صدامات جدّة
فشل الحلّ الأمني
الرهان على أن السعودية ستكون هادئة، وهو الرهان الذي
منّت به السلطة مواطنيها، وحلفاءها في الخارج، هو رهان
خاطئ من أساسه.
فالمسألة لا تعدو تمنيات، حين يكون العلاج مبتوراً
أو ناقصاً.
لقد اعتقدت السلطة السعودية أن الحلّ الأمني يمكن أن
ينجح كما نجح في غيره من البلدان العربية والإسلامية،
رغم أن النجاح ذاك كان محدوداً، كما في تونس ومصر والجزائر
وغيرها.
نايف: فشل الحل الأمني السعودي
|
والسبب أن السعوديين حين يتحدثون عن الإصلاح يشيرون
الى (خصوصية سعودية) ممانعة له!
ولكنهم حين يتحدثون عن العنف لا يلتفتون الى هذه الخصوصية
ونقصد بها خصوصية المؤسسة الدينية وفكرها، وخصوصية بناء
الدولة وشرعيتها وعلاقة ذلك بالعنف المؤسس على أيديولوجيا
دينية.
ضرب تنظيم القاعدة في الشهور الستة الماضية، وكانت
الضربة الأكبر قد جاءت بقتل عبد العزيز المقرن زعيم تنظيم
القاعدة، وقبلها الشيخ يوسف العييري قائد التنظيم.
الأمير عبد الله فاخر، في حديث له مع صحيفة السياسة
الكويتية، بأن المملكة تقدم نموذجاً في مكافحة العنف والإرهاب
لم تسبقها دولة فيه، وهو أنها توجّهت الى الرؤوس فقضت
عليهم! وبالتالي ـ من وجهة النظر الرسمية ـ تمّ ضرب العصب
الحساس الرابط بين قمة هرم الإرهاب وقواعده الشعبية بحيث
تم تشتيت تلك القواعد الى حدّ الموت بغياب العقل المنظر.
وفي ذات الإتجاه تحدث الأمير تركي الفيصل بأن المملكة
واجهت مجرد ست خلايا إرهابية، وأنها قضت على أربعٍ منها،
ولم تبق إلا اثنتان. الى غير ذلك من التصريحات المتفائلة،
التي حاولت السلطة أن تظهر قدراتها وقوتها.
ويبدو أن هناك مشكلة أساسية في فهم ظاهرة العنف في
المملكة.
فتصريح ولي العهد بضرب الرؤوس الذي يؤدي الى شلل القاعدة،
قد ينتج عكس ما يتمناه رجال الأمن. فالتشتّت يكاثر الخلايا
الصغيرة، ويجعل أمر متابعتها أكثر صعوبة. فليس التفتيت
دائماً هو الأفضل في المواجهة. أما مسألة عدد الخلايا،
فما تحدث عنه تركي الفيصل يشير الى سذاجة في معرفة آلية
الخلايا وحركتها وتكاثرها. فهو يعتقد أن العدد يبقى ثابتاً،
ولا يتحدث عن الولادات الجديدة، وهو يتحدث عن رؤوس محصورة،
وليس الى رموز تتوالد وأعضاء ينضوون إذا ما توافرت الظروف
المحلية والإقليمية.
لقد بدا أن الحلّ الأمني قد نجح في احتواء العنف، حيث
خفّت وتيرته بعد الضربات الشديدة والملاحقات المستمرة.
ولكن الهدوء لم يكن سوى مرحلة يتم من خلالها (امتصاص)
الضربة الحكومية من قبل التنظيم، وإعادة ترتيب الأوراق
وإعادة الخطوط المقطوعة بسبب الملاحقات والإعتقالات. وكان
من المتوقع أن تستمر العملية بضعة أشهر، وهو ما حدث بالفعل
ليعود العنف من جديد وبشراسة وجرأة غير عادية بضرب مقر
القنصلية الأميركية في جدّة.
الرهان على الحل الأمني، أُريد منه الإلتفاف على أمرين:
الأول: عدم البحث عن الحلول السياسية والإجتماعية والإقتصادية
الموازية لاجتثاث العنف. وهذا يعني بالتحديد القيام بإصلاحات
سياسية واقتصادية وثقافية واسعة وربما هيكلية لامتصاص
فائض العنف الذي بات يقلق ويهدّد دول الجوار فضلاً عن
السعودية نفسها.
والثاني: أن الحكومة من خلال التركيز على مكافحة الإرهاب
بعنف الدولة، إنّما تتناغم مع الرؤية الأميركية، التي
تعطي الأولوية لمكافحة العنف بالعنف العاري قبل أن تكون
هناك أية إصلاحات. ولقد ظهرت الحكومة السعودية بهذا انها
ضحية للعنف، وليست مفرّخة له. أو هي على الأقل مفرّخة
(سابقاً) للعنف، ولكنها الآن تسعى لأن تواجهه. ولعلّ الحكومة
كانت متحرّجة في الدخول في (نادي) الأميركيين تحت عنوان
(مكافحة الإرهاب) ولكن العنف الذي طالها، أعطاها مبرراً
ـ ولو قليلاً ـ على الصعيد المحلّي.
دلالات الهجوم على القنصلية الأميركية
يحمل الهجوم الأخير على القنصلية الأميركية دلالات
مهمّة فيما يتعلق بالأوضاع السعودية يمكن حصرها على وجه
الإجمال بالتالي:
أولاً ـ أن المهاجمين استطاعوا أن يخترقوا أقوى التحصينات
الأمنيّة المضروبة على المصالح والممثليات الأمريكية في
المملكة. فمعلوم أن الأميركيين هم في قائمة الإستهداف
بالنسبة لتنظيم القاعدة، وكانت القنصلية الأميركية في
جدّة بالذات قد شهدت على مشارف بواباتها قبل شهرين حادثاً
جرت التغطية عليه، ورغم وجود التحصينات الكثيرة والخرسانات
المسلّحة، فإن تنظيم القاعدة نجح ـ من خلال المراقبة ـ
في كشف بعض الثغرات التي تمكن من خلالها الدخول الى مبنى
القنصلية.
ان العملية الأخيرة، كشفت عن فشل أمني، ليس للحكومة
السعودية وقواتها المرابطة بكثافة حول القنصلية، بل وللولايات
المتحدة نفسها التي عادة ما تتخذ إجراءاتها الأمنيّة الخاصّة
والإضافية. ولعلّ العملية الأخيرة تكشف عن فشل أمني مشترك
بذات النسبة، بالرغم من أن الأميركيين ومن خلال استدعائهم
لمائة من عناصر المارينز لحماية القنصلية، أوحوا بأن القوات
الحكومية ليست على مستوى المسؤولية والكفاءة لتوفير الحماية
للبعثات الدبلوماسية وخاصة الأميركية. وإذا كانت الحكومة
السعودية ترفض في الغالب استقدام جنود خارجيين لحماية
السفارات والبعثات، فإنها وجدت نفسها ضعيفة أمام الإلحاح
الأميركي بعيد الهجوم على القنصلية، ولم يكن أمامها سوى
الرضوخ.
ثانياً ـ إن الهجوم على القنصلية الأميركية في جدة،
يثبت بوجه قاطع فشل (الحلّ الأمني). فقد سقط بشكل مريع
هذا الرهان، فقد فعلت الحكومة أقصى ما بوسعها، وبالتعاون
مع الإف بي آي (مكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي) لمواجهة
تنظيم القاعدة وعناصره، وبالتالي فإن الإيغال أكثر باتجاه
هذا الخيار، دون التفكير في الخيارات الأخرى التي يمكن
لها أن تغيّر المناخ المولّد للعنف يعد اليوم أمراً مستهجناً.
الخيار الأمني كان لا بدّ أن يسقط، لأنه يفتقد مقومات
النجاح. وإن تجفيف (منابع الإرهاب) كما يقولون، يتطلب
حلولاً سريعة وبعيدة المدى تشمل كافة الأصعدة التعليمية
والثقافية والفكرية والسياسية والإقتصادية والإجتماعية.
ومن المهم أن الحكومة التي تشعر بالزهو والغرور في النظر
الى جماعات العنف، وفي تقديرها لقواها، هذه الحكومة عليها
اليوم إدراك الحقيقة المرّة، فالعنف ثمرة مناخ وبيئة،
ولا يحلّه القطع والدم كما يقولون.
ثالثاً ـ جاء الهجوم العنفي على القنصلية في وقت أعلنت
في الحكومة السعودية بدئها بالإنتخابات المحلية، وهي نصف
انتخابات، حيث تعين الحكومة النصف الآخر. ومع اعترافها
المتكرر بأن الإقبال على التسجيل من قبل المواطنين ضعيف
للغاية قد يصل الى مرحلة الإحراج، إلا أن العملية العسكرية
الأخيرة، تكشف عن نزوع شعبي شديد تجاه المواجهة مع الحكومة،
وعدم اقتناعه بالمشاريع السياسية الحكومية، التي لم تستقطب
الإهتمام سواء لدى النخب أو لدى الجمهور العادي. إن العنف
يتغذّى كثيراً على اليأس العام من أن الحكومة غير قادرة
على إصلاح نفسها، أو إصلاح الوضع الإقتصادي المتدهور،
أو حتى على البقاء. الشعور العام يقول بأن الدولة ونظام
الحكم يسيران نحو الهاوية، وأن الإصلاح ميؤوس منه. وحين
يأتي العنف ـ كما حدث في جدة ـ فإنه إنما يقرّر حقيقة
ـ بالنسبة للمواطنين ـ بأن الزمان قد تغيّر وأن الدولة
الى زوال.
رابعاً ـ بالرغم من أن العنف مصدره محلّي مضاف إليه
بعض (البهارات) الخارجية من الباكستان وأفغانستان وغيرهما..
إلاّ أن الحكومة السعودية ورجالها وبعض المتعاطفين معها،
يسعون الى تحميل (الخارج) أزمات الدولة الداخلية. السعودية
في حقيقة الأمر منتج للعنف ومصدّر له للخارج. وأنّى توجهت
ستجد سعوديين يمارسونه في الشيشان وأفغانستان والعراق
والمغرب وغيرها. وأنّى توجهت ستجد الفكر السلفي ـ بنسخته
الوهابية ـ هو المحرّض عليه؛ وأنّى توجهت ستجد أن المال
السعودي ـ الحكومي وغير الحكومي ـ يسيل من المملكة باتجاه
تلك المنخفضات العنفية في الخارج.
هذه حقيقة. ومن الخطأ تحميل فكر الإخوان المسلمين أو
أفغانستان مسؤولية ما يجري.
إن تحميل الآخر مسؤولية العنف في المملكة، مسألة عارية
عن الصحّة.
لكن هذا لا يلغي حقيقة أن الأوضاع الأقليمية تساهم
في تأجيجه، وتدفع للترحيب به، كاحتلال افغانستان وفلسطين
والعراق.
وإن حادثة الهجوم على القنصلية الأميركية تشير بوضوح
الى التصدير وإعادة التصدير السعودي للعنف.
فالعملية سميت (غزوة الفلوجة).
ومن قام بها هم أعضاء في (سرية أبو أنس الشامي) الساعد
الأيمن للزرقاوي والذي قتل في عمليات الفلوجة.
وقائد العملية السعودي فايز الجهني، ذهب للفلوجة وتعلّم
هناك أصول القتال والحرب والتفجير.
إذن فإن عناصر التأثير الخارجي واضحة.
ولكن أيضاً فإن دوافع العنف عند السعوديين السلفيين
(الوهابيين) حاضرة.
فلماذا يذهب السعوديون أكثر من غيرهم الى العراق؟
بالطبع لأن فكرهم، ولأن الأوضاع في بلدهم، ولأن الفتاوى
الصادرة من علمائهم تدفع بهذا الإتجاه.
بكلمة أخرى، إن دوافع العنف المحلي التقت مع التأثيرات
الخارجية التي هي مؤثرة ولكنها ليست حاسمة فيما تشهده
المملكة من عنف.
خامساً ـ من الأمور المرتبطة بما ذكر، والتي لها آثار
دراماتيكية على مستقبل العنف في المملكة، ما يتعلق بـ
(المقاتلين السعوديين) في الخارج. فعناصر ما يسمى بـ (التيار
الجهادي) والتي ركّزت في المملكة في ضرباتها على الأجانب،
خاصة الأميركيين منهم، رغم الدعوات الى استهداف العائلة
المالكة نفسها.. هؤلاء سيعودون الى المملكة عاجلاً أم
آجلاً، وسينفجر العنف بأكثر مما هو عليه اليوم.
ما يدعونا الى توقع هذا، هو التجربة المريرة التي مرت
وتمر بها المملكة، من (الأفغان العرب) أو بالأصح (الأفغان
السعوديين). فبعد أن ضاق الأمر بهم في أفغانستان عادوا
الى المملكة لينشروا فيها العنف والتطرف، وليصبح قيادات
الجهاد في افغانستان، قيادات في المملكة، كما حدث بالنسبة
للعييري والمقرن ومن يقاتل معهم الآن، أو بعضهم على الأقل.
وعلينا أن ننتظر (العراقيين العرب) أو (السعوديين العرب)
وهم السعوديون الذين ذهبوا للقتال في العراق، وسيعود من
يسلم منهم، بعد أن تنضبط الأوضاع الأمنية هناك بصورة أو
بأخرى، حيث تقدر أعداد السعوديين المقاتلين في العراق
بين 3-5 آلاف عنصر، وحين يعودون ستكون ساحة (جهادهم) هي
المملكة، وستتوجه بنادقهم الى (النظام السلولي الكافر)
كما يسمونه. ولهذا السبب فإن الحكومة السعودية، ودولاً
عربية أخرى تشعر بالرعب من احتمالية استقرار الأوضاع في
العراق، فهذا الإستقرار سيفجّر العنف في معظم البلاد العربية،
خاصة السعودية والأردن ومصر وسوريا، وغيرها، وهي البلدان
التي أمدّت عناصر القاعدة في العراق بآلاف من المقاتلين.
كيف نواجه العنف
هذا السؤال شغل بال المثقفين والكتاب السعوديين، وقد
أشبعوه بحثاً وكتبوا المطولات والمقالات، بل وقد تمت مناقشته
في أحد مؤتمرات الحوار الوطني، الذي قدّم توصياته بهذا
الشأن الى ولي العهد.
لكن ما يراه المثقفون والباحثون يختلف عمّا يراه الأمراء.
الدخان يتصاعد من القنصلية
|
الأولون ينطلقون الى الحلول من علم ودراية، والأخيرون
ينطلقون بنوازع شخصية وحسابات غير علمية.
مجمل ما يطرح لمكافحة غائلة العنف يدور حول النقاط
التالية، والتي لم تتخذ الحكومة بشأنها خطوات عملية:
1 ـ انتشار الفكر العنفي الديني من خلال المنهج السلفي
في التفكير والعقيدة. فالسلفية السعودية ـ الوهابية ـ
تصنّع العنف، وتحرّض عليه وتدعو إليه وتصفه بأفضل الصفات.
إنها توفر المشروعية لمواجهة الآخر، الذي كان أتباع المذاهب
الأخرى، ثم عدا على السلطة السياسية نفسها فكفّرها واستباح
دم أعضائها. والحكومة بهذا الشأن عمدت على تسويد هذا الفكر،
ومنحته الذخيرة المادية للتمدّد حتى خارج المملكة، بل
أنها قمعت كل الأصوات المخالفة له، أو المختلفة معه، فصارت
الرؤية الأحادية هي السائدة، وتخرجت الأجيال الجديدة بعقليات
لا ترى إلا نفسها ممثلة للحق والحقيقة والفئة الناجية.
ومما زاد الأمر سوءً ان الإعلام الرسمي والمناهج التعليمية
أصلت هذا العنف الفكري، الذي تحول فيما بعد الى العنف
المادي. ولذا فإن المطالبات اليوم تدعو الى فتح الأبواب
والنوافذ وإلغاء الأحادية الثقافية والمذهبية التي تخرج
أجيالاً مشوهة عنفية. ولكن الحكومة لم تقم بشيء تجاه هذا
حتى الآن.
2 ـ انهيار الوضع الإقتصادي في المملكة، وانتهاء دولة
الرفاه، والتي سببت كوارث نفسية واجتماعية، حيث وصل عدد
السعوديين الذين هم تحت حد خط الفقر الى ثلاثين بالمئة
حسب الإحصاءات الرسمية، ووصلت البطالة بين الذكور الى
نحو 30% فضلاً عن الأناث، وتعزّز الفساد بمختلف أصنافه،
وانهارت الخدمات الحكومية الإجتماعية في الصحة والتعليم
وغيرها. كل هذه الأمور، حرّضت المواطنين على اقتحام التابو
السياسي، بل ان المجتمع السعودي تسيّس من خلال البوابة
الإقتصادية ـ كما يقول محللون محليون. وإزاء الفشل الإقتصادي
المتردي، تصاعدت النقمة على النظام، وتوسل البعض بالعنف،
وتصاعدت الجريمة المسلحة والقتل وغير ذلك.
إن الأوضاع الإقتصادية المتردية اليوم تدفع بجماهير
غفيرة من الشباب للإلتحقاق بالتنظيمات الدينية ذات المنحى
العنفي، وترى وسيلة الإصلاح للوضع عبر مساورة السلاح.
ورغم توافر الإيرادات المالية مؤخراً بسبب ارتفاع أسعار
النفط إلا أن الأمراء استباحوا كل المحرمات وتجاوزوا كل
الخطوط الحمراء، ولا يتوقع أن يصل الى المواطنين سوى شيء
قليل، بحيث أن هذه الوفرة المالية ـ وبسبب الفساد خاصة
في العائلة المالكة ـ لن تكون ذات أثر على الوضع الإقتصادي
المباشر لحياة المواطنين، وهذا ما يزيد النقمة اليوم أكثر
وأكثر، خاصة مع وجود حاجات مستعجلة لا تنتظر التأخير.
3 ـ الإنسداد السياسي. لقد تغير الكون من حولنا في
المملكة، وتغيرت الدول وأنظمتها السياسية، وكلها بادر
الى الإصلاح بصورة من الصور، قليلاً أو كثيراً. لكن في
المملكة لم يتغير شيء، بالرغم من شحنة الوعي الطاغية التي
توفرت للمواطنين منذ احتلال العراق للكويت، حيث أصبح الشعب
مسيّساً، وأصبحت وسائل الإعلام والتقنية الحديثة أداة
فعالة في إقحام المواطنين في الموضوع السياسي. وكان يمكن
للمواطنين أن يبقوا على جهلهم السياسي، لولا الأحداث السياسية
العاصفة التي مرت بالمنطقة والتي كانت المملكة في صميمها،
أبتداء من احتلال الكويت ومن ثم تحريرها، وانتهاءً باحتلال
العراق، مروراً باحتلال أفغانستان وقبلها غزوة مانهاتن!
(اي أحداث الحادي عشر من سبتمبر)... الخ. لقد نقلت هذه
الأحداث المواطنين عشرين عاماً الى الأمام من حيث الوعي..
ومما زاد الأمر سوءً بالنسبة لآل سعود، هو سوء الوضع الإقتصادي
الذي جعل المواطنين مفتوحي العيون على ما تقوم به العائلة
المالكة، ومن ثم بلورتهم لمطالب سياسية وتساؤلات سياسية
عن ثروة البلاد كيف نهبت ولماذا ومن قام بذلك والى متى
يستمر الحال وكيف يمكن إصلاح الوضع؟
الحكومة من جانبها، كان يمكن لها تفادي سوء العاقبة
لو أنها نجحت اقتصادياً، إذ لو حدث ذلك لكانت الإرتدادات
السياسية محتملة، ولكان بإمكانها البقاء على حالها سياسياً،
أي لا تشعر بأنها مطالبة بالتغيير والإصلاح. أما أن يتغير
الجوار الإقليمي، ويتغير المواطن ثقافياً وسياسيا، ويتغير
الوضع الإقتصادي، ثم بعد هذا يرفض الأمراء تقديم حتى تنازل
سياسي صغير يمتص النقمة العامّة.
إن سياسة إغلاق الأبواب والشبابيك سياسياً واقتصادياً
وحتى إعلامياً وثقافياً، تصنع انفجارات مدوّية، نظراً
لعدم وجود تنفيس للإحتقان. وأول ما يبدأ به المحتقنون
هو (الإنفجار) وليس غيره. والإنفجار هو (العنف). ولذا
أصبح العنف سابقاً على الإصلاحات. ولما قيل للأمراء بأن
الإصلاحات السياسية تخفف من غلواء العنف، أمعنوا في العنف
المضاد وقمعوا الإصلاحيين ووضعوهم في السجون. وكانت النتيجة
هي أن لا صوت يعلو فوق صوت العنف وحركة العنف والدعوة
الى العنف.
وبغياب الإصلاحات السياسية ينزوي المعتدلون ويتقدم
العنفيون ليجيبوا الحكومة بنفس لغتها.
وإذا لم تأتِ إصلاحات حقيقية وشاملة ومقنعة في نفس
الوقت للجمهور، فإن ليل العنف في المملكة سيكون طويلاً
طويلاً طويلاً.
والأيام قد تثبت صدق هذا المدّعى من عدمه.
|