ترامب يتوق لحوار مع إيران
إحباط سعودي وخطر داهم!
محمد الأنصاري
هي صدمة سيعتاد آل سعود عليها ان لم يعتادوا بعد.
قالوا أن أوباما (خوزَقَهم) وارتاحوا منه بمجيء ترامب،
الذي سيدفعون له المال، ثم يحارب بالنيابة عنهم وعن إسرائيل.
أخذ الأموال ومضى.
أعلن ترامب الانسحاب من الاتفاق النووي، ووضع ثلاثة
عشر شرطا للإستسلام؛ فتمّ تجاهل الشروط كما تم إجهاض مفاعيل
الانسحاب الأمريكي، النفطية منها والمالية حتى قبل أن
يبدأ الحصار المُطبق.
عُزلَ ترامب، وعاش الاتفاق النووي ـ حتى الآن، وعُزلت
السعودية وامريكا وإسرائيل، عن حلفائهم في أوروبا، فضلا
عن الصين وروسيا.
ارتفع الصراخ والتهديد بالحرب من ترامب، وجرت معركة
تلاسن مع المسؤولين الإيرانيين طبّل لها اعلام آل سعود
وفرحوا بها واستبشروا خيراً.
بعد أسبوع، أعلن ترامب استعداده للقاء الإيرانيين بدون
شروط. فوضع الإيرانيون شروطهم للحوار، وعدم مناقشة الاتفاق
النووي، بل ان يعود اليه!
|
|
الرياض تستهدف سلطنة عمان |
حاول السعوديون جر أمريكا واروبا لحربهم في اليمن،
بحجة ضرب ناقلات النفط، رغم ان الضربة كانت للبارجة الدمام.
لم يبلع الغربيون الطعم؛ وتحركت إدارة ترامب لتشكّل حلف
ناتو عربي تلحق به إسرائيل لاحقا، ويضم دول الخليج والأردن
ومصر.
المعنى من الحلف هو: اذهبوا وقاتلوا ايران وحدكم، ونحن
من ورائكم!
اذن خيبة الأمل السعودية كبيرة، ورد عليها السعوديون
بإعلان الانسحاب التكتيكي والاسمي من صفقة القرن التي
تبيع فلسطين.
لكن بعض الجهلة قرأوا تصريحات ترامب التهديدية بالحرب
على ايران، بأنها ضربة معلّم، وان نظام ايران سينهار،
وان الحوار هو تكرار لما جرى مع كوريا الشمالية، رغم ان
كوريا لم تستسلم ولم يحقق ترامب إنجازا حتى الآن.
اعلان ترامب وادارته مراراً بأن الهدف من العقوبات
والتهديد بالحرب مع ايران هو مجرد الجلوس مع قادتها للتفاوض
أحبط الأمراء السعوديين، بل أن رفض ايران التفاوض ـ على
الأقل ما دامت إدارة ترامب باقية ـ زاد من شعور آل سعود
وكتابهم بالمهانة والتبعية لأمريكا، وشعروا ببعض الحرج
امام شعبهم وهم يجدون عنترياتهم «المتأمركة» بلا معنى
او فائدة.
تركي الحمد علّق دعوة ترامب ايران للتفاوض بعد تهديدها
بالحرب: (لسنا مجرد خراف تُقاد الى حظيرة)، وأضاف بان
الرياض تمارس سياسة الواقع وفق ميزان الأرباح والخسائر
السياسية والتقاء المصالح (فإن التقت المصالح فهو ذاك،
وإلاّ فهو الفراق، والخيارات كثيرة). وشرح الحمد بأن الغزل
الأمريكي الإيراني هدفه تحقيق الهدف (وهو تركيع ايران)
عبر الدبلوماسية ما لا يتحقق بالتهديد، وهو فن يجيده حكام
الخليج. وتوقع الحمد بأن ترامب سيعرض على ايران انقاذها
من وضعها المالي السيء مقابل إيقاف دعم حزب الله والحوثيين
وغيرهم. وختم مفاخراً: ترامب رجل أعمال يتعامل مع العالم
على أساس البزنس، وكذلك محمد بن سلمان. وفي البزنس الصفقات
واردة والحلول الوسطى واردة.
من جانبه فاخر الصحفي صالح الفهيد بأن ترامب يريد تحقيق
الـ ١٣ شرطاً التي فرضها على ايران، مثلما
تريد الرياض فرض الـ ١٣ شرطاً التي وضعتها
على قطر! (ليوحي بأن أمريكا والسعودية دولتان عظميان!)،
وقفز الفهيد الى نتيجة بأن كلام ترامب عن الحوار مع ايران
يعني ان الإيرانيين رضخوا لمطالبه وسيقدمون تنازلات قاسية.
وتابع الفهيد بأن ترامب يستخدم مع ايران سياسة العصا والجزرة،
وانه يريد العنب لا قتل الناطور. زاعماً ان ايران هي التي
طلبت لقاءً مع ترامب وقدمت تنازلات مجانية له قبل الحوار
حتى (وهذا كله من المزاعم السعودية التي لا أساس لها).
ومن المتفائلين أحمد الفراج، الكاتب السعودي، الذي
علق على دعوة ترامب للحوار بأنه لم يتوقع من تهديدات الأخير
شيئاً، وان هناك تشابهاً مع تهديداته لكوريا الشمالية
بحيث يعقبها نصر امريكي وقمة سلام!؛ وأضاف بان الدعوة
للحوار لا تعني ان شيئاً تغير في سياسة ترامب تجاه ايران؛
وانتقد موقف أوروبا من الاتفاق النووي، وزادت حماسته ـ
أي الفراج ـ بأن ترامب فعلها وانسحب من الاتفاق النووي.
اما الخلاصة بنظره فهي ان ايران رضخت لشروط ترامب ـ حسب
قوله، وانها أبلغت وزير الخارجية العماني بذلك لينقله
الى واشنطن (وهذا كله هراء وأحلام يقظة)!
جمال خاشقجي تذكر ايضاً قصة كوريا الشمالية، وان ما
سيجري مشابه لها. وهذا من سوء الفهم والقراءة المغلوطة،
وسيكتشف ذلك لاحقاً. والعميد العسكري د. علي التواتي تحدث
عن تحالف إيراني عُماني بمباركة أمريكية، ورأى ان هناك
تنازلات متبادلة بين أمريكا وايران، ومن التنازلات ان
تبقى ايران في سوريا بمباركة إسرائيل وروسيا وامريكا (يعني
التواتي يقول تحليلاً مغايراً لكل المعطيات وغير مسبوق).
ويقر التواتي بأن أمريكا تخلت عن حماية الممرات الدولية
وتجنبت الاشتباك المباشر مع ايران، وسعت بدلا من ذلك الى
تشكيل تحالف عربي (للزج به في عين العاصفة)!
بيد أن التواتي يرى صورة مختلفة من التجربة الكورية
الشمالية، فحتى الآن (لا نعرف من ضحكَ على مَنْ؟ ومن سيضحك
أخيراً). يقول هذا معلقا على اخبار تقول بأن الأقمار الصناعية
كشفت عن ان كوريا الشمالية تبني منصات اطلاق صواريخ بالستية
تصل الى قلب أمريكا.
ومن تحليلات التواتي العجيبة قوله ان هناك (محور امريكي
إيراني إسرائيلي هندي عماني) يتعاون مع الروس ضد السعودية
والعرب طبعاً!
|
|
تهديد ترامب لإيران |
ومن تحليلات رئيس حزب الأمة السلفي في الكويت، حاكم
المطيري، ان ترامب يشكل ناتو عربي ويصفّر المشاكل مع ايران
ـ محور الشر ـ ليتفرع لانجاح صفقة القرن، ولحصار تركيا،
ومواجهة الثورة العربية!
البوق التويتري منذر آل الشيخ، يرى أن الوقت مناسب
جداً لترامب لإملاء شروطه على ايران، حيث العملة تنهار
ووجود الاضطرابات الداخلية. ردّ أحدهم: (اعط الإيرانيين
مزيد من الوقت وستراهم يركعون وسيأتون الينا ـ يقصد الى
السعوديين ـ حبواً على ركبهم يسألون العفو والصفح).
حينما هدد ترامب روحاني الذي رفض مقابلته لثمان محاولات؛
وقال بأنه سيدمر ايران؛ ويومها رد روحاني وغيره على التهديد..
يومها قال مستشار ابن زايد، عبدالخالق عبدالله، وقد أخذته
العزّة بقوة امريكا: (ترامب يحذر روحاني بما معناه بالعربي
الفصيح: سأقطع لسانك، وسأمحو ايران من الوجود، اذا سمعتك
تهدد أمريكا مرة أخرى). لكن بعد ان قال ترامب انه يريد
حواراً غير مشروط مع ايران، برر عبدالخالق عبدالله الأمر
فقال: (لا أحد في كامل قواه العقلية يراهن على تغريدات
الرئيس ترامب الذي قد يغرد اليوم بشيء، ويغرد بعكسه غداً.
المهم هو الموقف الأمريكي الصقوري تجاه ايران).
برغم كل التبريرات التي قدمها الاعلام السعودي لدعوة
ترامب لحوار مع ايران، فإن مرارة لاتزال بحلقهم، رغم تحليلاتهم
التبريرية، وقد ترافقت مع بعض الشماتة.
قال مدوّن قطري معلقاً على رسالة وزير دفاع أمريكا
نقلها وزير خارجية عمان، تفيد بأن أمريكا لا تنوي مهاجمة
ايران عسكريا، وان على الأخيرة تخفيف حدة التصريحات، وان
هناك اعترافاً أمريكيا بأن ايران دولة محورية ولها مصالح
وان أمريكا تريد الحوار والتفاهم.. علق القطري فقال للسعودية:
(ينتظركم خازوق او مسمار طوله ٣٧ بوصة/ اقل
من متر/ جلسة مريحة)! وعلقت المدونة السعودية وداد منصور
ساخرة: (ترامب يحب أن يتغذّى على موائد الخليجيين، ويصلّي
خلف الإيرانيين). فرد عليها أحدهم بتعليق إيراني يقول:
(اذا كان ترامب غير وفيّ لزوجته وعياله، اشلون ممكن ان
تثق فيه)؟!
مهاجمة سلطنة عمان بدلاً من ترامب!
كان يفترض أن تستاء الرياض من موقف ترامب، وان تأمر
اعلامها بمهاجمته.
الذي حدث هو إيجاد التبريرات لترامب، وصب الشتائم على
وزير خارجية عُمان، لأنه يقوم بوساطة بين واشنطن وطهران.
تساءل د. علي التواتي مستاءً: (لا دخان بلا نار، ماذا
يفعل بن علوي في واشنطن؟). رد احدهم: (نحترم اشقاءنا في
عمان وسياسة بلدهم المحايدة، وهي لن تقوم بالإضرار بأشقائها
في مجلس التعاون). هنا رد التواتي: (لا شأن للإحترام بالسياسة،
والإتفاق النووي الذي توسطت فيه عمان كان مضراً بمصلحة
الخليج، ومكّن ايران من التمدد في كافة الاتجاهات). رد
المدون العماني راشد بن سعيد، على التواتي: (الخليج يعتمد
على أمريكا في الحماية، والخليج يسعى لتدمير نفسه ومليارات
راحت هباء منثورا. عمان تريد سلامة الخليج من الحرب. اتركوا
التخوين والكلام الفاضي وفكروا بمصلحة الخليج).
الإعلامي السعودي الرسمي سامي عثمان قال ان الوساطة
العمانية هي لتجنيب ايران والحوثي التصعيد الأمريكي. واعتبرها
(فزعة أبناء عم)، وعزا تراجع ترامب في الملف الإيراني،
من التهديد بالحرب الى طلب الحوار مع ايران، الى ما تقوم
به عُمان.
وفي حين هوّن الإعلامي السعودي فهد ديباجي من الوساطة
العمانية لأن ايران هي الحلقة الأضعف هذه المرة، حسب رأيه؛
انتقد الصحفي صالح الفهيد عمان (بسبب حرصها اللافت على
انقاذ ملالي طهران من المصير الذي ينتظرهم عبر الإلحاح
في الوساطة).
وإزاء الحملة الإعلامية ـ السعودية الرسمية ـ المركزة
على عمان، قالت الإعلامية السعودية ايمان الحمود: البعض
يخشى سيناريو الحرب في المنطقة ومع ذلك (يطبّل لكل من
يؤججها ويزيدها استعاراً). وتضيف: (تذكروا ان ايران لن
تكون ضحية الحرب الوحيدة، فتنادوا للعقل يا ذوي الألباب).
وزادت: (لا أدري مالذي كان سيحل بهذه المنطقة الملتهبة
لولا وجود دولة تُدعى سلطنة عمان؟!).
لكن الهجوم الإعلامي الموجه ضد سلطنة عمان تصاعد. قال
سليمان السلوم: (عمان هي الذراع الناعم لإيران. كلما ابتعدت
أمريكا عن ايران، تحركت عُمان للتهدئة). هنا تألم اعلامي
عماني هو سعيد بن سالم الكلباني فقال: (مسكينة عُمان.
تحاول ان تشتغل مطافي، بس الحرائق أكبر من طاقتها)!
|
|
الرد الإيراني |
النائبة الكويتية صفاء الهاشم، شكرت سلطان عمان لوساطته
بين ايران وأمريكا لتجنيب المنطقة تكلفة حرب مدمرة، وقالت
ان شكرها بحجم السماء. لكن الصحفي في الشرق الأوسط منصور
الخميس، لا يقبل ان تتخذ عُمان دور المحايد او الوسيط،
لأن في ذلك (اضرار بمصالح الدول الأخرى) وطالب عمان ان
تنأى بنفسها عن الوساطات، وطالب سلطان عمان بتغيير المسار
وجوباً. واستغرب الخميس سياسة السلطنة وقال انه لا يفهمها
وهدد بأن سلوك الوساطة (قد يقطع شعرة معاوية، وعندها حتماً
ستكون سلطنة عمان الخاسر الأكبر).
هو تهديد صريح لعمان إذن.
وانثنى الوهابيون السعوديون لتحويل الموقف السياسي
العماني الى خلاف مذهبي ديني بينها وبين ال سعود، قائلين
بان العمانيين خوارج، وان مذهبهم ضلالي، ومرجعيتهم الدينية
لا علاقة لها بالإسلام! مع ان الرياض واعلامها لا يتردد
في اطلاق وصف الخوارج على الوهابيين الذين يخرجون على
النظام السعودي، ولم يُطلق الوصف على معارضين آخرين سواهم.
وفي سياق الحملة الإعلامية السعودية طعنت الإعلامية
سكينة المشيخص في عمان، وقالت انها تلعب دوراً منذ الثمانينيات
في الاستبسال في خدمة دولة هي عدو لأكثر دول الخليج. رد
العماني محمد العريمي، فقال بان سياسة الكبار لن يفهمها
الصغار عقلا وانتماء، وان الدولة الأكثر عداء لإيران ـ
يقصد الامارات ـ هي الأعلى معها في التبادل التجاري. وأضاف
موجها كلامه لآل سعود: (ردّوا مواطنيكم عنا، ولا تبلشونا
بعقول كهذه. لو كان هناك عملية تجميل للعقول بدل الأنوف،
لتخلصنا من عقليات لا نعلم كيف تفكر).
واستمرت الحملة الإعلامية السعودية فوصف أحدهم وزير
الخارجية العماني ابن علوي بأنه (عميل إيراني بعمامة عمانية)؛
ووصف سلطنة عمان بأنها (دُمَّل الخليج الفاسد التي تخوننا
دائماً).
الى متى الإحباط السعودي؟
بوصلة الرياض هي الصراع مع ايران.
الخلل في اتجاه البوصلة منذ البداية، وهو يشير الى
صراع مفتوح (حتى لو كان أبدياً) لإسقاط النظام في طهران.
هو ـ بالنسبة لآل سعود ـ صراع وجود، وليس صراع نفوذ
بين قوتين اقليميتين.
لكن الرياض لاتزال تخسر باستمرار امام طهران، فموازين
القوى لا يسمح لها بالنجاح، والأخطاء الاستراتيجية السعودية
تزيد في الهزيمة والإحباط.
الاعتماد في المواجهة مع ايران على أمريكا وإسرائيل
لتقوما بالمهمة (العسكرية) هو ما يجعل الرياض تضحي بالمال
والغالي والنفيس، وتمارس كل أساليب الشيطنة.
إسرائيل ايضاً تريد السعودية وامريكا ان تحاربا ايران
بالنيابة عنها!
وأمريكا (الأب الأكبر) تريد من صغارها العرب ان يحاربوا
بأنفسهم بدلاً منها. او على الأقل يواجهونها. ولذا جمع
ترامب العرب في (ناتو عربي) ليس له سوى هدف وحيد ومُعلن
وهو: (المواجهة مع ايران).
وجه القلق السعودي هو انها أملت من ترامب ان يختلف
عن أوباما، فيعلنها حرباً على ايران. وقد اعطى ترامباً
وجهاً للصراع وتهديدا بالصدام المسلح، لكن ايران تعلم
بأن أمريكا ليس (لا رغبة) لديها في الحرب، بل (لا قدرة)
لديها لشنّها دون ان تلحقها خسارة.
هذا ما دفع مرشد الثورة الإيرانية السيد علي خامنئي
للقول بأن لا حرب مع أمريكا، ولا مفاوضات معها..
الحرب يستطيع أن يشنّها طرف واحد، يمكن ان يكون أمريكيا،
لكن من يعلن البداية لا يستطيع ان يحدد النهاية لها.
|
|
السعودية العظمى! |
اما المفاوضات فتحتاج ابتداءً لطرفين، او عدة اطراف.
تستطيع ايران ان تقرر ان لا مفاوضات فينتهي الأمر.
لكن الحرب لم تعد خياراً في المنطقة.
وهذا ما لا يفهمه آل سعود، او لا يريدون أن يفهموه.
ولذا دفعت الرياض محفّزات بمئات المليارات الدولارات،
واشعلت حرب اليمن، وموّلت الفوضى والحرب في سوريا والعراق،
من أجل ان تستمر حالة الفوضى وفورة الدم التي ستأتي على
ايران، كما تظن.
بمعنى آخر، فإن الرياض المحبطة بعدم وقوع حرب غربية
أمريكية على ايران، او حرب أمريكية سعودية إسرائيلية على
ايران، لن تتوانى في التحريض والتجييش لها، وكأنها تبني
بيتاً عنكبوتيا.
خطأ المسيرة السعودية واضح:
لا يوجد مبرر معقول واستراتيجي يجعل الرياض مستميتة
للقتال ضد ايران. لا مصلحة للرياض من هذا. كل مبررات العداء
لإيران مبالغ فيها (حتى الثمالة)!
لا توجد للرياض قوّة ان تواجهة ايران عسكريا بمفردها،
ولم تستطع اقناع إسرائيل بخوضها عنها بالنيابة، او بالمشاركة،
ولا أمريكا ترى ان الحرب على ايران سهلة ومضمونة النصر.
ولا توجد للرياض مبررات في عدم الحوار مع ايران. ها
هي ترى ترامب يقاتل من اجل التفاوض، والإيراني يرفض. في
حين ان الإيراني دعا مرارا للمفاوضات مع الرياض، والأخيرة
ترفض.
كثيرون دعوا الرياض للتفاوض مع طهران، ومنذ سنوات.
حتى الاتحاد الأوروبي، واوباما ايضاً، ودولاً عربية، وكتاباً
سعوديين بعضهم في السجن الآن (طراد العمري)، بل حتى اشخاص
من قلب النظام مثل عثمان العمير، يميل الى هذا الأمر ويخشى
ان يصيبه الغضب السلماني ان تكلم بملء الفم.
ماذا يتبقى من خيارات امام الرياض؟
لا شيء البتة.
ملزمة بعدم الحرب مع ايران فذلك فوق طاقتها.
ملزمة بمواصلة سياسة مكلفة في المواجهة المفتوحة على
كامل منطقة الشرق الأوسط، من تركيا والعراق وسوريا شمالا
الى اليمن وسلطنة عمان جنوباً. وملزمة ايضاً ان تخسر في
كل معاركها ومواجهاتها، وان تزيد من اعدائها وان تنعزل
بنفسها وتخسر من سمعتها.
حتى وان فشل ترامب في التفاوض مع ايران، فمجرد الرغبة
والتوق لذلك، يعطي فرصة للرياض ان تتراجع وأن تبحث عن
خطط بديلة او استراتيجية مختلفة عن السابقة، والا أصبحت
في المستقبل كالزوجة التي هجرها زوجها!
السؤال الذي على آل سعود أن يواجهوه في المستقبل، ليس
ما إذا كان ترامب سيحارب ايران ام لا، وليس ما اذا كانت
الحرب مع ايران ستحقق الهدف السعودي باسقاط النظام في
طهران. وليس السؤال ما اذا كانت المواجهة العسكرية ستكون
ساحتها السعودية ايضاً وستكون خاسرة فيها ولو بلحاظ الدمار
الذي سيلحقها.
السؤال الحقيقي الذي يجب ان يجيب عليه آل سعود الآن
وبشكل ملحّ: ماذا ان قلبَ ترامب عليهم ظهر المِجَنّ؟ ماذا
ان حوّلهم في دائرة الإستهداف ليس فقط في مجال الابتزاز
المالي كما يفعل الآن بوقاحة، بل لو أجبرهم على اتخاذ
سياسات داخلية وخارجية تحت طائلة التهديد العسكري، او
قام بتفعيل قانون جاستا بكل تداعياته المحتملة؟
حينها ماذا ستفعل الرياض، وما هي خياراتها، وهي اليوم
تشهد كيف انقلب ترامب على تركيا.. وبدل ان تستشعر الخطر،
اذا به تصفق لترامب، كما صفقت لسياسته مع ايران، وروجت
لسياسته في فلسطين (صفقة القرن)؟
بالتجربة يعلم العالم كله بأنه لا يمكن الوثوق بترامب،
لا بعهوده ولا بمواثيقه، لا حلفاؤه يثقون به، ولا أعداؤه،
ولا حتى الموظفون في ادارته.
اذا كانت الرياض قد وضعت بيضها كله في سلّة ترامب،
الى حد اهمال أوروبا..
واذا كانت الرياض لم تفلح في عقد شراكة ولو محدودة
ـ ولا نقول استراتيجية ـ مع روسيا وتركيا والى حد ما الصين..
فلنا ان نتوقع انها ستكون (فريسة) سهلة لترامب وادارته،
نظراً لانعدام الخيارات الاستراتيجية أمام الرياض، وستكون
علاقتها بترامب وبالاً عليها في حال انقلب عليها لأي سبب.
|