الفقيه.. إماماً أم محرّضاً؟!
تعكس الإتصالات والمداخلات التي يجريها مواطنون مع
قناة الإصلاح التي يديرها المعارض سعد الفقيه من لندن،
تعكس حالة من الإحباط والحقد الدفين على العائلة المالكة،
كما تعكس التحدّي الصريح للحكم السعودي، وتكشف عن مواضع
الألم والإستياء لدى المواطنين، مثل ممارسات العائلة المالكة
الأخلاقية، واللصوصية للأراضي والميزانية، والنهب لأملاك
الغير، إضافة الى الفساد الإداري ومشاكل المجتمع الناشئة
من انهيار دولة الخدمات والرفاة. أضاف الى ذلك، فإنها
تكشف الغضب وروح الإصرار (من وفي مواجهة) وزارة الداخلية
بالتحديد، ووسائلها القمعية من سجون وتعذيب.
لقد نجحت القناة في ثلاثة أمور رئيسية:
الفقيه: ماذا بعد التحريض؟
|
الأول ـ هو التحريض والحشد للجمهور على النظام الحاكم،
وإيصاله الى قناعة أن هذا النظام يجب إسقاطه، لأنه نظام
لا يستطيع إصلاح ذاته، وبالتالي لا بدّ من استئصاله. لقد
وفرت القناة ـ ولأول مرة في تاريخ السعودية ـ المجال لصناعة
رأي عام محلي، او على الاقل كشفت عن ذلك الرأي العام،
وأسست لروح جمعية افتقرها السعوديون في أفراحهم وأتراحهم،
وهذه الروح الجمعية سخّرت باتجاه النيل من النظام وتحفيز
الشارع ضدّه عبر إلهاب العواطف. ولقد أوضحت القناة ان
المواطنين لديهم الإستعداد لدفع ثمن الإصلاح، اعتقالاً
وغيره، بعكس استعداد النخب.
الثاني ـ لقد نجحت القناة في إسقاط هيبة العائلة المالكة،
ونظام الحكم برمّته. فهذا النظام البعبع، جرى كشف مخازيه
وأخطائه وتجاوزاته التي فاقت كلّ حدّ، وإن النيل من النظام
بالكلام العامي وبالرسائل التلفونية، والحطّ من قدره،
أزاح قدسية النظام، وجرّأ المواطنين عليه، وليس هناك أسوأ
من إسقاط هيبة الحكم، والسبب أن الهيبة تقوم مقام جيش
من الإستخبارات والحرس ومأجوري النظام. ففي الحالات العادية
يمكن لفرد من عناصر الدولة من استخبارات ومباحث ورجال
شرطة وأمن أن يخرس مائة مواطن، ولكن في الحالات التي تسقط
فيها الهيبة، فإن الدولة بحاجة الى أعداد إضافية كي تستطيع
فرض تلك الهيبة المضاعة.. وقد تقدر بنحو فرد لكل ثلاثة
مواطنين. ومع هذا، فإن التوسّع في استخدام العنف والقوة
وتجنيد قوى بشرية في وزارة الداخلية، لا يفيد في حالات
الإنهيار والإنحدار للدول والأنظمة. ولهذا فإن المليارات
العشرة من الدولارات التي استقطعها نايف من ميزانية العام
الماضي، لا تفيد في فرض احترام النظام على أفراد مؤسسة
الأمن فضلاً عن المواطنين العاديين.
الثالث ـ إن التحريض وإسقاط الهيبة جرّ الى التشكيك
بجدّ في مشروعية نظام الحكم حتى ضمن بيئته السلفية والنجدية
والقبلية. إذ أن القناة تكشف عن أعداد غفيرة من المعارضين
الذين يبحثون عن مجرد هامش لإسماع صوتهم للنظام ورموزه
وللعالم. وبالرغم من الملاحظات والتشكيك الجاد في قوائم
زعماء القبائل التي أبدت دعمها ونشرها المعارض الفقيه،
ورغم إعلان الكثير من رؤساء القبائل في الصحافة المحلية
أن ما يقوله الفقيه مكذوب عليهم، ومن ثم قيامهم بالتنديد
به. رغم هذا، فإنه لا ينكر أن البعد القبلي بارز في الجأر
بالعداء لآل سعود. وإذا كانت القبيلة تمثل أحد الأسس التي
جرى عليها بنيان المملكة الحديث، فإنها بالتعاضد مع (الدين)
يقومان اليوم بدور نقض الدولة وإزالتها والتبرؤ منها رغم
أنها منتج أولي لهما. والسبب أن السلفية الوهابية كما
القبلية اللتان اتحدتا لصناعة الدولة، شعرتا بأن المنتج
ليس هو ما كانا يتمناه، فالنظام ابتعد عن الدين كثيراً
في الممارسة الداخلية والشخصية، والقبيلة لم تعد ترى منفعة
في الولاء للنظام، أو أن هذا النظام لم يستطع تلبية متطلبات
القبائل بعد أن همّشها وحطمها حين تمّ تخليق الدولة. إن
شرعية النظام اليوم ليست موضع تساؤل، بل موضع تهديد جادّ.
غير أن الفقيه كمعارض نجح في التحريض، ورغم أنه أبدى
إدارة جيدة من خلال التواصل عبر قناته مع بعض الفئات،
إلاّ أنه ـ على الأرجح ـ لن ينجح فيما دعا إليه من إسقاط
النظام عبر المظاهرات، أو ما سماه بالزحف الكبير (يوم
16/12/2004).. والسبب يكمن في النواقص التالية:
1 ـ إن تحشيد الشارع في مظاهرة لا يمكن أن يسقط نظاماً
دموياً مثل النظام السعودي، ما لم تتوفر على الأرض البنية
التحتية التنظيمة لذلك، والتي تطوّر من وسائل المواجهة
وتقحم المزيد من الجمهور في العملية. باختصار بدون قيادة
داخلية لا يمكن أن ينجح التحريض الخارجي وحده.
2 ـ إن شخصية الفقية تكشف عن نزوع للزعامة، وهذا لا
عيب فيه، وإنما العيب في أنه لم يستطع أن ينسق جهده مع
جهات أساسية في الداخل لها جمهورها، ونعني بذلك: قيادات
التيار السلفي الوسيطة أولاً، ثم النخب الليبرالية والمعارضة.
وهؤلاء يريدون من الفقيه أن يكون محرضاً، ولكنهم لا يتمنونه
زعيماً. بل ويستهجنون تصرفاته والألقاب التي استمرأها
وهي تطلق عليه كأمير المؤمنين والإمام وغير ذلك مما قاله
(المبايعون)!
3 ـ المسألة الثالثة في هذا الشأن، هو أن الجمهور المؤيد
للفقيه، إنما التفّ حوله لعدم وجود بدائل مماثلة أو مؤمنة
بوسائله، ولأن الشارع متحفّز، وفي غياب القيادات الوسيطة،
فإنها التفت حول الفقيه لا لكونه الأصلح، وإنما الأوحد.
وحتى الآن فإن الإلتفاف يتجسد كلاماً، ما لم يثبت يوم
(الزحف الكبير، كما يسميه). إن الحقد على آل سعود جماهيرياً
هو الرصيد لأي معارضة، سواء كان الفقيه أو غيره، ولكن
من الخطأ جداً إعطاء الشارع آمالاً كاذبة، وكأن النظام
سيسقط بين ليلة وضحاها. لأن عدم تحقق ذاك في الوقت المعلوم،
يفقد الفقيه رصيده الشعبي الذي بناه من خلال القناة. وللأسف
فإنه لم يتأمل هذا الموضوع جيداً، وربما بسبب الغلو في
الذات، الذي يجعل الجمهمر قابلاً للكسر في اصطدامه مع
مخبري وشرطة نايف.
من الأرجح أن تقوم مظاهرات، ولكن ليس بالحجم الذي يتمناه.
وحتى إذا قامت مظاهرات، فماذا ستفعل الحكومة؟ وما هو
رد الفقيه حينئذ؟ وكيف يجعل من رد فعل الحكومة زاداً جديداً
لمظاهرات صاخبة؟ وكيف يقنع بقية الشارع السعودي بمشروعه
الذي أعلنه، وهو مشروع سلفي مؤدلج بصورة أو بأخرى؟
هذه اسئلة مؤجلة الى العدد القادم، بعد أن نرى ماذا
تمخض عن الجبل.
|