مجزرة ضحيان ـ صعدة
جرائم العدوان السعودي.. بشائر نصر!
عبد الوهاب فقي
لا قيمة للتحقيق الذي دعا اليه مجلس الامن الدولي،
في العاشر من اغسطس الحالي، بشأن المجزرة الفظيعة التي
ارتكبتها القوات السعودية في صعدة اليمنية، لان هذا المجلس
هو المسؤول ابتداء عن كل هذه المجازر، التي سمح بها منذ
ان اوكل الى هذا النظام الدكتاتوري الارعن ان ينفذ قرارا
لا أخلاقيا، اتخذ بزعم حل الازمة اليمنية.
ولا قيمة للقرار الدولي الذي باتت الياته مكشوفة، والصيغ
التي ترد بها بياناته أسوأ من بيانات الدول الفاعلة فيه،
والتي تغلب مصالحها الاقتصادية ومكاسبها السياسية، على
القيم الانسانية والاخلاقية التي يفترض ان تقود عمل المجلس.
فما الذي يمكن ان تفعله هذه المؤسسة المشلولة والمشوهة،
غير ما ترتئيه الادارة الاميركية المتغولة على العالم،
والداعمة لكل فساد، وكل الانظمة الدكتاتورية، وكل حركات
الفوضى والتخريب في العالم؟
والذي يزيد من التشكيك في قيمة وفعالية هذه القرارات،
هو ابقاؤها دون اليات عملية واضحة للتنفيذ، وهي ان لم
توكل امر التحقيق في مصير هؤلاء الضحايا الى جلاديهم ـ
وهو امر متوقع على كل حال ـ فإنها عاجزة عن ان تتخذ قرارا
ضد المجرمين الفعليين، الذين لا يحتاج الكشف عنهم الى
تحقيق مطول، ولا الى ذكاء خارق، بل الى مجرد مراقبة الصور
والتصريحات، والاستماع الى شهود العيان، ومن بينهم الناجون
من الضحايا، او موظفو الوكالات الدولية والانسانية العاملة
في اليمن.
ولكن الامم المتحدة عودتنا على ان تتراجع، وان تتحول
الى مجرد ذراع سياسية تساهم في التضليل والتعمية، عبر
بيانات مستنكرة وشاجبة، بالمطلق والعموم، وتجهيل الفاعل
المعروف، والذي يكاد يقول خذوني، بهدف امتصاص النقمة،
واستيعاب ردة الفعل لدى اصحاب الضمائر في العالم، ثم طي
الصفحة بانتظار مجزرة اخرى، لن يطول الزمن قبل حدوثها.
ولا غرابة في ان تتراجع الامم المتحدة، ومجلس الامن،
وكل المجالس التابعة والعاملة في الميدان الحقوقي، عن
اي اتهام للمجرم الحقيقي، اذا كان بمرتبة ملك او ولي عهد،
في مملكة نفطية توزع ثروة شعبها وبلدها، للتستر على مظالمها
وجرائمها في اليمن والبحرين وسوريا والعراق، بل في العالم
كله.
لم يعد ذلك رجما بالغيب، بعد ان تراجع الامين العام
السابق بان كي مون في التاسع من يونيو 2016 عن قرار ادراج
السعودية في القائمة السوداء للدول التي تقتل الاطفال،
بذريعة الرضوخ للتهديد السعودي بوقف تمويل المنظمات الدولية
التابعة للامم المتحدة.
على الرغم من المحاولات الحثيثة لاجهزة الاعلام السعودية
لاسدال الستار على مجزرة ضحيان، فإن دماء الاطفال والنساء
ترفض ان تغيب، ولا تزال تحرك الضمير العالمي، حيث لم تستطع
ممثلة الأمم المتحدة ومنسقة الشؤون الإنسانية باليمن (ليز
غراندي) امساك نفسها، خلال زيارتها لجرحى مجزرة الطلاب،
فأجهشت بالبكاء عند رؤيتها لآثار تلك الجريمة النكراء.
والممثلة الأممية اكدت ان ضحايا الغارة الجوية التي استهدفتهم،
هم الثمن الأغلى للغارات الجوية في العالم، مشيرة الى
انها مأساة لا يمكن أن يكون لها مبرر يسوغها.
وما بين صحوة الضمير، ومحاولة تبرئة الذات من هول الجريمة،
دعا عضو مجلس النواب الأميركي «تيد ليو» إلى فتح تحقيق
في ضلوع البنتاغون في هجمات التحالف السعودي على المواقع
المدنية في اليمن.
كان من السذاجة ـ ان لم يكن المشاركة في الجريمة ـ
ان يوكل مجلس الامن الى الجلاد السعودي التحقيق في المجزرة،
التي ارتكبها عن سابق قصد وتصميم، ذلك انها ليست الاولى
من نوعها، ولن تكون الاخيرة. وهذا ما أكدته هيومن رايتس
ووتش، مشككة بنتائج التحقيق الذي ستجريه السعودية.
وقالت اكشايا كومار، المديرة المساعدة لمنظمة هيومن
رايتس ووتش لشؤون الأمم المتحدة، إن «الحقيقة المحزنة
هي أنه أعطيت للسعوديين فرصة إجراء تحقيق حول أنفسهم،
والنتائج ستكون مثيرة للسخرية».
البديهي لو تعلق الأمر بآل سعود فحسب، ان يدعو مجلس
الامن الى تحقيق مستقل، وفي اضعف الايمان الى اعتماد تقارير
الامم المتحدة ومنظماتها العاملة في اليمن، عطفا عن تقارير
منظمات حقوقية دولية مستقلة، لكشف الحقائق والبناء عليها
في القرارات اللاحقة لمنع تكرار الجريمة.
وقد رأينا كيف ان مجلس الامن والدول الكبرى الفاعلة
فيه، وخصوصا الولايات المتحدة، اعتمدت قرارات عدوانية،
وقامت بالاعتداء على دول وشعوب آمنة، بناء على تقارير
مشبوهة، اعدتها منظمات غير معترف بها دوليا، بذريعة الانتصار
لحقوق الانسان، والرد على الاعتداءات المزعومة على مواقع
مدنية، واستباق التحقيق او حتى دراسة الوقائع. وهذا ما
حدث مرارا في سوريا خصوصا.
وهو ما يطرح السؤال لماذا تجري حماية النظام السعودي،
والتستر على جرائمه الفظيعة والمتكررة ضد الشعب اليمني؟
الاجابة واضحة ولا تحتاج الى التمحيص، ذلك ان العدوان
السعودي على اليمن ليس الا حلقة من استراتيجية اميركية
عدوانية لتطويع شعوب المنطقة، ونشر الفوضى الخلاقة، لاعادة
تشكيل المنطقة سياسيا وجغرافيا، وخلط الاوراق بهدف تمرير
صفقة القرن، وتطبيع الوجود الصهيوني في فلسطين المحتلة.
لا يزال لافتا في المشهد الدولي ذلك الاجماع بين القوى
صاحبة القرار في العالم، على دعم العائلة المالكة ومشروعها
الانتحاري في اليمن وفي عموم المنطقة، على الرغم من الخلافات
الدولية، والصراعات المحتدمة حول كل شؤون المنطقة.. حيث
يستفيد امراء ال سعود من هذا الدعم لمواصلة العدوان والتمادي
في ارتكاب الجرائم غير عابئين بالقيم الانسانية والاخوة
العربية والاسلامية.
هذا ما دفع منظمة “هيومن رايتس ووتش” الى الاعراب عن
أسفها، لأنّ التحقيق في الخسائر الفادحة التي تلحقها الحرب
في اليمن بالمدنيين، أصبح حدثاً اعتيادياً للباحثين في
مجال حقوق الإنسان، مشددة على وجوب أن تكون مجزرة صعدة
الأخيرة “حدثاً مفصلياً”.
ولتأكيد التواطؤ الاميركي في الجريمة كشفت شبكة “سي
إن إن” أن امريكا باعت السعودية القنبلة التي استخدمها
طيرانها في قتل أطفال ضحيان بمحافظة صعدة شمال اليمن،
ما ادى الى قتل وجرح 131 مدنيا بينهم 96 طفلا. وقال الموقع
نقلا عن خبراء في مجال الذخائر، ان الاخيرين توصلوا إلى
أن القنبلة المستخدمة في حادثة الحافلة من نوع MK82، وهي
قنبلة موجهة بالليزر تزن 500 باوند (227 كيلوغراما) وتصنعها
شركة لوكهيد مارتن، إحدى كبرى شركات الأسلحة الأميركية
المتعاقدة مع البنتاغون.
فاذا كانت المجزرة قد وقعت جراء غارة جوية، بحسب ممثلي
الامم المتحدة، والطيران السعودي هو الوحيد الذي يحلق
في سماء المنطقة.. واذا كانت القنبلة المستخدمة اميركية
الصنع وجزء من تسليح الادارة الاميركية لالة القتل السعودية،
فماذا يبقى للتحقيق اذا؟
واذا كان ضحايا العدوان هم من المدنيين العزل، وبينهم
هذا العدد الكبير من الاطفال الابرياء، كما شهدت بذلك
ممثلة الامم المتحدة، وصور الضحايا التي تظهر اجسادهم
الممزقة واشلاءهم المتناثرة، وليس هناك اي شبهة لوجود
عسكري في المنطقة، فما الذي ستحقق فيه السلطات السعودية؟
انه التسويف، واضاعة الوقت ليس الا، بهدف طمس معالم
الجريمة ومواصلة العدوان الذي لن يتأخر عن ارتكاب مجازر
اخرى، كما فعل طيلة ايام العدوان المتواصل منذ 26 مارس
2015 الى الان.
النظام السعودي المأزوم لا يستطيع التحقيق في هذه الجريمة،
وقد بدأ بالمراوغة والتضليل منذ اللحظات الاولى لارتكاب
قواته المجزرة، زاعماً ان مجزرته التي أتت على خمسين طفلاً
شهيداً هي عمل عسكريّ مشروع.
جريمة حرب
لم يغير الموقف السعودي تصريحات الأمين العام للأمم
المتحدة أنطونيو غوتيريش الذي ادان الجريمة، ولا وصف المديرة
التنفيذية لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) هنرييتا
فور الغارة بـ»الهجوم المروع»، الذي «يعكس وصول الحرب
اليمنية الوحشية إلى نقطة بالغة السوء”.
بدورها، عبرت مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان عن
الاسف للغارة التي استهدفت الأطفال في صعدة، وقالت في
بيان لها، إن «أي هجوم يستهدف المدنيين بصفة مباشرة يعتبر
جريمة حرب». وأشارت المنظمة الدولية بشكل صريح إلى أن
«معظم الضحايا المدنيين باليمن قضوا جراء غارات نفذها
التحالف بقيادة السعودية”. واعتبرت منسّقة الشؤون الإنسانية
للأمم المتحدة في اليمن، ليزا غراندي، أن الوقت حان للوقوف
تضامناً مع الشعب اليمني «فالتفكير فقط بأن الكثيرين من
الأطفال قُتلوا أمرٌ يدمي القلب»، بحسب تعبيرها، مضيفة
أن أكثر من 8 ملايين يمني يعانون من الجوع.
وحمّل وزير الصحة العامة اليمني طه المتوكل الولايات
المتحدة الأميركية كامل المسؤولية عن “الجرائم التي يرتكبها
أذنابها في المنطقة السعودية والإمارات”، مشيرا إلى أن
«هذه الجريمة تضاف إلى السجل الأسود للمجتمع الدولي الذي
لم يحرك ساكنا إزاء هذه الجرائم التي يندى لها جبين الإنسانية».
خيانة القيم الإسلامية
من الضروري التذكير بأن الحقد السعودي المتمثل في العدوان
على اليمن، جريمة لا يقبلها الدين الاسلامي، من سلطة تحكم
اشرف بقاع الارض وتنطق باسمها، وتعتبر نفسها زعيمة للعالم
الإسلامي، والمدافعة عن القيم الإسلامية، وشرف خدمة الحرمين
الشريفين.. فكيف يمكن ان يجتمع الاسلام مع هذه الجرائم
التي يندى لها الجبين؟
منذ بدء هذا العدوان تتعمد طائرات آل سعود الاعتداء
على المدنيين، وإلحاق أكبر الخسائر بهم وبممتلكاتهم، وتعمد
إلى قصف المنازل السكنية والممتلكات العامة باستخدام مختلف
الأسلحة الفتاكة.
ولطالما اكدت المنظمات الحقوقية المعنية في تقاريرها
أنها تمتلك أدلة حول استخدام السعودية أسلحة محرمة دوليا
في عدوانها ضد اليمن، من بينها القنابل العنقودية، وقد
سجلت التقارير الدولية اكثر من 300 جريمة ضد الإنسانية
ارتكبتها السعودية في اليمن، انتهكت الحق في الحياة وتسبب
المال السعودي في طمس معالمها.
ومن ابرز المجازر الوحشية التي تلاحق اليمنيين في كل
مناسباتهم وتعتبرهم فرصة صيد ومشروع لتنفيس الغضب السعودي،
غارة على حفل زفاف بمديرية قيس بمحافظة حجة التي اوقعت
88 شهيدا وجريحا، ومجزرة في سوق مستبأ بمحافظة حجة اسقط
أكثر من 100 شهيد، وقصف الصالة الكبرى التي اسقطت أكثر
من 400 شهيد وجريح، وعرس سنبان دمر 26 منزلا بالقرية وأسقط
عائلات بأكملها، وقائمة طويلة من الغارات (المفرطة في
العنف) كما تصفها المنظمة الدولية.
الا تكفي كل هذه المجازر لسوق مجرمي الحرب وعلى راسهم
محمد بن سلمان ومحمد بن زايد الى ساحة العدالة؟ الا تكفي
لكي يستفيق الضمير العالمي ويقف بجدية وصلابة لوقف العدوان،
وتسوية هذه الازمة بالحوار والعمل السياسي؟.
ان الصمت عن الجريمة لا يلغي الجريمة وان تاخر العقاب،
كما ان هذه السياسات الوحشية لن توفر لحاكم السعودية الجديد
الاستقرار الذي ينشده، مثلما ان المجازر المشابهة وانتهاك
حقوق الانسان لم توفر الامن والقوة لكل الطغاة الذين سبقوه..
والذين تحولوا الى سبة للتاريخ، ورموزا للطغيان والفساد
والظلم.
وعليه، يجب التحرك لدى المحكمة الجنائية الدولية لمحاسبة
المسؤولين السعوديين عن هذه الجرائم، التي تنضوي تحت «جرائم
الحرب» التي هي خروقات خطيرة لاتفاقيات جنيف الموقعة عام
1949 وانتهاكات خطيرة أخرى لقوانين الحرب.
الجرائم دليل فشل
اذا كان النظم السعودي قد استطاع شراء صمت العديد من
حكومات العالم ورؤسائها بالمال والصفقات وتقديم الخدمات
للمشاريع الصهيونية، فإن الشعب اليمني يحظى بتعاطف واحترام
كل شعوب العالم ومنظماته الحقوقية والانسانية، عطفا عن
صحوة ضمير بدأت تظهر في عدد من الدول الغربية تأتي في
مقدمتها المانيا وكندا، حيث بدأت توازن بين مصالحها الاقتصادية
وقيمها الانسانية، لتطرح من جديد السجل الاجرامي للنظام
السعودي سواء في اليمن او ضد الشعوب والقبائل والمذاهب
الخاضعة للحكم السعودي.
ولكن هل يعني ذلك ان هذه المجزرة ستضاف الى اللائحة
الطويلة من المجازر السعودية في اليمن؟
يكاد يجمع المراقبون على ان النظام السعودي وصل الى
حافة الافلاس في عدوانه، وان هذه المجازر المتعمدة مجرد
عمليات يائسة ولا تندرج في اطار استراتيجية عسكرية تستهدف
النصر والحاق الهزيمة باعدائه.. بل هي دليل أكيد على انه
خسر الحرب، ولن تجديه هذه الاعمال الانتقامية وسفك الدماء
نفعا في تعويض هزيمته.
والسؤال الذي تبحث الدوائر الاميركية عن اجابة له هو
كيفية اخراج النظام السعودي من ورطته، دون ارتداد الهزيمة
التي مني بها على اوضاعه الداخلية.
اذ ان النظام السعودي رهن مصيره بهذه الحرب، وعلق الكثير
من الامال على الفوز بها، لكي يظهر الامير الوحيد والملك
المقبل محمد بن سلمان بالصورة التي روج لها في اعلامه،
حازما، قويا، قادرا على تحقيق الانجازات ووضع المملكة
في مرتبة الدولة الاقليمية المقررة.
كل هذه الاحلام تتبخر في اليمن، الذي تحول العدوان
عليه الى محرقة للثروة والمكانة السعودية، وبدل ان يكون
محمد بن سلمان بطل الحرب المنتصر، ها هو يجر اذيال الخيبة
وتلاحقه تهمة مجرم الحرب والمغامر الفاشل كما تصفه وسائل
اعلام عالمية.
لذا فإن صمود اليمنيين لن يذهب سدى، ودماء اطفال اليمن
تعزز الانتصار الذي يصنعه انصار الله والجيش اليمني في
الميادين، خاصة مع التطور المذهل لوسائل الدفاع اليمنية
رغم ظروف الحصار الخانق. ولعل تأكيد الامين العام لحزب
الله، على حتمية انتصار دماء اطفال اليمن على جلاديهم
السعوديين، كما انتصرت دماء اطفال ونساء لبنان على المعتدي
الصهيوني، مؤشر على قرب ساعة النصر للشعب اليمني المظلوم
على الة الحرب والعدوان التي يقودها التحالف السعودي الاميركي
ضد شعوب المنطقة.
|