مطبّلون لا يستحون: أبا الخيل، السديس، القرني، الوزير السابق الطريفي، سليمان الأنصاري

المطبّل الكسول: سليمان أبا الخيل

مُطـبّـل.. قـصّ ولـصـق!

محمد الأنصاري

مشكلة أبا الخيل، ومن ورائه جيش من المطبّلين، ليس في التطبيل فحسب، وتلك مصيبة دون ريب،

ولكن في طريقة التطبيل. فهو يعتمد أسلوباً قديماً وممجوجاً، ولا يتقبّله الذوق العام، وهو لا

يعيش عصره فيعرف بأن الرقيب التكنولوجي أي “جوجل” يحفظ ما كتب من قبل ومن بعد.

كما في العشق: الناس فيه مذاهب، فإن التطبيل هو الآخر مذاهب، وأشهرها إثنان:

 

الأول ـ من ينعت الطاغية بصفات لا نصيب له منها، فيرفعه مقاماً عليّاً، ويجعل منه إلهاً يعبد من دون الله. ويرى فيه نابغة عصره، ووحيد دهره، ومن لم يجد الزمان بمثله، ولم تلد النساء نظيراً له، أو كما يقال: أن المصنع عمل منه نسخة واحدة وكسر القالَب!.

بطبيعة الحال، هناك من لجأ الى هذا النوع من التطبيل، ولكن لغاية أخرى، أي بهدف تسقيط الطاغية، لمعرفة من يستمع اليه وهو يكيل ألوان المديح بأنه إنما أراد أن يحرقه بنار المديح، كأن يقول عنه: «أنت مثل رسول الله في كرم أخلاقه، بل أنت الله في عدله وإنصافه..»، فهو يعلم أنه يكذب، والناس تعلم أنه يكذب، وقد يكون الطاغية نفسه يعلم بأنه يكذب، ولكن لا يقدر على معاقبته لأنه لم يأت بجرم يخصّ الطاغية، بل على العكس رفعه الى مقام لا يحلم به، وقد يطرب له وإن كان كذباً.

أحد الوزراء السابقين كان يشنّف أسماع أحد طغاة آل سعود بكلام معسول، وكان يقول فيه ما لم تقله الشعراء في الأنبياء. وحين سئل عن سبب إطرائه الفاضح، كان يجيب: أردت أن أرفعه مقاماً يكون الكذب فيه واضحاً حتى لا يصدّقه الناس، بل يستهجنونه، ويمجّونه، ويكون سبباً لمقتهم له.

الثاني ـ وهناك نوع آخر من المطبّلين، وهم الذين يلقون المديح على من هب ودب، طمعاً في مكافأة ومتاع في الدنيا. لايتوقفون عند هوية من يحكم، ولا ماهية سياساته، ولا يكترثون بما يقوله الناس عنه. لا يعنيه ذلك كله، وإنما هو معني بما يمكنه الحصول عليه من «أُعطيات»، فقد اعتاد على ذلك، بل اشتهر به، وبات علماً من أعلام التطبيل والتمجيد وتدبيج النعوت الفارغة..

في المملكة السعودية مطبّلون، لا يعرفون بسيماهم الا حين يزداد القمع، وتملأ السجون بأهل الرأي، ويكثر الساخطون على أهل الحكم، فيميز الخبيث من الطيب، في زمن لا يجوز فيه الوقوف في المنطقة الرمادية.

 

سليمان بن عبد الله أبا الخيل هو أحد المشاهير الكبار في مذهب التطبيل. كان على هذا المذهب منذ أن تفتّحت عيناه على السلطة وحياة القصور. كان يدبّج المقالات في مدح ملوك وأمراء آل سعود في الصحف والندوات والمقابلات التلفزيونية، وكان لا يخفي ذلك. وقد كافأه سلمان على ذلك فأصدر أمراً ملكياً في 24 سبتمبر 2015 بتعيينه وزيراً للشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد.

ولكن تلك الفرحة لم تطل أكثر من شهرين ونصف، حيث أعفي من منصبه واستبدل بشخص آخر من آل الشيخ، أي الشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ، ولكنه عاد لتولي منصب مدير جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، وعضو هيئة كبار العلماء.

له في مديح السلطان خبرة وفنون لا يعلمها حتى الغارقون في عشق الطغاة. يكره ما يكرهون ويحب ما يحبون، ويتقرّب اليهم بما يودّون. مثلاً: له موقف نقدي لتركيا لم يصدر عن أحد في هذا الكوكب، فقد قال عنها بأنها: فاجرة فاسقة و»منهجها الإخواني»، ووصفها بأنها «أشد دول أوروبا في الفساد والفجور والبعد عن دين الله».

في المقابل كان يختار من طرق النفاق أسهلها وأبلغها أثراً، وبعضها، على العكس من ذلك، يبعث على السخرية ويشكّل فضيحة. على سبيل المثال، أشاد أبا الخيل في مقطع مصوّر نشر على مواقع التواصل الاجتماعي في فبراير الماضي يشيد فيه بأحد المبتكرين يتمثل بنبتة مكتوب عليها «أنا أحب المملكة» باللغة الانجليزية، والتي تبيّن أن هذه النبتة تباع في المتاجر داخل المملكة، وتباع في متجر أمازون الالكتروني الشهير. وقد أثار مقطع أبا الخيل عاصفة من التعليقات الساخرة، وتساءلت عن ماهية الانجاز في نبتة «الفاصوليا السحرية» كما أطلق عليها. فاضطرت جامعة محمد بن سعود الى إصدار بيان توضيحي لدفع التهمة عن نفسه وعن مديرها الذي يريد استغلال كل حادث من أجل تمرير «مديح» هنا و»إطراء» هناك طمعاً في دنيا الطغاة.

 

مشكلة أبا الخيل، ومعهم كثيرون، أنهم يطبّلون «عمياني»، دون حتى قراءة ما يكتبون أو يقرؤون، لمجرد أنهم يبحثون عن ثمن لهذا التطبيل. وفي هذا العدد سوف تجدون أن بعضهم، مثل سلمان الأنصاري، الذي يتزعم اللوبي السعودي في الولايات المتحدة، يقعون في شر تطبيلهم كما حصل لمقال تهكمي نشرته مجلة «نيوزويك» نهاية الشهر الماضي، فأغراه العنوان اعتقاداً منه بأنه تطبيلي، ولم يقرأ مضمونه الذي كان مملوءاً بألوان السخرية من محمد بن سلمان، الذي يريد أن يجعل من الجزيرة العربية عظيمة مرة أخرى.

أبا الخيل هو من هذا النوع، تماماً كما عبد الرحمن السديس إمام الحرم المكّي الذي «تكرّش» من «شرهات» التطبيل، حتى أنه ألقى خطبة يهاجم فيها معتقلي الرأي، وكاد أن يحمّلهم مسؤولية الاحتباس الحريري، ولسان حاله «إشهدوا لي عند الأمير».

لا يختلف عنهم الشيخ عايض القرني، الذي سرق قصيدة للشريف البياضي ووظفها تطبيلياً لأحد الأمراء، كما فعل الوزير التطبيلي عادل الطريفي الذي سرق أبياتاً لأحمد شوقي في وصف آثار أسوان، والمضحك في الأمر أن الطريفي قالها أمام من يفترض فيه شاعراً وهو خالد الفيصل، ومع ذلك مرّت السرقة، لولا أن فضحه مغرّدون.

عودٌ على سلمان أبا الخيل، الذي لا يزال يعيش زمن ما قبل «النت»، حيث كان يطبّل على أمل أنه لن يراه أحد. وكما يقول الممثل الكوميدي يونس شلبي «انا شريف.. المهم في النهاية ما اتمسكش»، فالشريف شريف طالما لم يقع في شر أعماله، ويُلقى القبض عليه متلبّساً بالجرم المشهود.

 

وبالرغم من غزارة كتاباته في التطبيل، الا أن لغته التطبيلية «تكلّست» حتى لم يعد قادراً على تطويرها، فصار على مدى قرابة عقدين يردّد مقطعاً، بل مقاطع، بالحرف، بدأه بمدح فهد، فلما مات استعمله في عهد عبد الله، ولما مات استعمله في عهد سلمان، ومعهم ولي عهد كل منهم ووزير داخليته.

اختار أبا الخيل موسم الحج، أو بالأحرى نهاية الموسم، ليدشّن حفل تطبيله بحق الملك وولي عهده ووزير داخليته. قول واحد يتكرر منذ موسم الحج لعام 1421 للهجرة حتى حج العام المنصرم 1439هـ.

في مقالة له في صحيفة (الجزيرة) بتاريخ الثاني من إبريل سنة 2000 بعنوان (الحج والنجاح المتميز)، وكان حينذاك يشغل منصب وكيل جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية. فبعد سرد طويل تطبيلي حول انجازات آل سعود من عبد العزيز ومن بعده، على مستوى الامن والرفاه وباقي السيمفونية المعروفة، لا سيما حول توسعة الحرمين الشريفين، الى أن يصل الى مدح رجال الأمن حيث يعدد صفاتهم ومنها: “الاخلاص والاحتساب في خدمة دينهم وعقيدتهم، وبلادهم، وولاة أمرهم، ولا غرابة في ذلك ما دام أنه يقف وراءهم ويوجههم ويشرف عليهم، ويتابع أعمالهم بدقة وبصورة لا مثيل لها ذلك الرجل المتميز والمدرك الواعي، صاحب السمو الملكي الامير نايف بن عبدالعزيز وزير الداخلية وفقه الله”.

وفي عدد 235 من مجلة (الامن والحياة) لشهر ذي الحجة 1422 الموافق لشهري فبراير ومارس سنة 2002 كتب ابا الخيل مقالة بعنوان (فلا رفث ولا فسوق في الحج) اشتملت على المقاطع التمجيدية ذاتها بالنص تحت عنوان فرعي (الحج والنجاح المتميز).

وتكرّرت لغة التطبيل ذاتها في سنوات لاحقة. فقد كتب مقالة في صحيفة (الجزيرة) في 25 يناير سنة 2007، أي بعد تولي عبد الله مقاليد السلطة بنحو عام ونصف، كتب مقالة بعنوان (هنيئاً لك يا ملك الإنسانية والإسلام بالنجاح المتميز للحج)، وبعد السردية المعهودة والمملّة، تحدّث عن "التوسعة المنقطعة النظير للحرمين المكي والنبوي التي أولتها دولتنا الرشيدة بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز وسمو ولي عهده الأمين..". ثم أعاد المقطع حرفياً حول رجال الأمن الوارد أعلاه المتضمن مدحاً للأمير نايف.

 

وعاد في 24 ديسمبر 2008، وقد أصبح مديراً لجامعة محمد بن سعود الاسلامية، وكتب مقالة في صحيفة (الجزيرة) بعنوان (جهود مباركة وأعمال عظيمة ونجاح للحج باهر، فهنيئاً لك يا خادم الحرمين الشريفين). وأعاد سردية المديح الهابط لعبد العزيز، ومن بعده واستتباب الأمن والرفاه، لينتقل بعدها الى «التوسعة المنقطعة النظير للحرمين المكي والنبوي التي أولتهما دولتنا الرشيدة بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز وسمو ولي عهده الأمين...الخ”. وينتقل بعد ذلك الى محطة رجال الأمن ويعيد تكرار المدائح ذاتها..“مع الإخلاص والاحتساب في خدمة دينهم وعقيدتهم، وبلادهم، وولاة أمرهم، ولا غرابة في ذلك ما دام أنه يقف وراءهم ويوجههم ويشرف عليهم، ويتابع أعمالهم بدقة وبصورة لا مثل لها ذلك الرجل المتميز والمدرك الواعي صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبد العزيز وزير الداخلية وفقه الله”.

وبعد مرور شهر على تعيينه وزيراً للشؤون الاسلامية والأوقاف والدعوة والارشاد، كتب أبا الخيل في 20 أكتوبر 2015، أي في عهد سلمان، مقالة في صحيفة (الرياض) بعنوان رئيسي (أصول ثابتة ومبادئ واضحة وحقائق مشرفة)، سرد فيها تاريخ ال سعود منذ عهد محمد بن سعود ومحمد بن عبد الوهاب، ثم انتقل الى عبد العزيز، وبحرفية تامة منقولة من مقال التمجيد السابق المتكرر، حول استتباب الأمن والرفاه، ثم نقل فقرات من خطاب سلمان حول الخدمات التي تقدمها دولته للحجاج والمعتمرين، وقد زاد أبا الخيل عليها من «بهاراته».

ما يلفت أن مديحه لرجال الأمن هذه المرة اختلف قليلاً في الخاتمة فبدل أن يكون المديح للأمير نايف، أصبح لسلمان ووزير داخليته السابق محمد بن نايف، فبعد أن أحصى شمائل رجال الأمن وتعاونهم عطفها على “الإخلاص والاحتساب في خدمة دينهم وعقيدتهم، وبلادهم، وولاة أمرهم، ولا غرابة في ذلك ما دام أنه يقف وراءهم بعقله الكبير وعاطفته الجياشة، وأبوته الحانية ووفائه المعهود وتوجيهاته السديدة، خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، ويشرف عليهم، ويتابع أعمالهم بدقة ووعي صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف بن عبدالعزيز ولي العهد ووزير الداخلية”. ولم يكتف هذه المرة بالتطبيل لسلمان وولي عهده، بل تنبّه الى ضرورة إشراك ولي ولي العهد محمد بن سلمان، فخصّهم بالدعاء بأن “يوفق ويسدد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وسمو ولي عهده صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف بن عبدالعزيز، وسمو ولي ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز، ويعزهم ويمكنهم ويرفع من شأنهم..”.

 

أعفي أبا الخيل من منصبه وزيراً، ولكنه لم يكف عن التطبيل، وقد أعيد تعيينه مديراً لجامعة محمد بن سعود الاسلامية بالرياض، وأصبح عضواً في هيئة كبار العلماء، وكتب في صحيفة (الرياض) في 9 سبتمبر 2017 مقالة بعنوان (هنيئاً لخادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين النجاح المتميز والباهر لموسم الحج 1438هـ).

نفس العبارات التمجيدية، ولغة التطبيل ذاتها كست مقالته، وإن شرّق فيها وغرّب فقد أسهب في التطبيل حد البلادة. ولأنه يعلم بأنه يكذب، ولأن النفاق قد يولد الخداع ولكنه يخلو من الإبداع، فقد اختار من الكلمات أبسطها، والمعاني أسفلها، فصار يتقلّب في مديح سلمان وإبنه، بعد أن خلى لهما الجو بعزل منافسه، أي محمد بن نايف، الذي كان الناس يعتقدون بأنه أسد فبداً لهم أنه هرٌ ولكن «يحكى انتفاخاً صولة الأسد». ولم يكن ابا الخيل ينسى «رؤية» ابن سلمان المشحونة بالآمال الخادعة، حيث أعاد وصف «التوسعة العملاقة للحرمين الشريفين» الذي أسبغه على عهد عبد الله، فصارت صالحة للاستعمال البشري في عهد سلمان.

وختم مقالته بالتوقف عند جهود رجال الأمن ليمرّر مديحه لمحمد بن سلمان حصرياً، وبالكلمات نفسها: “مع ‏الإخلاص والاحتساب في خدمة دينهم وعقيدتهم وبلادهـم وولاة أمرهم، ولا غرابة في ذلك مادام أنه يقف وراءهم ويوجههم ويشرف عليهم ويتابع أعمالهم بدقة وبصورة لا مثيل لها ذلك الرجل المتميـز، والمدرك الواعي، صاحب السمو ‏الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي العهد وزير الدفاع..”. وختم مقالته التطبيلية بالدعاء لسلمان وإبنه.

مشكلة أبا الخيل، ومن ورائه جيش من المطبّلين، ليس في التطبيل فحسب، وتلك مصيبة دون ريب، ولكن في طريقة التطبيل. فهو أولاً يعتمد إسلوباً قديماً وممجوجاً، ولا يتقبّله الذوق العام، وثانياً هو لا يعيش عصره بحيث يعرف بأن ما يكتبه أو يلفظه هناك رقيب تكنولوجي إسمه «جوجل» أو «فايرفوكس» أو غيرهما من محرّكات البحث قادرة على فضح ما يكتب بعملية بحث خاطفة.. فلو انشغلوا بما هو مفيد لهم ولشعوبهم كان أجدى وأنفع، وكان لهم خير وسعادة الدنيا والآخرة.. أما الملوك وحياة القصور وإن بدت مغرية ومغوية فإنها زائلة.

الصفحة السابقة