Fatwas.com

د. مي يماني

قطع الأعناق أون لاين، وفتاوى أون لاين: إن العالم الخفي للحافة الراديكالية للاسلام يمكن العثور عليه في مواقع لا حصر لها على شبكة الانترنت. فالارهابيون المدججون بتكنولوجيا شديدة التعقيد قادرون على الوصول الى قطاع واسع من الجمهور عبر الانترنت، ولكن هذا الجمهور باق ويستمع لهم بسبب عمق السخط والغضب لدى كثير من الشباب المسلم في كافة الارجاء. يعتقد الغرب بأن هذا الغضب هو اشارة الى صدام ما بين الحضارات، ولكنه ناتج في واقع الأمر وبصورة رئيسية عن انتفاض هؤلاء الشباب على قادتهم الفاسدين وخضوع وانصياع قادتهم للولايات المتحدة. لقد خلق الانترنت مجمتمعاً عالمياً من المعزولين المنسلخين والناقمين.

هناك أسباب حقيقية لهذا الامتعاض والمرارة، فقد فشل معظم حكّام المسلمين في تلبية حاجات شعوبهم، وأكثر من ذلك، فإن هذه الانظمة التسلطية سعت دائماً الى السيطرة والتبشير بنموذج محدد من الاسلام، لأن النظرة اليهم بوصفهم حكاماً غير شرعيين تزايدت كما أن النموذج القديم للاسلام لديهم بات مرفوضاً، ولذلك فإن المحبطين والمستائين يهربون للبحث عن إسلام يلبي تطلعاتهم وتوقعاتهم.

إن السبب الذي يجعل الكثير من مواقع فتاوى دوت كوم جاذبة لأولئك الممتعظين والساخطين هي بأن ليس هناك سلطة مركزية للامة الاسلامية في الوقت الراهن، ولذلك فإن هذه المواقع تبدو وكأنها تتحدث بسلطة أصيلة وشرعية. إن الانظمة التسلطية، سواء كانت الشيعية في ايران أو الوهابية في السعودية سعت وفشلت في إحتكار الاشكال الاستثنائية للدغما الاسلامية.

لقد نجحت هذه الانظمة في قمع التعددية والفردية لدى الشعوب التي يحكمونها، ولكن الاسلام كان دائماً تعددياً. من خلال إذلال واهانة والتقليل من شأن ونفي شرعية أي نزعة إسلامية تتعارض مع مفهوم الحكم، فإنهم لا يقوّضون التعددية بل يدفعون بها الى تحت الارض. إن تكنولوجيا اليوم تسمح لمن هم تحت الارض بالحديث وباللقاء.

ولكن الاسلام كان يقّر دائماً بالاختلافات، فقد روي عن الخليفة علي بن أبي طالب قوله بأن (قوتنا في إختلافاتنا). فخلال ألف سنة خلت مثّلت مكة ذلك، أي المكان الذي عاش فيه الاسلام التعددي. فخلال العهود التي كانت مكة تحت الحكام الهاشميين التقليديين، المتحدّرين من النبي محمد، تناظرت كافة المذاهب وتبادلت المعرفة داخل المسجد الحرام. فأولئك الذين ينتمون الى المذاهب السنية الاربعة وهكذا الشيعة والزيدية والاسماعيلية وغيرها، وأولئك الذين ينتمون الى جذور وعروق مختلفة مثل الهنود والاسيويين، والفرس، وشعوب الاطلسي، والمغاربة والافريقيين والاتراك، فهؤلاء جميعاً يقرّون باختلافاتهم ولكنهم يلتقون على مصدر واحد وهو القرآن.

فقبل أن يبدأ الحكم السعودي (بالتحالف مع الوهابيين) في سنة 1932، كانت مكة أممية ومنفتحة، ولكن الوهابيين سعوا الى إخضاع مكة لنموذج الاسلام الخاص بهم. وقد نجحت هذه المحاولة لبعض الوقت، سواء في مكة أو في جهودهم لتصدير عقيدتهم.

وعلى أية حال، فإننا نرى اليوم فشل المشروع الوهابي في احتكار الاسلام. إن الفتاوى الصادرة عن أكبر عالم وهابي بن باز مثل تلك المشهورة التي صدرت قبل حرب الخليج الاولى والتي تقول بأن الارض مسطّحة، قد فقدت، بما لا يدع مجالاً للدهشة، صلاحيتها ومصداقيتها. إن هذا الجهل حين يلتقي مع الفساد الواسع ونفاق الحكم، يفرّغ الاحكام الدينية من معانيها.

ونحن نشهد الآن اختطاف الاسلام من قبل رجال غاضبين متطرفين تربوا على العقيدة الوهابية ولكن يتميزون بالعالم الذي ورثوا.

إن الفتاوى التي تم ترويجها بعد بن باز كانت دائماً في الغالب تثير الفزع في عدم تسامحها وعنفها وتظهر بصورة مؤكدة بأنها رجعية ومناوئة للحداثة. إنها لا تتعارض مع الغرب فحسب بل ومع العصر الذهبي للاسلام حين برز علماء الفلك، وعلماء الرياضيات، والاطباء، والفلاسفة، والأدباء المسلمين.

وبالرغم من أن الانترنت يبدو كما لو يضفي جّدة على التعددية الاسلامية، فإن فتاوى الانترنت اليوم هي أوامر غير خاضعة للنقاش، وليست دعوة لخلاّقية متجددة.

إن مئات المواقع تنافس الآن كيما تكون مكة الجديدة، المكان الذي يرجع اليه المسلمون المخلصون للهداية والارشاد. إن أشدّ المواقع تطرفاً تبشّر بأفكار القاعدة وأخوتها الايديولوجيين، وتشمل هذه موقع الاحتفال لشاب من المرشّحين للشهادة بتفجير إنتحاري، فيما المواقع الأخرى كالتي يسيطر عليها سعوديون مثل

www.geocities.com/um_anas تعتبر أقل عنفيّة ولكنها زادت في سعة نطاق الاثم بحيث يشمل تعلّم اللغة الانجليزية، والعلوم، ونكران حق المرأة في الدخول الى الانترنت بدون حضور محرم (رجل). إن مواقع فتاوى أون لاين لا تأوي الخصومة تجاه الغرب فحسب ولكن تجاه المسلمين الآخرين أيضاً.

فقد دعى العلماء الوهابيون على سبيل المثال للجهاد ضد هرطقات الشيعة واعدين القائمين عليها بثواب الجنة. إن أغلب هذه الفتاوى تنطوي على جنبة عنف تنفيها المؤسسة السعودية على الفور كونها تنتمي الى العصور الوسطى. وعلى أية حال، فإن حقيقة الأمر هي أن هؤلاء المتطرفين هم ظاهرة حديثة، ومنتج الانظمة السياسية الفاشلة في العالم الاسلامي، وتذكير بعودة المضطهدين. إن المقموعين، والذين يبعد اختفاؤهم، عائدون من تحت الارض في هيئة مفزعة من أجل إثارة الرعب في العالم الذي نشأوا فيه. وبصرف النظر عن المحاولات التي يبذلها الحكام في البلدان الاصلية للمقموعين من أجل إدارة ظهرهم لهؤلاء او نفي وجودهم فإنهم لن يكونوا قادرين على الهرب من خصوبتهم.

لقد منحت العولمة والتكنولوجيا وطناً جديداً لهؤلاء كيما يزاولوا الاسلام الذي يرونه، وليس هناك سلطة في عالم الانترنت هذا لديها القدرة على إسكات أو اشباع رغبة هؤلاء.