الملك وابنه مسؤولان وليس العائلة
الأمير أحمد: نتمنى انتهاء الحرب اليوم قبل الغد!
هاشم عبد الستار
يمكن القول بأن محمد بن سلمان نجح في السيطرة على السلطة
وأصبح ملكاً غير متوج.
ما كان ذلك ليحدث لولا إرادة وتخطيط وأوامر أبيه الملك
سلمان، الذي أدار اللعبة من وراء الستار، حيث أطاح ـ منذ
جاء الى السلطة ـ بكامل الجيل الثاني من اخوته، فكان قراره
عزل مقرن ولي العهد، او اجباره على التنحي.
ثم صفّى الملك وابنه مراكز القوى الداخلية، فأطاح بولي
العهد التالي لمقرن، وهو محمد بن نايف، واتهمه بأنه مدمن
مخدرات.
ثم لم يبق الا قوّة الحرس الوطني، وهو وزارة تحت إمرة
ابن الملك عبدالله (متعب)؛ وقد أُطيح به بتهمة الفساد،
وتم اعتقاله هو وجميع اخوته، بمن فيهم أمير الرياض السابق،
وأمير مكة وغيرهما.
لم تبق قوة لأحد داخل العائلة المالكة، بما فيها القوة
المالية. فمن أراد استثمارها سياسياً، أُطيح به ايضاً
بتهم الفساد وصودرت أمواله ومُنع من السفر. ونقصد هنا
تحديداً الوليد بن طلال.
لا يوجد اليوم أحدٌ يعارض سلمان وابنه، لا من الأمراء
ولا من العامة. نقصد لا يوجد أحد يجرؤ على الحديث والاعتراض،
والا فالسجن مقامه، او على الأقل الإقامة الجبرية (بالنسبة
لكبار الامراء).
لكن هذا لم ينهي المعركة، او لنقل ان ما جرى لم يحسم
معركة الخلافة بشكل شبه كامل.
فما زالت نفوس الأمراء متأججة ضد سلمان وابنه. وهناك
من يعتقد بأن فصلاً جديداً يمكن أن ينفتح، خاصة مع فشل
ابن سلمان في ادارته للدولة، اقتصاداً وامناً وعسكراً
وثقافة وديناً!
ومع فشله، هناك من الأمراء من يتطلّع لقلب الطاولة
مجدداً على محمد بن سلمان، على افتراض ان الملك سلمان
نال موقعه بقدر كبير من التراضي.
المعارضون داخل العائلة المالكة، وداخل النخبة النجدية
الحاكمة، بل داخل المعارضة النجدية، أملت ولازالت ان يتولى
الأمير أحمد، شقيق الملك، ووزير الداخلية الأسبق، إدارة
الدولة، وأن يرفع راية الاعتراض لينضموا اليه. فالمتضررون
كثر، والنفوس مهتاجة حتى في طبقة المشايخ الوهابيين.
لكن أحمد بن سلمان والذي مُنع فترة من السفر، ليس بالرجل
القوي، ولكنه احد السديريين السبعة، وهو المتبقي بعد سلمان
(توفي الباقون: فهد، وسلطان ونايف وتركي وعبدالرحمن).
ولا يبدو ان أحمد، وهو شخصية تصالحية تقليدية، قادر
على ان يشكل محور اعتراض على الملك سلمان، وان كان لا
يقبل بسياساته خاصة في حرب اليمن، وفي تعيين ابنه ولياً
للعهد.
غير ان الأمور ليست مستقرة.
الحديث عن تنازل الملك لإبنه محمد ليكون ملكاً في حياته،
أمرٌ مستبعد.
|
|
ما نشرته واس منسوباً للأمير أحمد |
وفاة الملك سلمان، في هذا الوقت، ليس مفيداً لإبنه،
بل سيكون ضعيفاً قبل ان يحلّ أزماته مع عائلته ومع النخبة
السلفية والنجدية، ومع الشعب، إضافة الى حل مشاكل الاقتصاد
والحرب في اليمن والصراعات الأخرى مع قطر وغيرها. بمعنى
آخر: انها ليست اللحظة المثالثة لابن سلمان، اذا ما غاب
والده عنه، فبدونه سيكون ضعيفاً حتى ولو أصبح رسمياً ملكاً
للبلاد.
وحده سلمان القادر على اخراس الألسن داخل العائلة المالكة
وخارجها. ووحده القادر على التخطيط بهدوء من وراء الستار
لكل سياسات الدولة.
وفي كل الأحوال، لا يبدو ان راية اعتراضية داخل العائلة
المالكة يمكن ان تظهر قوية قريباً.
هذا لا يلغي إمكانية حدوث المفاجآت.
ومن المفاجآت (الصغيرة نوعاً ما) هو تصريح الأمير احمد
في لندن بشأن مسؤولية الملك وابنه عن حرب اليمن.
فقد بثّت قناة نبأ السعودية المعارضة، في برنامجها
الاسبوعي (فضفضة)، مقاطع فيديو للأمير أحمد بن عبدالعزيز،
شقيق الملك سلمان، ووزير الداخلية الأسبق، اعترض فيها
على معارضين هتفوا (يسقط.. يسقط آل سعود)، وقال لهم بأن
الملك وولي عهده هما المسؤولان عما يجري في المملكة، وليس
العائلة المالكة؛ وحسب تعبيره: (آل سعود ايش دخلهم بهذا
الهتاف؟. لا ناقة لهم ولا جمل بالذي يحدث. يجب توجيه هذا
الكلام للمسؤولين الحاليين الملك وولي عهده). وتمنّى الأمير
أحمد أن تقف الحرب في اليمن في أقرب وقت، مبيّنا انزعاجه
وعدم موافقته عليها وعلى استمرارها.
استلّ معارضون مقاطع الأمير أحمد مما نشرته القناة
المعارضة ونشروها، ولم تقصّر قناة الجزيرة في الترويج
لها، والتركيز على دلالتها. وطفقت مواقع التواصل الاجتماعي
ترددها، وخرجت هاشتاقات عديدة حول الأمير أحمد، تبايعه
بالمُلك، فأصبح “سموه” “خادم الحرمين” نكاية بسلمان وابنه،
وفي المقابل تدخّل الذباب الإلكتروني لقلب معاني كلام
الامير أحمد.
الشمّري أحمد الجربا، رأى أن تبرؤ الأمير احمد من سياسات
سلمان وابنه يبعث بصيص أمل بأن هناك عقلاء في العائلة
المالكة يرفضون سياسة التهور الحالية. ووجد البعض ان كلام
الأمير احمد يدل على رفض اجنحة في العائلة المالكة لسياسات
سلمان وابنه، بل أنها ضد تولي محمد بن سلمان ولاية العهد،
وزادوا بان كلام أحمد يعيد الذاكرة لزمان الكبار عقلاً
ورشدا، قبل زمن السفهاء صغار العقول. يقصدون محمد بن سلمان
وأباه الملك.
عبدالعزيز الخاطر، رأى ان احمد بنقاشه المعارضين انه
يتمتع بعقلية حوارية وتواصليه بإمكانها سد الفراغ بين
السلطة والمجتمع. والقطري فهد المالكي خلص الى ان احمد
امتصّ غضب معارضيه وبالتالي فهو الملك الذي تحتاجه السعودية.
أما المعارض في المنفى عبدالله الغامدي، فاعتبر ما قاله
احمد أول وأقوى رفض من العائلة المالكة لسلمان وابنه،
وأضاف: (وبهذا يكون احمد قد دخل دائرة المغضوب عليهم،
من قبل الملك وابنه، فإما ان يقضي عليهم أو سيقضون عليه).
وزاد بأن غالبية الاسرة الحاكمة وكثير من القيادات العسكرية
وغيرها يتمنون وصول احمد الى العرش. لكن الغامدي يستدرك
فيقول بأن تلك مجرد اماني معلقة بالأحلام (ما لم يصدقها
صوت الصليل وضرب الحُسام).
علي بن فاضل وجد ان العائلة المالكة تظهر موحدة في
العلن، ولكن كل أمير يطعن الآخر في الظهر. أي ان قلوبهم
شتّى.
وفي التعليقات الحكومية على كلام الأمير احمد بأنه
يتمنى إيقاف حرب اليمن، وان ما يجري يتحمل مسؤوليته سلمان
وابنه، علق مشعل الخالدي، احد كبار المباحثيين المشتغلين
في الحرب الإعلامية على مواقع التواصل الاجتماعي، بأن
حديث احمد (أوقع كثيراً من الخونة في فخ الإعتراف بالبيعة
الشرعية حيث سارعوا بحماقة لمبايعته ملكا). والإعلامي
الرسمي مشعل الزاهد، امتدح احمد وقال انه وقف كالأسد بوجه
المرتزقة في لندن. والمباحثي الإلكتروني منذر آل الشيخ
قال ان كلام احمد لا يحتمل أي لبس. في محاولة منه لتبرير
القول الصريح بالصوت والصورة. والإعلامي الرسمي سعد جبار،
قال ان كلام احمد طبيعي لان الملك وولي عهد واجهة الدولة،
واما الحرب في اليمن (فلن ننتظرهم يدخلون بيوتنا) يقصد
الحوثيين. والأمير سطام آل سعود قال بان المقطع (يحسب
لنا وليس علينا، حيث خرج ودافع عن الوطن والعائلة ووقف
امام المرتزقة). كذلك الأمير عبدالعزيز آل سعود، حاول
ان يفسّر الماء بالماء، ليقوّي من موقف الملك وابنه بأنهما
الأكفأ في إدارة الدولة.
ولحرف الرأي العام عن النقاش، أخرج الذباب الالكتروني
هاشتاقاً بعنوان (الملك سلمان سمعاً وطاعة)، رداً على
هاشتاق: (نبايع احمد ملكاً). ثم ظهرت عدة هاشتاقات تمجد
محمد بن سلمان بمناسبة عيد ميلاده، وهذه اول مرة في تاريخ
الدولة السعودية يُحتفى فيها بميلاد ملك او ولي عهد، لأن
ذلك بدعة بنظر مشايخ الوهابية. حتى الاحتفال بمولد النبي
عليه الصلاة والسلام يرونه بدعة، ولكنهم هنا يصمتون حين
يتعلق الأمر بولي أمرهم.
الاعلاميون الرسميون انخرطوا في هاشتاق تمجيد الملك
وطاعته. فسلمان الدوسري، رئيس تحرير الشرق الأوسط الأسبق،
يبيّن فوائد الطاعة، ودوافعها بأن الملك أوقف التمدد الفارسي،
وأضاف لهيبة السعودي، وختم مخاطباً ملكه: (أنت الذي تأمر،
وشعبكْ قدّها).
فهد الشهراني يعرف الغرض من التمجيد لابن سلمان، لذا
رأى أن يكون العرش للأمير أحمد، الذي يمثل الحل للأزمات
(إن كنتم تريدون الأفضل لكم ولبلادكم).
وعدد المباحثي محمد نافع منجزات ابن سلمان، ما تجعله
جديراً بالعرش، وبينها: تدمير الإخونج والربيع العربي.
وتطفّل لبناني مرتزق (محمد الرز) فبعث بتهنئة لابن سلمان
في عيد ميلاده الموافق ٣١ أغسطس الماضي، ووصفه
بأنه قدوة الشباب وأنه سيدٌ وملهمٌ وقائد!؛ ورسمي آخر
يقول بأن مولد ابن سلمان احدث فرقاً وان تاريخه سيكتُب
بماء الذهب. وباركت ذبابة الكترونية بمولد بطل وقائد للأمة
الإسلامية، الذي انقذ الشعب اليمني. وأضافت أخرى: (ولد
في مثل هذا اليوم اسطورة غيرت الشرق الأوسط للأبد)؛ ومن
منجزاته انه قائد اول معركة بين العرب والمجوس، وانه مدمّر
داعش، ومروّض الرؤساء!. رد عليه احدهم بحنق، بأنه وُلد
(مُذلّ ومُلِكْ آل سلول. وُلدَ من باع فلسطين لليهود.
وُلد من دمر اليمن والسعودية. ولد كلب عيال دحلان المطيع).
اعلامي رسمي هو خالد جزاء الحربي، آخر كرر الكلام ذاته
مديحاً، ووصف ابن سلمان اسطورة الشرق الأوسط، قاهر الرؤساء،
وقائد معركة القادسية الثانية وصاحب رؤية ٢٠٣٠.
ودعا الإعلامي محمد آل الشيخ بأن يطيل الله في عمر ابن
سلمان.
ومن مديح الذباب الالكتروني: (ولد لتولد معه سعودية
جديدة)؛ ولد مُلهم الأجيال وحلم الشعب الأجمل؛ وُلد المجدد
ابن سلمان؛ ثامن أقوى شخصية عالمية؛ القمر الذي اكتمل؛
والفنان القصبي يقول عن ابن سلمان: (جئتَ فأحييتنا).
في المقابل رد المعارضون، وقالوا أن عهد ابن سلمان
عهد خوف وجوع ونقصٍ في الأموال والثمرات، وعهد الفوضى
والفقر وانتشار الجرائم. ودعت احداهن الله أن يهلكه وأباه
وعائلته ومن تحالف معه وأيّده ودعا له، لأنه من المفسدين
في الأرض. وقال آخر: (كان يوم أسود يوم ما جيت). وغيره
قال: انه وُلد الكارثة التي ابتلي بها الشعب.
وقفز عثمان العمير، صاحب موقع إيلاف، ليمدح ابن سلمان
بدون مناسبة: (أجمل ما في هذا الرجل، أنه لا يتوقّف عن
العمل والحلم؛ وهذا نوعٌ فذّ من البشر)! وعلق احدهم بوَجَلْ:
(سبحان الله عمره مثل عمري، وبرجه مثل برجي. الفرق اللي
بيننا أنه بَطْران، وأنا طَفْران)!
كبرت مسألة الأمير احمد وكلامه والردود حوله، فقال
احدهم: فخّار يكسّر بعضه. ثم جاءت وكالة الأنباء السعودية
لتنقل لنا تصريحاً منسوبا للأمير احمد يقول فيه بأن (ما
نُشر في مواقع التواصل الاجتماعي غير دقيق). وجاءت صحيفة
عكاظ لتعميها بدل ان تُكحّلها، فذكرت اسم احمد بدون حتى
كلمة امير، او صاحب سمو ملكي، في عنوان يقول: (أحمد بن
عبدالعزيز يفضح تأويل المرتزقة: أمننا واستقرارنا قرار
قيادتنا).
استثير اعلام النظام بسبب هاشتاق (نبايع احمد بن عبدالعزيز
ملكا)؛ فكان لا بدّ من رد من الأمير احمد، الذي يُعتقد
بأن تصريح واس مجرد تأليف من الوكالة بأمر من ابن سلمان
نفسه. مع ان المبايعة لأحمد وضع من قبل معارضين لمجرد
النكاية بالملك وابنه، وليس رغبة فيه.
علق احدهم على مبايعة احمد بالمُلك:
المستجيرُ بعمروٍ عند كُربتهِ
كالمستجير من الرمضاء بالنارِ
وحين حاول سعد الفقيه في حسابه باسم مجتهد ان يبرر
دعمه لهاشتاق مبايعة أحمد؛ ردت مضاوي الرشيد: (لا أُبايع
أي شخص من آل سعود، كفانا تمييعاً للقضايا)؛ وقالت انها
لا تعول على أي أمير سعودي، فقد تربوا جميعاً على الغطرسة
والإستئثار ونكّلوا واغتالوا وتجبّروا). وأعلنت انها لا
تقبل لا بملكية مطلقة، ولا حتى بملكية دستورية، بل بحكم
الشعب؛ وانه لم يعد يهمها تلميع احد الأمراء بين الفينة
والأخرى، والنتيجة مزيداً من البلاء والنهب والقمع. وختمت:
(لم يبقَ إلا أن ينبشوا قبور آل سعود، ليطلعوا احداً من
أمواتهم ليحكمنا).
|