أعضاء اللجنة المركزية للحزب السعودي يديرون مملكة
متهالكة
إنتخاب أوغلو التركي: صفعة جديدة للمكانة السياسية
السعودية
ظاهرة عمليات الجراحة في الركبة للأمراء السعوديين
تمثل العلامة الفارقة لدى الأسرة السعودية، ابتداءً من
الملك المؤسس، الذي أهداه روزفلت (حصان إبليس) ويقصد به
(الكرسي المتحرك) او Wheel Chair، لكي يعينه على المشي..
وانتهاء بالملك الحالي، ومروراً بعدد غير قليل من الأمراء:
سلطان، مشعل، نايف، وماجد.. ممن أجروا هم وغيرهم عمليات
في الركب!
غير أن العلامة الفارقة هذه ليست الوحيدة، فالأمراء
الكبار يتقاسمون هذه الأيام خصوصيات إضافية:
إحداها أنهم معمرون (الملك 86 سنة، وعبد الله 84، ومشعل
83، وسلطان 82، وأما الشاب نايف فيبلغ من العمر79 عاماً
فقط)!
الخصوصية الأخرى، أنهم جميعاً لم يتعلموا إلا بقدر
لا يزيد كثيراً عن (فك الخط)، فالحمد لله إنهم كلهم تعلموا
في (الديوان الملكي) أصول الحكم وإدارة الدولة، ولهذا
لا يستغرب منهم الجهل وعدم التقدير للكفاءات وعدم الإهتمام
أصلاً بالأبحاث والدراسات والقراءات العلمية للأحوال الإجتماعية
والإقتصادية والسياسية.
والخصوصية الثالثة، أنهم يعانون من أمراض مزمنة، بل
ومن إعاقات أحياناً كما هو الحال بالنسبة للملك، حيث أُصيب
بالجلطة في الدماغ، جعلته من الناحية الفعلية فاقداً للإدراك.
أما الأمير عبد الله، ففضلاً عن كونه ضعيف القابليات الذهنية،
فإنه أصيب حتى الآن بثلاث أزمات قلبية، فضلاً عن مشكلات
صحية أخرى. اما الأمير سلطان، فلازال يعيش فترة نقاهة
بعد استئصال أورام سرطانية من الأمعاء، والمعدة، وهو الآن
يعالج بالكيميائي، للقضاء على ما تبقى من الخلايا السرطانية،
وقد قدم الأطباء رأيهم بأن الأورام ستعود الى البروز على
الأرجح، وحينها لن يكون هناك إمكانية لاستخدام العلاج
الكيميائي في قتل الخلايا السرطانية مرة اخرى. أما مشعل،
الذي يكبر سلطان في العمر، فقد دخل المستشفى أكثر من مرة،
كما حدث في العام الماضي حيث عولج في اوروبا، وفي هذا
الشهر حيث دخل المستشفى في بيروت، ومثله الأمير نايف الذي
أجرى العام الماضي عملية جراحية أيضاً. وهكذا فإن رجال
الحكم تنتابهم الأمراض، وهم من الناحية العمرية معمّرون،
ومن الناحية الذهنيّة فإنهم في مجملهم ضعيفي الإدراك والإستيعاب
للواقع السعودي المعاصر، وغير قادرين على إبداع الحلول
اللازمة للمشاكل المتفاقمة في البلاد بشتى أسمائها وأنواعها.
وفي ظل هذه القيادة المعمّرة التي تسير بغير هدى، ونتيجة
الأخطاء القاتلة، والسير وراء السياسة الأميركية، فقدت
المملكة خلال العقدين الماضيين الكثير من رصيدها
بين جمهورها المحلي، وكذلك مكانتها في العالم الإسلامي،
فلم يعد لها ذلك الشأن المميز لا على الصعيد الخليجي ولا
العربي ولا حتى الإسلامي. فنحن نشهد منذ سنوات عديدة تحولات
عميقة في مكانة المملكة خليجياً، حيث بدت دول الخليج وكأنها
غير آبهة برأي السعودية في الكثير من القضايا الأمنية
والإقتصادية الحيوية، ولم يعد الأخ الأكبر، وهي الصفة
التي تطلق على السعودية، قادراً على فرض هيبته وسياسته
كما كان يفعل في الماضي، لا من خلال الإتصال والعلاقات
المباشرة، ولا عبر بوابة مجلس التعاون الخليجي نفسه. وفي
الحقيقة فإن المملكة انخرطت في صراعات مع دول خليجية كقطر،
وتسود علاقاتها مع الإمارات وعمان الفتور والبرود، في
حين لاتزال الكويت محافظة على المعروف السعودي الذي تجلّى
في حرب تحرير الكويت، أما البحرين فهي تقتات وتعيش على
الدعم السعودي والخليجي عموماً، حيث تبرعت الحكومة السعودية
بحصتها من نفط بئر ابو سعفة المشترك، وأصبح مطار البحرين
من الناحية العملية مطار المنطقة الشرقية، وكأن الكوارث
التي تحلّ بالسعودية أمنياً واقتصادياً تثمّر في البحرين
للإرتقاء بحالتها الإقتصادية والأمنية.
اما على الصعيد العربي، فقد هبطت مكانة المملكة الى
الحضيض، على مستوى مساهمتها السياسية والإقتصادية في الموضوع
الفلسطيني، وفي حل المشاكل العربية، كما كانت المملكة
تصنع فيما مضى. حتى أن دولاً صغيرة باتت تحتل مكانة أكبر
من حجمها السياسي في غياب السعودية وانشغالها بمشاكلها
الداخلية.
وعلى الصعيد الإسلامي أيضاً، لم تعد الحكومة السعودية
ممثل المسلمين في العالم، بل لم يقبل الآخرون منها ان
تكون كذلك، بعد أن كانت هذه القضية مسلمة لا فكاك منها.
والسبب هو التوترات التي نشأت في كثير من بلدان العالم
الإسلامي بسبب تصدير أيديولوجيا العنف الوهابية.
ومن أبرز تجليّات انحطاط مكانة المملكة على المستوى
الإسلامي، هو سقوطها الذريع في اجتماعات منظمة المؤتمر
الإسلامي في يونيو الماضي، وترشيح التركي أكمال الدين
إحسان اوغلو ومن ثم نجاحه في الوصول الى رئاسة المنظمة،
خلافاً لرغبة السعودية، التي سقط مرشحها البنغالي، صلاح
الدين قادر شودري!
ولمعرفة أداء الحكومة السعودية عن قرب تجاه هذه القضية،
فإنه وقبل اجتماعات اسطنبول في يونيو الماضي، زار عبد
الله غول وزير الخارجية التركي، وبرفقته أكمال اوغلو المملكة،
واجتمعا أولاً مع وزير الخارجية سعود الفيصل، وطلبا دعم
المملكة للمرشح التركي. وقد وعدهما الوزير السعودي بذلك
وطمأنهما الى النجاح مادامت المملكة تقف وراء المرشح التركي.
وقبل عودة الوفد التركي التقى بولي العهد السعودي، فأكد
الأخير على موقف وزير الخارجية، ومازح الوفد وتلطف معهم،
وأقرّ بأن المرشح التركي أفضل الموجود، وأثنى على العلاقات
التركية السعودية.
بعد فترة وجيزة عقد مؤتمر وزراء خارجية الدول الإسلامية
في اسطنبول في 14يونيو الماضي. وغاب وزير الخارجية السعودي
عن المؤتمر لأنه كان في إجازة قضاها خلافاً لما هو مألوف
لدى الأمراء في إحدى الدول الأفريقية، وقد اعتاد سعود
الفيصل أن يقضي اجازته في افريقيا. المهم، أن رئيس الوفد
السعودي لدى الإجتماع، تلقى اتصالاً من الأمير سلطان وهو
على فراش النقاهة، يأمره فيه بأن يقف الى جانب المرشح
البنغالي، خلافاً للوعود السابقة التي قدمت لتركيا، وخلافاً
لرأي وزير الخارجية وولي العهد.
عبد الله مع التركي وسلطان مع المرشح البنغلاديشي!
|
تبيّن أن بنغلاديش كانت موعودة من قبل سلطان بأن تقف
المملكة الى جانب مرشحها. لكن هذا المرشح، قد تعرض لهجمة
حادة في بلاده، من خلال الصحافة، تتهمه بالفساد الأخلاقي
والمالي، وتطالب بعزله من وظيفته وعدم ترشيحه. ونظراً
للفضائح التي نشرت، حاول مسؤول الوفد السعودي الى اسطنبول
ان يغير رأي سلطان، ولكن دونما فائدة.
أما الأمير عبد الله ولي العهد، فقد تأكد أنه لا يحل
ولا يربط إلا في القليل النادر، ولم يستطع أن يجابه سلطان
الذي حطّ بمكانته الى الحضيض.
لقد فوجئ الأتراك في اجتماعات اسطنبول بالموقف السعودي
الجديد، ورأوا الوفد السعودي يطوف على وفود الدول الأخرى
محاولاً إقناعها بالمرشح البنغالي، الذي وصلت أخباره السيئة
الى أروقة المؤتمر، ولكن كل تلك الجهود السعودية ذهبت
أدراج الرياح، واكتشف السعوديون أن مكانتهم جدّ ضحلة.
فقد صوت مؤتمر وزراء خارجية الدول الإسلامية الذي يمثل
57 دولة، لصالح المرشح التركي أكمال الدين إحسان أوغلو،
وذلك في 15 يونيو الماضي، ليخلف المغربي عبد الواحد بلقزيز.
والمعلوم ان اوغلو من مواليد مصر ويتحدث الانجليزية والعربية
بطلاقة، وقد رأس مركز بحوث التاريخ والثقاقة والفن الاسلامي
التابع للمؤتمر الاسلامي في اسطنبول.
كانت السعودية تعتقد أن مرشحها سيفوز أياً كان المرشح،
ولكن وجد الوفد السعودي أن أجواء المؤتمر لا تميل الى
المرشح البنغالي، وحاول في الكواليس عمل لوبي مضاد بالتعاون
مع مصر دونما فائدة كبيرة.
الإستغراق السعودي في التفاؤل، باعتبار السعودية ممثلة
الإسلام!، عبرت عنه جريدة الرياض في 14 يونيو الماضي،
التي كالت المديح للمرشح البنغالي وأجرت مقابلة معه، وقالت:
(يحظى المرشح البنغلاديشي لامانة منظمة المؤتمر الاسلامي
بدعم خليجي في حملته للحصول على هذا المنصب). وهذا بالقطع
غير صحيح، حيث لم ترشحه أية دولة خليجية عدا الرياض! وقالت
الرياض: (إن الكفة ترجح لصالح المرشح البنغالي شودري حيث
انه أعلى مرتبة بين المرشح الماليزي الذي يحتل مرتبة سفير
والمرشح التركي الذي يحتل مرتبة مدير عام لمركز الابحاث
الاسلامية). لم تكتف الرياض بذلك، بل طعنت في المرشح التركي،
وهو من الإسلاميين الذين يفترض أنهم أقرب الى نهج السعودية
من المرشح البنغلاديشي المعروف بفساده، وقالت الرياض معبرة
عن الرأي الرسمي: (ستكون العلمانية هي العائق الأكبر امام
المرشح التركي البروفسور اكمل الدين احسان اوغلو رئيس
مركز الابحاث الاسلامية).. وأضافت بأن (عدم دعمه من بعض
الدول الاسلامية بسبب المنهج العلماني قد يضعف آماله)،
مشيرة الى موقف السعودية منه. وأكملت: (ان المرشح التركي
يعتبر اقل المرشحين الثلاثة حظا في الفوز بالمنصب لعدة
اسباب ابرزها انتهاج دولته منهج العلمانية كنظام سياسي
لها، وكذلك عدم توليه مناصب أعلى من مناصب المرشحين الآخرين).
لكن المفاجأة شلّت الحكومة السعودية كما شلّت جريدة
الرياض، التي لم تنشر مجرد خبر فوز أوغلو!
لقد حصل اوغلو على 32 صوتاً مقابل 12 صوتاً لكل من
المرشحين الآخرين. وقد رشحت معظم الدول العربية أوغلو
للمنصب، خلافاً لرأي السعودية ومصر اللتان سقطتا في أول
انتخابات في المنظمة، وكانت العادة أن يفوز مرشح مصر والسعودية
ولكن في هذه المرة رفضت توجيهات اللوبي المصري السعودي،
الأمر الذي يعني تراجع كل اساليب الهيمنة القديمة البالية،
خاصة بالنسبة للسعودية التي يفترض أن تدرك بأن مكانتها
قد تزلزلت على أكثر من صعيد، وهي صائرة الى تزلزل أكثر
في قادم السنين، للأسباب التي ذكرناها في بداية المقالة،
وبسبب الخلافات بين أمراء العائلة المالكة في تحديد توجهات
السياسة الخارجية.
|