لا وجود لهوية وطنية في السعودية
الحجازيون يحيون ثقافتهم إحتجاجاً على السيطرة النجدية
ناقشت الكاتبة السعودية الدكتورة مي يماني ما ورد في
كتابها الصادر أخيراً بالانكليزية بعنوان: (مهد الإسلام،
الحجاز والبحث عن هوية عربية) في محاضرة ألقتها في معهد
الدراسات الشرقية والأفريقية في جامعة لندن يوم 12 أكتوبر
الماضي، وحضرها عدد كبير من الاختصاصيين والأكاديميين
والطلاب.
افتتحت الدكتورة مي محاضرتها بالقول أنه ليست هناك
(هوية وطنية) في السعودية، وأن السياسة العلاقة السائدة
بين نجد والمناطق الأخرى هي علاقة تسلط وسيطرة وليست علاقة
تكافئية واندماجية. وأشارت في مطلع محاضرتها إلى أن النظام
السعودي الحالي، ومنذ فترة الثمانينات، يمنع الاختلاف
والتنوع في المجتمع السعودي ولا يقبل بالآخر ويحاول طمس
الهويات الاجتماعية المتنوعة الموجودة في البلد، وبينها
الهوية الحجازية التي شكلت تاريخياً وحضارياً هوية سكان
الأراضي الإسلامية المقدسة، من مكة والمدينة المنورة إلى
باقي المدن والمناطق في تلك البقعة من العالم العربي.
وقالت إنه لا يمكن للإنسان الحجازي في السعودية التفاخر
علناً بأنه حجازي والقول بأنه يأتي من المنطقة التي كانت
وما زالت مهداً للإسلام، بل أصبح جزءاً من منطقة تسمى
المنطقة الغربية في مملكة آل سعود.
واعتبرت بأن هذه المشكلة عولجت بشكل مختلف لدى بداية
انطلاق المملكة العربية السعودية، وبعد انتصار عبدالعزيز
آل سعود النجدي وحلفائه الوهابيين على الأمراء الهاشميين
الذين حكموا الحجاز حتى عام 1926، كما اختلفت المعالجة
أيضاً في فترتي الخمسينات والستينات وحتى منتصف السبعينات،
عندما تسلم القيادة السعودية الملك الراحل فيصل بن عبدالعزيز.
فقد أدرك مؤسس الدولة الملك عبدالعزيز وابنه الملك فيصل
ضرورة التعامل مع الحجازيين كفئة اجتماعية لها هويتها
الخاصة وحاولا اتباع سياسة إدخال الحجازيين المتعلمين
في السلطة واستقطابهم عن طريق تسليمهم بعض المناصب الحكومية
والإدارية البارزة.
كما ضبط الملك عبدالعزيز وابنه فيصل حلفاءهم الوهابيين
الذين لا يعترفون بباقي المذاهب السنية (كالشافعية والحنفية
والمالكية) ولا بباقي المذاهب الإسلامية وغير الإسلامية،
ومنعوهم من التعبير عن معتقداتهم الدينية وخصائصهم الثقافية
والفكرية.
أما بعد الثمانينات، فقد عززت القيادة السعودية سلطة
النجديين وأفسحت المجال لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن
المنكر والتي هي بالفعل شرطة المطاوعة كي تفرض العقيدة
الوهابية بسلطة الدولة وعصاها الغليظة، وقامت بتهميش القوى
غير النجدية في أجهزة الدولة، وفي الحقول السياسية والعسكرية
والأمنية.
وأشارت إلي أن كتابها يركز علي هذه المرحلة الثالثة
(منذ الثمانينات وحتى الساعة) التي يحاول خلالها الحجازيون
أن يعيدوا إحياء عاداتهم وتقاليدهم وثقافتهم الخاصة مقابل
الهوية السعودية التي لا تعني سوى الهوية النجدية الوهابية.
وأوضحت مي ما تتعرض له الآثار الإسلامية في الحجاز
الى تدمير متعمد بحجج أمنية أو دينية، وقالت أن السلطات
السعودية ـ الوهابية تنوي هدم المساجد الأثرية السبعة
في المدينة المنورة، وقد قامت بمنع الناس من الصلاة فيها
وتطويقها تمهيداً لذلك الغرض. وذكّرت في هذا المجال الحاضرين
بأفعال الوهابيين الشنيعة تجاه الآثار الإسلامية وتجاه
سكان الحجاز، الذين منعوا من الاحتفال بالمولد النبوي
وقام متطرفو الوهابية بتدمير بيت النبي وزوجته خديجة وبيوت
الصحابة كالخليفة أبو بكر الصديق لاعتبارهم أن في بقائها
بقاء للشرك المنافي لكمال التوحيد.
وقالت إن التقاليد النجدية والقبلية الصارمة فرضت على
السكان الحجازيين، الذين هم من سكان المدن وكانوا قد أنشأوا
بنية تحتية لدولة ديمقراطية نسبياً يعيش الناس فيها بحرية
ويقبلون الاختلاف ويعترفون بهوية الآخرين. وقد صُهرت هذه
الهوية الحجازية، حسب رأيها، قسراً وأدمجت بالقوة في الدولة
السعودية الحالية.
|