الحكم السعودي: الإنحطاط النهائي
نشرت مجلة (العالم اليوم ـ The World Today) الصادرة
عن المعهد الملكي للشؤون الدولية في عددها السابع من المجلد
الستين والصادر في يوليو الحالي مقالاً للدكتور مي يماني
بعنوان: الانحطاط النهائي، وفيما يلي ترجمة النص الانجليزي:
ما هو تعريف الدولة الواهنة او العاجزة؟ إذا كان هو
افتقارها الى سيطرة مركزية واضحة، وعنف متزايد، وعجز عن
توحيد القوى المتعارضة والمتنافسة، وانعدام تام في الثقة
بين الحكام والمحكومين، إذن فإن السعودية بالتأكيد ينطبق
عليها ذلك الوصف.
إن السؤال الرئيسي هو ما اذا كانت القوات السعودية
أو الاميركية قادرة على وقف العنف والتفسخ الحاصل الآن
في المملكة. وكما أظهرت أوروبا الشرقية بصورة حسنة فحسب
في أواخر الثمانينات، فإن القوة وحدها ـ أو التلويح بها
ـ لم تكن كافية لمنع انهيار الامبراطورية السوفييتية.
يبقى أن للقوة دوراً ضئيلاً تقوم به من أجل انقاذ النظام
السعودي، محتارة بين مطالب العلماء المتشددين والقوى القبلية.
إن القيادة العليا غير قادرة حتى على الثقة في أو الاعتماد
على أمرائها أنفسهم الاثنين وعشرين ألفاً، الذين قد يعقدون
صفقات من وراء ظهرها، سواء مع المتشددين الاسلاميين أو
الاميركيين. إن الثقة هي الاسمنت الذي يشدّ أطراف أي حكومة
مؤثرة ببعضها، وقد خسر آل سعود أجزاء كبيرة من هذه الثقة.
مصير أولياء النعمة
مالذي أدى بالقادة السعوديين الى هذا المفترق الخطير؟
لقد تحالفوا في البدء مع الاقلية الدينية المتشددة ـ الوهابيين
ـ والتي لم تكن بأي حال تعكس معتقدات أو تطلعات أغلبية
السكان، فقد أسبغت عليهم مشروعية، ولكن في المقابل دفع
الشعب ثمناً باهضاً.
وبفعل النفوذ الوهابي، فإن العائلة المالكة السعودية
ضخّت ملايين الدولارات في المؤسسات التي غذّت الايديولوجية
المتشددة للطلاب في الداخل وفي أجزاء عديدة من العالم
الاسلامي. وبحلول الوقت الذي أنهى فيه هؤلاء الخريجون
دراساتهم، فإنهم لم يعودوا بحاجة الى أولياء النعمة الاصليين
في الرياض، وما يلبثوا أن ينقلبوا ضدهم. ومن الناحية العملية،
فإن آل سعود باتوا تحت تهديد مباشر من نفس الناس الذين
أمدّوهم بالمال، أو درّبوهم، أو وثقوا بهم.
وأسوأ من ذلك، وبتشجيع من الوهابيين المتشددين، فإن
الحكومة عزلت أقسام كبيرة من المجتمع السعودي، بمن فيهم
الليبراليين والاسلاميين المعتدلين. ولا غرابة حينئذ أن
تبدو قلة منهم على استعداد لأن يأتوا لتقديم العون للعائلة
المالكة. ولكن، وفي مواجهة العنف المتزايد والضغوطات الداخلية
من أجل الاصلاح، هل بإمكان المركز أن يبقى متماسكاً؟
إن من الواضح أن النظام القديم بحاجة الى إصلاح، ولكن
إذا كان الامراء قدّموا في السابق السلطة والمال في مقابل
الحصول على الدمغة الشرعية التي يوفّرها العلماء، فإنهم
الآن بحاجة الى مسار مستقل بصورة أكبر، وتحالف حكومي موسّع.
وهناك القليل الذي يمكن اقتراحه حول ما إذا كان القادة
السعوديون قادرين على البدء بالتفكير في جراحة راديكالية
من هذا القبيل. ولكن مالم يفصلوا أنفسهم عن المصالح الضيقة
لدى الوهابيين المتشددين، فإنهم قد لا يكسبوا مطلقاً مساحة
للبدء ببرنامج إصلاح عاجل.
العنف يفعل فعله
إن الصورة تبدو إذن معقّدة، فيما يتشظى الوهابيون أنفسهم،
الامر الذي يفرض خطراً جديداً جديّاً على العائلة المالكة.
في حقيقة الأمر ليس فقط الحرس الديني القديم الذي يمسك
بالسلطة يواجه تحدّياً من قبل موجة الوهابيين الرداكياليين
الذين لا يدينون بالبيعة لا للعجزة منهم ولا للأمراء.
لقد بدأ العنف الحقيقي مع عودة الجهاديين من أفغانستان.
فقد ولد أسامة بن لادن وتعلّم في السعودية ولكنه أصبح
بالغاً في أفغانستان، وهاهم أبناؤه الايديولوجيون يعودون
الى الوطن، يخططون وينفّذون الهجمات ضد الاهداف الغربية
وقاعدة السلطة السعودية الى مستوى تدميري. إن الرسالة
هي ببساطة: العنف يفعل فعله. إن الجهاديين، الذي وظّفهم
الأمراء لمحاربة القوات السوفييتيه في أفغانستان، قد انقلبوا
ضدهم.
صديق أم عدو
كيف يحاول الامراء حل مشكلة العنف والحروب الدينية
الوشيكة؟ لقد نجحوا من تدبّر أمر، تدجين، احتواء، أو شراء
عدد من الراديكاليين وليس العلماء غير العنفيين. وعلى
أية حال، فإن شروط الصفقة لم تكن واضحة أو شفّافة. إن
استعمال العلماء الوهابيين كوسطاء مع الجهاديين العنفيين
لم تساعد العائلة المالكة أيضاً، حيث أن أيديولوجيتهم
ولغتهم هي ترديد لدغما أسامة بن لادن، لم يعد يدرك الأمراء
الفرق بين الصديق والعدو.
نايف: التحالف مع السلفيين
|
في الحرب على الارهاب، فإن الارباك وانعدام الثقة في
قوى الامن تقوّض سلطة وسيطرة العائلة المالكة. إن التساؤلات
حول جدارة وولاء هذه القوى رائجة بين الناس، فقد كشفت
الهجمات الأخيرة الروابط القبلية والشخصية المعقّدة بين
عناصر الأمن والجهاديين العنفيين. إن أعضاء المخابرات
هم من قبائل متعاطفة الى حد كبير مع قضية بن لادن، وأن
بني أعمامهم كانوا متورطين في هجمات الحادي عشر من سبتمبر
2001.
وفي داخل قوى الامن والحرس الوطني متعاطفون سلّحوا
وساعدوا الجهاديين، إن الولاءات العائلية والقبلية والدينية
تكتسب أهمية فيما تصبح الهوية الوطنية عرضة للتصدّع.
إن السياسة القديمة الرامية الى ترويض القبائل والجماعات
الدينية بأموال النفط لا يمكن بعد الآن تعزيزها بسبب الانفجار
الديمغرافي في البلاد والسكان اليافعين. وبالرغم من أن
مرتبات قوى الامن قد ارتفعت في مسعى لتحسين الأداء، فإن
الحافز يعتبر ضئيل الشأن من أجل تغيير ولاء أي شخص.
وفي محاولة لإرضاء الوهابيين الراديكاليين، فإن العائلة
المالكة لم تمنح أي موقع للقوة العلمانية، فقد قامت بالتنكيل
والتحقيق مع اصلاحيين ليبراليين، وباعتقالهم فإنها قد
ألجمت مشروع الاصلاح. إن ولي العهد الامير عبد الله يفتقر
الى سلطة سواء من أجل اطلاق سراحهم أو تطبيق سياسة اصلاحية
فاعلة.
وبالرغم من الفتور الواضح في العلاقات مع الولايات
المتحدة، فإن أولوية واشنطن هي لمنع السعودية من الانحدار
نحو الفوضى كما هو الحال في العراق، حتى وإن كان يعني
ذلك دعم نظام لم تعد تثق به. فقد تمّت تهدئة المطالب الاميركية
للاصلاح في الشهور القليلة الماضية، والذي قد يفسّر الصمت
حيال الانقضاض على الليبراليين السعوديين في المملكة في
شهر مارس، هذا بالرغم من المطالب الاميركية الداعية الى
تشجيع الديمقراطية عبر مبادرتها (الشرق الأوسط الكبير).
إن احياء الضغط الاصلاحي من قبل الولايات المتحدة سيعني
خسارة السلطة بالنسبة للعائلة المالكة. ليس لدى المؤسسة
الوهابية شهّية للمناقشة مع الليبراليين وقد كانت واضحة
في موقفها بأنها ليست مع عملية الاصلاح. ولأول مرة، فإن
الشخصيات السعودية البارزة تتحدث بصورة خاصة عن احتمال
اندلاع حرب دينية.
نمل الارهاب
يقدّر الاميركيون قيمة السعودية، وبخاصة قدرتها على
ضخ البترول بحسب أمر واشنطن بفعل قدرتها الفائضة والاحتياطية،
إنها المضخة التي لا يمكن السماح لها بالجفاف.
من الناحية الاقتصادية، فإن السعودية قد أفادت من أسعار
النفط العالمية المرتفعة فيما لا تزال صادرات النفط العراقية
ضئيلة. إن الموقع السعودي داخل منظمة الدول المصدّرة للنفط
ودولياً قد تمت المحافظة عليه الى حد بعيد، ولكن هذا لن
يعوّض الامن الداخلي المتدهور والعنف المتزايد.
إن أموال النفط لن تقدر على منع نمل الارهاب من أن
تأكل أسس المملكة. إن الجهاديين باتوا أكثر تنظيماً وتأثيراً،
إنهم يمثلّون شبكة وطنية غير مقيّدة من قبل الاجهزة الأمنية.
إنهم ينتقون أهدافهم ويقررون متى يشنون هجومهم. وفي عدد
من المواقع على شبكات الانترنت، هدد قادة الشبكة بإعلان
حرب العصابات.
إن هيئة التحقيق الفيدرالية قد ساعدت في القبض على
الجهاديين السعوديين منذ تفجيرات الرياض في مايو من العام
الماضي. ولكن التعاون مع اميركا سيؤدي استفحال المشاعر
المعادية للولايات المتحدة في المملكة، وقد يثير الغضب
ويخلق جهاديين جدد.
إن العنف في العراق يشجّع العنف في السعودية، حيث يبدو
من الصعب احكام السيطرة على الحدود. إن تيار القاعدة يسير
في إتجاهين: الاول في العراق حيث يعبر الجهاديون السعوديون
الحدود، وفي السعودية مع تدفق السلاح. وفي الواقع فإن
سعر الاسلحة ينخفض بصورة سريعة، بما يشكّل تحديّاً لوزارة
الداخلية.
وقد بقي هناك عدد قليل من الخيارات بالنسبة للقادة
الملكيين، وفي حال أعلنوا عن الاصلاح، فقد ينظر اليهم
وكأنهم قد إنحنوا للضغط الأميركي وسيواجهون غضب العلماء.
وإن لم يفعلوا شيئاً، فإن حتى المعتدلين سينقلبون ضدهم
وستحتضنهم أذرعة الجهاديين. واذا ما كبحوا جماح سلطة المطاوعة
فإن ثمة تداعياً آخر سيحدث.
في ظل كل ذلك، فإن القاعدة تشن هجماتها بقدر من المناعة
النسبية. ويعتقد بعض الخبراء الأمنيين بأن المنشآت النفطية
الرئيسية مثل راس تنورة وبقيع، أكبر مجمع تكرير في العالم،
هي عرضة للهجوم.
إنها بالتأكيد ليست مسألة ثورة أو انهيار سريع للدولة،
ولكنها مسألة وضع أمني متدهور وتآكل في السلطة السياسية.
وعلى أية حال، فإن استمرار هذه الاوضاع سيثير قضية ما
اذا كانت المملكة هي بحق دولة واهنة.
ليس هناك خطة عمل واضحة أو حل سياسي، إن العائلة المالكة
تغرق في نفي وشلل تام.
|