طريق النهاية لـ (مملكة الشرّ)!
محمد قستي
وصل محمد بن سلمان الى الطريق المسدود.
هذه نتيجة لم يكن صعباً التنبّؤ بها منذ الأشهر الأولى
لوصوله وأبيه الى العرش.
لكن الغَبَش والغبار الذي أثاره الإعلام السعودي، جعل
الكثير من المحللين والمراقبين، يتأخرون في الوصول الى
النتيجة.
الآن.. انقشعت غيوم الإعلام السعودي السوداء، وبانت
انتصارات ونجاحات ابن سلمان الكارتونية.
نشرنا في العد الماضي مقالاً بعنوان: (.. ودخلنا عصر
«الإنهيار» السلماني!)، حيث عددنا ملامح الفشل، وعدم إمكانية
تحقيق أي منجز سياسي او اقتصادي او عسكري أو تنموي؛ وقلنا
ان النظام يتآكل في شرعيته واجهزته، وانه ينتظره سنوات
صعبة وعنيفة، لا ترقى الى حدوث ثورة شعبية، وانما انحلالاً
متسارعاً لبنى السلطة.
الفشل بنظرنا كان واضح المعالم، وعدم القدرة على تحقيق
نجاح لم يكن خافياً. لكن النتيجة التي توصلت اليها مقالة
الحجاز آنفة الذكر، وهي التي اختُزلت في العنوان (عصر
الإنهيار السلماني)، كانت جديدة، وهي مبنيّة على أساس
انه لم يعد لدى محمد بن سلمان وأبيه متّسعٌ من الوقت او
الجهد او المال ليحقق رؤيته العمياء؛ وان تجربة السنوات
الماضية كانت كافية لتبيان حقيقة الفشل الذريع الذي وصل
اليه.
حين كُتبت المقالة، ظهرت صحيفة هآرتس الصهيونية لتقول
بأن مشروع ابن سلمان الاقتصادي ورؤيته 2030 فشلت. ولهذا
معنى ودلالة، فالرهان الصهيوني على محمد بن سلمان كان
كبيراً، في ميدان السياسة والاقتصاد والمشاركة في مشاريع
سعودية ليس أقلّها مشروع (نيوم) المزعوم!
بعدها ظهر ابن سلمان على غلاف مجلة نيوزويك الأمريكية،
فظنّ الحمقى أتباع النظام بأن ذلك الظهور مديح له، كما
هي العادة في أغلفة المجلات. ولكن كان الغلاف يتحدث عن
انهيار بطيء للنظام ولشرعيته وكيف ان ابن سلمان واجه انكساراً
في مشروعه الاقتصادي من (نيوم) الى (تأميم أرامكو). كما
تحدثت نيوزويك عن استحالة تحقيق نصر سعودي في اليمن، وان
السياسة الخارجية السعودية خلقت اعداءً للنظام.
كل هذه المفردات تحدثنا عنها في مقالة العدد السابق
لشهر أغسطس ٢٠١٨.
بعد ذلك جاءت مقالة مايكل برلي في صحيفة التايمز البريطانية
المحافظة (اليمينية)؛ بتاريخ ١٤ سبتمبر ٢٠١٨؛
وكان العنوان لافتاً: (أيام الأمير السعودي الشاب معدودة:
الآمال المعقودة على ابن سلمان كمصلح يداوي جراح المنطقة
تسفر عن لا شيء).
وكرر برلي ما سبق ان كتبنا عنه في مجلة الحجاز مرارا،
من أن هناك ضجيج اعلامي يغلّف ابن سلمان ونشاطاته، ولكنه
اسفر عن لا شيء. أيضا، انتقد برلي السياسة الخارجية السعودية
خاصة حرب اليمن التي تكلف بين ٥-٦ مليار دولار
شهرياً، وكيف انها أصبحت مستنقعاً من صنع ولي العهد نفسه؛
إضافة الى فشله في المواجهة مع قطر، والتي أدّت الى تدمير
مجلس التعاون الخليجي، وزاد بأن من اهم ملامح سياسة ابن
سلمان هو القمع للناشطين وللمرأة وللشيعة.
في كل الأحوال، فإن ما كُتب عن ابن سلمان ليس مفاجئاً،
ولكنه يؤكد التقييم الذي ذهبنا اليه، منذ العدوان على
اليمن، وما تلاها من اطلاق الرؤية العمياء، واستحواذه
على السلطة داخل البيت السعودي، وتداعيات تهميش المؤسسة
الدينية الوهابية، واشتداد حملة القمع وآثارها.
التقط آل سعود واعلامهم هذه التقييمات المنشورة (غربياً)
فانطلقت حملة إعلامية دعائية في الصحافة والمواقع الاجتماعية،
لتمسح ما يعلق من آثارها في نفوس المواطنين. ظهرت على
سبيل المثال ـ إضافة الى الهاشتاقات المعتادة ـ هاشتاق
بعنوان: (صانع الأمجاد محمد بن سلمان)؛ وآخر بعنوان (السعوديون
دون محمد) أي انهم يدافعون عنه بأنفسهم!، وغيرها.
التطور والتنمية والإصلاح لا تتحقق بالأحلام، ولا بالشعارات
والإعلام، ولا بالوعود غير القابلة للتنفيذ؛ ولا يتيسّر
كل ذلك، بالشدّة والقمع لكل منتقد او صاحب رأي، او بالإعدامات،
او بالإستئثار بالسلطة دون القدرة على إيفائها حقها من
الجهد؛ ولا بمكافحة الفساد من قبل مفسدين وفي مقدمتهم
سلمان وإبنه.
التطور والتنمية والإصلاح عملية شاقة مجهدة مُكلفة
وصعبة، لكن ثمرتها كبيرة لو تحققت.
محمد بن سلمان لم يضع المملكة على الطريق الصحيح حتى.
ولو فعل ذلك، لوجد من المواطنين من يغفر له بعضاً من جرائمه
أو أخطائه.
مجرد وضع القاطرة على الطريق الصحيح، نجاح في حدّ ذاته،
ومؤشّر على إمكانية الإنطلاق.
لكن الذي جرى حتى الآن، مجرد ضوضاء وشعارات ووعود.
وهذه في النهاية عمرها قصير. اذ سيكتشف الأقربون من المواطنين،
والأبعدون من المراقبين والمحللين، أن ما أنجزه ابن سلمان
مجرد (لا شيء) بتعبير الصحفي البريطاني برلي.
بنظرنا.. لقد فات الوقت لإصلاح الوضع في السعودية سياسيا
واقتصاديا وأمنيا وعسكريا، داخلياً وخارجياً.
المدّة التي قضاها ابن سلمان واشتغل فيها في كل المواضيع،
وحاز خلالها كل السلطات كيما يغيّر ويُصلح، شارفت على
الإنتهاء، من وجهة نظر المواطن والمراقب المحلي والأجنبي.
بمعنى آخر: لا يمكن توقّع الشيء الكثير من النجاح حتى
لو بقي ابن سلمان في السلطة لعشرين سنة قادمة، وحتى لو
حاز ـ كما هو حالياً ـ كل السلطات المطلوبة؛ وحتى لو قمع
كل الأصوات المنتقدة او المنبهة له.
السعودية اليوم تسير في الطريق الخطأ الذي اعتمده ابن
سلمان.
خيار التراجع لديه غير مطروح البتة.
وخيار المواصلة في ذات النهج، يمثل سياسة (العاجز)
غير القادر على فعل شيء، اللهم سوى: مشيناها خطىً كُتبتْ
علينا/ ومَنْ كُتبَت عليه خطىً مشاها!
للشرح أكثر:
حملة الرعب الأمنية التي تصيب كل شرائح المجتمعة ستتواصل؛
فهي البديل ـ حتى الآن ـ او لنقل هي المظهر الوحيد لقوة
السلطة برأسها المتفرعن محمد بن سلمان، الذي يعتقد بأن
اطلاق سراح المعتقلين، والتخفيف من القيود الأمنية، مؤشر
ضعف غير مقبول، في عهد تمّ توصيفه بأنه عهد حزم وعزم وظفرات.
بل هناك من المعلومات والمؤشرات، ما يفيد بأن ابن سلمان
المتوتر جداً، يميل الى القيام بحملة اعدامات كبرى، تخمد
ما تبقّى من أنفاس. وإن فعلها، وهو محتمل جداً، فهو يزيد
الطين بلّة على نفسه وحكمه.
ايضاً، لا يُتوقع من ابن سلمان المراجعة بشأن حرب اليمن،
أي الانسحاب منها، وترك الأمر لليمنيين أنفسهم. او في
الحد الأدنى القبول بحلول سلمية. هذا أمرٌ غير مطروح،
وكل ما نسمعه من تصريحات وما نراه من مؤشرات في الإعلام،
وكل ما نراه من سلوك على الأرض.. يدلّ على ان عزيمة ابن
سلمان في مواصلة الحرب والعدوان، مستمرة (مهما كلف الأمر)؛
وهذه الجملة الأخيرة بين قوسين ()، نسمعها صريحة تتكرر
على ألسنة المعلقين السياسيين والعسكريين التابعين للنظام
على القنوات الفضائية.
يدرك ابن سلمان ان حرب اليمن صارت مستنقعاً. هو ليس
جاهلاً بهذا.
لكن إنْ نفينا عنه (الجهل) بالأمر، فإن ذلك لا يمنعنا
من وصفه بـ (الأحمق) وهو (الجاهل المركّب).
فمواصلة طريق الخطأ للحفاظ على ماء الوجه ليس حلاً.
والمستنقع اليمني ليس خسائره مالية وبشرية فقط، بل هي
أعظم من ذلك، هي ايضاً خسائر سياسية وعسكرية، ونفسية،
وخسائر في سمعة النظام ومكانته في القلوب قبل العقول،
وعلى مستوى العالم، بمن فيهم الشعب المُسعوَد نفسه.
أيضاً، لا يُتوقع من ابن سلمان إصلاحاً سياسياً بالضرورة،
فأول بديهيات الإصلاح وأول خطواته، هو إطلاق سراح المعتقلين،
في حين انه يريد قتلهم، ولازالت السجون الجديدة تستضيف
زواراً جدد، حتى من بين الموالين.
ليس مطروحاً أي اصلاح سياسي، ولا أحد يستطيع ان يطالب
بذلك علناً. بل حتى احتكارية السلطة ضمن العائلة المالكة،
غير مطروح. لا يوجد الا رأس واحد، وقرار واحد من بين العائلة
المالكة.
هل يتراجع ابن سلمان في علاقاته مع المؤسسة الدينية،
فيعيدها الى وهجها بعد تهميشها؟ هذا امر غير ممكن، وغير
صالح ايضاً، بالنظر الى أن أهم مكسب انجزه ابن سلمان ـ
بنظر الكثيرين، وهو ما يفاخر به نفسه ـ هو تخفيف غلواء
المؤسسة الوهابية وسطوتها على المجتمع. ثم ان ابن سلمان
قد اتسع قلقه من محيطه النجدي الوهابي، وشرعيته تتآكل
سريعاً في ذلك المحيط، وهو يرى المواجهة للمعارضين السلفيين
الى حد اعدامهم، وليس التراجع؛ حتى وان اعتقد بأن (نسخة
داعشية) جديدة ستظهر قريباً او ظهرت حتى، تنتقم من سياساته.
بقي ان نقول بأن ابن سلمان وهو يشهد تهاوي رؤيته ٢٠٣٠،
يشعر بأن لديه متسع من الوقت في تعديلها. لكن أعمدة الرؤية
نفسها قد تحطمت، والمطلوب هو رؤية جديدة، وليس اصلاحاً
لرؤية صارت من الماضي.
مشروع نيوم، ومشروع البحر الأحمر، ومشروع قدية، ومشروع
مكافحة الفساد، ومشروع بيع أرامكو، ومشاريع صاخبة لم نجدها
سوى في الإعلام، ولم يتم البدء بها.. كلها تبخرت. ولا
يمكن الإنطلاق في رؤية أساسها معطوب، بل وتمويلها مشكوك
فيه.
فابن سلمان يتحدث عن استثمارات بمئات المليارات من
الدولارات خلال ١٢ سنة؛ وهي مبالغ لا يمتلكها،
ولا يمكن ان يحصل عليها في المستقبل، ولا هو قادر على
اقناع آخرين بالإستثمار فيها (غربيين كانوا او محليين).
بل ان الأموال تهرب من السعودية، كما يهرب الرجال والنساء
من السجن الكبير.
ما سيبقى للمواطن من رؤية ابن سلمان المعطوبة هو: استمرار
البطالة بل تفاقمها، كما توضح ذلك الأرقام الحكومية.
وما سيبقى هو (زيادة الضرائب) والأعباء الاقتصادية
والفقر، وتآكل ما تبقى من الطبقة الوسطى.
وما سيبقى هو (الفساد) الذي انحسر الحديث عنه، بعد
اعتقال رجال الأعمال في فندق الريتز كارلتون ونهب أموالهم،
وبيع الكثير ممتلكاتهم في المزادات العلنية، فيما هم قابعون
في السجن!
من لا يتراجع في اول الطريق بعد اكتشاف الخطأ، ثم لا
يقبل بالتراجع حين يبلغ منتصف الطريق، فإنه يجد نفسه مجبوراً
لمواصلة المسير الى آخر الطريق.. الى حيث (حتمية التاريخ،
وسنّة الله في الكون)؛ الى السقوط.
من لا يمتلك شجاعة التراجع عن الخطأ والخطيئة. لن يرثي
أحدٌ النهاية التي تنتظره.
نحن أمام حاكم يجمع في صفاته بين (الفرعونية) و(الطفولية).
حاكم، قمع النساء والرجال، المعارض والموالي، الكاتب
والصحفي والإعلامي والمغرد، والناشط الحقوقي، والناشط
السياسي، والشيعي والسنّي والصوفي والسلفي الوهابي، والإخواني
والداعشي، والقاضي، والخطيب في المسجد، والشاب في الجامعة،
والمرأة المطالبة بحقها، كما اعتقل الشاكي المتألم حين
أظهر صوته، واعتقل المخنوق بصوته، وحتى المؤيد بلسانه
وقلمه. قمع هذا النظام الرياضي، والاقتصادي، والسياسي،
والديني، والكبير والصغير، ولاحق الهارب من القمع في الخارج،
وحتى النساء الهاربات بجلدهن أُعيدوا الى السجن في طائرات
الخطوط السعودية!
هذا نظام يقمع الكل، ويتجسس على الكل، ويشك في الكل،
ولا يتسامح مع الكل، وبالتالي لا يمكن الا القول انه يتآكل
داخلياً، وإلا ما معنى التآكل غير هذا؟ وما معنى خسارة
الشرعية غير هذه؟ وما معنى السخط والمعارضة غير هذا؟ وأي
قيمة لنظام حكم كهذا تتقلص قاعدته الى أبعد الحدود، ولا
يستطيع ان يمضي قانوناً قراقوشيا الا وأتبعه بالتهديد
سجناً وغرامة.
(أبواب الشر) انفتحت على مصراعيها في (مملكة الشر)،
بقيادة (أمير الشرّ) و(ملك الشرّ)، فارفعوا المظلاّت اتّقاءً!
|