بعد هجمات ينبع
السعودية والاستراتيجية النفطية
بعد أن بدأت الطبول تقرع لشهور حول مخاطر إنهيار أسعار
النفط، أحبطت السعودية هذه المخاطر بتمسكها بعقيدة تقول
أن من الجوهري قيام منظمة أوبك برفع حصة إنتاجها من النفط.
وقد شعرت الرياض بحساسية أسعار النفط وتأثيرها على الاحداث
الجيوبوليتيكية في المملكة والعراق وهكذا هشاشة الاوضاع
الجارية في المنطقة عموماً. وقد جاء الهجوم على الغربيين
في ينبع كنذير خطر أيقظ السلطات السعودية ودفع بها للقلق
على المداخيل بعيدة المدى والتي يجب أخذها بنظر الاعتبار.
إن أسعار النفط الخام قد هبطت من مستوى مرتفع لمدة
13 عاماً وذلك في العاشر من مايو بعد أن قال وزير النفط
السعودي علي النعيمي بأن أوبك يجب عليها رفع مستوى الانتاج
للحيلولة دون ارتفاع الاسعار، والذي قد يضر بالاقتصاد
العالمي ويؤدي الى إنخفاض الطلب على النفط.
ويمثل هذا التصريح إنقلاباً كبيراً بالنسبة للسعودية،
حيث أنه خلال النصف الثاني من عام 2003 وبداية 2004 كان
هناك تحذير حول احتمال سقوط سعر النفط في الربيع. وهذا
لم يحدث، وأن قلق الرياض حول الدمار الاقتصادي الكامن
حتى بالنسبة لمزيد من ارتفاع أسعار النفط عبر ضغوطات تضخمية
والتأثير اللاحق لمعدلات الفائدة العالمية يعتبر مشروعاً.
وأكثر من ذلك، فإن القضايا الرئيسية التي تدفع لجهة
رفع الاسعار من غير المحتمل تغييرها، وقد تتدهور في المدى
القريب. إنها بمعنى آخر ذات طبيعة نفسية وأمنية، أكثر
من كونها متصلة حقيقة بمبادىء العرض والطلب، والتي تقوم
بدفع حركة الارتفاع في أسعار النفط الخام. إن تدهور الاوضاع
الداخلية في العراق والسعودية قد ساهمت في منح مكافأة
أمنية جديدة لأسعار النفط، وفي كلتي الحالتين سيكون هناك
خطر كبير في هذا الصدد.
في السعودية، حيث الهجمات ضد شركة النفط الغربية المتعاقد
معها في السعودية في ينبع في الثاني من مايو، تعتبر هجمات
مباشرة كهذه على عمال نفط غربيين في المملكة، وهو أول
توسّع جغرافي للنشاط العسكري على ساحل البحر الأحمر، تنبيهاً
مفزعاً للاسواق التي اضطرت لتسليط اهتمامها على الاحداث
في السعودية. وهناك هجمات أخرى محتملة بصورة كبيرة.. وبالرغم
من أن هذه الهجمات لن تؤثر بالضرورة على البنية التحتية
في قدرة السعودية على إنتاج وتصدير النفط بحسب الرغبة،
فإن هذا الصراع المتصاعد بين الجهاديين والنخبة الحاكمة
سيؤدي الى إحداث إهتزاز عنيف في أسواق النفطية العالمية.
وهناك أيضاً سؤال عريض حول حجم الاضرار التي يمكن أن
تصيب السعودية بسبب مغادرة العمال الغربيين الوافدين الى
المملكة والذين تقتضي الحاجة اليهم بقاءهم من أجل تسيير
الصناعة النفطية بصورة سهلة ويسيرة. وهذا القلق طويل المدى
لا يجب أن يترك تأثيره على أسعار النفط بصورة كبيرة على
المدى القصير، ولكنه يضيف بعداً آخر من القلق بالنسبة
للاسواق العالمية وللسعوديين سواء بسواء.
وكما هو الحال بالنسبة للسعودية، فإن الوضع في العراق
قد تدهور بدرجة كبيرة من زاوية الصناعة النفطية، فعلى
الضد من السعودية، فإن الانقطاع الفعلي المحتمل في العراق
يعتبر عالياً. وفي التاسع من مايو فجّر بعض الفدائيين
أحد الانبوبين المتوازيين الذين يضخان النفط الخام من
جنوب البصرة الى جزيرة الفاو من أجل تصديره عبر ميناء
البصرة البحري. وبناء على مصدر رسمي من شركة نفط جنوب
العراق، فإن القنبلة انفجرت تحت خط الانابيب، أي على بعد
نحو 30 ميلاً من جنوب البصرة، مسببة دماراً هائلاً في
جزء منه والذي أدى الى هبوط مؤقت لصادرات جنوب العراق
(بنحو 450 ألف برميل يومياً) أي الى حوالي 1.2 مليون برميل
يومياً، ويحتاج المهندسون غالباً الى 48 ساعة على الأقل
من أجل اصلاح أنابيب النفط.
إن المسلّحين كما يبدو يحدّقون بأنظارهم على خط تصدير
جنوب العراق، والذي يزوّد في الوقت الحالي بما يقرب من
تسعين بالمئة من صادرات البلاد. وهذا الخط يعتبر حيوياً
بالنسبة لصادرات العراق على الاطلاق. ومن حسن الطالع أن
هذا الخط يعتبر قصيراً، بما يجعل تعزيز المراقبة سهلاً.
إن هذه الانابيب موجودة فوق الارض، بما يجعلها سهلة السيطرة
والاصلاح، ولكنها أيضاً تكون عرضة ـ بنفس القدر من السهولة
ـ للهجوم.
إن تفجير خط الانابيب جاء فقط بعد إسبوعين حاول خلالها
مسلّحون من تعويق مراكز التصدير في كل من البصرة وخور
العمايا في الخليج في هجمات إنتحارية بالقوارب. وفي حوادث
منفصلة، فجّر مسلحون قوارب محمّلة بالمتفجرات بالقرب من
المحطات هذه، وقد أدى الى إغلاقها بصورة مؤقته من أجل
إصلاحها.
وحيث أن وضع الشيعة في العراق غير قابل للتنبوء وأن
مؤيدي مقتدى الصدر أصبحوا أكثر تأثيراً في البصرة منذ
الثامن من أبريل، فإن الوضع الامني الاجمالي في جنوب العراق
يبدو أنه متدهور. إن الهجمات الثلاث تشير الى أن المسلّحين
بدأوا بتعزيز مواقعهم من أجل تركيز نشاطهم على صادرات
جنوب العراق وأنهم قد يخططوا الى هجمات أخرى، معطياً الاسواق
العالمية سبباً آخر كيما يكون شديد العصبية.
ومن المحتمل أن تعتني أوبك بدعوة الرياض الى زيادة
الحصص في لقائها المقبل في الثالث من يونيو في بيروت الى
المقدار الذي تستطيعه. في واقع الأمر، إن أوبك ستصادق
على القرار السعودي من أجل الحفر عميقاً في قدرتها الاحتياطية.
وبحسب آخر المعلومات من وزارة الطاقة الأميركية، فإن
هناك ثلاث دول فقط وهي السعودية والامارات العربية المتحدة
وقطر التي لديها في الوقت الحالي قدرة إضافية على زيادة
الانتاج. فمن 2.1 الى 2.6 مليون برميل يومياً كزيادة،
فإن 400 ألف منها يعود الى السعودية. ومع ذلك، فإن زيادة
الحصة سيساعد على مشروعية زيادة الحصة الانتاجية من قبل
بقية أعضاء الكارتل، ومن غير المحتمل أنها ستواجه معارضة
والتي ستكون على أية حال بدون جدوى.
وبالاضافة الى مصادر القلق الاقتصادي لدى الرياض فهناك
الضغط القوي من قبل الدول المستهلكة، وبالخصوص الولايات
المتحدة. فقد أعربت الرياض عن رغبتها في الاستجابة للمطالب
الاميركية بطرق أكثر جدية، من خلال شن حملات صارمة ضد
المتشددين الدينيين والتي وضعت الحكومة والعائلة المالكة
وبصورة مباشرة في مركز إهتمام الجهاديين. وبالمقارنة،
فإن زيادة منتج النفط الخام يعتبر قراراً سهلاً.
ان السعوديين يتصرفون وفق مصالحهم القصوى بأكثر من
طريقة، وبعيداً عن المخاوف حول الاقتصاد العالمي، فإن
السعوديين الذين يولون إهتماماً كبيراً وعاماً حول السياسة
النفطية، قد يصابون بالتوتر حول احتمال أن تصل مواردها
النفطية الى نقطة حرجة في المدى المتوسط بسبب المخاوف
الامنية المحلية. لقد كانت هجمات ينبع تطوراً جديداً بالغ
الخطورة بالنسبة للشركات الغربية، ونداءً مدويّاً للرياض.
وبالرغم من أنه ليس هناك هجرة واسعة للعمال الوافدين من
السعودية، فإن الوضع كما يبدو واضحاً أشد خطورة. فإذا
قررت الشركات الغربية تخفيض نشاطاتها، سواء بسبب مشاكلها
مع طاقم التشغيل، أو المخاوف حول سلامة العمال وما يتعرضوا
له، فإن الانتاج السعودي من النفط قد يتجمع. إن الرياض
ستتطلع الى تعزيز انتاجها وهكذا الحال بالنسبة لمداخيلها
الضرورية، بأقصى سرعة ممكنة طالما أن الفرصة مازالت سانحة.
|