السعودية تطرد السفير الكندي وتجمد العلاقات
(تَيْسَنَةْ) سعودية.. معركة خاسرة أخرى!
عمرالمالكي
فتحت الرياض معركة جديدة.. ولكن هذه المرة مع كندا!
ما أكثر المعارك السعودية الخارجية والداخلية التي
يخوضها ابن سلمان.
وما أكثر الملفات
|
|
نسيمة السادة وسمر بدوي |
بدأت القضية اعتيادية.
ففي مملكة القمع، كان روتين الإعتقالات للناشطين والمدونين
والحقوقيين والصحويين والمعارضين قائماً.
اعتقلت الرياض الناشطتين سمر بدوي ونسيمة السادة.
كان اعتقالهما متوقعاً، بالنظر الى نشاطهما الحقوقي
في قضايا المرأة، وبالنظر الى ان رفيقاتهنّ قد اعتقلن
قبل أشهر، عشية بدء السماح للمرأة بقيادة السيارة، وكيما
يحوز ابن سلمان المجد من أطرافه ولوحده فقط. فلا فضل لأحد
في القرار، ولا أحد يتحمّل مسؤولية حرمان المرأة من أبسط
حقوقها سوى أعداء النظام!
تم الإعتقال للسيدتين المعروفتين بنشاطهما دولياً،
وكما هي العادة جرى التنديد بالقمع السعودي من المنظمات
الحقوقية الدولية والمدونين، وحتى من الحكومات الحليفة
لآل سعود، او بعضها على الأقل.
قالت الرياض ان من تم اعتقالهنّ سابقاً او لاحقاً،
هنّ من (زوّار السفارات). أي أن لهنّ علاقات بالسفارات
الأجنبية (الغربية) في الرياض، دون أن تحدد أجهزة المباحث
والأمن السعودية أي من السفارات المعنية.
لكنه مجرد اتهام بعنوان عريض، تعود المواطنون على امثاله
من الاتهامات في بلد تحكمها عصابة غارقة حتى اذنيها بالعمالة
للغرب.
الحكومة الكندية كانت من بين من ندّد سابقاً بالاعتقالات،
ولاحقاً باعتقال سمر بدوي ورفيقتها. وظهر التنديد في مجرد
تغريدة واحدة لوزارة الخارجية الكندية، فما كان من الرياض
الاّ ان سحبت سفيرها من أوتاوا، وطردت السفير الكندي،
وجمّدت طيرانها، وطلبت من آلاف الطلاب المبتعثين السعوديين
بالعودة الى بلادهم (ومن ضمنهم من يدرس على حسابه الشخصي
تحت طائلة التهديد)، بل انها سحبت المرضى من المستشفيات
الكندية، حتى وإن كانوا يتعالجون على حسابهم الشخصي. وزادت
الرياض بحرمان كندا من أي عقود تجارية، وتجميد ما يمكن
تجميده من الاتفاقيات السابقة.
حجم رد الفعل السعودي على (تغريدة) ناقدة، كان كبيراً،
وغير متوازن او متناسب، وانْ تلفّع بمقولة (التدخل الكندي
في الشؤون الداخلية) وعدم احترامها لـ (السيادة) السعودية.
خاصة ان جاء ذلك من بلد يشنّ حرباً عدوانية منذ اربع سنوات
ضد اليمن، وتشارك الأسلحة الكندية (المدرعات) فيها؛ كما
تشارك في التدخل في شؤون قطر وعُمان والكويت والعراق وسوريا
وغيرها من البلدان!
هي معركة متعمّدة تستهدف منع النقد لسجل آل سعود الحقوقي،
عبر القطيعة الدبلوماسية ومنع العقود التجارية والانشائية
والتسليحية.
كانت رسالة موجهة لأوتاوا، وللعواصم الغربية الأخرى
التي لا تستطيع الرياض مواجهتها.
كندا التي يُعتبر موضوع حقوق الإنسان عموداً من أعمدة
سياستها الخارجية، دأبت على نقد الرياض، حيث ترى الأخيرة
انها تتقصدها، ولكن الرياض لا تستطيع مثلاً مواجهة أمريكا
التي تصدر خارجيتها تقارير دورية وسنوية مفصلة عن انتهاكات
حقوق الانسان.
التفت العالم كله الى ان الرياض متوترة، وتغالي في
ردود الأفعال، فكل ما حدث مجرد بيان او بالأحرى تغريدة
على تويتر تُرجم محتواها الى العربية.
الحدث
الحكاية بدأت بتغريدة من الخارجية الكندية تبدي فيها
قلقها من اعتقالات إضافية قامت بها الرياض في أوساط المجتمع
المدني والناشطات الحقوقيات، بمن فيهم سمر بدوي، وأضافت
التغريدة: (نحث السلطات السعودية على اطلاق سراحهم وكلا
النشطاء الحقوقيين السلميين فورا).
|
|
التغريدة التي أشعلت أزمة بين الرياض وأوتاوا!
|
التغريدة ترجمتها السفارة الكندية في الرياض على موقعها
في تويتر، ما أدّى الى استهدافها سعوديا، واعتبار ذلك
إساءة إضافية، وقد انزعج آل سعود من كلمة (فوراً) مع ان
محتوى التغريدة حقوقي في الصميم واللغة المستخدمة اعتيادية
جدا. وعقبت وزير الخارجية الكندية كريستيا فريلاند بأن
كندا تقف الى جانب سمر بدوي وعائلتها في هذا الوقت الصعب،
وأضافت: «مستمرون بالدعوة الى إطلاق سراح كل من رائف وسمر
بدوي”.
الرد السعودي الموتور، بدأ ببيان من وزارة الخارجية
السعودية، سمته الحدية والتوتر والبعد عن الدبلوماسية،
ومضمونه التهديد والوعيد. حيث اعلن عن تجميد كافة التعاملات
التجارية والاستثمارية الجديدة مع كندا؛ وامهال السفير
الكندي ٢٤ ساعة للمغادرة واستدعاء السفير
السعودي من اوتاوا؛ ومما جاء في البيان بأن تدخل كندا
في الشأن الداخلي السعودي يعني (انه مسموح لنا التدخل
في الشؤون الداخلية الكندية)؛ وقال البيان بلغة غاضبة:
(لتعلم كندا وغيرها ان المملكة احرص على أبنائها من غيرها)
وانها تحتفظ بحقها في اتخاذ إجراءات اخرى.
وقالت وزارة الخارجية السعودية بأن ما صدر عن خارجية
كندا وسفارتها بشأن نشطاء المجتمع المدني، يمثل “موقفا
سلبياً ومستغرباً وغير صحيح جملة وتفصيلا ومجافٍ للحقيقة”.
وزادت وزارة الخارجية بأنها تعتبر الموقف الكندي هجوما
على المملكة يستوجب اتخاذ موقف حازم يردع كل من يحاول
المساس بسيادة المملكة.
وقررت الرياض الغاء ابتعاث نحو عشرين الف طالب في كندا،
وسببت اذى كبيراً لهم، بل انها طلبت حتى من يدرس على حسابه
الخاص ان يوقف دراسته؛ والغت الرحلات الجوية الى كندا.
الملحقية السعودية في كندا عممت التالي: (الاخوة والأخوات
المبتعثين والدارسين على حسابهم الخاص. إشارة الى الأمر
السامي الكريم القاضي بإيقاف كافة برامج التدريب والإبتعاث
والزمالة الى كندا، وعدم بقاء أي مبتعث او متدرب بنهاية
صيف هذا العام.. عليه نأمل من الجميع المسارعة في إنهاء
جميع الارتباطات والتقدم بطلب تذكرة عودة للمملكة خلال
شهر من تاريخه عن طريق بوابة سفير وفق المتبع).
وفي حين قالت وزارة التعليم انها ستنقل جميع مبتعثي
كندا الى دول أخرى.. قالت جامعة الإمام انها تستعد لاستقبال
مبتعثي كندا! وهنا علق الكاتب المصري سامح عسكر ساخراً:
(هذا هو تجديد الخطاب الديني: استبدال جامعات كندا المرموقة
بأكبر جامعة خرّجت دواعش في العالم)!
كان وقع الغاء الابتعاث وتوقف الطلبة عن دراستهم ـ
وهو ما يعني خسارة سنوات من الجهد وتعقيدات إضافية كثيرة
ـ صاعقاً. وقد استبق الدكتور وليد الماجد قرار الحكومة
المتوقع بشأن الابتعاث، فاقترح ان يُستثنى الطلاب المبتعثون
فلا يحرمون من اكمال دراستهم على ان يتوقف الإبتعاث الجديد
الى كندا. لكن هذا لم يحدث. وتوقعت الإعلامية ايمان الحمود
حل المشكلة بين الدولتين، وطمأنت المبتعثين بأنهم سيستمرون
في دراستهم، لكنها تلقت سخرية من كثيرين، لأن الأمور تجري
في سياق مختلف. ورأى وائل العنزي بأن وضع الطلبة محزن،
ليس لهم ذنب ان يخسروا دراستهم (كنا ننتظر إبقاء قليل
من الحكمة في التعاطي مع الموضوع).
من جانبه شرح المعارض بدر الحامد لآلاف الطلبة المهددين
في مستقبلهم بأن من يرغب في استمرار تعليمه ويخشى بطش
النظام، يستطيع ان يتقدم بطلب لجوء سياسي ومن ثم يستطيع
اكمال الدراسة. والإعلامي الكويتي عبدالله الصالح يقول
انه لم يشهد حماقة سعودية كايقاف الطلبة عن اكمال دراستهم
ووصل الامر الى إيقاف من يدرسون على حسابهم الخاص، ليخلص
الى ان ابن سلمان يستعبد الشعب السعودي.
ردود الفعل
كان واضحا ان الرياض لا أنصار لها في قرارها حتى بين
حلفائها.
في الدفعة الأولى من التأييد جاءت البحرين وجيبوتي
والسلطة الفلسطينية، فقط! إضافة الى الامارات التي قال
نائب وزير الخارجية أنور قرقاش ان بلاده لا تستطيع ان
تقف مكتوفة الأيدي، ودافع عما اسماه بالسيادة السعودية.
لكن الامارات لم تقم بأكثر من الكلام. فيما اتهم آخرون
الامارات بالإستفادة من «الغباء السعودي» حيث زادت عدد
رحلاتها الى كندا لتنقل الطلبة والمرضى السعوديين وغيرهم.
من المؤسسات والمنظمات، لم تجد الرياض سوى الجامعة
العربية، ورابطة العالم الإسلامي، ومنظمة التعاون الإسلامي،
وهي المؤسسات التي للرياض سيطرة او نفوذ كبير فيها؛ إضافة
الى مكاتب تافهة مثل تأييد مجلس علماء باكستان، الذي يؤيد
أي امر يصدر من السعودية، او هيئة كبار العلماء السعوديين
الذين هم مجرد خادم بيد النظام.
|
|
ترجمة التغريدة على حساب تويتر للسفارة الكندية
في الرياض |
حتى مجلس التعاون الخليجي، اصدر امينه العام تصريحا
مؤيداً للرياض، ولكن وزارة خارجية قطر أعلنت التالي: (تصريحات
الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية بشأن
الأزمة الدبلوماسية بين السعودية وكند، لا تعبّر عن راي
دولة قطر).
استاءت الرياض من التأييد التافه والمحدود لها قبالة
كندا. وانعكس ذلك على شكل تهديدات في مواقع التواصل الاجتماعي.
يقول فيصل بن جلوي آل سعود: (إذا لم تصدر الدول الشقيقة
بيانات تؤيد إجراءات المملكة بالدفاع عن سيادتها، فغداً،
سوف نتوقف عن التلميح وسوف نسمّي الأشياء بمسمياتها. مللنا
حَبّ الخشوم. اما يِبَانْ فعلك، يا تتحمّل ما جاكْ. وغدا
لناضره قريب).
فعلا، في اليوم التالي أصدرت الكويت والأردن وعُمان
بيانات ترفض التدخل في الشؤون الداخلية للرياض، وأملت
ان تنصلح العلاقات بين البلدين. مصر ايضاً أيدت بصورة
اكثر صراحة. واما بشير السودان فزايد في الدعم للرياض
وهو الذي باع جنوده في حرب اليمن بثمن بخس.
اما كندا، فصحيح ان أمريكا واروبا لم تقف معها عبر
مواجهة السعودية، مثلما أملت، ومثلما طلبت منظمات حقوقية
عديدة مثل أمنستي وهيومان رايتس ووتش. الا ان هذه الدول
لم تقف مع السعودية، وقد اصدر الاتحاد الأوروبي بياناً
ناقداً للإعتقالات في السعودية، أكثر شدّة من الموقف الكندي
نفسه. ومن جانب أمريكا، فقد طالبت الرياض بمعلومات عن
المعتقلين لديها، في إشارة الى عدم الرضا، والى اصطفاف
أمريكي ضعيف مع كندا، خاصة بعد أن تزايدت حدة النقد لترامب
كونه يفرط بحليف مثل كندا من اجل الدفاع عن نظام “قمعي”
كالنظام السعودي.
لكن الرأي العام العربي والإسلامي والدولي، وكل منظمات
حقوق الإنسان في العالم، وقفت ضد السعودية وسخرت من قراراتها،
وفنّدت تبريرات (التدخل في شؤونها الداخلية).
مواقف النظام الإعلامية
وقد اخذت اتجاهين: اتجاه المواجهة في مواقع التواصل
الاجتماعي؛ واتجاه التشهير في الصحافة المحلية وفي البرامج
الإخبارية وغيرها.
في التواصل الاجتماعي تجد مثل هذه الردود:
الإعلامي عثمان العمير، صاحب موقع ايلاف، علق: (تصرف
كندا غبي)، وأيده الإعلامي ناصر الحميدي: (حين يجتمع الخبث
السياسي مع الغباء الدبلوماسي ينتج عنه تصرف كندي أخرق).
في حين رد احدهم على العمير، بان تصرف كندا غبي مثل تصرف
السعودية مع قطر! ورد آخر على العمير بأن المهلكة الضعيفة
التابعة تسمح لنفسها بالتدخل في شؤون الآخرين لانتقادها
اعتقال ناشطات، بينما هي ـ أي السعودية ـ تضرب بالأسلحة
المحرمة دوليا المستشفيات والمدارس والأسواق وصالات الأفراح
والعزاء في اليمن.
الإعلامي صالح الفهيد أيد العمير وقال: (غباء الدبلوماسية
الكندية مزمن، ولديها اسهال في اصدار البيانات حول قضايا
داخلية في بلدان مختلفة، وهي تتصرف كدولة عظمى).
لكن.. اذا كان التدخل الكندي المزعوم هكذا، فلم الرياض
وحدها من قطع العلاقات مع كندا، مع ان ذلك يضرها هي ايضاً؟
وسأل احدهم: (هل الاعتقالات مفيدة استراتيجيا للسعودية؟)،
وهل تقليد الأنظمة الفاشلة يمكن ان يؤدي الى انجاز اقتصادي
او استقرار سياسية متوسط او طويل الأمد؟
منذر آل الشيخ، الإعلامي الرسمي ضمن جيش الذباب الالكتروني،
يدعو الى المعاملة بالند لكي تكون السعودية دولة مؤثرة
عالميا فلا يجب ان تتراجع او ترضخ. وقال ان العالم يتحدث
الآن بعد المعركة مع كندا والانتصار عليها عن “سعودية
عظمى”!
الكاتب الموالي فهد عافِتْ يقول: (ذلك الوقح الذي يطلب
منك اليوم الافراج فورا عن المعتقلين سيصير غداً اكثر
وقاحة ويطلب منك القبض فورا على آخرين).
وزعم كاتب الشرق الأوسط منصور الخميس ان زعيم الحملة
الكندية هو وزير الهجرة وهو الصومالي احمد حسن، وقال انه
يتآمر مع السفير القطري في اوتاوا ضد آل سعود.
اللواء متقاعد إبراهيم آل مرعي يقول: (السعودية ليست
دولة تحت الانتداب الكندي لتُملى عليها أوامر وتعليمات).
والإعلامي سليمان العقيلي يقول انه بعد ان قرأ ما قالته
كندا (تخيّلت ان السعودية مستعمرة كندية، وان الكنديين
اصبحوا امبراطورية).
|
|
وزيرة خارجية كندا: مطالبة سعودية باستقالتها!
|
وخاطب احدهم كندا بالقول: (لا تلعبوا دور الدولة العظمى،
فأنتم على هامش النظام الدولي، ومجرد حديقة خلفية للأمريكيين).
رد عليه آخر: (اذا كانت كندا حديقة خلفية للأمريكان، فرَبْعِكْ
أيشْ يكونون؟).
الأمير خالد آل سعود اختار صورة كندي يحمل يافطة تقول:
كندا أرض المشردين؛ والإعلامي عبدالعزيز الخميس تحدث عن
ملف كندا الحقوقي الأسود، وعن السكان الأصليين المهضومة
حقوقهم!
الرياض موتورة من جملة (الإفراج فوراً) عن المعتقلين
التي وردت في تغريدة وزارة الخارجية الكندية. وقد علقت
وزارة الخارجية السعودية عليها بالقول: (من المؤسف جداً
ان يرد في البيان الكندي عبارة «الإفراج فورا» وهو أمر
مستهجن وغير مقبول في العلاقات بين الدول).
تشاء الصدف ان ترامب يطالب باطلاق سراح القس الأمريكي
المتهم بالتجسس في تركيا، باطلاق سراحه فوراً، والاعلام
السعودي سعيد وهو يصطف الى جانب ترامب ضد أردوغان!
اللواء زايد العمري، علق على كلمة (فوراً)؛ وقال ان
كندا لا تعرف معنى كلمة فورا، ووُجهت بـ (فوراً سعودية)
شملت طرد السفير الكندي وقطع التعاملات التجارية، وزاد:
(لاتزال فورا تبحث عما يزيد ألم هذه الوزيرة (يقصد وزيرة
الخارجية الكندية).
أما الأمير عبدالرحمن بن مساعد، فعلق بعنجهية: (ستتمنى
كندا لو لم تتعرّض لشأننا الداخلي أبداً. السعودية ترفض
التدخل في شؤونها الداخلية. رسالة لجميع الدولة: جرّبت
دول مهمة ذلك وتارجعت وأوفدت مبعوثيها معتذرة). وخلف العفنان
يهدد: (من تسوّل له نفسه المساس بالشأن الداخلي ستُبتَر
يده).
من جانبه، لم يملك الشيخ العريفي الا الدعاء على الأشرار
والفُجّار، الذين يريدون زعزعة واضطراب الأمن والإفساد
في البلاد. لكنه لم يُشر الى ملائكة بيضْ تقاتل إعلاميا
على الأقل الى جانب آل سعود. ومثله الشيخ عائض القرني،
دعا الله ان يحفظ البلاد من الكائدين والحاسدين.
اما الصحفي محمد آل الشيخ، فقال ان موقف بلاده الصارم
من كندا (سيلقن دول الغرب عموما، درساً في عدم التدخل
في شؤوننا الداخلية). وأيمن طارق جمال، يقول: تخيلوا لو
ان الرياض أيدت حق مقاطعة كيبك بالإنفصال، وانها طالبت
بعقوبة الإعدام لمن اطلق النار على مسجد في المقاطعة!.
الجواب من عندنا: لن يحدث شيء ابداً. وليت الرياض ردّت
على التغريدات الكندية بمثلها وصمتت! يعني كلام يواجه
بكلام.
ردود فعل اخرى
تعاطى الاعلام السعودي مع كندا وكأنها دولة تشبه المملكة
السعودية، حيث فتح نيران اعلامه الورقي، وقنواته التلفزيونية،
مندداً بانتهاكات كندا لحقوق الانسان، واضطهادها لمواطنيها
من الهنود الحمر، وظهرت برامج وتقارير كما على قنوات العربية
والاخبارية والقناة السعودية الأولى تحاول ان تقنع المواطنين
والعالم بأن سجون كندا من أسوأ سجون العالم، وأن كندا
قطعة سواد، وان العنف الأسري والمجاعة والتشرد يجتاحها.
ويظنّ الاعلام السعودي انه قد أضرّ بسمعة كندا، ولا
يعلم انه كان في الحقيقة مثار سخرية وتندّر من الأغلبية
الساحقة من المواطنين والعرب عامة. وقد ظهرت فيديوهات
وتعليقات تبين كم هو الاعلام السعودي بائس وغبي ايضاً.
في الصحافة المحلية، كانت هناك عشرات المقالات يومياً
تندد بكندا، وتتهمها بأنها اقل من دولة عالمثالثية؛ وأن
الانتهاكات لحقوق مواطنيها هي الأسوأ عالمياً، في نفخ
آخرون في (البطل) محمد بن سلمان الذي حافظ على (السيادة)
وقام بعملية تأديب للدول المتآمرة؛ وأن المملكة أصبحت
(سعودية عظمى) تناطح أكبر الدول والرؤوس! وظهر مقال في
صحيفة سعودية روجته صحيفة المباحث (سبق) يتضمن التالي:
(أي اصبع يأتي للملكة سنقطعه).
استاء بدر الرشيد من العينات التي تخرج على القنوات
السعودية تبين مدى محدودية القدرات العقلية لهم، وأضاف:
“لا شيء أسوأ من ان يدافع الغبي عن قضية خاسرة”. فيما
اتهم مدوّن الاعلام السعودي «الغبي» بتخريب عقول المواطنين،
ووصف الإعلاميين الرسميين بـ (الدرباوية السياسية) التي
تزيد مع كل أزمة، مستشهداً بما يقولونه على القنوات الفضائية
من هراء متكرر.
الناشط الحقوقي عادل السعيد يسأل من منفاه: لماذا لا
تنقل العربية ما يجري من تعذيب وحشي وممنهج بحق المعتقلين
داخل السجون السعودية؟ والإعلامية السعودية ايمان الحمود
قالت انها تتفهم غضب المسعودين ضد ما يسمونه تدخلا كنديا،
وأضافت: (لكني لا أتفهم أبداً فبركة التقارير عن الوضع
الحقوقي والإنساني في كندا والتي قطعت اشواطاً طويلة في
هذا المجال). موضحة ان (هذا التصرف غير مبرر، ويفتقد المصداقية،
وبات مجالاً للتندر في أوروبا).
|
|
تضامن وزيرة خارجية كندا مع المعتقلين سمر وشقيقها
رائف بدوي |
من التغريدات المؤيدة للموقف السعودي، ما كتبه اللبناني
جيري ماهر، الذي ينتقد أوضاع حقوق الانسان في كندا؛ ليخلص
الى: (والله والله لو اتخذت المملكة قرارا بمواجهة العالم
فنحن معها، مؤمنين بقيادتها الحكيمة، وحكمة خادم الحرمين
وولي عهده الأمين).
هناك قناعة صارت قارّة لدى الكثير من المثقفين ومن
النخبة النجدية الحاكمة، بمن فيهم الموالين لمحمد بن سلمان
وأبيه الملك.. تقول بأن سياسة ابن سلمان خرقاء تزيد الخصوم
والأعداء.
هذا ما يراه ـ مثلاً ـ الصحفي السعودي هاني نقشبندي
الذي يؤكد بأن (قطع علاقاتنا مع كندا قد يكون مبرراً،
لكنه سريع “يقصد متسرّع”. لا حاجة الى مزيد من الخصوم.
لم تكن كندا أول من انتقدنا ولن تكون آخرهم. فهل نقطع
علاقاتنا مع الجميع؟!).
رد عليه داعية وهابي هو سعد بن غنيم، بألفاظ عنصرية
لا تمت الى دين ولا الى خُلق ومتهما إياه بالتعري كالعجايز،
وبالمطية التي تحقق أهداف الآخرين، وشبهه بالكلب ايضاً.
ورجل المباحث مشعل الخالدي يرى ان من يتحدث عن خطورة فتح
عدة جبهات (هم في الواقع جبهة معادية بحدّ ذاتها ويجب
القضاء عليها فورا). ووصف هؤلاء المنتقدين لفتح جبهات
عداء كثيرة، بأنهم “كائنات رخوية رعديدة”!
أمير سعودي آخر، هو فهد بن مشعل بن سعود يرد على من
اسماهم المتثيقفين الذين يقولون لماذا نخلق اعداءً جدداً؟
او «شكلنا بنجلس لحالنا”، فيجيب: هل من الحكمة ان ينهشك
الغير وتظل ساكتا؟
المواقف المعارضة
في اتجاه آخر، سخر الكثيرون من الخطوة السعودية البائسة
بطرد السفير الكندي وسحب المرضى والمبتعثين، وغير ذلك
من إجراءات.
الناشطة أماني العيسى طالبت النظام السعودي الأبوي
ان يتعلم حرفية الأداء السياسي، وأن لا يعتبر المواطنين
من أملاكه، وأن يعي بأن نشطاء المجتمع المدني يمثلون الجميع
بمن فيهم الأقليات التي تتشكل منها الدولة وان وجودهم
واقع وحراكهم حق مشروع.
المدونة وداد منصور تسخر من اتهام كندا بالتدخل في
الشؤون الداخلية السعودية، فتقول: (يجب على الحكومة الكندية
ان تعي ان حكومتنا لا تتدخل في شؤون أي دولة أخرى؛ فهي
لم تتدخل في الشأن اليمني الداخلي، ولا الشأن المصري،
ولا السوري، ولا الليبي، والعراقي والتونسي) واكملت بتهكم:
(أولياء أمرنا حفظهم الله لم يهددوا ايران بالتدخل في
شؤونها الداخلية). وواصلت: (هل قطعت المراعي إمداد كندا
باللبن ولاّ بَعَدْ؟ قَلْعَتْهُم! خلّيهم يشربون حليب
خنازير) على غرار حليب الحمير بالنسبة لقطر!
الكاتب والمؤلف المصري سامح عسكر وبعد ان رأى الإجراءات
السعودية الانتقامية كتب ساخرا: (على السعودية ان تبحث
عن زعيم معارضة في كندا وتنصّبه رئيساً مثلما فعلت بتنصيب
مريم رجوي رئيسة لإيران، وأحمد الجربا رئيساً لسوريا.
على الكنديين ان يستعدوا لربيع ثوري، وعمليات انتحارية
في قلب أوتاوا).
وكان للقطريين رأي. فالإعلامي القطري فهد العمادي يسخر
من السعوديين الذين يستصغرون كندا بقولهم: ومن هي كندا؟
يجيب: (كندا باختصار دولة محترمة، والسعودية لا ـ أي غير
محترمة). وأضاف: (كندا ليست دولة إسلامية ولكن بها أمور
إيجابية وتسامح لن تصل اليه السعودية ولو بعد مائة سنة:
كفاكم هياط وكذب).
مقدمة البي بي سي عربي رشا قنديل ارفقت تقريرا للخارجية
الأمريكية عن حقوق الانسان في السعودية والاعتقالات، مماثل
لما قالته كندا، وتضيف: لكن السفير الأمريكي لم يُمس،
ولم يتم استدعاؤه، ولم تحد المملكة من علاقاتها مع واشنطن.
وحين انفجرت الأزمة طلبت أمريكا من السعودية معلومات عن
المعتقلين والنشطاء، ولكن الرياض لم تقل ان ذلك تدخلا
واختراقا للسيادة المزعومة.
الدكتور سعيد الغامدي، اللاجئ في تركيا والمحتجزة عائلته
في السعودية، رأى ان الأزمة السياسية مع كندا شهرت اخبار
المعتقلين واوضاعهم، وشبه الحملة الإعلامية والسياسية
السعودية ضد كندا، بحملات قريش على رسول الله (ص) والتي
أدّت الى اشتهار اخباره.
المعارض في المنفى عبدالله الغامدي قال ان الرياض اكثر
دولة تتدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى بقصد التخريب
والتضييق على الشعوب ودعم الديكتاتوريات. والمعارض الدكتور
فؤاد إبراهيم يهتف: (يا لمسخرة الزمن ان تُقاس الوطنية
بالانحياز الى المستبد منتهك حقوق الانسان. حتى تصبح وطنيا
عليك ادانة موقف كندا ضد الاعتقالات في مملكة القهر. تباً
لكم ولوطنيتكم).
|
|
تهديد سعودي لكندا بتكرار تفجيرات سبتمبر ٢٠٠١
|
بقي ان نقول ان الاعلام السعودي فتح على نفسه النار،
حين قام حساب رسمي على تويتر، وهو انفوغرافيك السعودية،
بتهديد كندا بضرب ابراجها بطائرات انتحارية على غرار تفجيرات
سبتمبر، ما أكد ضلوع الرياض فيها، وكيف انها تستخدم القاعدة
وداعش كجيش متقدم لها، الأمر الذي جعل صحافة الغرب بأكمله
تخصص مساحة كبيرة لهذا التهديد السعودي الجديد لكندا.
مآلات الصراع مع كند
هل حقق محمد بن سلمان وأبوه الملك ما أرادا من التصعيد
السياسي مع كندا، الى حدّ تجميد العلاقات بين البلدين؟
بالضبط ماذا كان هدف ابن سلمان، وما هي أدواته لتحقيق
أهدافه؟
اختيار كندا مسرحاً للعبث والغضب السعودي كان من الناحية
التكتيكية محسوباً من الناحية السياسية. لكن أصل المعركة
كان خاطئاً، فماذا تفيد الرياض ان ربحت تكتيكيا وخسرت
استراتيجياً.
هدف الرياض واضح: معاقبة كندا لنقدها سجلها الحقوقي،
وايصال هذه الرسالة الى العواصم الغربية الأخرى، التي
لا تستطيع الرياض مجابهتها، من أجل ان تتوقف عن النقد.
سبق للرياض ان عاقبت ألمانيا لموقفها من اعتقال ابن
سلمان للحريري، ولموقفها من اليمن وإيقاف بيع الأسلحة
الألمانية او بعضها. العقاب كان محدوداً وهو: عدم منح
الشركات الألمانية أية عقود جديدة.
هذا أمرٌ تحمّلته المانيا، ولا يؤثر على اقتصادها ونموّه.
الرياض لديها مبالغة في الأساس لقوتها الذاتية. تظنّ
انها تستطيع ان تعاقب دولا اقتصادية وصناعية كبرى مثل
المانيا وكندا. وهم دولتان صناعيتان، بل من ضمن الدول
الصناعية الثمان الكبرى في العالم.
وتظن الرياض ان عقودها المالية والانشائية والتسليحية
تستطيع أن تُحدث ألماً كبيراً في الاقتصاديات الغربية
الكبرى. وهذا ايضاً من المبالغات غير الصحيحة. فكندا مثلاً
لن تخسر اكثر من ٤-٥ مليارات دولار من العقود
سنوياً، بينما ميزانيتها تصل الى سبعمائة مليار دولار!
الأداة الاقتصادية والمالية السعودية لا تكفي لإحداث
ضرر بكندا او المانيا أو غيرها. وفي النهاية هي معاملات
تجارية وليست منحاً كتلك التي تقدمها الرياض لدول صغيرة
كالسودان والأردن مقابل مواقف سياسية.
رئيس وزراء كندا جاستن ترودو، أسف لمواقف الرياض، وقال
ان بلاده ستواصل نفس السياسة التي اتخذتها بشأن حقوق الإنسان!
|
|
الخارجية السعودية.. خطاب موتور وتهديد بعضلات
ضامرة! |
في الحساب النهائي، تضررت الرياض ولكنها لا تعبأ بالضرر.
ماذا يعني تهديد مستقبل عشرين ألف طالب سعودي مبتعث؟!
اليس لهذا ثمن ما؟ الا يعدّ هذا عقوبة للذات، اكثر مما
هي عقوبة للحكومة الكندية؟
كان واضحا ان الرياض مستاءة من حلفائها الذين لم يكونوا
يجرؤون في الماضي على نقدها رسميا او دبلوماسيا، بل حتى
الإعلام الغربي ومراكز البحث الغربية كانت تنأى بنفسها
عن نقد آل سعود.. واذا بهم اليوم جميعاً ـ بل منذ سنوات
ـ يوجهون سهام النقد، ويشككون في السياسات السعودية، ويتحدثون
عن تفاصيل داخلية، وعن مستقبل معتم. اذن لا بد من إخراسهم،
وتهديدهم، بالمال الذي لم يعد قادراً على اغلاق الأفواه،
خاصة بعد ان تدفق معظمه الى أمريكا ترامب؛ او بحجب الصفقات
كلياً؛ واستدعاء الإسلام الذي تقول الرياض انه مستهدف
وليس النظام السعودي، مؤملة جلب المواطن والمسلم عامة
الى جنبها.
هذا لم يحدث.. فتوقعات الرياض كانت كبيرة، وأدواتها
لا تسعى بها الى ذلك الهدف.
بدل ان تخرس السعودية كندا وغيرها باجراءات قاسية ومفاجئة
وصادمة ومُدهشة.. انقلب الأمر عليها، ففضحت نفسها حقوقيا،
وسلطت الضوء على ملفها الحقوقي داخليا وخارجيا (اليمن)،
كما سلطت الضوء على سياساتها الخارجية العدوانية، وتوصيف
«العدوانية» ليس من عندنا وانما من مراكز البحث الغربية
التي تتحدث عن الأمر منذ سنوات.
فُضحت الرياض اكثر مما توقعت.
لم تتوقف كندا عن النقد.
حرّضت الرياض بفعلها دولا ومنظمات لمناطحتها وفضحها.
جعلت من ملفها الحقوقي الأسود اكثر انكشافا.
وفي النهاية لم تربح شيئاً يذكر، عدا القول انها أصبحت
دولة عظمى حين واجهت كندا. او هكذا يروج الاعلام السعودي
للمتعاطين مع (عَلَفِه) السيء!
يلخص المعارض حمزة الحسن الموقف كالتالي: (افتعال معركة
سياسية مع كندا مجرد “صَبْيَنَة” و”تَيْسَنَة” سياسية،
لن ترقّع هزائم ابن سلمان، ولن تزيد رصيده الشعبي، ولن
تقوي موقف الرياض إقليميا ودوليا، ولن تحفظ ما تبقى للبلاد
من سمعة ومكانة، بل العكس. من الحمق ان يؤيد أشخاص او
جماعات او دول هذا الغبي).
|