ارتفاع أسعار البترول رغم التعهد السعودي
هل تشهد الاسواق هزّة عنيفة؟
هناك شكوك حول قدرة السعودية على زيادة الانتاج كإحدى
الضمانات الكفيلة للحفاظ على سقف الاسعار عند مستوى محدد..
فالسعودية التي تعهدت من أجل البحث عن كافة السبل الكفيلة
من أجل تهدئة الاسواق النفطية المضطربة، حيث قدّمت السعودية
في الحادي عشر من أغسطس عرضاً برفع معدل الانتاج اخفقت
في الوفاء بالتزامها عملياً او بحكم الواقع.. فعقب اول
تراجع للاسعار فإن تكلفة النفط ارتفعت ثانية في نهاية
اليوم.
إن المحاولة الفاشلة التي قامت بها السعودية من أجل
تخفيض الاسعار الى مستوى أدنى يؤكد لكثير من الخبراء والاخصائيين
في مجال الطاقة بأن الشروط الراهنة ـ أي الانتاج الى مستوى
قريب من الطاقة الكاملة، وتزايد الطلب والخوف من الارهاب
ـ قد أدت الى تقليص نفوذ السعودية في الاسواق الدولية.
بندر بن سلطان، سفير السعودية في واشنطن نفى أن يكون
صرح بأن السعودية ستتحكم بالاسعار قبل الانتخابات، حسب
ما ذكر أحد مستشاريه.
يقول فريد محمدي، الخبير الاقتصادي الكبير في شركة
استشارات محلية في مجال الطاقة (من جهة، فإن ما يجري يشبه
الى حد كبير العاصفة، فهناك عوامل عديدة تظافرت في وقت
واحد ودفعت بقدرة السعودية الى أقصاها).
إن ارتفاع اسعار البترول أصبح قضية في اعادة انتخاب
الرئيس الاميركي جورج دبليو بوش. فالاحتياطي الفيدرالي
الاميركي قد ألقى باللائمة في مجال ارتفاع الاسعار النفطية
على التباطؤ الحاد الأخير في الاقتصاد الاميركي.
لقد أثار المرشح الرئاسي الديمقراطي جون كيري قلقاً
حول اعتماد الولايات المتحدة على نفط السعودية، المصدّر
الأكبر في العالم، بما يجعل الولايات المتحدة مرتهنة للسعودية.
ففي اجتماع الحزب الديمقراطي في يوليو الماضي حظي كيري
بترحيب كبير بعد تصريحه (أريد أميركا التي تعتمد على قدرتها
الابداعية وليس على العائلة المالكة السعودية).
إن مسألة تمايل السعوديين في الاسواق النفطية العالمية
قد اكتسب دوراً في الانتخابات الرئاسية الاميركية هذا
العام. فقد أثار الكاتب ومساعد مدير التحرير في جريدة
الواشنطن بوست بوب وودوورد خلافاً سياسياً قبل عدة أشهر
حين ذكر في كتابه بأن السفير السعودي في الولايات المتحدة
بندر بن سلطان أخبر بوش بأن السعوديين سيتحكمون بأسعار
النفط من أجل تعزيز الاقتصاد الاميركي قبل الانتخابات
الرئاسية.
وقال عادل جبير مستشار الشؤون الخارجية لولي العهد
الامير عبد الله في مؤتمر صحافي بأن الاعلان لم يكن يقصد
به التأثير على الحملة السياسية. ووصف ما أورده وودوورد
في كتابه بأنه (خيال). وقال بأن (سياستنا هي المحافظة
على الاسعار عند مستوى معتدل). وقال مسؤولون سعوديون بأن
التعهد برفع الانتاج كان محثوثاً بالقلق من كون اسعار
النفط كانت عالية جداً وقد تؤدي الى كبح الاقتصاد العالمي
وتالياً الى انخفاض حاد في الطلب.
في المقابل لم يكن المتحدث بإسم البيت الابيض ترنت
دوفي ينوي مناقشة الاعلان السعودي مكتفياً بالقول بأن
الادارة تعمل مع الدول المنتجة للنفط من أجل ضمان كميات
كافية من النفط في الاسواق العالمية.
وذكر مسؤولون سعوديون بأن باستطاعتهم وعلى الفور انتاج
1.3 مليون برميل اضافي في اليوم من النفط الخام الى جانب
9.3 مليون برميل يضخّون حالياً اذا ما دعت الضرورة. وذكرت
الحكومة بأنها لن تتوسع في الانتاج في الوقت الراهن على
الأقل لأن زبائنها لم يطلبوا المزيد من النفط.
وحال وصول الكلمات الاولى من الاعلان السعودي الوشيك
الى التجار في سوق التبادل التجاري في نيويورك انخفض معدل
سعر النفط الخام الاميركي بشحنات ايصال سبتمبر لأكثر من
دولار للبرميل الواحد. وقال التجار بأنهم اعتقدوا ابتداءً
بأن سيكون هناك فيضان من النفط في الاسواق.
ولكن الاسعار عادت للارتفاع في وقت لاحق حيث سقطت الهالة
المحيطة بالاعلان السعودي وبدأ التجار يتساءلون عن الكمية
المتوفرة والفعلية الباقية لانتاج نوع النفط الخام الذي
يمكن بسهولة تحويله الى غاز. إن السعر الذي وصل اليه البرميل
الذي تبلغ طاقته 42 جالوناً قد ارتفع بنسبة 28 سنتاً ليصل
الى 44.80 دولاراً للبرميل الواحد بما يقارب المعدل النهائي.
مع حساب التعديلات الضرورية للتضخم، فإن الاسعار كانت
ادنى من المعدل في عام 1990.
يقول بعض المحللين بأنهم يعتقدون بأن بإمكان السعوديين
انتاج 1.3 مليون برميل يومياً اضافياً، فيما يشكك آخرون
في ذلك. ولكن المحللون في كلا المعسكرين يقولون بأن كثيراً
من النفط الاضافي سيكون من المحتمل أن يكون من النوعية
التي من الصعب تحويلها الى غاز بسبب القدرة التصفوية المحدودة
لدى السعودية.
في غضون ذلك، فإن ثمة أحداثاً اخرى ساهمت في رفع الاسعار،
فقد تزايد الطلب، وبصورة رئيسية في الصين والولايات المتحدة.
وقد صعّدت وكالة الطاقة الدولية ومقرها في العاصمة الفرنسية
باريس والتي تقدّم نصائح للولايات المتحدة وخمسة وعشرين
بلداً آخراً، من تقديراتها بالنسبة لزيادة الطلب على النفط
لبقية هذه السنة والسنة القادمة. وذكرت الوكالة بأن تقديراتها
كانت منخفضة بشأن استعمال النفط لسنوات عديدة. ويقول التقرير
بأن الاسعار الحالية كانت مقلقة وتسبب (ضرراً اقتصادياً).
إن التجار خائفون من أي عطب قد يصيب إمداد النفط والناتج
من العمليات الارهابية أو عدم الاستقرار في العديد من
الدول المنتجة للنفط. فقد أعلنت شركة يوكوس النفطية وهي
أكبر مصدّر للنفط في روسيا بأنها قد تضطر الى وقف انتاجها
في إحدى وحداتها أو أكثر بفعل جمود الحكومة على الحسابات
البنكية، وهي جزء من الخلاف المتواصل. وأكثر من ذلك، وفيما
يصل السعوديون الى طاقتهم الكاملة، فإن التجّار يصبحوا
أكثر قلقاً لأن هناك كمية أقل احتياطية من النفط ستكون
متوفرة في الحالات الطارئة.
إن السعر المتزايد من النفط الخام في الشهور الأخير
قد دفع أيضاً الى زيادة سعر الغاز، وبالرغم من أن الاسعار
القطاعية قد اعتدلت مؤخراً فإن المحللين يتوقعون أن تبدأ
الاسعار بالارتفاع ثانية. إن معدل السعر القومي للجالون
الواحد من الغاز العادي كان 1.865 في نهاية اغسطس الماضي
حسب استطلاع شركة متعاقدة تعمل لحساب شركة نادي السيارات
تربل أيه. وهذا يعني انخفاض لعدة سنتات قبل شهر ولكنه
أعلى بالقياس الى سنة سابقة.
وقد ذكر محللون وتجّار بأنهم أصيبوا بخيبة أمل لاعتقادهم
بأن الاعلان السعودي يفتقر الى أشياء محددة. ففي المؤتمر
الصحافي، على سبيل المثال، بحضور عدد من الصحافيين الذي
عقده عادل جبير مستشار الشؤون الخارجية لولي العهد السعودي
الامير عبد الله لم يفلح في تحديد الحقول التي سياتي منها
النفط الاضافي الخام. بالاضافة الى ذلك، فإنه لم يستطع
تحديد نوع النفط الخام الذي يمكن انتاجه. كما أن شركة
علاقات عامة اميركية تعمل لحساب السعوديين (كورفيس للاتصالات
إل إل سي) عجزت هي الاخرى عن تزويد معلومات بهذا الصدد.
إن السعوديين لم يوفّروا أية معلومات تفصيلية حول انتاج
النفط والقدرة الانتاجية، وقد قام المحللون بترقيع التقديرات
القائمة على أساس الملاحظات حول مرور وحمولة الشاحنات
النفطية الى جانب تدابير اخرى.
وذكر ماثيو آر. سيمونز، الرئيس والمدير التنفيدي لسيمونز
وشركاه الدولية وهو بنك للاستثمار في مجال الطاقة ومقره
في هيوستن، ذكر بأنه لا يؤمّن بالارقام السعودية. يقول
سيمونز بأن (هؤلاء ـ أي السعوديين ـ من الناحية المبديئة
يهدّأون الكثير من الناس بالقول بأن: ليس لدينا أي شيء
نقلق بشأنه).
يقول سيمونز بأن استنتاجاته مؤسسة على تحليل لمعلومات
مستقاة من أوراق فنية وتقارير سنوية من شركة ارامكو السعودية،
وهي الشركة النفطية الوطنية، اضافة الى معلومات اخرى.
ولكن جيمس بوكارد، مدير في الاسواق النفطية العالمية
لشركاء في بحث الطاقة في كامبريدج في ماساتشويستس ذكر
بأن شركته تعتقد بأن السعوديين قادرون على انتاج 1.3 مليون
برميل يومياً اضافياً وأن نصف هذه الكمية الاضافية قد
تكون من النوعية المرغوبة جداً.
إن حقيقة أن السعوديين لم يكشفوا عن معلومات محددة
حول الانتاج المحتمل يثير حذر التجار. يقول رايموند كاربون
رئيس شركة أوبشنز بارامونت (إن ذلك يحدث شكوكاً في أذهان
الناس). ويقول (إنني في حالة شك مما يقوله السعوديون،
وأعتقد بأن السوق ستتخذ موقفاً صلباً).
في التحليل النهائي فإن تصريحات علي النعيمي وزير النفط
السعودي في مطلع سبتمبر تكشف بأن السعودية لم تعد متحمسة
للحفاظ على سقف الاسعار عند 27 دولاراً للبرميل، فقد ذهبت
الى صف اعضاء المنظمة في تأييد سعر 45 دولارا للبرميل
باعتباره سعراً عادلاً.
|