أعمال العنف التي تشهدها المملكة العربية السعودية
منذ شهر مايو من العام الماضي لن تتوقف. بل هي مرشحة للتصاعد
والتفاقم. فالطريق الذي تواجهه المملكة يبدو مسدوداً في
ظل غياب الحل السياسي وأزمة الحكم على قمة الهرم السلطوي.
ولأن الحل يبدو غائباً فأن مفهوم الهوية والولاء الوطنيين
تراجعا لتبرز بعد كبت الانقسامات المناطقية مهددةً وحدة
الصف السعودي. هذه هي الخلاصة التي يخرج منها القارئ لحديث
الباحثة السعودية الدكتورة مي يماني، الأستاذة في المعهد
الملكي للعلاقات الدولية الذي مقره لندن، والحاصلة على
درجة زمالة، والمتخصصة في الشأن الخليجي عامة والسعودي
خاصة. سويس إنفو أجرت معها هذا الحوار، وفيما يلي نصه:
- سويس إنفو: خلال الفترة التي حاولنا
أن نحدد فيها موعداً لهذا الحوار، والتي تواصلت على
مدى أكثر من ستة أسابيع، كنتِ على ثقة من أن تأجيل
الحوار ممكن لأن الأحداث ستتواصل في المملكة العربية
السعودية. لماذا؟
الدكتورة مي يماني: لأن قناعتي هي أن ظاهرة العنف
هي في ازدياد في المملكة العربية السعودية، وأنه ليس
لها إلا حل سياسي. الأسلوب المستخدم حاليا يعتمد على
مبدأ القوة، أي أنهم يأخذوهم ويسجنوهم ويقتلونهم.
هذا هو الحل الوحيد الموجود الآن.
أما الإصلاحات التي كانوا يتحدثون عنها، وكان يطالب
بها مجموعة من المثقفين، فقد انتهت بعد أن قبضت السلطات
السعودية عليهم وسجنتهم. هذا رغم أن تلك المجموعة
من المثقفين، والتي تدعو إلى الإصلاح منذ سنتين، التقت
بولي العهد الأمير عبد الله. فإذا لم يكن هناك حل
سياسي فإن هذا يعني أن ظاهرة العنف ستزداد. فهؤلاء
الشباب ليست لديهم أية فرصة. هم يواجهون مشكلة البطالة
وعدم المقدرة على التعبير عن أنفسهم أو عن مشاكلهم،
فأخذوا يسمعون للكلام الذي يقوله بن لادن والمجاهدون
الآخرون. وعلى صعيد آخر، لا ننسى أن العنف وحالة عدم
الاستقرار القائمة في العراق تؤثر على المنطقة ككل
وخاصة السعودية.
- سويس إنفو: أشرتِ في حديثك الآن إلى
تيارين من التيارات المعارضة المتواجدة داخل المملكة
العربية السعودية. تيار إصلاحي يسعى إلى إيجاد حل
من خلال الحوار مع السلطة، وتيار ثان يلجأ إلى أسلوب
العنف؟
الدكتورة مي يماني: نعم. هناك عدة تيارات معارضة
داخل المملكة العربية السعودية. هناك الذين حاولوا
إجراء الحوار مع السلطة وتعرضوا للسجن (في الشهور
الأخيرة). وعدد منهم وقعوا على تعهدات بعدم المطالبة
بالإصلاحات أو التوقيع على عرائض، أي أن لا يكون لهم
حق وطني. وقد أفرج عمن وقع على تلك التعهدات. لكن
لازال هناك ثلاثة من الإصلاحيين مسجونين لرفضهم التوقيع
(الدكتوران متروك الفالح وعبد الله الحامد والشاعر
علي الدميني). وهم أكاديميون ومثقفون معروفون.
التيار الثاني هو الأغلبية الكبرى من المجتمع.
وهي أغلبية خائفة مكتومة. ونسمعها في مواقع الحوار
على الإنترنت وهي تقول: نحن خائفون. أين الرجال؟ نحن
خائفون من الموت، خائفون على أولادنا، وخائفون أن
نتكلم. هؤلاء قرروا أن يصمتوا وينتظروا حدوث تغييرات
في البلاد كي ينالوا حقوقهم.
التيار الثالث هو تيار الشباب الذي اندفع وصار
من الـ(جهاديين). طبعا في الغرب يتم التعامل معهم
على أنهم من تنظيم القاعدة. بمعنى أن الجميع اصبح
يرمى في سلة واحدة إسمها القاعدة. لكن ليس كل منهم
يؤمن بتلك الأيديولوجية. وطبعا هي أيديولوجية عنف،
لكن بدايتها كانت في الحكم السعودي.
التيار الرابع، يضم أشخاصاً مثلي، الذين قرروا
الكتابة والبحث خارج المملكة. أنا كنت أُدرّس بجامعة
الملك عبد العزيز لمدة ثلاث سنوات، ثم أكملت الدكتوراه
في بريطانيا. غير أني تعرضت إلى التهديد في كل مرة
كنت أكتب فيها بحثاً أو مقالاً. ولذا قررنا أن نحيا
في الغرب ونكتب ونبحث ونتمتع بحرية التحليل والتعبير
كأكاديميين في الغرب. لكننا لا نستطيع العودة إلى
البلد.
- سويس إنفو: كل هذا يدل على أن هناك
أرضية تختمر وقد تصل إلى مرحلة الغليان، والمتسبب
في هذا الوضع كما أشرت في حديثك هو نظام الحكم في
المملكة العربية السعودية. لقد ذكرتِ في بداية الحوار
أن الطريق أصبح مسدوداً. ما الذي سده، رغم المواقف
المعروفة لولي العهد؟
الدكتورة مي يماني: ولي العهد الأمير عبد الله
معروف بمواقفه المؤيدة للإصلاح. وكان يقابل أي إنسان
كان. على سبيل المثال، بعد الحرب على العراق ذهب إليه
وفد من الشيعة من المنطقة الشرقية، وقابلهم وسمع لهم،
وحاول أن يساعدهم. كما قابل وفداً من الذين وقعوا
على عريضة المطالب قبل سنتين، وكانوا من جميع مناطق
المملكة، من الحجاز وعسير والمنطقة الشرقية، من الشيعة
وسلفيين وصوفيين، بكلمة واحدة.. الجميع.
الأمير عبد الله معروف بأنه كان دائماً يستمع ويتقبل
الانتقادات. ولكن مع الأسف مؤخراً وجدنا أن الأمراء
المتشددين هم الذين فازوا في هذه الحالة. يدل على
ذلك حملة الإعتقالات التي طالت تيار المثقفين والإصلاحيين،
فالسجن شئ رمزي. ورغم أنهم يقولون لنا إن الإصلاحات
قادمة، إلا أننا لا نرى أي خطوات عملية في هذا الاتجاه
أو أي إطار زمني محدد له.
وبطبيعة الحال عندما أتحدث عن العائلة المالكة
لا أقصدهم جميعاً. فنحن نعرف أن أعدادهم بالآلاف.
وأنا دائما يقولون لي إن عدد العائلة المالكة يصل
إلى 22 آلف شخص. وهذا يعني أنه في داخل العائلة المالكة
تجد الليبراليين والمحافظين وأيضا الراديكاليين. إذن
ستجد أن تيارات واتجاهات عديدة متواجدة داخل العائلة
المالكة.
المشكلة الحقيقية تتمثل في وجود أزمة حكم في السعودية.
بكلمات أخرى، هي مملكة لكن من غير المعروف من هو الملك.
هل هو الأمير عبد الله، الحاكم الفعلي؟ لكن السلطة
داخل المملكة يمسك بها وزير الداخلية الأمير نايف
وبعض اخوانه المعروفين بالسديريين أكثر من ولي العهد
نفسه.
- سويس إنفو: ذكرت أن المشكلة مشكلة
حكم. كما أن هناك مشاكل أخرى يعاني منها الكيان السعودي
منذ تأسيسه. في ظل البطالة القائمة، واضمحلال دولة
الرفاه، والانقسام المناطقي الطائفي، إضافة إلى مشكلة
الحكم، هل يمكن القول إن المملكة كنظام حكم مهددة
بالانهيار؟
الدكتورة مي يماني: هذا سيحدث طبعاً طالما أنه
ليس هناك حل سياسي وتغييرات إصلاحية. وطبعاً نحن لا
نتحدث فقط عن العوامل الداخلية، لا بد أن ننظر أيضاً
إلى العوامل الخارجية. على سبيل المثال إلى العلاقة
مع الولايات المتحدة، فهي مهمة، وكذلك الوضع القائم
في العراق. فمن الملاحظ أن مكانة السعودية في المنطقة
و في الخليج عامة قد تغيرت الى الأسوأ. وفيما يتعلق
بمشكلة الانقسامات المتواجدة في المملكة فمن الملاحظ
أنها زادت بصورة لم نعرفها من قبل. حكام المملكة من
منطقة نجد، وقد سيطروا لفترة طويلة خاصة مع توافر
عامل البترول. في حين كانت الإستراتيجية التي اتبعها
الملك فيصل واضحة وقوية، وكان فيها توازن. كان دائماً
ينظر ويراعي كل مناطق البلاد.
اليوم أصبح الحجازي يقول أنا حجازي، والذين ينتمون
إلى منطقة عسير بعضهم وهابيون، والبعض الأخر يعتبر
أنه من اليمن. والذين من الجوف يريدون الانفصال، والذين
من المنطقة الشرقية يقولون نحن شيعة وحرمنا من بترول
بلدنا، هذه هي أرضنا (تقع معظم آبار النفط في المنطقة
الشرقية). ما هو حادث أن فئات كثيرة تعتبر نفسها مهمشة
سياسياً واقتصادياً. وهو ما يعني عملياً أن النظام
لم ينجح في استيعاب هذه الشرائح الاجتماعية، وأن آل
سعود لم ينجحوا في صهر الجميع، أو في بناء دولة مستقرة،
أو في ترسيخ مفهوم الولاء.
وكما هو معروف، فقد بدأوا بحكاية الحوار الوطني،
تحت ضغط أمريكي ومن العالم الخارجي ونتيجة للأوضاع
في العراق، لكي يظهروا بمظهر المتقبل لحدوث التغييرات
في البلد وللتعددية المتواجدة فيه. فجاؤوا بالصوفي
والشيعي والسلفي والإسماعيلي من نجران، ووضعوهم في
غرفة، وقالوا هناك حوار. لكن ذلك لم يتبعه أي تغيير
أو تأسيس لحقوق تمنح الشرعية لهذه الفئات. هو كلام
في غرفة. ورغم ذلك فإنها بداية طيبة، ومرة ثانية نعود
لنقول إن الأمير عبد الله هو الذي بدأ بهذه الفكرة.
- سويس إنفو: لكن اعتقال هذه المجموعة
من الإصلاحيين ربما وضع ماءاً بارداً على هذه الفكرة؟
الدكتورة مي يماني: طبعاً. لأن هناك فرق بين ردة
فعل الجمهور قبل عام وبين موقفه اليوم بعد الهجوم
الذي تم شنه على مقر الأمن العام في الرياض. ولاحظي
أنه لم يعد هناك الآن محظورات بالنسبة لتلك الجماعات،
فقد أصبحوا يقتلون الأجانب والسعوديين. بعد الهجوم
(على مقر الأمن العام) كان هناك فرق. قبل عام عند
حدوث أول ظاهرة عنف في شهر مايو الماضي، كان أكثر
الناس مع الحكومة، وموقفهم كان واضحاً، فكانوا يقولون
نحن سنساعد، وهذه بلدنا وهؤلاء ''الجهاديون مجرمون''.
لكن بعد عام بالضبط، وبعد الاعتداء على مقر الأمن
والبوليس في الرياض، وجدت أن الناس يشعرون بالغضب
والحزن، ولا يؤيدون العائلة المالكة. الموقف تغير
بعد اعتقال الإصلاحيين الليبراليين، فهم معروفون في
البلد ولهم احترامهم. لقد حدث تغيير في موقف الجمهور
الذي لا يرغب في الوقوف إلى جانب العائلة المالكة.
- سويس إنفو: بمعنى أخر أن الطريق اصبح
مسدودا؟
الدكتورة مي يماني: أنا أعتبر أن الطريق أصبح مسدوداً،
لأن كل التناقضات التي تستر عليها النفط، وغطى عليها
التسلط والقوة خرجت اليوم إلى السطح. لدينا مشكلة
الوطنية والانتماء. وُأذكّر بأن المملكة العربية السعودية
هي البلد الوحيد في العالم الذي أعطت فيه العائلة
أسمها للشعب، والشعب صار يأخذ أسم العائلة. واليوم
عندما يقولون للإنسان أنت سعودي، وهو لا يتمتع بأي
حق، وهم أولو الأمر، وليس له هو مكانة، سيرد قائلا:
لماذا أنا سعودي؟ أنا غامدي، أنا شهري، أنا حجازي،
أنا شيعي. فاليوم أصبح الانتماء القبلي والانتماء
المناطقي أكثر أهمية من أن يكون الإنسان سعودياً.
وهذه التغييرات حدثت في السنوات القليلة الماضية.