
الخلاف بين الأسرة أصبح اليوم معلوما لكل الناس، لا
سيما بعد سجن الأمراء وتجمع بعضهم في الديوان، ويجب عليكم
أن تضعوا حدّا للقيل والقال والإشاعات حولكم، وذلك بتصريحات
منشورة تتبرأ من أي فعل صدر مخالفا لسياستكم من أي إنسان
محسوب عليكم، ولا تلوموا الناس إذا جعلوا كل كلام يقوله
أحد منكم محسوبا على الأسرة كلها، مثلما ينسب للوليد بن
طلال من كلام عنصري ضد قبائل الجنوب، وما يقوله الأمير
ممدوح بن عبد العزيز من اتهامات صريحة للدعاة، ومثل كثير
من التصريحات المنسوبة لأمراء آخرين، عن استئثار أولاد
السديرية - كما يقال - بالحكم، وهو ما سمعته مباشرة من
بعض أولاد عبد العزيز وأمثال ذلك.
وقد وصل الخلاف بينكم إلى حد أن يسجن بعضكم بعضاً،
ويكيد بعضكم لبعض، بل أن يختطف بعضكم بعضا، ويضعه تحت
الإقامة الجبرية حبيس قصره، وأشد من ذلك أن يغتال بعضكم
بعضا، فقد وصل الإيقاع بالأمير تركي بن عبد العزيز إلى
حد محاولة سحره، ثم إن المسؤولين اختطفوا بعض أبنائه كالأمير
سلطان بن تركي، وقد كان يغنيكم عن الكيد والاختطاف، ألا
تعطوا الإنسان مالا ولا منصبا، وأن تتركوه يعيش كما يعيش
سائر الناس ويكون رأيه كرأي آحاد الشعب.
وهذا لا يختص بالأمراء، بل وصل إلى الملوك، وأقرب الملوك
إلينا هو عبد االله الذي أبناؤه بين معزول ومسجون ولاجئ،
وكل من ينتمي إليه فهو على الأقل خائف.
والخلافات بين الأسرة قديمة حديثة، ويعلمها الناس كلهم،
فالخلاف بين أولاد فيصل بن تركي مسجّل في (الدرر السنيّة)
وفي تاريخ الدولة السعودية الثانية. والملك سعود بن عبد
العزيز عزلتموه وجردتموه حتى من لقب الملك، وكانت المناهج
التعليمية مدة طويلة من الزمن تدرس الطلاب هكذا (سعود
بن عبد العزيز) بدون أي لقب، ومحوتم اسمه من الجامعة وغيرها،
ولكنه بعد عزله سافر إلى مصر، وفضح السياسة السعودية في
إذاعة (صوت العرب) آنذاك، ولما تولى ابنه محمد بن سعود
وزارة الدفاع عمد إلى تطهيرها من أولياء سلفه من الأسرة.
فإذا كان هذا هو الحال مع من ولاه الأب نفسه فما الظن
بغيره.
والأمير طلال بن عبد العزيز كان يخالفكم جدا، وقال
عن نفسه «أنا مسلم ليبرالي»، وذكر أن قصور أبيه كانت مختلطة،
واعترض على قرارات هيئة البيعة علنا، ولما عينوه وزيرا
للمالية أخذ كل ما في الخزينة، كما أخبرني بذلك بعض العاملين
معه، وكوّن ابنه الوليد النواة الأولى لثروته الطائلة،
وحرر طلال مجلة القصيم صوت المعارضة في ذلك الحين، وعينه
الأمراء الأحرار رئيسا لهم، وتنازل هؤلاء الأمراء حتى
عن لقب أمير، وطالبوا بإلغاء المَلكية. والأمير تركي بن
عبد العزيز كان يكتب عنكم صفحة كاملة، وإن لم يعطوه صفحة
مجانية استأجرها، لا سيما أيام كان صهره الفاسي مسجونا،
ثم ممنوعا من دخول المملكة، واستخدم بعض الأمراء كل وسيلة
ضد تركي حتى أن أحد السحرة من السودان، تحدث عن أن الوزير
الفلاني (من آل سعود) أمره أن يسحر الأمير تركي مقابل
كذا من المال!
والأمير سلطان بن عبد العزيز كان له آراء معلنة يخالف
فيها السياسية الرسمية، وقال لأهل جازان «أنقل إليكم تحيات
الشعب السعودي»، وابنه الأمير خالد بن سلطان، مالك جريدة
«الحياة» تحدث عن الخلافات داخل الأسرة في كتابه (مقاتل
من الصحراء)، ولما تولى المسؤولية في وزارة الدفاع، مُنيت
القوات بهزيمة معلومة في معركة جبل دخان. وأخوه بندر بن
سلطان لم يعترف بعض الأسرة بنسبه إلا تحت طائلة التهديد.
وبعض الأمراء يعلن انشقاقه، ويجري مقابلات مع فضائيات
أو صحف عالمية، يبين فيها أسباب الانشقاق، وكثير من الأمراء
ساخطون، ولم يتركوا مناصبهم، إلا بعد أن أعطيتموهم مليارات
من بيت مال المسلمين، ومع ذلك لم يذهب الغل من قلوبهم.
وقال لي بعضكم: إذا أردت أن تأتي إليَّ، فتعال وحدك؛
ولم يكن معي إلا واحد فقط من نفس الأسرة المالكة. والأمير
أحمد كان نائبا للأمير نايف، وكان يقوم بالوزارة في أوقات
كثيرة بعضها أعرفه بنفسي، لكنه لم يبق وزيرا إلا أشهرا
معدودة! والملك خالد قال للشاعر عبد الرحمن العشماوي علنا
«يا ليتك منا»، وقال عن بعض الأمراء «فلان حرامي». والأمير
عبد العزيز بن فهد كان رئيسا للديوان أيام والده، ثم عزلتموه
بعد وفاة والده، وأشيع أنه قتل! كما عزلتم الأمير متعب
بن عبد االله بعد موت أبيه، أما عبد العزيز بن عبد االله
فقد طلب اللجوء في باريس.
وبعض الأمراء كتب في الانترنت عن مشاكل البلاد ومشاكلكم
الداخلية، وبعضهم كتب عن أسرار خاصة لا يعرفها غير من
كان داخل الأسرة. وقد كثر المخالفون لسياسة الدولة حتى
من داخل الأسرة كالأمير خالد آل سعود، والشيخ عبد المحسن
العبيكان آل سعود. وممن حدثني عن الخلاف داخل الأسرة الشيخ
عبد العزيز التويجري صاحب كتاب (لسراة الليل حتف الصباح)،
وله علاقة وطيدة بالملك عبد االله، وهو والد خالد التويجري.
وكثيرون من الأسرة جعلوا همهم الحديث عن الأزمات والمشكلات
التي تتعرض لها الدولة.
وأنا أخشى أن يكون مصير الدولة السعودية الثالثة كمصير
الدولة السعودية الثانية. فقد أصبح المألوف محليا وعالميا
أن تقوم السلطات باختطاف أحد أو حرف وجهة الطائرة، وهذا
يؤكد قصة اختطاف ناصر السعيد ومحاولة اختطاف بن لادن.
والعرض التاريخي للخلاف يطول، وهو كله شر، والرابح فيه
خاسر، وهو يفقد الشعب الثقة في الجميع.
وقال الشيخ عبدالمحسن العبيكان ـ وهو من آل سعود: (إن
الشعب لم يعد يحب الملك)، وأن الفساد قد استشرى، وهاجم
بعض الوزراء والمسؤولين في الدولة، وذكر أن بعض الأمراء
يكتب باسم مستعار، وبعضهم يكتب ولا يذكر اسمه مكتفيا بقول
(واحد من الأسرة المالكة) أو نحو ذلك.
الإنشقاق: الحنث العظيم والميثاق القديم!
أما الميثاق فهو ما حدث بين الإمام محمد بن عبد الوهاب،
وبين الأمير محمد بن سعود. فهناك في قلب الصحراء بعيداً
عن السلطة المركزية في اسطنبول، تعاقد الكتاب والحديد،
والقلم والسيف، على الدعوة إلى التوحيد وإقامة الدين على
منهج السلف الصالح، وقامت دولة التوحيد على عمودين متساندين.
ولما كان من غير سنة االله أن يظل العمودان على حالهما،
فإن أسوأ ما يُتوقع هو انهيارهما معا، وسبب الانهيار دائما
هو الركون إلى الدنيا، حيث يفقد العالم عزة الاستغناء
عن السلاطين، ويقع الحاكم في ذل العبودية لشهوة السلطة.
وفي التاريخ نماذج كثيرة للجدلية الدائمة بين العلماء
والأمراء عند افتراق القرآن والسلطان، فكلما كان العالم
أتقى وأقوى، كان استعلاء الحق أظهر، وكلما كان الحاكم
أدهى وأقوى بدون عالم، كانت صولة الباطل أغلب.
إن عنصر الضعف في هذه التجربة هو أن بقاء الكيان مرتبط
بوفاء السلطان للقرآن، وهو أمر غير مضمون، كما دلت التجارب
التاريخية الكثيرة، لأن الأصل هو التوحد وليس التقاسم،
أي أن يتخلق السلطان بالقرآن، ويتجسد الكتاب والميزان
في الحديد والسلطان، وإذا كان شرط بقاء العمودين هو التوازن،
فإن التوازن هنا يقوم على التكافؤ في القوة، وسنة الحياة
تأبى استمرار التكافؤ، بل تدل على أن الحديد عادة يتسلط
على الكتاب، وأن القوة تطيح بالميزان.
المخرج الصحيح ميسور، ففي إمكان عمود الحكم أن يستولي
على الشرعية كاملة بالتزام شروطها، وهو التفقه في الدين،
والعمل بمقتضى الكتاب والسنة، وحينئذ ينتفي سبب التراع
أصلا. أما الكارثة فهي في عكس ذلك، أي في تحول العالم
إلى جزء من سلطة الحاكم بأن يكون «موظفا» عنده.
ففي الحالة الأولى يصبح العمودان عمودا واحدا قويا،
ويتحقق شكل من أشكال التوازن، وفي الحالة الأخرى يختل
التوازن فينهار العمودان معا، ويقع الحنث العظيم.
كان في إمكان الدولة السعودية الثانية أو الثالثة أن
تخرج للأمة الحاكم العالم، دون أن يكون ذلك خيانة للعهد،
فماذا على الأمراء أن يتفقهوا في الدين ما دامت لا تقوم
شرعيتهم إلا به؟. لقد مرت سنوات ليس بين الأمراء فقيه،
ولا في كليات العلم الشرعي وحلقاته أمير، وإن وجد فهو
قليل لا يكاد يذكر.
والأمراء المتنفذون في الدولة هم أوضح الأمثلة، إذ
ليس فيهم واحد من طلبة العلم الشرعي!،
ولا تفسير لهذا إلا أحد أمرين:
١- إما باعتمادهم في العلم على العمود الآخر
(العلماء).
٢- وإما إعراضهم عن العلم الشرعي وقلة اهتمامهم
به.
ومقتضى الأمر الأول هو إعزاز العلماء، والتلقي عنهم،
وتنفيذ ما يشيرون به؛ ومقتضى الأمر الآخر معروف، فأيهما
يدل عليه الواقع والحال؟
هذه هي السياسة التي من نقضها وقع في الحنث العظيم،
وسقطت شرعيته المستمدة من الميثاق القديم.
وآل الشيخ هم الطرف في هذا الميثاق ولا يصح أن يكونوا
ملحدين أو مشغولين عن العلم بالكرة والبلوت. إن غموض المصير
وتعليق القضايا الحاسمة لا يزيد المشاكل إلا تفاقما، ويفتح
الباب لمصاعب جمة على كل المستويات، ومهما طال التأجيل
أو التسكين فسيؤدي في النهاية إلى اتخاذ قرارات مرتجلة
غير مدروسة، فتتضاعف الأزمة وربما تحل الكارثة.
والضمان الذي نقترحه هو: إنشاء مجلس مستقل من أهل الحل
والعقد، لا يكون له صفة الشورى الحالية أو غيرها، بل هو
أشبه بمجلس طوارئ أو خلية أزمة متنفذة، تلزم الحاكم والمحكوم
بالشرع والعمل بالكتاب والسنة، وتساوي بين الناس في العطاء،
وللمجلس كل صلاحياته الدستورية التي تجيز له تعديل النظام
الأساسي وتعيين الحاكم، والاهتمام بكل قضايا المسلمين.
|