المملكة البربرية
ما كان ينقص ولي العهد محمد بن سلمان إلا أن تأتيه
النبال من الموقع الذي وضع أمواله فيها ليصنع من نفسه
ملكاً غير متوّج، وفي الساحة التي راهن عليها لتحقيق نجاحه.
التقارير والتعليقات التي تنشر في صحف ومجلات أميركية
حول شخصية ابن سلمان ورؤيته الاقتصادية، وسياسته الخارجية
تكاد تجمع على أمر واحد: الكارثة.
اختار ابن سلمان الفصل بين الليبرالية الاقتصادية والليبرالية
الاجتماعـ ـ سياسية، على أمل أن تنسي فتوحاته الاقتصادية
سجّله الأسود في مجال حقوق الانسان.
لم يكن يدرك بأن العالم تغيّر وإن نجاح من كان قبله،
لا سيما فيصل، في عزل تأثيرات الحداثة والليبرالية السياسية
عن التحديث بالمعنى التقني والمادي، لا يعني نجاحاً دائماً.
كيف وإن ابن سلمان أراد استخدام جيب المواطن كمصدر دخل
لدعم اقتصاد الدولة المأزوم، وفي الوقت نفسه: التنكيل
به وحرمانه من حقوقه. ذلك منطق المعاند للتاريخ وقوانينه.
الجمع بين الحرمان الاقتصادي والقمع السياسي، لا ينتج
الا انفجارات شعبية وإن تأخر موعدها. أن تسلب الناس أموالهم،
وفي الوقت نفسه تنكّل بهم اعتقالاً، وقتلاً، ومنعاً من
السفر، وتهديداً، فتلك والله من علامات انهيار الدول وزوالها.
في كل الأحوال، فإن ما أراد ابن سلمان تعميمه وسط الاعلام
الغربي، والأميركي على وجه الخصوص، حقّق نتائج عكسية.
في ذلك الوسط، أصبح ابن سلمان هدفاً وغرضاً ومثلاً للطغاة،
بل للمتوحّشين. هذا ما تبنّته صحيفة (الواشنطن بوست) على
مستوى «هيئة التحرير»، بمعنى آخر هو ليس مقالاً عادة ما
يختتم بالعبارة التي ترفع فيها الصحيفة أو المجلة مسؤوليتها
عما ورّد في مضمونها كأن يكتب «إن المقالة الواردة هنا
لا تعبر عن رأي الصحيفة». الأمر ليس كذلك هنا، فمن كتب
وصف (المملكة البربرية) لم يكن سوى هيئة التحرير في الصحيفة،
أي هو الموقف الرسمي لها.
بدأت افتتاحية الصحيفة في 25 أغسطس الماضي تحت عنوان:
(ثمن الاحتجاج في المملكة البربرية)، من البوابة التي
دخل منها ابن سلمان الى الرأي العام الاميركي والغربي
عموماً، حيث عملت المملكة السعودية على تلميع صورتها عن
طريق رؤية 2030، وأن نظامها سوف «يستمع الى وجهات نظر
المواطنين، وإلى كل الرؤى»، ويريد «أن يمنح الجميع الفرصة
ليقولوا كلمتهم».
ولكن الترجمة العملانية لذلك كانت عكسيّة تماماً، فالحقيقة
ليست جميلة، فمن يبدي وجهة نظره ويتحدّث في المملكة السعودية،
قد ينتهي به المطاف الى الموت بقطع الرأس.
وتورد الصحيفة مثالاً على ذلك: إسراء الغمام، وهي ناشطة
حقوقية شيعية تبلغ من العمر 29 عاماً، ألقي القبض عليها،
مع زوجها، موسى الهاشم، في ديسمبر 2015، وظلّت محتجزة
احتياطياً منذ ذلك الحين دون تمثيل قانوني. كانت إسراء
تقود مسيرات سلمية مناهضة لسياسات الحكومة في القطيف المضطرب
في شرق المملكة منذ ربيع عام 2011، داعية إلى وضع حد للتمييز
ضد الشيعة، والإفراج عن السجناء السياسيين.
لائحة الاتهام التي تقدّمت بها النيابة العامة ضد السيدة
الغمغام وزوجها ورفاقه لا تنطوي على جرم جنائي، وإنما
تدور حول «المشاركة في المظاهرات في منطقة القطيف» و»التحريض
على الاحتجاج»، وترديد شعارات «معادية للنظام»، و»محاولة
إثارة الرأي العام»، و»تصوير الاحتجاجات والنشر على وسائل
التواصل الاجتماعي»، و»تقديم الدعم المعنوي لمثيري الشغب»،
حسب اتهامات الحكومة.
في النتائج، ومن وجهة نظر «واشنطن بوست»، فإن حكام
السعودية غير متسامحين مع المعارضة، ويفرضون عقوبات صارمة
مثل السجن والجلد. في 6 أغسطس الماضي، طلب المدّعي العام
تنفيذ عقوبة الإعدام بحق السيدة الغمغام وزوجها وأربعة
آخرين. في حال تنفيذ الحكم، فإنها ستكون أول امرأة مقطوعة
الرأس في المملكة السعودية على خلفية الاحتجاج السلمي،
على الرغم من أن العقوبة تستخدم في كثير من الأحيان لجرائم
العنف. وقدم طلب المدعي العام ذلك من المحكمة الجنائية
المتخصصة، وهي محكمة مكافحة الإرهاب التي تستخدم بشكل
متزايد كذخيرة ضد المعارضة. من المقرر أن ينظر القاضي
في طلب عقوبة الإعدام في 28 أكتوبر القادم. إذا تم التمسك
به، فسيتم مراجعته من قبل الملك قبل تنفيذه.
في تعليق للصحيفة الغاضب جاء: «إن قطع رأس الناشط الحقوقي
على خلفية احتجاج لاعنفي هو بربري، سواء كانت الضحية امرأة
أو رجل. وهناك انتقادات لسجل المملكة السعودية الكئيب
في مجال حقوق الانسان في الآونة الأخيرة من قبل كندا،
وقد عدّتها السعودية تدخلاً في شؤونها الداخلية. ولكن
من المستحيل أن ننظر إلى الاتجاه الآخر في مثل هذه الممارسات
في العصور الوسطى، أو ينبغي أن يكون». وطالبت الصحيفة
حكومة الولايات المتحدة بصفتها أقوى ديمقراطية في العالم
(وهو ما لانعتقده)، بحشد صوت أقوى ضد الانتهاكات.
انخرطت المملكة في حملة متواصلة ضد المعارضة والاحتجاجات
السلمية. سجنت السلطات السعودية المدوّن رائف بدوي لأنه
اقترح أن المملكة بحاجة إلى الاعتدال، كما سجنت أخته سمر
بدوي بسبب انخراطها في الدفاع عن حقوق الإنسان. هل كانت
دعوتهما حقاً خطيرة؟ تتعهد رؤية 2030، خطة ولي العهد محمد
بن سلمان، بأن «قيم الاعتدال والتسامح» ستكون «أساس نجاحنا».
وتقول الوثيقة إن مبادئ المملكة السعودية تشمل «الحرص
على حقوق الإنسان».
نصحت الصحيفة محمد بن سلمان بأن يقرأ الكتيبات الخاصة
برؤيته، وأن يعتنقها بقلبه. وتختم: إنه يتصرف كما الطغاة
في عصر مظلم.
|