ضوء كاشف على
التمويل الاميركي لدعم الديمقراطية في الشرق الأوسط
نشرت بوسطن جلوب في الشهر الماضي مقالاً نقدياً حول
مسار التمويل الاميركي لمشروع الديمقراطية في الشرق الاوسط،
وقد تضمنت المقالة معلومات على درجة كبيرة من الاهمية
وفيما ترجمة لنص المقالة:
لقد خصّصت إدارة الرئيس بوش، التي تلّح على ان الديمقراطية
هي حجر الزاوية في سياستها الشرق أوسطية، أكثر من نصف
المساعدات المالية في مبادرة تطوير الديمقراطية لمساعدة
الانظمة الاوتوقراطية من أجل تطوير التجارة الحرة والتعليم،
فيما ذهبت نحو 3 ملايين دولاراً من قرابة 95 مليون دولارا
للتمويل المباشر للجماعات المحلية لجهة تطوير الديمقراطية
أو المجتمع المدني حسب معلومات مستمدة من مبادرة الشراكة
الشرق أوسطية لدى وزارة الخارجية والتي تصف نفسها باعتبارها
الادارة الرئيسية لاستراتيجية الرئيس جورج بوش للحرية
في الشرق الأوسط.
وتتضمن النفقات الاخرى ستة ملايين دولارا لمساعدة المغرب
من أجل فتح أسواقها أمام المنافسة الاميركية و800 ألف
دولارا من أجل المساعدة على تطوير بيئة تجارية أفضل. وقد
تم تخصيص مليون دولار لمساعدة السعودية واليمن والجزائر
كيما تصبح جزءا من منظمة التجارة العالمية، فيما خصص مبلغ
وقدره 250 ألف دولارا من أجل تنشئة علاقة مشتركة بين الشركات
في الولايات المتحدة وشركات في البحرين وتونس.
وقد ذكر مسؤولون في وزارة الخارجية الاميركية بأن المال
المنفق على الانظمة القائمة يهدف الى خلق الشروط الضرورية
من أجل الديمقراطية في بلدان الشرق الاوسط، تأسيساً على
النظرية القائلة بأن التنمية الاقتصادية والتعليم ستؤول
جميعاً وبصورة تدريجية الى الضغط من أجل الديمقراطية.
يقول ديفيد مولينكس، نائب الرئيس التنفيذي لمبادرة
الشراكة (يعد هذا سؤالاً فلسفياً حول ما اذا كان بإمكان
شخص ما أن يتحرك بثبات على طريق التحسينيات المتزايدة
او أن يبقى شخص ما يبحث عن شيء خارق). لقد وضع الرئيس
بوش رؤية حول التغيير الديمقراطي في الشرق الاوسط في الخريف
الماضي، وتقضي هذه الرؤية بأن الاصلاح الديمقراطي وحده
الذي يمكن أن يجعل أميركا آمنة. يقول مسؤولو الادارة بأن
التزام بوش بشرق أوسط ديمقراطي يقع على سنان المراهنة
على بناء حكومة جديدة في العراق، وهي رؤية جارفة وكاسحة
تكاد تشابه تعهد رونالد ريغان بأن يرى نهاية الشيوعية.
في حديث مليء بذكريات الحرب الباردة، حذّر الرئيس بوش
بأن الولايات لاالمتحدة لن تضحي منذ الآن بالحرية لدعم
أنظمة مستقرة ولكن تسلطية.
إن رؤية بوش ظهرت للنور في ربيع 2002 حين أعلن وزير
الخارجية الاميركي كولن باول عن مبادرة الشراكة. وبرئاسة
ابنة ديك تشيني ليز، فإن البرنامج شهد نمواً في ميزانيته
الى مائة مليون دولار عام 2003 بعد أن كان 29 مليون دولاراً
في سنة 2002، مقدّماَ لحكومات الشرق الأوسط قائمة من البرامج
المتعلقة بالأميّة، والتمويل، وتعليم المرأة. لقد توفّرت
معلومات تفصيلة في مقابل تخصيص 95 مليون دولاراً، والتي
أنفقها البرنامج في الخمس عشرة شهراً الاولى.
في الفترة القليلة الماضية، قام الرئيس بوش بتقدّم
المبادرات الديمقراطية في ثلاث قمم عالمية، بما يشمل توسعة
الشراكة القائمة من خلال برامج تنسيقية مع مجموعة الدول
الصناعية الثماني. كما ضاعفت الادارة من ميزانية الوقف
القومي من أجل الديمقراطية )The National Endowment for
Democracy(، وهي منظمة غير ربحية يموّلها الكونغرس من
أجل دعم تطوير الديمقراطية في أرجاء العالم.
يبقى أن تطوير الديمقراطية كان عملية توازنية صعبة
بين المصالح الاميركية المتضاربة، وهو ما يقرّه المسؤولون
في الادارة الاميركية. يقول مسؤولون في وزارة الخارجية
بأنهم يموّلون قلة من الاصلاحيين بصورة مباشرة، جزئياً
لأن هذه القلة قابلة لأن تحقق المرجو منها، بسبب انعدام
التعليم حول البرنامج والمشاعر القوية المناوئة للولايات
المتحدة في المنطقة.
يعترف المسؤولون في وزارة الخارجية الأميركية أيضاً
بأن تمويل الاصلاحيين بدون موافقة الحكومة قد يسبب مشاكل
دبلوماسية في المنطقة حيث يمكن أن يرمى الناشطون في المعتقل
من أجل تعميم عريضة كما حدث في السعودية، وحيث أن المؤسسات
المدنية المستقلة محظورة. ولكن يقول النقاد بأن سياسات
الادارة الاميركية هي تحديث الانظمة المالية والقضائية
في دول تسلطية ثرية دون حاجة لجعلها أكثر ديمقراطية. وعوضاً
عن انفاق الاموال على الحكومات، فإن على الولايات المتحدة
تقوية المنظمات غير الحكومية التي تعمل على تطوير الحرية
السياسية، حسب النقاد. يقول نير بومس، العضو الرئيسي في
مجلس الديمقراطية والتسامح بأن ليس هناك غالباً ما يذهب
الى المنظمات غير الحكومية والذي يمكن ان يؤدي حقيقة الى
تحدي الحكومة، ويضيف بومس بأن الاتحاد الأوروبي قد خصص
تمويلاً أكبر لجماعات المعارضة.
ويحصي تامارا ويتس، وهو زميل في مؤسسة بروكنز، وهي
مؤسسة تفكير ذات ميول ليبرالية في واشنطن، بأن أكثر من
سبعين بالمئة من تمويلات الشراكة قد خصصت لبرامج تفيد
بصورة مباشرة حكومات الشرق الأوسط.
أما أمي هاوثورن، وهي مشاركة في وقف كارنيجي للسلام
الدولي فتقول بأن التمويلات ليست في حقيقة الأمر مصممة
للضغط من أجل الاصلاح، وتعلق على ذلك بالقول بأن (الغرض
المعلن هو تطوير الاصلاح في البلدان العربية، ولكنها ـ
أي التمويلات ـ مصممة أيضاً لدعم الحكومات الحليفة للولايات
المتحدة والسياسات المؤيدة لها). يقول فريد الغادري، رئيس
حزب الاصلاح في سوريا، والذي يدير محطة راديو سوريا الحرة،
وهي محطة معارضة على الموجة القصيرة، يقول بأنه لم يطلب
مطلقاً دعماً مالياً من الولايات المتحدة، لأنه أبلغ بأن
قليلاً من المال فحسب متوفر من أجل برامج كالتي يتحملها.
من المثير حقاً من كل ما سبق ان كلاماً طويلاً حول
تمويلات حصلت عليها المنظمات غير الحكومية ضمن مشروع الاصلاحات
الديمقراطية الذي تبنته الولايات المتحدة ولكن تبيّن بان
أغلب التمويلات ذهبت لصالح الحكومات والمنظمات المنبثقة
منها أو القريبة من توجهاتها..
كان نصيب المنظمات غير الحكومية الاتهامات بالتواطىء
مع الولايات المتحدة ومخططاتها في الشرق الاوسط على حساب
القيم والمبادىء، فيما كان نصيب الحكومات التسلطية جني
المخصصات المالية في مشروع الديمقراطية، فهل بقي رداء
من حياء يغطي سوءة المتسلطين كيما يكفوا عن استعمال تهمة
التواطىء مع من سبقوا اليه ردحاً من الزمن والوقاحة.
|